خطبة عيد الفطر

التي ألقاها أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز

الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي u

في مسجد بيت الفتوح بلندن يوم 5/6/2019م

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّين. آمين.

كان المصلح الموعود t ألقى خطبة بمناسبة العيد قبل أكثر من مائة سنة تقريبًا، ومضمونها هام جدا اليوم أيضا، لذا سأتحدث اليوم عن العيد مستفيدا من خطبته.

يتمنى المرء أن ينال الأفراح مرارا وتكرارا. والعيدُ ما يُعَاوِدُ مرّة بعد أخرى، كتب الإمام الراغب: العيد ما يُعَاوِدُ مرّة بعد أخرى، ثم قال: خُصّ في الشّريعة بيوم الفطر ويوم النّحر. لأنهما قُرِّرا في الشريعة للمسرَّة، ويريد المرء أن تأتيه المسرّة مرة بعد أخرى. ما هو العيد؟ وما هو الفرح؟ قال المصلح الموعود t عن ذلك: لو تأملنا في ذلك علمنا أن الفرح عبارة عن الاجتماع، وجميع أفراح الدنيا إنما تنشأ من الاجتماع، ونرى في حياتنا الاجتماعية العامة أيضا أن الإنسان يجد فرحة عند اجتماع الناس، ويستعد لذلك أيما استعداد ويجمع الناس، وحين يتزوج يحتفل بالفرح، وحين يولد له يحتفل بالفرح، لأن بعد الزواج ينضم إلى الأسرة شخص وتزداد جماعته، وجميع الاجتماعات في الدنيا تتسبب في الأفراح، والطريق السائد لإظهار الفرح في الدنيا عموما هو أن يجتمع عدد من الناس لمناسبة ما، وفي المهرجانات أيضا يجتمع الناس من أجل الفرح، ولا يحدث أبدا أن يختفي المرء عند الفرح ولا يجلس مع أحد ويذهب إلى الغابة، وإذا سُئل لماذا يفعل ذلك فيقول إنني أريد أن أحتفل بالفرح لأن اليوم يوم العيد لي. لا يُحتَفل بفرح أو بعيد في أي بلد أو منطقة أو قوم بهذا الطريق، بأن ينزوي الناس عن بعضهم أو ينفروا من بعضهم البعض للاحتفال بالفرح أو العيد. إنما عيدُ كل قوم في أن يجتمعوا ويفرحوا. اللهم إلا الذين يريدون أن يزدادوا غمّا وهما، فيكون طريقهم أنهم يسعون للابتعاد عن أنفسهم. نرى هذه الحال في مرضى الاكتئاب، إلا أن الذين يريدون إزالة غمومهم وهمومهم يجلسون في المجالس ويلتقون بالناس، والمرضى الذين يميلون إلى الوحدة ينصحهم الأطباء أيضا أن يجلسوا في الناس ويذهبوا إلى الخارج ويصبحوا اجتماعيين، والذين يحبون الغم يعتزلون الناس سواء جلسوا في البيت أو خرجوا منه، فإنهم يجلسون منفردين في كل حال، لأنهم يحبون العزلة، وإذا تُوفي أحد في بيتهم وأتى الناس إليهم للتعزية قالوا دَعُونا لوحدنا وابتعدوا عنا لأن مثل هذا الشخص في العزلة يجد فرصة أحسن لإظهار الغمّ ويستطيع أن يُخرج غبار قلبه. وفي الناس العاديين أيضا كثير من الأشخاص لا يستطيعون إظهار غمّهم أمام الناس ويريدون إزالة غمهم في الوحدة أو مع أقرب الناس إليهم، وليس أمام حشد، ولكن لا يحدث أبدا أن يولد لشخص ولدٌ ويجتمع الناس في بيته فيقول لهم ابتعدوا عني واتركوني لوحدي لأنني أشعر بضيق النفس بسبب اجتماعكم بل هو سيدعو الناس إلى بيته وكلما ازداد عدد الناس فرح أكثر ولاقى الجميع فرِحا، وكذلك كلما ازداد عدد الناس في دعوة الزواج يفرح أكثر. باختصار، يُرغَب في العزلة بثًّا للحزن وفي الاجتماع إظهارًا للفرح، وهذا ما وضع الله تعالى في فطرة الإنسان أن يلقى الناس عند كل مسرة ويفرح باللقاء. إلا أن في هذه الأيام يجتمع الناس لمسيرات من أجل بعض المطالب، وذلك أيضا يكون رغبة في التخلص من الغموم، ويحتجّون بغية الحصول على السعادة والراحة، وهذا يكون هدفهم على الأغلب، فالفرح والاجتماع يتلازمان ولأن الإسلام دين الفطرة لذا هو خلق للمسلمين فرصة الفرح بمناسبة العيد وأمَرَهم بأن يجتمعوا، ليس الأقرباء في مكان واحد فحسب بل يجب أن يجتمع جميع الناس في المنطقة في ميدان العيد بهذه المناسبة ويحتفلوا بفرح العيد. فلو نظرنا من هذا المنظور تبين لنا أن الفرحة في الحقيقة عبارة عن الاجتماع، ومن هذه الناحية العيد يعني الاجتماع، والعيد الأكبر هو الذي يكون فيه الاجتماع الأكبر. متى وُضع أساس الاجتماع الأكبر الذي أدى إلى العيد الأكبر؟ لقد حدث ذلك حين قال حبيب الله تعالى مخاطبا العالَم كله: ]يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا[ (الأعراف:159)

