مقتبسات من أقوال المسيح الموعود عليه السلام عن الدعاء:

وإن أعظم الكرامات استجابة الدعوات، عند حلول الآفات”. (تذكرة الشهادتين، الخزائن الروحانية، مجلد 20، ص 82)

من سنة الله أن الدعاء يردّ البلاء، ولا يلتقي دعاء وبلاء إلا وإن الدعاء يغلب بإذن الله إذا ما خرج من شفتَي الأوّابين، فطوبى للدّاعين”. (نور الحق، ص 170)

اعلموا أن الولاية كلها في إجابات الدعاء، ولا معنى للولاية إلا القبولية في حضرة الكبرياء”. (التبليغ، 21)

ترَكوا الغَبوقَ وبدَّلوا من ذوقهِ                      ذوقَ الدّعاءِ بليلةِ الأحزانِ
(التبليغ، ص 164)

“إن ذلك الحادث العجيب الذي جرى في برية العرب حيث بعث مئات الألوف من الموتى في أيام معدودات، وتحلى بالصبغة الإلهية أولئك الذين فسدت أخلاقهم على مرّ الأجيال، وأصبح العمي يبصرون، والبكم بالمعارف الإلهية ينطقون.. وحدث انقلاب في العالم لم تره عين، ولم تسمع به أذن قط.. هل تعرفون كيف حدث ذلك؟ إن تلك الدعوات التي دعا بها في جوف ليالٍ حالكة عبدٌ متفانٍ في الله هي التي أحدثت ضجة في الدنيا، وأظهرت العجائب التي يبدو صدورها مستحيلا على يد ذلك الأمي الضعيف الحيلة. اللهم صل وسلم وبارك عليه وآله.. بعدد همّه وغمّه وحزنه لهذه الأمة، وأنزل عليه أنوار رحمتك إلى الأبد”. (بركات الدعاء، الخزائن الروحانية، مجلد 6 ص 10-11)

“ادعوا لكي توهبوا قوةً. ليس من جماعتي من لا يرى الله قادرًا على كل شيء وقتَ الدعاء، اللهم إلا ما استُثْنِي بوعده”. (سفينة نوح، الخزائن الروحانية، مجلد 19 ص 18)

“إن الدعاء برهان قوى على وجود الله تعالى، يقول عز وجل: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان)؛ أي إذا سألك عبادي: أين إلهنا، وما البرهان على وجوده، فقل لهم: إني قريب جدا؛ والدليل على ذلك أنه عندما يناديني الداعي أردّ على دعائه. وهذا الرد يأتي حينًا في صورة رؤيا صالحة، وحينا آخر في شكل كشف، وتارة عن طريق الإلهام”. (تفسير المسيح الموعود ؏، قوله تعالى (وإذا سألك عبادي عني…))

“إن في الدعاء موتا، وإن أكبر تأثيره أن الداعي يكاد يموت. لو ادّعى الإنسان مثلا أن عطشه الشديد قد زال بشرب قطرة من الماء لعُدَّ كاذبا، ولكنه لو شرب كوبا مملوءًا لصدّقه الناس. فالإنسان حينما يدعو بكل لوعة وحرقة حتى تذوب روحه وتسيل على عتبة الله، فهذا ما يسمى الدعاء. ومن سنة الله تعالى أنه حينما يتم الدعاء بهذا الأسلوب فإنه عز وجل إما يقبله أو يجيب السائل ويخبره بالكلام”. (تفسير المسيح الموعود ؏، قوله تعالى (وإذا سألك عبادي عني…))

“انظروا إلى الولد فإنه حينما يضطرب من شدة الجوع ويصرخ طالبا اللبن، يتدفّق اللبن بقوة في ثدي أمه، مع أن الولد لا يعرف ما الدعاء…. هذا أمر قد اختبره كل إنسان تقريبا. وقد شوهد في بعض الأحيان أن الأم لا تشعر بأي أثر للّبن في ثديها، بل في كثير من الأحيان لا يوجد أي لبن، ولكن ما أن تسمع صرخةَ الولد المؤلمة إلا وينـزل اللبن في ثديها على الفور. فكما أن هناك علاقة بين صرخات الطفل وبين نزول اللبن، فإنني أقول لكم والحق أقول: لو كانت صرخاتنا أمام الله تعالى مصحوبة بمثل هذا الاضطراب والاضطرار فلا بد أن تُحدث جيشانا في فضله ورحمته عز وجل وتستدرّها علينا”. (تفسير المسيح الموعود ؏، قوله تعالى (وإذا سألك عبادي عني…))

