أفرد حضرته هذه الخطبة للحديث عن هذا الشهر وهو شهر محرم وهو بداية السنة القمرية والتي تعتبر سنة التقويم الإسلامي أيضا، ولكن من المؤسف أن الدين الذي يعطي أسمَى تعاليم الأمن والسلام يبدأ أهلُه عامَهم الجديد بالفتنة والشر والاقتتال فيما بينهم بسبب اختلافاتهم الطائفية، فيجب أن نفكر في حالتنا، ونغير من تصرفاتنا، وننظر كيف نستطيع أن نجعل المسلمين أمة واحدة، ونقضي على هذه الفتن وأعمال التطرف.

ويجب أن نتأمل أن سيدنا ومطاعنا خاتم الأنبياء محمدا المصطفى r حيث تنبأ بمجيء زمن الفيج الأعوج بعد رقي الإسلام البدائي، كذلك بشّر بقيام الخلافة على منهاج النبوة.

فالظروف تشير أن هذا هو الزمن الذي تتحقق فيها الآيات الواردة في القرآن والحديث، أو قد تحققت، فلماذا لا نبحث عن الحكم العدل وخادم النبي الصادق الذي سيقضي على الاختلافات بين السنة والشيعة والفرق والمذاهب الأخرى ويوحدنا كأمة واحدة؟

نحن الأحمديون نقول إنه مؤسسُ الجماعة الإسلامية الأحمدية حضرة ميرزا غلام أحمد القادياني u الذي وكّله الله تعالى بمهمة النشأة الثانية للإسلام وبواسطته u يحقق الله تعالى نشأة الإسلام الثانية الآن وفي المستقبل، وهو الذي سيبدّل الخصومات والفتن أمنًا وسلامًا. فإذا كنا نتمتّع بالعقل فيجب ألا نحول شهر المحرم إلى مناسبة للحزن، ولا نجعل منه ذريعة لإخراج ضغائننا وحقدنا وغضبنا ولا نجعله وسيلة لإظهار عواطفنا فحسب، بل علينا أن نحوله لشهر الحب والمودة فيما بيننا، وأن نتبع تعاليم الإسلام الحقيقية، ونقتدي بالإمام الذي وهبه الله مكانة الحكم العدل في هذا الزمن، حينها يمكن أن نُسمّى مسلمين حقيقيين ونجعل العالم يتبعنا.

إن عقيدة الجماعة الأحمدية هي أن الخلفاء كلهم قدوة لنا، ومادامت هذه عقيدتنا أفليس حقًا أن الجماعة الأحمدية هي الجماعة الوحيدة القادرة على توحيد المسلمين بالقضاء على ما يوجد بينهم من فُرْقة وتشتت.

إن من مِنن أبي بكر الصديق العظيمة أنه أقام الإسلام من جديد، وعاقب المتمردين كلهم نتيجة قوة إيمانه، وأرسى الأمن والاستقرار، بحسب النبوءة التي قال الله فيها ووعد بأني سأقيم الأمن على يد الخليفة الصادق. فالصدّيق مَن يبلغ هذه الدرجة في كمال صدقه.

وقال سيدنا المسيح الموعود عليه السلام وهو يذكر كلا من سيدنا أبي بكر وسيدنا عمر وسيدنا عثمان رضي الله عنهم:

أظهرَ عليَّ ربّي أن الصِدّيق والفاروق وعثمان (رضي الله عنهم)، كانوا من أهل الصلاح والإيمان، وكانوا من الذين آثرهم الله وخُصّوا بمواهب الرحمن، وشهد على مزاياهم كثير من ذوي العرفان. تركوا الأوطان لمرضاة حضرة الكبرياء، ودخلوا وطيس كل حرب، وما بالَوا حَرَّ ظهيرة الصيف وبرْدَ ليلِ الشتاء، بل ماسوا في سبل الدين كفِتْيةٍ مترعرعين، وما مالوا إلى قريب ولا غريب، وتركوا الكلَّ للهِ ربِّ العالمين.

وقال سيدنا المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام وهو يبين محاسن سيدنا علي ومكانته رضي الله عنه:

كان رضي الله عنه تقيًّا نقيًّا مِن الذين هم أحبُّ الناس إلى الرحمن، ومِن نُخَبِ الجيلِ وساداتِ الزمان. أسدُ اللهِ الغالبِ وفَتَى اللهِ الحنّان، نَدِيُّ الكَفِّ طيّبُ الجَنان. وكان شجاعا وحيدًا لا يُزايل مركزَه في الميدان، ولو قابله فوجٌ من أهل العدوان

ثم يقول u عن مكانة سيدنا علي t وخلافته ما نصه:

“ولا شك أن عليا كان قدوة الأجواد، وحجة الله على العباد، وخير الناس من أهل الزمان، ونور الله لإنارة البلدان، ولكن أيام خلافته ما كان زمن الأمن والأمان، بل زمان صراصر الفتن والعدوان. وكان الناس يختلفون في خلافته وخلافة ابن أبي سفيان،… والحق أن الحق كان مع المرتضى، ومَن قاتَلَه في وقته فبغى وطغى”.

وعن قصة محرم ذكر حضرة المسيح الموعود مرة لأبنائه أحداث استشهاد الإمام الحسين t، فقال بأنه t كان حفيد نبينا الكريم r وقتله المنافقون الظالمون في ميدان كربلاء جوعانًا وظمآنًا. لقد احمرّت السماء في ذلك اليوم وبطشَ غضبُ الله تعالى القاتلين الظالمين خلال أربعين يومًا، فمنهم من مات مجذومًا ومنهم من حل به غضب الله تعالى بشكل آخر

ورد في الروايات أنه لما غلب العدو الإمام الحسين وجّه فرسه نحو نهر الفرات أو حاول توجيهه إلى الفرات غير أنه قد سُدَّ طريقه من قبل العدو، وأطلق أحدُهم سهمًا أصابه على ذقنه فترك جرحًا عميقا غائرًا، ثم استهدفه المهاجمون الآخرون حتى استُشهد. يقول الراوي بأنني سمعته يقول قبل استشهاده: أما إنكم والله لا تقتلون بعدي عبداً من عباد اللهِ الصالحين اللهُ أسخط عليكم لقتله منّي.

ثم قال الحسين: وأيمُ الله إني لأرجو أن يكرمني الله بهوانكم، ثم ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون.

كيف عامله هؤلاء الظالمون وكيف عاملوا عائلته، فإنهم قتلوهم، وبعد قتلهم نهبوا خيمهم وسلبوها ونزعوا جلابيب النساء من على رؤوسهن. وبعد أن قتلوا الحسين قال قائدهم: من ينتدب للحسين فيواطئ الخيل ظهره وصدره! فانتدب منهم عشرة، فداسوا الحسين بحوافر خيلهم حتى رضّوا صدره وظهره.

فحين كان سيدنا المسيح الموعود u يسرد ذلك كانت دموعه لا تكاد تنقطع حزنا على الحدث المؤلم. فكيف يمكن لأحد القولُ إن الأحمديين لا يحبون عائلة النبي r والعياذ بالله أو ليس عندهم إدراك بذلك؟

إنه لمن الشقاوة القصوى والإلحاد أن يُحتقر الحسين – رضي الله عنه -. والذي يسيء إلى الحسين أو صالحا جليلا من الأئمة الأطهار أو يتفوه بكلمة الاستخفاف بحقهم فإنه يضيع إيمانه لأن الله جلّ شأنه يعادي الذي يعادي مقربيه وأحباءه.

وقال سيدنا المسيح الموعود u: صحيح أن لي مماثلةً بالحسين لكن النتائج هذه المرة ستظهر على عكس السابق، لأن الله I قد قدَّر النجاح هذه المرة للذين يتصفون بصفات الحسين فهم سينالون الفتح المادي أيضا إن شاء الله، وأن الأعداء سيخيبون ويفشلون.

ومن أجل ذلك يجب أن نُكثر الدعاء ونهتم بالصلاة على النبي r في هذه الأيام وهذا الشهر وبعده أيضا. فمعارضتنا في هذه الأيام على أوجها في باكستان خاصة وفي بعض البلاد الأخرى أيضا. فبالسرعة التي سننيب إلى الله I بضراعة سيجعل الله الفتح والظفر حليفنا.

في هذه الأيام اُدعوا لعامة المسلمين أيضا بصفة خاصة، فالفرق الإسلامية تتناحر وتتقاتل، وهم يشتدون في ذلك في العاشر من المحرم بشكل خاص وأن يدركوا الحقيقة عاجلا، وهي أن الفتح الذي قد قدَّره الله للإسلام لن يُنال إلا على يد سيدنا المسيح الموعود u وفقهم الله لذلك.