لقد رأى العالم كثيرا من الأعياد الصغيرة، جاء العيد وقت موسى u أيضا وفي وقت داود u وعيسى أيضا، وجاءت الأعياد في وقت جميع الأنبياء ولكن كانت هذه الأعياد في المناطق التي وُلد فيها هؤلاء الأنبياء أو في الأقوام الذين بُعثوا إليهم، لذا كانت هذه الأعياد أعيادا صغيرة ولكن إذا جاء عيد كبير في العالم مند آدم u فهو كان حين أمر الله تعالى أحب الناس إليه بأن يجمع العالم كله بواسطته في مكان واحد، هذا هو العيد الكبير الذي أمر الله تعالى فيه العالَم كله بواسطة كلامه الخاص بأن يجتمعوا في مكان واحد، وأمر بواسطة حبيبه العالَـم كله بأن يجتمع على يده، ولم يقتصر فيه على قوم أو شعب سواء كان مصريا أو صينيا أو فارسيا أو عربيا أو أوروبيا أو أمريكيا أو من الجزر لأن الآن لن يقال: “لاَ تَطْرَحُوا دُرَرَكُمْ قُدَّامَ الْخَنَازِيرِ”، ولن يقال: “لَيْسَ حَسَنًا أَنْ يُؤْخَذَ خُبْزُ الْبَنِينَ وَيُطْرَحَ لِلْكِلاَب”..

لقد حلَّ عيد عند بعثة المسيح الناصري u أيضا، لكنه كان خاصا بقومه فقط، فلو أطعم الأغيار لما بقي معه ما يكفي لإطعام قومه ومن ثم ما كان ليحتفل بالعيد، ولذلك قال المسيح u: “لَمْ أُرْسَلْ إِلاَّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ”..