“سألتَ عن الدعاء، وقلتَ: لِمَ ندعو لما هو مقدَّر من قبل؟ فاعلم أن قانون الله القديم في كل مقدّر هو أنه تعالى قد جعل طرقًا معيَّنة لنيل الإنسان ما هو مقسوم له، وإنْ كان من المقدَّر أن يناله. وهذا القانون الإلهي جارٍ وسارٍ في كل شيء، فمثلاً مَن أراد إزالة عطشه لزمه شرب الماء، ومَن بحث عن النور لزمه أن لا يبقى قابعًا في غرفة مظلمة، بل عليه أن يخرج إلى الشمس. وبالمثل قد جعل الله الدعاء والصدقة والحسنات وكل الأعمال الصالحة الأخرى شرطًا لحصول الإنسان على بغيته. فكما كان من المقدر سلفًا أن ينال شيئًا معينا، كذلك كان من المقدر أيضًا أن يناله بقيامه بالدعاء أو إخراج الصدقة وغيرهما. فإذا كان من القدر المبرم أن ينال بغيته، فهناك قدر مبرم آخر بأن يدعو أيضًا، ومن المحال أن يمتنع عن الدعاء، بل سيتحقق هذا القدر الثاني بالتأكيد ولا مفر له من الدعاء أيضًا.

ولا يلزم في الدعاء أن يدعو بلسانه فقط، بل الدعاء اسم لطلب ينبع من قلب العبد المتواضع عند توجهه إلى الله القوي القادر في قلق واضطراب، راجيًا منه رفع البلاء الذي عجز عن رفعه. فالدعاء في الحقيقة أمر طبيعي أُودِع في فطرة الإنسان. والحق أن حالة الطفل الرضيع الذي يبكي من شدة الجوع تُدعى دعاء.

باختصار، إن الاستعانة بالله الكريم بالدعاء ليست أمرًا غير طبيعي، بل إنه داخل في الفطرة ومن القوانين المحددة المقررة. ومن يُوفَّق للدعاء تكون الاستجابة والقبولية مقدرتين له. بيد أنه ليس ضروريًا أن يُستجاب دعاؤه كما دعا، إذ من الممكن أن يخطئ الإنسان في طلبه كالطفل الذي يريد أن يمسك بحيّة، فتعطيه أمه الحنون، عوضًا عنها، لعبة جميلة لعِلمها أن في إمساكه بالحيّة هلاكه.

خلاصة القول، إن الدعاء ليس ضد المقدّرات الأزلية، بل هو ضمنها، ولذلك يميل الإنسان إلى الدعاء عند حلول المصائب. ولدى العارفين تجربة شخصية أن من يسأل يُعطى. لقد أزال الله تعالى في كل عصر وزمان مشاكل المقربين ومتّعهم بأفضاله بطرق عجيبة نتيجة الدعاء”. (مكتوبات أحمدية، المجلد الأول، الرسالة رقم 34)

“يجب أن تُكثِروا من الصلاة على النبي التي هي أمثَلُ وسيلةٍ لاكتساب الاستقامة، لكن ليس كتقليد وعادة فحسب، بل يجب أن تصلّوا على الرسول ﷺ نظرًا إلى حسنه وإحسانه، داعين من أجل ارتفاع مدارجه ومراتبه وانتصاره وغلبته ﷺ، فستكون النتيجة أنكم تنالون ثمرة حلوة ولذيذة لاستجابة الدعاء”. (مجلة مقارنة الأديان الأردية، مجلد3، عدد 1 ص115)

“لذلك فإذا دعوتم فلا تدعوا مثل الطبيعيين الجاهلين الذين اختلقوا من عندهم ناموسًا طبيعيًا غير مختوم بخاتَم من كتاب الله؛ فإنهم مردودون لن تقبل دعواتهم. إنهم عميان لا يبصرون وأموات غير أحياء. يقدّمون بين يدي الله ناموسًا اختلَقوه هُم أنفسُهم، ويقرّرون حدودًا لقدرات الله اللاّمحدودة، ويعتبرونه ضعيفًا، لذلك فسيُعاملون كما هو وضعُهم. أما إذا قمت أنت للدعاء وجب عليك أن تتيقّنَ بأن إلهك قادر على كل شيء. عندئذٍ ستستجاب دعوتك، وستشاهد عجائب قدرته التي قد شاهدناها، وإن شهادتنا لشهادة رؤية وليست من قبيل القَصَص. وكيف يستجاب دعاء إنسان لا يعتقد بأن الله قادر على كل شيء، وكيف يتشجع مثل هذا الإنسان للدعاء حين الشدائد العظمى التي يراها مخالفةً لناموس الطبيعة؟ أما أنت أيها الإنسان السعيد! فلا تفعل هكذا! إنّ إِلهك هو الذي علّق الكواكب اللامعدودة بغير عمد، والذي خلق الأرض والسماء من عدم محض، فهل أنت مسيءٌ به الظنّ أنّه يعجز في أمرك! بل إن ظنك السيئ هو الذي يجعلك محرومًا. إن في إِلهنا عجائب لا تُعَدُّ ولا تحصى، ولا يراها إلا الذين أصبحوا له بصدق ووفاء. إنه لا يُظهر تلكم العجائب على الأغيار الذين لا يوقنون بقدراته وما هم بأوفيائه الصادقين. فيا له من إنسان شقيّ لم يعلم بعد أن له إلهًا واحدًا قادرًا على كل شيء”. (سفينة نوح، الخزائن الروحانية، مجلد 19 ص 20-21)