فكانت بعثته عيدا لبني إسرائيل فقط، ثم حين بعث الله I النبی الكريم r فقد بعثه مع الكنوز التي من المستحيل أن تَنْضُبَ مهما أنفق منها، ولهذا السبب قال الله I له ما معناه: أعط من سألك بل نادِ سكان العالم وقل لهم تعالوا إلي أُعطِكم ما تحتاجون إليه. فقد قال الله I له: ]وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ[ أي حدِّث الناس عن نِعم الله I لكي ينتفعوا بها هم أيضا، أما المسيح الناصري فكان قد قال إثر سؤال امرأة أنه ليس من المناسب أن نرمي خبز الأولاد أمام الكلاب. أما النبي r فقد قال الله I له أن من واجبك أن تعطي السائل حتما، فقد قال الله I: ]وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ[، أي لا تزجر السائل بل أعطه حتما، بل كما ذكرت سابقا قول الله: ]وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ[، أي أَعلِن في الناس أن الله I قد أنعم علي بهذه النعم وتعالوا لتأخذوا نصيبا منها أنتم أيضًا. فهذه هي فضائل حضرته r على سائر الأنبياء. فعندما كان يأتي أي سائل إلى الأنبياء السابقين من غير قومهم كانوا يقولون له إن ما عندنا هو لقومنا فقط، ولا نستطيع أن نعطيك شيئا، أما الكنـز الذي أعطي للنبي r فلم يقل I بحقه ]لا تنهر[ فحسب، بل قد أمره بأن يتوجه إلى بيوت الفقراء، ليوزع الكنوز الروحانية على كل بيت، وكذلك الخزائنَ المادية أيضا. بل قد ترك r الخزائن الروحانية لتظل تُوزَّع إلى يوم القيامة. فمن المؤكد أن بعثته كانت أكبر عيد، فبواسطته اكتمل الهدى وأُتمت الشريعة، وأرسل إلى العالم بمنصب عظيم أي خاتم النبيين. ثم كان يوم عيد حين بعث الله I سيدنا المسيح الموعود u تابعا لحضرته r، وبذلك أخذ الله تعالى على نفسه مهمة إكمال التبليغ ونشر الدين، وطلع يومٌ قُدر فيه تحقق ]لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ[. لا شك أن شريعة الإسلام اكتملت على يد النبي r وعند بعثته قيل للعالم كله أنه قد بُعث نبي معه كنوز واسعة، فتوجهوا إليه واحصلوا على ما تريدون. يقول سيدنا المسيح الموعود u موضحا هذا الأمر:

لقد بعث الله تعالى سيدنا ونبينا محمدا المصطفى r إلى العالم ليجعل الأمم المتفرقة في العالم كله – بواسطة تعليم القرآن الكريم الذي يشمل طباع العالم كله – أمةً واحدة ويخلق فيهم الوحدة كما أنه I واحد لا شريك له، ولكي يذكروا ربهم مجتمعين كجسد واحد ويشهدوا على وحدانيته. ولتشكِّل كلتا الوحدتين؛ أي الوحدة القومية الأولى التي ظهرت في بدء الخليقة، والوحدة الأخيرة التي وُضع أساسها في الزمن الأخير، وأراد الله تعالى تحقيقها عند بعثة النبي r، شهادة مضاعفة على وجود الله الواحد الذي لا شريك له ووحدانيته، ولما كان I واحدا لذا يحب الوحدة بين نظامه المادي والروحاني.

ولما كان زمن نبوة النبي r ممتدا إلى يوم القيامة، ولأنه خاتم النبيين، لذا لم يُرد الله أن تبلغ الوحدة بين الأمم كمالها في حياته r لأن ذلك كان سيدل على نهاية عصره. أي كان ذلك يُولد شبهة أن زمنه قد انتهى لأن مهمته الأخيرة قد تحققت في حياته. لذا أجّل الله تعالى إكمال مهمة جعل الأمم كأمة واحدة وعلى دين واحد إلى فترة أخيرة من زمن النبي r الذي هو زمن قرب القيامة. ولإكمال هذه المهمة عيّن نائبا له r من الأمة نفسها، وقد سمُّي باسم المسيح الموعود، وهو الذي اسمه خاتَم الخلفاء.

إذًا، إن النبي r هو في صدر العصر المحمدي وفي آخره المسيحُ الموعود، وكان ضروريا ألا تنقطع سلسلة العالم ما لم يُبعث هو (أي المسيح الموعود) لأن خدمة تحقيق الوحدة بين الأمم قدرت في عهد هذا النائب للنبي r. وإلى ذلك تشير الآية: ]هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ[ أي هو الله الذي أرسل رسوله بهداية كاملة ودينٍ حقٍّ ليجعله غالبا على كل دين، أي ليرزقه غلبة عالمية. ولما كانت هذه الغلبة العالمية لم تتحقق في زمن النبي r ومن ناحية ثانية من المستحيل أن تبطل النبوءات الإلهية لذا قد اتفق جميع المتقدمين الذين سبقونا على أن هذه الغلبة ستتحقق في زمن المسيح الموعود.

إذن هذه الرسالة والمهمة للنبي r نفسِه، التي لتحقيقها وهب الله له خادما مخلصا في صورة سيدنا المسيح الموعود ببركة دعواته r التي وصلت إلى العرش حتما. ثم أمر الله I هذا الخادمَ البار أيضا أن يعلن اتباعا لسيده ومطاعه “يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا”. أي كان المسيح الموسوي قد نهر سائلَه، لكن المسيح المحمدي ببركة هذا الاتباع أُعطيَ مائدةً واسعة، ولم يطرد عنها أحدا بل ينادي كل إنسان أن يأتيها ويأكل منها. لذا فكل نفس جديدة تنضم إلينا بالجلوس حول هذه المائدة، تجلب لنا سرورا وعيدا.

هذا عيدُ الاجتماع على أوامر الشريعة. فعندما يجتمع الناس جميعا على دين واحد في حياتهم العملية فالعيد الذي يُحتَفل به عندئد سيكون هو العيد الأكبر والحقيقي، وإننا نحن الذين كَلَّفنا الله تعالى بتحقيق هذا العيد. فإذا كَلّفنا الله تعالى بتحقيق هذا العيد في هذا الزمن فلا بد لنا من فحص أنفسنا لنرى كيف يمكننا أن نحققه. إن دستور العمل الذي وضعه لنا المسيح الموعود u لو عملنا به لاستطعنا أن نحقق سريعا هذا العيد الذي كلّفنا الله تعالى بتحقيقه في هذا الزمن.

أذكر الآن بإيجاز بعضا من النصائح التي وجهها إلينا المسيح الموعود u إذ يقول:

يجب أن تتحلّوا بفطرة ألا يكون حبكم لله لمصلحة، (أي يجب أن يكون حبكم لله تعالى بغير مصلحة شخصية جزءًا من طبيعتكم، فيجب أن تحبوه I بحماس قلبي).

ثم يقول u: أكثِروا من تلاوة القرآن الكريم، واجعلوا أعمالكم بحسب ما جاء فيه وأظهِروا للناس مزايا الإسلام بأعمالكم. وقال u أيضا: التقوى ضرورية لتبليغ الدعوة، ولكنها لا تنشأ إلا بالعمل بتعليم القرآن الكريم، كذلك لا يمكن أن ينشأ الصدق العملي إلا بالعمل بتعليم القرآن الكريم.

ثم يقول u: اِسعَوا بكل ما في وسعكم لأداء حقوق الله وحقوق العباد. فكِلا هذين الأمرين من واجباتكم. ثم قال u ناصحا الجماعة: يجب على أفراد الجماعة أن يخلقوا في أنفسهم أسلوبا خاصا للإقرار بوحدانية الله وإنشاء العلاقة معه I، وذِكر الله تعالى وأداء حقوق إخوتهم. توبوا توبة نصوحا وأَرضوا اللهَ تعالى بالصدق والإخلاص. التزموا بالتهجد وانتبهوا إلى أداء النوافل أيضا.

أضيفوا إلى رصيد علمكم الديني وتقدّموا في التقوى. كونوا مع الحق دوما والتزموا به ولا تكذبوا أبدا.

ثم يقول u: اُدعوا للمنكرين أيضا (أي الذين لا يؤمنون بالمسيح الموعود u بل ينكرونه) وأحسِنوا معاملة القادمين الجدد، فالذين ينضمون إليكم من القادمين الجدد يضيفون إلى هذا الاجتماع، فأحسِنوا إليهم واسعَوا لتربيتهم بعملكم. (أي كما ينبغي أن تحسِنوا معاملتهم، كذلك يجب أن تُبدوا نماذجكم الحسنة حتى تتم تربيتهم بالنظر إلى أسوتكم).