“لا تظنوا وتقولوا في أنفسكم إننا أيضا ندعو كل يوم، وأن الصلاة التي نصلِّيها إنما هي الدعاء. ذلك أن الدعاء الذي ينبع نتيجةَ المعرفة الحقيقية ونتيجة فضل الله تعالى يتميز بصبغة خاصة وكيفية مختلفة تمامًا. إن ذلك الدعاء قادر على الإفناء. إنه نار تذيب القلب. إنه قوةٌ مغناطيسية تجذب رحمة الله. إنه موتٌ يهب الحياةَ في نهاية المطاف. إنه لسيل عارم، إلا أنه يتحول إلى السفينة في النهاية. وبه يستقيم كل أمر قد فسد. وبفضله يتحول كل سُمٍّ إلى الترياق في آخر الأمر.

فطوبى للسجناء الذين يدعون ولا يَمَلُّون، لأنهم سينالون الحرية في يوم من الأيام. وطوبى للعميان الذين لا يتوانون في الدعاء، لأنهم سيُبصرون في آخر الأمر. ومباركون أولئك الراقدون في القبور الذين يستعينون الله بالدعاء، لأنهم سيُخرَجون منها في النهاية. وطوبى لكم حين لا تكِلُّون عن الدعاء أبدًا، وتذوب أرواحُكم للدعاء، وتذرف عيونكم الدموع، ويُحدث الدعاءُ حرقةً في صدوركم، ويحدو بكم – لكي تتمتعوا بالبكاء والابتهال في الخلوة والانفراد – إلى الحجرات المظلمة والفلوات المقفرة، ويجعلكم مضطربين مفتونين مجذوبين؛ فطوبى لكم لأنكم سوف تحظَون بفضل الله في آخر الأمر.

إن الإله الذي ندعو الناسَ إليه إلهٌ كريم رحيم حِيِّيٌّ صادقٌ وفيٌّ، يرحم المتواضعين. فكونوا من أصحاب الوفاء، وادعوا بكامل الصدق والوفاء لعلكم تُرحمون. ابتعِدوا عن الدنيا وضجيجها، ولا تعطوا لخصوماتكم الدنيوية صبغةً دينية. ينبغي أن تقبَلوا الهزيمة من أجل الله حتى ترِثوا فتوحاتٍ كبيرة. سوف يُري الله تعالى معجزاتٍ للذين يدْعون، وستُعطى نعمة عظمى للطالبين. الدعاء من الله يأتي وإليه يرجع. بسبب الدعاء يتقرب الله تعالى منكم كقربكم من أنفسكم. إن النعمة الأولى للدعاء هي أنه يُحدِث تغييرا حسنا في الإنسان، فيُحدِث الله في صفاته تغييرًا من أجل الإنسان، مع أنه لا تبديل في صفات الله في الواقع. ولكن الذي يُحدِث في نفسه تغييرًا يلاحظ تجلّيًا إلهيًا خاصا لا تعرفه الدنيا. إن الدعاء إكسير يحوّل حفنةً من التراب تبرًا، وإنه ماء يغسل الأدران الباطنية، وإنه ابتهال تذوب معه الروح وتسيل مثل الماء وتخرّ على عتبة حضرة الأحدية.” (ليكجر (محاضرة) سيالكوت، الخزائن الروحانية ج20 ص 222-223)

“هناك حاجة ماسة للدعاء لظهور تجليات الله تعالى ورحمته، لذا فكونوا مواظبين عليه دائما ولا تتوانوا.” (الملفوظات، مجلد7 ص266-267)

ومَن ناجى ربَّه ذاتَ بكرة بهذا الدعاء بالإخلاص وإمحاض النيّة، ورعاية شرائط الاتّقاء والوفاء، فلا شك أنه يحلّ محلّ الأصفياء والأحبّاء والمقرّبين. ومن تأوّهَ آهةَ الثكلان في حضرة الربّ المنّان، وطلَب استجابةَ هذا الدعاء من الله الرحمن، خاشعا مبتهلا وعيناه تذرفان، فيُستجاب دعاؤه ويُكرم مثواه، ويُعطى له هداه، وتُقوَّى له عقيدتُه بالدلائل المنيرة كالياقوت، ويُقوَّى له قلبُه الذي كان أوهنَ من بيت العنكبوت، ويُوفَّق لتوسعة الذَّرْع ودقائق الورع، فيُدعى إلى قِرى الروحانيين، ومطائب الربانيين. ويكون في كل حال غالبا على هَوًى مغلوبٍ، ويقوده برعاية الشرع حيث يشاء كأشجع راكب على أطوعِ مركوبٍ، ولا يبغي الدنيا ولا يتَعَنَّى لأجلها، ولا يسجد لعِجْلها، ويتولاه الله وهو يتولى الصالحين. وتكون نفسه مطمئنة ولا تبقى كالمبيد المُضِلّ، ولا تُحَمْلقُ حملقةَ الباز المُطِلّ، ويرى مقاصدُ سلوكه كالكرام، ولا تكون سُحبه كالجَهام، بل يشرب كل حين من ماء مَعين.

وحثَّ الله عباده على أن يسألوه إدامةَ ذلك المقام، والتثبّت عليه والوصول إلى هذا المرام، لأنه مقام رفيع، ومرام منيع، لا يحصل لأحد إلا بفضل ربه، لا بجهد نفسه، فلا بد من أن يضطر العبد لتحصيل هذه النعمة إلى حضرة العزة، ويسأله إنجاحَ هذه المُنْية بالقيام والركوع والسجدة والتمرغ على تُرْب المَذلّة، باسطًا ذيل الراحة، ومتعرضًا للاستماحة، كالسائلين المضطرين. وجملةُ (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) إشارةٌ إلى رعاية حسن الآداب، والتأدب مع ربّ الأرباب، فإن للدعاء آدابًا، ولا يعرفها إلا من كان توّابًا، ومن لا يُبالي الآداب، فيغضب الله عليه إذا أصرّ على الغفلة وما تاب، فلا يرى من دعائه إلا العقوبة والعذاب، فلأجل ذلك قلّ الفائزون في الدعاء، وكثر الهالكون لِحُجب العُجْب والغفلة والرياء. وإن أكثر الناس لا يدعون إلا وهم مشركون، وإلى غير الله متوجهون، بل إلى زيد وبكر ينظرون، فالله لا يقبل دعاء المشركين، ويتركهم في بيدائهم تائهين، وإن حَبْوة الله قريب من المنكسرين. وليس الداعي الذي ينظر إلى أطراف وأنحاء، ويُختلب بكل برق وضياء، ويريد أن يُترِع كُمَّه ولو بوسائل الأصنام، ويعلو كلَّ ربوة راغبا في حَبْوة، ويبغي معشوق المرام ولو بتوسل اللئام، والفاسقين. بل الداعي الصادق هو الذي يتبتل إلى الله تبتيلا، ولا يسأل غيره فتيلا، ويجيء اللهَ كالمنقطعين المستسلمين، ويكون إلى الله سيرُه، ولا يعبأ بمن هو غيرُه، ولو كان من الملوك والسلاطين”. (كرامات الصادقين، ص 82-83)

اعلم أن استجابة الدعاء سر من أسرار حكمة ربانية خصص بها حزب الروحانيين. وقد جرت عادة الله أنه يسخر عالم المواليد وتأثيرات أجرام السماء وقلوب الناس عند دعوات أوليائه المقربين. فربما يستحيل الهواء الرديّ من عقد هممهم إلى صالحة طيبة، والصالحة إلى فاسدة وبائيّة، والقلوب القاسية إلى طبائع لينة متحننة، والمتحننةُ إلى قاسية غليظة، بإذن المتصرف في السماء والأرضين. وإذا اشتدت حاجة ولي الله إلى ظهور شيء معدوم، ويتوجه لظهوره باستغراق تام، فيحدث هذا الشيء بعقد همته، وكذلك إذا توجه الولي لإعدام الموجود فإذا هو من المعدومين. وذلك أصل الخـوارق لا تحسها حاسة حكماء الظاهر، ولا يذوق طعمها عقول الفلسفيين. وإن للأولياء حواسا آخر تتنـزل من تلقاء الحق. فإذا رزقوا من تلك الحواس فيتحلون بحلل مبتكرة، ويسمعون أغنية جديدة، ما سمعت أذن نظيرها في العالمين. يصفى عقولهم بكمال الصفاء، ويؤتون علم ذرائع الاستنبـاط والاجتهاد. يُعجِب العقولَ دقة غموضها، ويكفر بها كل غبي غير ذهين. وكان الله معهم في كل حالهم، وكانت يده على مهماتهم وأفعالهم. إذا غلقوا بابًا في الأرض فتغلق في السماء، وإذا فتحوا فتفتح في الأفلاك. دارت السماوات بدورة عزيمتهم، وقلب الأمور بتقلب هممهم، ويري الله خلقه عزتهم ووجاهتهم ليرغّب المتفطنين إليهم والسعيدين”. (التبليغ، ص 157-158 الحاشية)