هذه بضعة أمور ذكرتُها لكم وهي ملخص النصائح التي نصحنا بها المسيح الموعود u في مناسبات مختلفة. فهناك حاجة ماسة إلى أن نؤدي حق بيعته u ونكمل مهمةً كُلّفنا بها. إن إرسال نبي إلى العالم كله وإرسال شريعة كاملة ومكتملة كان فعل الله تعالى. كذلك إرسال المسيح الموعود u لإكمال مهمة تبليغ الدعوة ولإكمال نشرها إنما هو فعل الله تعالى. ولكن تحقيق العيد مهمة كُلِّفنا بها نحن، لذا على أفراد الجماعة أن ينتبهوا ويفكروا جيدا كيف يمكننا أن نحقق اجتماعا يُرينا عيدا حقيقيا، لأن العيد الحقيقي والصادق سيكون حين يجتمع الناس جميعا على كلام الله تعالى.

يقول المصلح الموعود t: لقد دعا المسيح u قائلا: “أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ. لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ، لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ كَمَا فِي السَّمَاءِ كَذلِكَ عَلَى الأَرْضِ”. وقد فُهم من ذلك وكأن ملكوت الله ليس على الأرض، مع أنه مكتوب في الكتاب المقدس أن ملكوت الله في الأرض أيضا كما في السماء. وكِلا هذين الأمرين مذكور في إنجيل متّى. فلا يمكن القول بأن ملكوت الله بحسب المسيح u لم يكون موجودا على الأرض لذلك قال هكذا. بل الحق أنه دعاءٌ دعا به المسيحُ u وهو يتعلق ببعثة النبي r، بمعنى أنه كما أن الله تعالى واحد، كذلك فليأت نبي يجمع العالم كله على أمر واحد. وفي ذلك إشارة أيضا إلى أن الملائكة يحمدون الله تعالى في العرش بل في كل مكان من العرش، كذلك فليكن الناس في كل شبر من الأرض يحمدون الله U ويقدّسونه. إذًا، إن خلق الناس مثلهم في كل شبر من الأرض واجب على جماعة المسيح الموعود u. ولكن يجب أن نفحص أنفسنا هل نقوم بذكر الله ونقدّسه ونجعل أعمالنا بحسب تعليمه I؟ العيد الذي نحتفل به ونقوم بالاستعدادات الكبيرة له، ونسعى لإكمال جميع الأمور بدءا من الملابس والأكل والشرب وما إلى ذلك، ولا نقوم بهذا الإنفاق لنجني منه فائدة مادية بل نقوم به احتفالا بالاجتماع. لا شك أننا نحتفل لأن الله تعالى أمرنا بالاحتفال به، فهو أمر من أوامر الله تعالى. ولا نستفيد منه على المستوى المادي شيئا، بل نستفيد على المستوى الروحاني دون أدنى شك. بل نحتفل بهذا العيد بحسن النية واضعين في الحسبان أن الله تعالى أمرنا أن نحتفل به بعد شهر رمضان ونفرح في هذا اليوم، ونأكل ونشرب. ولكن هناك فرحة فوق هذه الفرحة وهي أن الله تعالى قد بعث رسولا لجمع العالم كله على يد واحدة، ولكن كل واحد منا ليس منتبها إلى إنجاز هذه المهمة كما يجب، ولا نسعى لتبليغ دعوة هذا الرسول كما ينبغي. فبقدر ما نساهم في تحقيق هذا الاجتماع وبقدر ما نسعى له، ونحاول الإضافة إلى هذا الاجتماع الذي أُرسل الرسولُ من أجله، فسيجزينا الله تعالى على ذلك، وسيجزينا على العيد الحقيقي أكثر بكثير مما يجزينا على الاحتفال بالعيد بوجه عام.

وهذا يعني أن المرء لا ينفق هنا فقط، بل ينال كل نوع من النفع أيضا، حيث يحظى برضوان الله أكثرَ من ذي قبل. فنحن ذوو حظ عظيم إذ أصبحنا من الذين صاروا جزءًا من عصر هذا العيد الأعظم من خلال انتمائنا إلى حضرة المسيح الموعود u. إن زمن المسيح الموعود هو ذلك الزمن الذي يصبح فيه الإسلام غالبا على الأديان كلها، وتُجمَع فيه البشرية كلها على يد واحدة وذلك بإظهار صدق النبي r على يد المسيح الموعود u وجماعته، وعندها إن شاء الله سيكون لنا العيد الحقيقي، وما لم يتحقق لنا ذلك العيد يجب ألا نكتفي بالابتهاج بهذه الأعياد فقط. لقد أخذ منا المسيح الموعود u وعدًا بنشر دعوته في العالم كله، لذا فهناك حاجة ماسة إلى السعى لذلك. اليوم تخاف الدنيا من هتاف التكبير لأن بعض المسلمين يعملون أعمالاً تجعل الدنيا تتوجس خيفة من هتاف “الله أكبر” ومن قولنا “أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله”، لذا فواجبنا أن نكشف للعالم حقيقة هذه الكلمات الحبيبة بحيث تجد كل أمة في العالم سعادتها وراحتها في نطق وترديد كلمة “أشهد أن لا إله الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله”، وتفرح الدنيا بالصلاة على الرسول الكريم r بدلاً من كيل السباب له، ويرفع الناس هُتاف التكبير بدلاً من أن يسبوا الله تعالى. قبل أيام ألقي القبض على مسلم في ألمانيا لأنه كبّر عاليا في السوق تعبيرا عن فرحته برؤية صديق له بعد مدة طويلة، لقد اعتقلته الشرطة ظنًا منها أنه قد يكون إرهابيا. فعلينا إزالة هذا الخوف والرهب، وليس هذا فقط، بل إن من واجبنا أن نسعى كل السعي لكي يسعد الألمان والإنجليز وأهل أوروبا الآخرون وأهل أمريكا وأهل أي بلد في العالم بترديد هتاف “الله أكبر”، وعندها سيكون عيدنا الحقيقي. سيحدث هذا في يوم من الأيام إن شاء الله، وسيحدث حتمًا حيث سيصلي أهل الدنيا كلهم على النبي r. هذه ليست أحلامَ مجنون، ولا أفكارَ صبي، بل هي تأويل وعد الله تعالى، وسيتحقق يوما ما إن شاء الله. هذا وعد الله الذي قال: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي}، أي أن الله تعالى قد قدر منذ الأزل أنه ورسوله سيكون غالبا حتمًا. فإن هذا قدر الله الذي لا بد أن يتحقق، ولا شك أن هتاف الله ورسوله سوف ينتشر ويدوي في العالم، وستنال الأمة الإسلامية أفراح العيد الحقيقي على يد المسيح الموعود. لذا فعلى كل واحد منا أن يبذل قصارى جهده وقدرته في سبيل التبليغ والدعوة لكي نرى ذلك الاجتماع الذي وعد الله به. الحق أن الله تعالى يعطينا الثمار أكثرَ من جهودنا بحسب وعده هذا، حتى إن المشركين أيضا يدخلون في حمى التوحيد، لكن هناك حاجة ماسة إلى تسريع هذا العمل. أتلقى من أفريقيا رسائل كثيرة جدا يقول فيها أصحابها: “إننا كنا مشركين من قبل ولكنا بدأنا بعد البيعة ننطق بشهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله”. ومن أصحاب هذه الرسائل من هم كبار السن وكانوا من المسيحيين ولكنهم لم يجدوا الطمأنينة في المسيحية، فصاروا مشركين يعبدون الأصنام، ولكن لما بلغتهم دعوة الأحمدية استمعوا لها وقالوا إنا في الأيام الأخيرة من الحياة وصعب علينا أن نغير ديننا الآن، ولكن الرسالة التي تقدمونها حقيقية، وهي رسالة التوحيد، ونرى الحق في رسالتكم، وإن أولادنا قد صدقوا هذه الدعوة، ونحن ندعو أن تظل أجيالينا متمسكة بهذا التوحيد. فالله تعالى يحدث هذه الثورات أيضا، ولكن هذه تتطلب منا جهودا أكثرَ من ذي قبل.