وإذا أراد الله لعبدٍ خيرا يهتف في قلبه داعي الفلاح، فإذا الليل أبرق من الصباح، وكل نفس طُهّرَت هي ضيعة إحسان الرب الكريم، وليس الإنسان إلاّ كدودة من غير تربية الخلاّق الرحيم. وأوّل ما يبدأ في قلوب الصالحين، هو التبرّي من الدنيا والانقطاع إلى رب العالمين. وإن هذا هو مرادٌ أنقض ظهر السالكين، وأمطر عليهم مطر الحزن والبكاء والأنين، فإن النفس الأمّارة ثعبان تبسط شرك الهوى، ويهلك الناس كلهم إلاّ من رحم ربُّه وبسط عليه جناحه باللطف والهدى. وإن الدعاء بذرٌ ينمّيه الله عند الزراعة بالضراعة، وليس عند العبد بضاعة من دون هذه البضاعة، وإنه من أعظم دواعي تُرْجَى منها النجاة وتُدفعُ الآفات”. (تذكرة الشهادتين، الخزائن الروحانية، مجلد 20، ص 83-85)

ومَن ناجى ربَّه ذاتَ بكرة بهذا الدعاء بالإخلاص وإمحاض النيّة، ورعاية شرائط الاتّقاء والوفاء، فلا شك أنه يحلّ محلّ الأصفياء والأحبّاء والمقرّبين. ومن تأوّهَ آهةَ الثكلان في حضرة الربّ المنّان، وطلَب استجابةَ هذا الدعاء من الله الرحمن، خاشعا مبتهلا وعيناه تذرفان، فيُستجاب دعاؤه ويُكرم مثواه، ويُعطى له هداه، وتُقوَّى له عقيدتُه بالدلائل المنيرة كالياقوت، ويُقوَّى له قلبُه الذي كان أوهنَ من بيت العنكبوت، ويُوفَّق لتوسعة الذَّرْع ودقائق الورع، فيُدعى إلى قِرى الروحانيين، ومطائب الربانيين. ويكون في كل حال غالبا على هَوًى مغلوبٍ، ويقوده برعاية الشرع حيث يشاء كأشجع راكب على أطوعِ مركوبٍ، ولا يبغي الدنيا ولا يتَعَنَّى لأجلها، ولا يسجد لعِجْلها، ويتولاه الله وهو يتولى الصالحين. وتكون نفسه مطمئنة ولا تبقى كالمبيد المُضِلّ، ولا تُحَمْلقُ حملقةَ الباز المُطِلّ، ويرى مقاصدُ سلوكه كالكرام، ولا تكون سُحبه كالجَهام، بل يشرب كل حين من ماء مَعين”. (كرامات الصادقين، ص82)

إنّ أحبَّ دعاءٍ يعلِّمنا المحلَّ الأنسب للسؤال، ويُرِينا صورة الابتهال الروحاني الفطري عند السؤال.. هو ذلك الدعاء الذي علَّمنا الله إياه في مستهل كتابه المجيد.. أعني دعاء سورة الفاتحة وهو: (بسم الله الرحمن الرحيم * الحمد لله رب العالمين).. أي كل المحامد الممكنة هي لله خالق كل العوالم وحافظها. (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ).. الذي هيّأ لنا أسباب رحمته حتى قبل أعمالنا، ثم -بعد أعمالنا- يجزينا عليها برحمته. (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ).. هو وحده مالك يوم الجزاء، ولا يفوض هذا الأمر إلى يد أحد سواه. (إيّاكَ نَعْبُدُ وَإيّاكَ نَسْتَعِينُ).. يا من تجمع في ذاتك هذه المحامد كلها.. نعبدك ونسألك وحدك التوفيقَ في كل عمل. إن الاعتراف بالعبودية بصيغة الجمع هنا إنما يعني أن جميع قوانا منهمكة في عبادتك، وخاضعة على بابك. فالإنسان – باعتبار قواه الباطنة – يصبح بمثابة جماعة وأمة، وهكذا فإن سجود جميع القُوى لله بهذا المعنى هو نفسُ الحالة التي تسمى “الإسلام”. (اهْدِنَا الصرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) دُلَّنا على صراطك المستقيم وثبتْنا عليه، ثم دُلَّنا على صراط القوم الذين أنعمت عليهم وأكرمتهم، فأصبحوا موردا لفضلك وكرمك. (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضّالينَ). وَاحْمِنا من سلوكِ طريقِ قومٍ غضبتَ عليهم ولم يستطيعوا الوصولَ إليك، وإنما ضلوا سبيلك. (آمين). أي يا رب حَقِّقْ لنا هذا.

وتبين لنا هذه الآيات أن نِعم الله تعالى – التي تسمّى “فيوضا” أيضا – لا تتنـزل إلا على أولئك الذين قد ضحوا بحياتهم في سبيل الله، ونذروا وجودهم كله له، وتفانَوا في مرضاته، ثم ما برحوا في الدعاء.. كي يسعدوا بكل ما يمكن أن يُعطاه الإنسان من النعم الروحانية.. من قرب الله ووصاله ومكالمته ومخاطبته. ثم إلى جانب هذا الدعاء يعبدون الله بجميع قواهم، ويجتنبون الذنوب، ولا يبرحون العتبةَ الربانية، ويحمون أنفسهم من السيئة بأقصى جهدهم، ويبتعدون عن سبل المغضوب عليهم. وبما أنهم يبحثون عن الله تعالى بهمة عالية وصدقٍ لذلك يجدونه، ويُسقَوْن من كؤوس المعرفة الإلهية الحقيقية”.(فلسفة تعاليم الإسلام ص 75-76)

“إن ما هدانا إليه القرآنُ المجيد من وسيلة للوصال بالله وصالا روحانيًّا كاملا هو “الإسلام” و”دعاء سورة الفاتحة”.. أي أن يقف الإنسانُ حياتَه كلها في سبيل الله، ثم يستمر في الدعاء الذي علَّم الله المسلمين إياه في سورة الفاتحة. وهذان الأمران – الإسلام ودعاء الفاتحة – هما مغزى الإسلام كله. هذه هي الوسيلة المثلى للوصول إلى الله، ولشُرْب ماء النجاة الحقيقية. بل إنها الذريعة الوحيدة التي سنها قانون القدرة لتطوِّر أسمى للإنسان ولوصاله بالله. وإنما يظفر بالله مَن يقتحمون النار الروحانية التي يشير إليها معنى الإسلام.. ويعكفون على الابتهال بدعاء الفاتحة”. (فلسفة تعاليم الإسلام، ص 89)

وإِذا أُمرنا بهذا الدعاءِ في كل صلاة فما أمَرَنا ربُّنا إلا ليُستجاب دعاؤنا، ونُعطَى ما أُعطيَ من الإنعامات للمرسلين”. (تحفة بغداد، ص 21)

وحثَّ (سبحانه وتعالى) على طلب الهداية إشارةً إلى أن الثبات على الهداية لا يكون إلا بدوام الدعاء والتضرع في حضرة الله. ومع ذلك إشارة إلى أن الهداية أمرٌ مِن لديه، والعبدُ لا يهتدي أبدًا من غير أن يهديه الله ويُدخله في المهديّين. وإشارةٌ إلى أن الهداية غير متناهية، وترقى النفوس إليها بسلّم الدعوات، ومَن ترك الدعاء فأضاع سُلّمه، فإنما الحريّ بالاهتداء مَن كان رَطْبَ اللسان بالدعاء وذكر ربه، وكان عليه من المداومين. ومن ترك الدعاء وادّعى الاهتداء، فعسى أن يتزين للناس بما ليس فيه، ويقع في هوّة الشرك والرياء، ويخرج من جماعة المخلصين. والمخلِص يترقّى يوما فيوما حتى يصير مُخلَصًا…. فعَلَّم الله تعالى عباده أن يفروا إليه بالدعاء عائذا من شرورها ودواهيها ليُدخلهم في زُمر المحفوظين….

وفي السورة إشارة إلى ، وإلى أنه كل خير ينـزل من السماء، وإلى أنه مَن عرَف الحق وثبّت نفسه على الهدى، وتهذّب وصلح فلا يُضيعه الله ويُدخله في عباده المنعَمين. والذي عصى ربه فيكون من الهالكين.

وفي السورة إشارة إلى أن السعيد هو الذي كان فيه جيشُ الدعاء، لا يعبَأ ولا يلغَب، ولا يعبِس ولا ييأس، ويثِق بفضل ربه إلى أن تدركه عناية الله فيكون من الفائزين”. (كرامات الصادقين، ص 68-70)

“(إِهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ)

هذا الدعاء ردٌّ على قول الذين يقولون إن القلم قد جفَّ بما هو كائن، فلا فائدة في الدعاء، فاللهُ تبارك وتعالى يُبشّر عباده بقبول الدعاء، فكأنه يقول يا عباد ادعوني أستجبْ لكم. وإن في الدعاء تأثيرات وتبديلات، والدعاء المقبول يُدخل الداعي في المنعَمين.

وفي الآية إشارة إلى علامات تُعرَف بها قبولية الدعاء على طريق الاصطفاء، وإيماءٌ إلى آثار المقبَّلين. لأن الإنسان إذا أحبّ الرحمنَ وقوّى الإيمانَ، فذلك الإنسان وإن كان على حُسن اعتقاد في أمر استجابة دعواته، ولكن الاعتقاد ليس كعين اليقين، وليس الخبر كالمعاينة، ولا يستوي حال أولي الأبصار والعمين، بل من يُدرَّب باستجابة الدعاء حق التدرّب، وكان معه أثر من المشاهدات، فلا يبقى له شكٌّ ولا ريبٌ في قبولية الأدعية. والذين يشكّون فيها فسببُه حرمانُهم من ذلك الحظّ، ثم قلّةُ التفاتهم إلى ربهم، وابتلاؤهم بسلسلة أسبابٍ توجد في واقعات الفطرة وظهورات القدرة، فما ترقّتْ أعينُهم فوق الأسباب المادية الموجودة أمام الأعين، فاستبعَدوا ما لم تُحِط بها آراؤهم وما كانوا مهتدين”. (كرامات الصادقين، 65-66)

“ولا يغيبن عن البال أن من المقاصد العظيمة الشأن لسورة الفاتحة دعاء (اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم)، وكما أنه سئل الخبز في دعاء الإنجيل، فقد سئل في هذا الدعاءِ جميعُ تلك النِعم التي أوتيها الرسل والنبيّون الأوّلون. إن هذه المقارنة هي الأخرى لجديرة بالملاحظة؛ أنه كما حظي المسيحيون بكثير من أزواد الخبز نتيجة استجابة دعاء حضرة المسيح كذلك جُعل أخيار المسلمين وأبرارهم وخصوصًا أفرادهم الكمّل ورثةَ أنبياء بني إسرائيل بعد استجابة هذا الدعاء القرآني بواسطة حضرته ﷺ. وإن تولد المسيح الموعود من بين هذه الأمة هو الآخر في الحقيقة نتيجة استجابة هذا الدعاء. فإنه وإن كان كثير من الأخيار والأبرار قد نالوا حظًّا من مماثلة أنبياء بني إسرائيل بشكل خفي، ولكن مسيح هذه الأمة قد بُعِث مقابل المسيح الإسرائيلي علنًا بأمر من الله وإذنه، لتُفهم المماثلةُ بين السلسلة الموسوية والسلسلة المحمدية. ومن أجل ذلك شُبِّه هذا المسيح بابن مريم من كل الوجوه لدرجة أن ابن مريم هذا قد تعرض لما تعرض له ابن مريم الإسرائيلي”. (سفينة نوح، الخزائن الروحانية، مجلد 19 ص 52-53)

“إن خلوّ الدعاء من التركيز على صفات الله وأسمائه يجعله غير مؤثِّر. ولا يهلك الناس لمجرد جهلهم بهذا السر فقط، بل لعدم محاولتهم معرفتَه. سمعت كثيرا من الناس يقولون: لقد دعَونا مرارًا ولم يسفر ذلك عن نتيجة، فأدى بهم هذا إلى الإلحاد. والحق أن لكل أمر قواعد وقوانين. وهكذا للدعاء أيضا قواعده وقوانينه المقررة. إن هؤلاء الذين يقولون إن أدعيتنا لا تستجاب، إنما ذلك لأنهم لا يهتمون بتلك القواعد والقوانين والمراتب التي هي ضرورية لاستجابة الدعاء…… تذكَّروا أن هذه وسوسة شيطانية وخدعة يقوم بها الشيطان بهذا الأسلوب ويوهم أن الدعاء لا يستجاب. والحق أن ذلك الدعاء يخلو من آداب الاستجابة وأسبابها، فلا تنفتح لـه أبواب السماء. اسمعوا جيدا أن القرآن الكريم يقول: “إنما يتقبل الله من المتقين”. فإن الله يستجيب أدعية أهل التقوى. أما الذين ليسوا بمتقين فأدعيتهم عارية من لباس الاستجابة، إلا أن ربوبية الله ورحمانيته ترعيانهم وتربيانهم. (الملفوظات، مجلد1، ص 417 – 418)

“حدث ذات مرة أنني ظللت مستغرقا في الصلاة على النبي ﷺ فترة من الزمن، لأنني كنت على يقين أن سبل الله تعالى دقيقة جدا، ولا يمكن الاهتداء إليها بدون وسيلة النبي ﷺ، كما يقول الله تعالى أيضا: (وابتَغُوا إليه الوسيلةَ). ثم بعد مدة رأيتُ في حالة الكشف أن سقَّاءَينِ قد جاءا ودخلا بيتي، أحدهما دخل من الطريق الداخلي والآخر من الطريق الخارجي، وعلى أكتافهما قِرَبٌ من نور، ويقولان: هذا ما صلَّيْتَ على محمدٍ”. (حقيقة الوحي، الخزائن الروحانية المجلد 22، ص 131، الحاشية)

“إن الله لا يعجزه شيء، إلا أن كتاب الله قد قدم ناموسًا بشأن الدعاء: أنّ الله، ببالغ رحمته، يعامل الإنسان الصالح معاملة الأصدقاء، أي يترك أحيانًا مشيئته ويسمع دعاءه، كما قال هو نفسه (ادعوني أستجب لكم)، وأحيانًا أخرى يأبى إلاّ أن ينفذ مشيئته كما قال (ولنبلونّكم بشيء من الخوف والجوع). هذا ليزيده يقينًا ومعرفةً بمسايرته وفقًا لدعائه حينًا، وحينًا آخر يمنحه خلعة رضاه بفعله كما يشاء هو سبحانه ليرفعه مرتبة، ويحبّه حبًّا، ويزيده في سبيل الرشاد.” (سفينة نوح، الخزائن الروحانية، مجلد 19 ص 21 الحاشية)

“يتبيّن من الإنجيل أيضًا أن المسيح ؏ كان على يقين تام من استجابة دعائه، وكان يعوّل على ذلك الدعاء تمام التعويل؛ ولذلك فلما قُبض عليه وعُلّق على الصليب، ولم يجد الظروف ملائمةً لآماله صرَخَ بشكل عفوي: “إيلي إيلي لَما شَبَقْتَني.. أي: إلهي إلهي لماذا تركتَني.” يعني لم أكن أتوقّع مطلقًا أن يكون مصيري هكذا، وأن أموت على الصليب؛ بل كنتُ موقنًا بأنك ستستجيب دعائي”. (المسيح الناصري في الهند، ص 32)

“وكان لا بد أن يُستجاب ذلك الدعاء الفيّاض بالتضرع والابتهال الذي مُنح المسيحُ من أجله وقتًا طويلا، لأن دعاء المقرَّب وقتَ الاضطراب والقلق لا يُرَدّ أبدًا”. (المسيح الناصري في الهند، ص 32)

“يقولون إن النجاة موكولة بالمسيح؛ فوجب عليهم أيضًا أن ينقذوا المسيحيين من الطاعون في هذه الأيام الشديدة. فالحزب الذي استُجيب له بالكثرة من بين هذه الأحزاب كلِّها فهو المقرب عند الله. والآن قد أعطى الله لكل واحد فرصةً لئلا يتجادلوا على الأرض عبثًا ولْيستَبِقوا في إظهار استجابة الله لهم فيأمنوا الطاعون من جهة ويستبين صدقهم من جهة أخرى. وأخصّ بالخطاب القساوسةَ منهم”. (سفينة نوح، الخزائن الروحانية، مجلد 19 ص 9)

“في أحيانٍ كثيرة يحل بالإنسان ابتلاءٌ تلو ابتلاءٍ ما بين الدعاء واستجابته، وفي بعض الأحيان تكون تلك الابتلاءات قاصمة للظهر، ولكن السعيد والصابر على هذه المحنِ والمصاعبِ يشتمُّ في أثنائها أيضا شذى أفضال الله تعالى، ويرى بعين الفراسة أن النصر آتٍ بعدها حتما. ومن الأسرار الكامنة في الابتلاءات أنها تدفع المرء إلى الدعاء بحماس مفرط، لأنه كلما ازداد الاضطرارُ والاضطرابُ ذابت الروح، الأمر الذي يُعَدُّ من دواعي استجابة الدعاء. إذًا، يجب ألا يقلق الإنسانُ أبدا ولا يسيء الظن بالله تعالى نتيجة القلق وقلة الصبر. يجب ألا يظن أحد أبدا أن دعاءه لا يستجاب، أو لن يستجاب. إن هذا النوع من الوهم يُعتبر رفضًا لصفة الله “مجيب الدعوات”. (الملفوظات ج4 ص434)

About مرزا غلام أحمد الإمام المهدي والمسيح الموعود عليه السلام

View all posts by مرزا غلام أحمد الإمام المهدي والمسيح الموعود عليه السلام

One Comment on “الدعاء – من كلام المسيح الموعود عليه السلام”

Comments are closed.