أدعو الله تعالى أن ينزه قلوبنا من شوائب الدنيا ويعمرها بحبه، ويوفقنا لنشر دينه وجلاله وعظمته في العالم، وأن نكون من الذين يكشفون للدنيا صدق النبي r ومكانته، ويمكّننا من إكمال مهمة المسيح الموعود u، وأن يملأ أفئدتنا بحبه تعالى، لنكون من الذين يعملون بوصيته  u التي أوصانا بها في كتيب “الوصية” إذ قال: “إن الله يريد أن يجذب إلى التوحيد جميع أرواح ذوي الفطرة الصالحة من مختلف أقطار المعمورة، سواء كانوا من أوروبا أو آسيا، وأن يجمع عباده على دين واحد. هذه هي غاية الله عز وجل التي أُرسلتُ من أجلها إلى الدنيا. لذلك اجعلوا هذه الغاية نصب أعينكم (أي اسعوا لتحقيقها)، ولكن باللطف والرفق وحسن الخلق وكثرة الدعاء”.

وأيضا بتقديم الأسوة. جعلنا الله تعالى أعوان المسيح الموعود u في إنجاز هذه الغاية لكي تتحقق غلبة الإسلام واجتماع الدنيا على التوحيد، فنحتفل بأفراح العيد الحقيقي، ونرى ذلك العيد الذي هو مقدر لجماعة المسيح الموعود u.

والآن سوف نقوم بالدعاء. وقبل الدعاء أهنئكم بالعيد أنتم وجميع الأحمديين في العالم كله. اذكروا في الدعاء الأسرى في سبيل الله تعالى الذين يقبعون في غياهب السجون في بعض الأماكن في ظروف صعبة مع قسوة الطقس الحار أيضا. واذكروا في أدعيتكم أيضا أولاد وأرامل شهداء الأحمدية. واذكروا أيضا الذين يخدمون الجماعة والواقفين حياتَهم والدعاةَ الذين يقومون بواجب التبليغ في شتى بقاع العالم، بأن ينفخ الله فيهم الهمة ويخلق فيهم الوفاء ويزيدهم حماسا لكي يبلغوا رسالة التوحيد إلى كل فرد ويوزعوا من هذه المائدة على كل نفس في المناطق التي يعملون بها. وادعوا لجميع المسلمين الأحمديين عموما بأن يحفظهم الله ويحميهم من حسد الحساد وشرهم. وادعوا لأمة الإسلام جمعاء بأن يلهمهم الله الرشد والصواب ويوفقهم للإيمان بالمسيح الموعود وأن يخرجوا من فخ الدجال الذي هم واقعون فيه، وأن يستردوا مجدهم الغابر، آمين.

تعالوا ندعُ الآن.  السلام عليكم ورحمة الله. عيد مبارك ثانية. السلام عليكم.

 

About الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز

حضرة أمير المؤمنين الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز ولد حضرته في الخامس عشر من أيلول 1950 في مدينة (ربوة) في الباكستان. هو حفيد لمرزا شريف أحمد نجل المسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام. أنهى حضرته دراسته الابتدائية في مدرسة تعليم الإسلام في مدينة (ربوة) وحصل على درجة البكالوريوس من كلية “تعليم الإسلام” في نفس المدينة. ثم حصل حضرته على درجة الاختصاص في الاقتصاد الزراعي من كلية الزراعة في مدينة (فيصل آباد) في الباكستان وذلك في عام 1976م.

View all posts by الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز