الخطاب النهائي الذي ألقاه أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز

الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي ؏

يوم 16/09/2018

بمناسبة الجلسة السنوية في بلجيكا

*****

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّين، آمين.

إنها لـمِنّة الله تعالى العظيمة علينا أنه وفقنا للإيمان بالمسيح الموعود ؏. في هذا العصر الذي يسود فيه الفوضى والاضطراب في كل ناحية من أنحاء هذا العالم، فلا يدري أحد إلى أين يتجه، ومَن الذي يتخذه هاديا ومرشدا، وما الذي يفعله لإزالة المشاكل التي يعانيها. وفي هذا العصر نفسه وفقنا الله تعالى لقبول ذلك المبعوث الذي أرسله لإرشادنا إلى طرق خفية للوصول إلى الله ولأداء حقوق خلقه. لا يتم أداء حق هذا القبول إلا عندما نستهدي هذا الهادي ثم نعيش بحسب تلك الهداية، وإلا فلا فائدة من هذا القبول. نرى في هذا العصر أن الإنسان يعاني من مصائب ومشاكل أوقع فيها نفسَه جراء أنانيته وأطماعه، كما أن الآفات السماوية من الله تعالى أيضا تكثر وتزداد؛ فإذا كانت منطقة تتعرض للدمار الشامل جراء الفيضانات فمنطقة أخرى تتعرض للقحط ويعاني أهلها المصائب والمشاكل، كما أن الأسباب التي كان الناس يعتمدون عليها تلقى دمارًا واندثارًا. وعليه فهناك حاجة ماسة للمؤمن في مثل هذه الظروف إلى أن يعود إلى الله أكثر من ذي قبل. وكما قلت، فإن الله تعالى قد أرسل للهداية إلى صراطه تعالى مبعوثَه الذي هدانا بطرق مختلفة وبكلمات مختلفة إلى أمور كثيرة. إن إرشاده هذا، الذي يحتوي على تعليم الله تعالى وتعليم رسوله ﷺ، ذريعة لنا دائمة من أجل إنقاذنا من الآفات وهو مثمر بثمرات طيبة لمنح الحياة لنا إن كنا من العاملين به.

سأقدم الآن بعض المقتبسات من كلام المسيح الموعود ؏ التي أسدى حضرته فيها نصائح للجماعة في مناسبات شتى، وتوقّع من أفراد الجماعة أن يعملوا بهذه التعليمات ويعيشوا حياتهم بحسبها. ولقد أسدى إليهم حضرته في هذه المقتبسات نصيحة ملؤها الألم بأن يعمل أفراد هذه الجماعة بهذه التعليمات وينالوا أفضال الله تعالى وينقذوا أنفسهم من المصائب والابتلاءات والمشاكل التي تنـزل نتيجة سخط الله تعالى وغضبه، وأن يكونوا أحمديين حقيقيين يؤدّون حق البيعة كما هو حقها ويسلكون سبل التقوى مؤدين حقوق الله وحقوق العباد.

كم كان يريد المسيح الموعود ؏ أن يتحلى أتباعه بالتقوى! وكم كان يسعى لإنقاذ أتباعه من سخط الله ولجعلهم مؤمنين صادقين! يتضح ذلك من مقتبس من كلامه الذي قاله في أحد المجالس جاء فيه:

“أمس (أي في 22/ 6/1899) تلقيتُ من الله الوحي التالي مرارا: “لو صرتم متقين، وسلكتم دقائق سبل التقوى لكان الله معكم”.

قال ؏: “إن هذا يعتصر قلبي ألمًا. وأقول في نفسي ماذا أعمل حتى تتحلى جماعتنا بالتقوى والطهارة الحقيقية؟!”.

ثم قال ؏: “إنني أُكثِر من الدعاء حتى يغلبني الضعف، حتى أوشك على الإغماء والموت أحيانًا”.

وقال ؏: “ما لم تصبح جماعةٌ ما تقيةً عند الله تعالى، لا يحالفها تأييدُه ونصرته أبدًا”.

وقال ؏: “إن التقوى ملخصُ تعاليم كل الصحف المقدسة والتوراة والإنجيل. إن القرآن الكريم قد عبَّر بكلمة واحدة عن مرضاة الله العظيمة ورضاه الكامل”.

وقال ؏: “إنني أفكر أن آخذ من جماعتي المتقين الصادقين المؤثرين الدين على الدنيا المنقطعين إلى الله، وأفوض إليهم بعض مهامّ الدين، ثم لا أبالي بغيرهم من الذين يظلون مهمومين بهموم الدنيا ويرهقون أنفسهم طلبا لهذه الدنيا الميتة ليل نهار”. (جريدة الحكم مجلد 3 عدد 22 ص 7)

فعلينا أن نصغي لهذه النصيحة ونفهمها. إذا كنا نريد أن ننال دعواته فلا يتأتى ذلك بدون فهم تعليماته وبدون قضاء الحياة وفق ما كان يريده منا. فينبغي على كل أحمدي أن يجعل هذه النصيحة الأليمة نصب أعينه.

ثم يقول حضرته ؏ عن علامات المتقي وما هي الأمور التي ينبغي أن يتميز بها:

“علينا أن نفحص دائما مدى تقدّمنا في الطهارة والتقوى، والمعيار لاختبار ذلك هو القرآن الكريم.

لقد بيَّن الله تعالى أن من علامات المتقين أن الله تعالى ينجيهم من مكاره الدنيا ويتكفل أمورهم، فقال: (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)، أي أن الذي يتقي الله يجعل الله له مخرجًا من كل مصيبة وأزمة، ويهيئ له أسباب الرزق من حيث لا يحتسب. أي أن من علامات المتقي أن الله تعالى لا يجعله مضطرًّا إلى حاجات لا طائل منها. (أي لا تتولد عبثًا في قلبه رغبة في الحاجات الدنيوية) يزعم التاجر مثلاً أن تجارته لن تزدهر بدون كذب وزور، فلا يتورع عن الكذب ويتظاهر بأنه مضطر إلى ذلك. ولكن هذا باطل تماما، فإن الله نفسه يتولى المتقي ويحميه من مواقف تضطره إلى قول ما ليس بحق. اعلموا أن من ترك الله تركَه الله، ومن تركه الرحمن والاه الشيطان حتمًا.

لا تظنوا أن الله تعالى ضعيف، كلا، بل هو شديدُ القُوى المتينُ، فلو توكلتم عليه في أموركم لأعانكم يقينا (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ). كان أول المخاطَبين في هذه الآيات أهل صلاح ودين، وكانت جلُّ همومهم للدين، وقد فوّضوا أمر دنياهم إلى الله تعالى، ولذلك طمأنهم الله بأنه معهم.

باختصار، إن من بركات التقوى أن الله تعالى ينجي الإنسان المتقي من الصعاب التي تعيقه عن خدمة الدين”.

فالمتقي يتوكل على الله تعالى، أما إذا كان أحد يعتمد على شطارته وكفاءاته فلا يعدّ عمله هذا نابعًا عن التقوى. يشرح حضرته ؏ هذا الأمر فيقول:

إنّ الله تعالى يحبّ المتّقي، فينبغي أن تظلّوا جميعا خائفين بتذكّر عظمة الله. اعلموا أنّ الجميع خلقُ الله عزّ وجلّ، (إن ذات الله عظيمة جدًّا، فاذكروا الله دوما وينبغي أن تمتلئ قلوبكم بخشية الله وخوفه. لماذا؟ لأنه أخبر مسبقا أن الله تعالى يحب المتقي، والمتقي هو من يذكر عظمة الله تعالى أكثر من الجميع ويخاف من أن يسخط عليه الله تعالى. قال حضرته🙂  اعلموا أنّ الجميع خلقُ الله عزّ وجلّ، فلا تَظلموا أحدا، ولا تغضبوا، ولا تزدروا أحدا. إذا كان في الجماعة شخص سيئ واحد فإنه يسيء إلى الجميع. فإذا كانت طبائعكم مائلة إلى الحدة والغضب، فتفحّصوا قلوبكم لمعرفة مصدر هذه الحدة، لأنّ هذا المقام جدُّ خطير. (“بدر” مجلد 11 عدد 8 – 9 يوم 30/ 11/1911)

ثم يذكر حضرته أن كل فعل من أفعال الإنسان ينبغي أن يكون وفق مشيئة الله تعالى لأنها الحسنة الحقيقية والتقوى بعينها. ولكن متى يكون كل فعل الإنسان مطابقًا لمشيئة الله تعالى؟! يذكر ذلك حضرته فيقول:

الحق أن الإنسان حين يتطهّر من أهواء النفس ويتّبع مشيئة الله متخليًا عن أنانيته، فلا يصدر عنه ما ليس بجائز، بل تكون أفعاله كلها تابعة لمشيئة الله تعالى.

(أي ينبغي أن يتطهر الإنسان من جذبات النفس ويتخلى عن نفسانيته ويمشي ضمن إرادات الله تعالى. فما هي إرادات الله؟ هي التي ذكرتها سابقا، أي انظروا إلى القرآن الكريم واسلكوا وفق الأحكام التي أعطاها الله تعالى فيه، منها أوامر ومنها نواهٍ فينبغي أن تنظروا فيها وتعملوا بحسبها. قال حضرته:)

إنما يقع الإنسان في ابتلاء وعثرة حين لا يكون عمله موافقًا لمشيئة الله، بل يكون خلاف مرضاته تعالى، ومِثل هذا الإنسان يتّبع أهواءه، فمثلا يرتكب في ثورة الغضب ما يجرّه إلى المحاكم، فيعاقَب. ولكن لو صمم الإنسان على ألا يعمل عملاً إلا باستشارة كتاب الله وألا يتخذ أية خطوة إلا بعد الرجوع إليه، (أي لا يقوم بأي عمل دون النظر في كتاب الله وأحكامه تعالى) فلا بد أن يرشده كتاب الله، لأن الله تعالى يقول: (وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (الأنعام 60). (أي ليس من شيء إلا وهو  مذكور في القرآن الكريم. فلا يحدث موقف في حياة البشرية ولن يأتي بل ليست هناك إمكانية أن يحدث موقف لم يرشدنا الله تعالى بخصوصه في القرآن الكريم مسبقًا، فكل مؤمن يجد إرشادًا له في القرآن الكريم. قال حضرته:) فلو عقدنا العزم على استشارة كتاب الله فلا بد أن يرشدنا، ولكن الذي يتّبع أهواءه فلا بد أن يتضرر، وفي أحيان كثيرة يؤاخَذ في هذه الدنيا نفسها. ولكن الله تعالى يقول إزاء ذلك إن أوليائي الذين يعملون معي ويمشون معي ويتكلمون معي فهم متفانون فيّ. فكلما كان المرء أقلَّ تفانيًا في الله صار أكثرَ بُعدًا عنه تعالى. ولكن إذا تفانى في الله، كما وصف الله أولياءه، فاق إيمانُه التقديرَ، ويقول الله تعالى في مثل هؤلاء الناس: “مَن عادى لي وليًّا فقد آذنتُه بالحرب”، أي من يتصدى لأحد أوليائي فإنما يتصدى لي أنا. (هذا حديث نبوي)

فما أعظم درجةَ المتقي! وما أعلى مكانتَه! فمَن بلَغ في قرب الله تعالى بحيث كان إيذاؤه كإيذاء الله فيمكنكم أن تتصوروا كيف ينصره الله ويعينه!

فلا ملاذ للإنسان من المصائب والمشاكل سوى خضوعه لله واتخاذه إياه مُعِينًا ونصيرا في جميع الظروف ولو كان مُحاطًا بالمشاكل من جميع النواحي. يسأل بعض الناس كيف يمكنهم إنقاذ أنفسهم من أخطار الحرب؟! ولقد ذكر المسيح الموعود ؏ هذا الأمر في بيت شعر معناه:

هناك نارٌ قادمة ولكن سَيُجَنَّب هذه النار جميع الذين يتخذون الله ذا العجائب محبوبًا لهم.

فلا بد من علاقة الحب مع الله تعالى.

ثم ينصح المسيح الموعود ؏ أفراد الجماعة بالتمسك بالتقوى بعد دخولهم في بيعته فيقول:

“وإن جماعتنا بأمس الحاجة إلى التقوى بوجه خاص، فإنهم قد بايعوا وانتموا إلى شخص يدّعي أنه مأمور من الله تعالى، ذلك لينجوا من الآفات كلها، سواء أكانوا مصابين بأنواع الأضغان والأحقاد وصنوف الشرك، أو كانوا متكالبين على الدنيا إلى أقصى درجة.

تعلمون أن المرء إذا مرض مرضًا خطيرا أو بسيطا، فلا يتماثل للشفاء ما لم تتم مداواته وتكبّد العناء للعلاج. فلو ظهرت على وجهه بقعة سوداء لأصابه قلق شديد مخافة أن تكبر وتسوّد الوجه كله. كذلك فإن المعصية تترك بقعة سوداء على قلب الإنسان، وتتحول الصغائر إلى كبائر نتيجة التساهل والاستهانة. (أی أن الذنوب التي تبدو صغيرة في الظاهر تتحول إلى كبائر نتيجة تساهل الإنسان وعدم الانتباه إلى التخلص منها، قال حضرته:)  والصغائر هي تلك البقعة السوداء التي تكبر حتى تسوّد الوجه كله. (هي تلك التقصيرات والأخطاء التي يعتبرها الإنسان أمورًا عادية، يقول عنها حضرته  ألا تعتبروها عادية لأنها سوف تتحول إلى كبائر، فكما أن بقعة سوداء يمكن أن تسوّد الوجه كله كذلك تتحول هذه الصغائر إلى كبائر فتسوِّدكم. فإن لم تسعوا جاهدين للتخلص من السيئات والتقصيرات الصغيرة فستتحول إلى كبائر وبالتالي يسود بها وجه الإنسان وقلبه أيضا).

قال حضرته:

“إن الله رحيم وكريم، كما أنه قهار ومنتقم. (أي أن الله تعالى رحيم ورحمن وكريم من ناحية، ومن ناحية أخرى هو قهار ومنتقم يعاقب الآثمين أيضا. قال حضرته:) إنه حين يرى جماعة تدّعي ادعاءات كبيرة ولكن لا تتفق أعمالها مع دعاواها، فيثور غيظه وغضبه، (أي أنهم يدّعون بأنهم دخلوا في البيعة وأنهم آمنوا بإمام الزمان وبالخادم الصادق للنبي ﷺ وأنهم سيعلّمون العالم الدين وسيبذلون كل جهد لغلبة الإسلام على العالم كله، ولكنها مجرد أقوال ينطقونها بأفواههم، فإن لم ترافقها الأعمال فهو تصرف يثير غضب الله تعالى. قال حضرته:)

فيسلط الكفار على مثل هذه الجماعة لمعاقبتها. إن المطلعين على التاريخ يعلمون أن المسلمين قُتلوا بأيدي الكفار مرارا، فمثلاً قام جنكيز خان وهولاكو خان بتدميرهم، في حين أن الله تعالى كان قد وعد المسلمين بالنصرة والحماية (كان وعد الله تعالى للمسلمين  أنه إذا هاجمكم أحد أو حاول الإضرار بكم فسأنصركم، ولكن ما الذي حدث؟ أصبح المسلمون ينهزمون على يد الكافرين، ذلك لأنهم كانوا مقصرّين في أعمالهم. قال حضرته:)

لقد وعد الله تعالى المسلمين بالنصرة والحماية ومع ذلك صاروا مغلوبين. (وهذا ما نراه اليوم أيضا، إذ إن كل حكومة إسلامية خاضعة بشكل أو بآخر أمام حكومة من الحكومات غير المسلمة، يطلبون منهم مساعدات يقتلون بها المسلمين الأبرياء من بلادهم، كما أنهم يقتلون الأطفال والنساء. ما هذا؟ أهذه كانت تعاليم الإسلام أن تقتلوا الأبرياء. كان النبي ﷺ رحمة للعالمين. فإذا كانت مثل هذه النماذج تُقَدَّم من قبل المسلمين فما هي النتيجة لمثل هذه التصرفات؟ النتيجة هي أن الحكومات غير المسلمة أيضا تطلب منهم تنفيذ شروط خاصة بهم. وهذا ما يجري الآن مما أدى إلى سيطرة هؤلاء على الثروات الطبيعية لهذه الدول الإسلامية. قال حضرته:)

وقد وقعت مثل هذه الأحداث مرارا، وليس ذلك إلا لأن الله حين يرى أن هذه الجماعة تشهد بأن “لا إله إلا الله”، ولكن قلوبها معرضة عنه، وهي متكالبة تماما على الدنيا عمليا، فيحلّ عليهم قهره وغضبه. (الملفوظات ج1)

ثم قال ؏: “إن خشية الله تعالى إنما هي أن ينظر المرء إلى مدى توافق فعله مع قوله، فلو وجد فعلَه غير متفق مع قوله فليعلم أنه سيواجه غضب الله، إذ لا قيمة لصاحب القلب النجس مهما كان قولُه طيبا، بل سوف يثير غضب الله”.

أقول: هذا الموقف جدير بتفكير رصين وعميق، علينا أن نفحص أنفسنا، وهذا ما يمكن أن يفعله كل واحد. فإذا كان القلب نجسا لن يكون لأقوالكم أية قيمة عند الله مهما قلتم وظننتم أنكم تقولون قولا حسنا بل هذا سوف يثير غضب الله.

يتابع حضرته ؏ ويقول: ولتعلمْ جماعتي أنهم جاءوني لأُنمّيهم كالبذر، فيكونوا شجرةً مثمرة، لذا فليتأملْ كلُّ واحد منكم في نفسه ليعلم كيف هي حال باطنه وقلبه؟ فإذا كان أبناء جماعتي يقولون خلاف ما يُخفون في قلوبهم- لا سمح الله- فلن تكون عاقبتهم محمودة، لأن الله تعالى حين يرى جماعةً تدّعي ادعاءات كبيرة وقلوبها فارغةٌ، فلا يعبأ بها، لأن الله غنيّ ولا يبالي. كان النبي ﷺ قد تلقى نبوءة النصر ببدر، وكان النصر مأمولاً ومؤكدا، ومع ذلك دعا الله تعالى متضرّعًا باكيا، فقال له أبو بكر الصديق ؓ: إذا كان وعدُ الفتح مؤكدا فما الحاجة إلى هذا البكاء والابتهال؟ فقال النبي ﷺ: إن الله غني، وقد يكون الفتحُ مشروطا بشروط خفية. (لم تظهر علي، أو تكون متعلقة بكم ولم تتحقق، فلا بد لي من الدعاء، وأن أسأل الله تعالى الفتح بالنظر إلى الضعف البشري في نفسي وفيكم ليتحول الوعد بالفتح إلى الفتح اليقيني. فهذا هو السر الذي يجب أن نجعله نصب أعيننا دائما، فلا شك أن الله تعالى وعد المسيح الموعود بأنه معه وسيعطيه الغلبة وينشر جماعته ولكن هناك بعض الشروط أيضا مع ذلك الوعد، منها أن تكون أعمالنا بحسب مقتضاه. فعلينا ألا نحسب أننا بايعنا المسيح الموعود ؏، وهذا يكفي، بل لا بد من العمل أيضا إلى جانب البيعة، ولا بد من العيش عاملين بكتاب الله تعالى قدر الإمكان، عندها يمكننا أن نرضي الله تعالى، وعندها فقط سوف يرشدنا الله إلى سبل الخروج من المشاكل، ويرينا سبلا تفوق تفكيرنا.

ثم وضح ؏ أن القوى والقدرات التي أعطانا الله إياها يجب علينا استخدامها بحسب مرضاته تعالى. هذه هي التقوى الحقيقية، وإذا كان استخدامها في محلها وبحسب أوامر الله تعالى فستنمو وتزدهر هذه القوى والقدرات بإذن الله وتنال قوة أكثر فأكثر. فقال ؏:

“إن كل القوى التي آتانا الله إياها ليست لنضيّعها، بل إن تعديلها واستعمالها الجائز هو تنميتها وتطويرها، ومن أجل ذلك لم يأمر الإسلام بالقضاء على قوة الرجولية أو فقء العين، بل حثّنا على استعمالها الجائز وتزكية النفس”.

أقول: فمثلا هناك مواقع الزنا، وقد أعطى الله الإنسان أعضاء التناسل، وهناك مواقع سوء النظر يتورط فيها المرء بواسطة عينه، ولم يقل الله تعالى أن أتلفوا تلك الأعضاء بل قال أن استخدامها في محلها جائز وعندها فقط ستتطهر نفوسكم. فافحصوا أنفسكم هل هي طاهرة أم لا؟

يقول ؏: “كما قال الله تعالى (قد أفلح المؤمنون) فهنا أيضا رسم الله أولاً حياة المتقين ثم ذكر النتيجة وقال: (أولئك هم المفلحون) أي أن الذين يسلكون سبل التقوى، ويؤمنون بالغيب، ويقيمون الصلاة كلما انهارت، وينفقون مما رزقهم الله، ويؤمنون بالكتب السابقة وكتاب الله هذا دون تردد وتفكير رغم ما يساور نفوسهم من أفكار، ويصِلون أخيرا إلى درجة اليقين، فأولئك هم على الهدى، وسائرون على طريق يؤدي بالإنسان إلى الأمام باستمرار حتى يوصلهم إلى الفلاح، فأولئك هم المفلحون”. (ولكن للسير على طريق الفلاح هناك حاجة إلى العمل بأوامر الله تعالى، ورفع مستوى العبادات وأداء حقوق خلق الله، والإيمان بأوامر الله كلها) يقول حضرته:

“فأولئك هم على الهدى، وسائرون على طريق يؤدي بالإنسان إلى الأمام باستمرار حتى يوصلهم إلى الفلاح، فأولئك هم المفلحون الذين سيصلون إلى غايتهم والذين قد صاروا في مأمن من أهوال الطريق. ومن أجل ذلك قد أمرنا الله بالتقوى منذ البداية، وأعطانا كتابا فيه الوصايا بالتقوى. لذا على أفراد جماعتنا أن يجعلوا أكبر همهم ما إذا كانوا أهل التقوى أم لا، ويجب أن يفوق هذا الهمُّ كل همومهم الدنيوية الأخرى”.

ثم يقول حضرته أن على الإنسان أن يزداد معرفة بالله عند نواله النجاح: “لقد سجلت في الكتب أحوال كثير من الناس الذين كانوا متهافتين على الدنيا جدا في أول أمرهم، ولكنهم دعوا واستجيب دعاؤهم، فتغيروا كليا. لذا فلا تفخروا باستجابة أدعيتكم ونجاحاتكم، بل اقدروا فضل الله ورحمته هذه. من المسلم به أن النجاح يزيد صاحبه همة وعزيمة، فيجب أن تنتفعوا من هذا المبدأ وتزدادوا معرفة بالله، لأن أفضل ما ينفعكم إنما هو المعرفة الإلهية، وهي تتيسر بالتدبر في فضل الله وكرمه، ولا راد لفضله تعالى.

إن الفقر المدقع يلقي بصاحبه في المصائب، ورد في الحديث “الفقر سواد الوجه”. لقد رأيت أناسا صاروا ملحدين نتيجة الفقر. ولكن المؤمن لا يسيء الظن بالله تعالى عند أية ضائقة، بل يرجعها إلى أخطائه هو ويسأل الله من فضله ورحمته، وعندما ينقضى ذلك الضيق وتأتي أدعيته بثمارها، فإنه لا ينسى زمن العجز والضيق ذلك بل يتذكره”.

لا شك أن الإنسان يواجه الابتلاء، وتحل به المشاكل ولكنها لا تأتيه عقوبةً، بل تأتي أحيانا لاختبار الإيمان، فلا يترك الله حينذاك، عندئذ يقبل الله أدعيته وتزول مشاكله ومصائبه. ولكن الذي تُقبل أدعيته لا ينسى الزمن السابق بل يبقى تواضعه قائما. يتابع حضرته ؏:

“باختصار، إذا كنتم تؤمنون بأنه لا بد لكم من الاحتياج إلى الله تعالى، فاسلكوا سبيل التقوى. ومبارك الذي يتقي عند النجاح والفرحة، وشقي الذي يتعثر ولا ينيب إلى الله تعالى”.

ثم ذكر ؏ شرطا يجب أن يحققه المتقون فقال: من الشروط التي يجب على أهل التقوى أداؤها أن يقضوا حياتهم بتواضع ومسكنة، هذا فرع من التقوى.

ليس المراد من المسكنة أن يكون الإنسان فقيرا ماليا بل يجب أن يكون متواضعا ويجب أن يخلق المال والثروة فيه مسكنة وتواضعا، وهذا هو فرع التقوى الذي به يجب أن نحارب الغضب في غير محله. عندما يملك المرء أموالا يدب فيه التكبر، فيظن الإنسان نفسه شيئا ويثور غضبا أيضا، ولكن علينا أن نقاوم بالتقوى غضبا لا مبرر له. يقول المسيح الموعود ؏:

“المرحلة الأخيرة والأصعب لكبار العارفين والصِّدّيقين هي اجتناب الغضب. فالعُجب والغرور يتولدان من الغضب، وكذلك، إنّ الغضب في بعض الأحيان يكون نتيجة الزهو والغرور، (أي حين يحسب الإنسانُ غيره أحقر منه) إذ ينشأ الغضب فقط عندما يظن المرء أنه أفضل من غيره”. (إن إدراك هذا الأمر هام جدا، فالإنسان يغضب حين يفضّل نفسه على غيره ويحسب نفسَه أنه شيء يُذكر والآخرون أحقر منه)

يتابع ؏ ويقول: “إنني لا أرضى بأن يعدّ بعض أفراد هذه الجماعة أنفسهم أفضل مِن سواهم، أو أن يفاخر أو يزدري بعضُهم بعضًا. الله أعلم بمن هو أعظم ومن هو أحقر. إن هذه النـزعة نوع من التحقير الذي يتضمن الازدراء، وأخشى أن ينمو هذا الازدراء نموَّ البذرة ويُهلِك صاحبَه. إن بعض الناس يلتقون كبار القوم بفائق الاحترام، ولكن الكبير مَن يستمع إلى المسكين بمسكنة وتواضع وكأنه مثله تماما، ويواسيه ويقيم لحديثه وزنا، ولا ينطق بما يستفزّه ويؤلمه. يقول الله تعالى (ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون). فلا ينادي بعضكم بعضا بما يستفزه، فإن هذا دأب الفسّاق والفجّار. إن الذي يستفزّ غيره لن يموت حتى يتعرض لمثله. فلا تحتقروا إخوانكم”.

أقول: من هم الفساق والفجار؟ إنهم الكاذبون وذوو السيرة السيئة. هذا إنذار شديد من قِبل المسيح الموعود ؏ لمثل هؤلاء الناس. بل الحق أن الله تعالى هو الذي قال ما مفاده أن الخوض في الذنوب بعد اختيار الحسنة ظلم عظيم يصُبّه الإنسان على نفسه. لذا يجب أن يبقى المرء متوجها إلى التوبة ويستغفر الله تعالى دائما ويتوب إليه. يقول حضرته ؏: “لا تحتقروا إخوانكم، فما دام جميعكم تنهلون من نبع واحد، فما يدريكم أيّكم أكثرُ حظًّا من هذا الشراب. لا يكون أحد مكرما ولا معظما بحسب القواعد الدنيوية، إنما كبيركم عند الله التقيُّ: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير)

ثم يقول ؏ موجّها أنظارنا إلى تطوير الأخلاق:

“على جماعتنا أن يتطوروا خُلُقًا، إذ يقال “الاستقامة فوق الكرامة”. عليهم أن يتذكروا أنهم لو عاملهم أحد بقسوة فمن واجبهم أن يردوا عليه برفق ولطف قدر الإمكان، ولا يلجأوا إلى القسوة والشدة ولو انتقاما. إن في الإنسان نفسًا، ولها ثلاثة أقسام: الأمارة، واللوامة، والمطمئنة. ففي حالة النفس الأمارة لا يتمالك المرء عواطفه وثوائره غير المبررة، ويخرج عن حد الاعتدال ويسقط أخلاقيا. هذه هي النفس الأمارة. (حين يستعد الإنسان للانتقام والشجار وكيل الشتائم على أبسط الأمور) أما في حالة النفس اللوامة فيتدارك المرء نفسه. تحضرني هنا حكاية كتبها “سعدي” في كتابه “بوستان”، جاء فيها أن كلبًا عضّ رجلاً صالحا، فعاد إلى البيت وعلِم أهلُه أن كلبا عضَّه، وكانت من بينهم بنت صغيرة وبريئة، فقالت: لماذا لم تعضّه أنتَ؟ قال: يا ابنتي، لا يمكن للإنسان أن يعمل عمل الكلاب. (أي إن العضّ من طبيعة الكلب، ولكن الإنسان ليس مثل الكلب، بل هو إنسان فلا بد أن يستخدم عقله) هكذا يجب أن يتصرف المؤمن، فإذا شتمه شرير فعليه أن يعرض عنه وإلا سينطبق عليه مَثل الكلب المذكور آنفا. لقد تعرض المقربون إلى الله لشتائم بذيئة وأُوذوا إيذاء شديدا، ولكنهم أُمروا دوما: (أَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ). فقد أوذي الإنسان الكامل، أي نبينا الأكرم ﷺ، أشد الإيذاء، وتعرض للسباب والبذاءة وأنواع الوقاحة، ولكن ماذا فعل ذلك الذي كان خُلقًا كريما متجسدا تجاه ذلك؟ لقد دعا لهم فقط. ولما كان الله تعالى قد وعده بأنه لو أعرض عن الجاهلين فإنه سيعصمه ويحافظ على شرفه ولن يقدر هؤلاء السوقة أن ينالوه بأذى، فهكذا كان تماما، فلم يقدر مناهضوه على أن يمسوا كرامة النبي ﷺ قط بل خرّوا على قدميه أذلاء مهانين أو هلكوا أمام عينيه.

فمن صفة النفس اللوامة أن صاحبها يصلح نفسه في المشاكل أيضا، فإنكم ترون يوميا أنه لو سبّكم جاهل أو حاول بعض الأوباش الإضرار بكم، فكلما أعرضتم عنه حافظتم على شرفكم، وكلما قاومتموه وتشابكتم معه تضررتم وتعرضتم للإهانة.

أما صاحب النفس المطمئنة فيصبح فعل الحسنات والخيرات طبعًا فيه، وينقطع عن الدنيا وعما سوى الله كلية. (أي عندما يبلغ المرء هذه المرحلة الأخيرة أي النفس المطمئنة) فهو يمشي في الدنيا ويلتقي أهلها ويجالسهم، ولكنه لا يعيش بينهم حقيقة، بل يعيش في عالم آخر سماؤه وأرضه غيرُ هذه السماوات والأرض).

ثم يقول حضرته ؏: “من كان لله كان الله له. إن الله لا يضيع جهود من يسعى إليه. يمكن أن يضيع الفلاح زرعه، ويضر الخادم سيده بعد عزله، ويفشل الطالب في امتحانه، ولكن الساعي إلى الله تعالى لا يفشل أبدا، فقد وعد الله ووعده الحق: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا).

قال ؏: فمن بحث عن سبل الله وصل غايته المنشودة أخيرا. إذا كنا نشفق على الطلاب الذين يستعدّون للامتحانات الدنيوية ساهرين الليالي (بعض الطلاب من أهل الدنيا يجتهدون كثيرا حتى يسهرون الليالي ويجتهدون ليل نهار حتى نشفق عليهم)، فكيف يمكن لله الذي لا حدّ لرُحمه ولا نهاية لأفضاله أن يضيع مَن يأتي إليه؟ كلا، ثم كلا. إن الله لا يضيع سعي ساعٍ، قال الله تعالى: (إِنَّ اللهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (التوبة 120)، وقال تعالى: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ) (الزلزلة 8). نرى أن آلاف الطلاب يبكون على ضياع جهود ومساع بذلوها عبر السنوات وينتحرون، ولكن فضل الله عميم فهو لا يضيع مثقال ذرة من عمل الإنسان، فيا أسفا على الإنسان الذي يسعى سعيًا حثيثا في الدنيا من أجل أمور ظنية وهمية يُفتَن بها، متناسيا راحته ومتكبدا آلاف أنواع المعاناة والآلام على أمل ضئيل بالنجاح! حيث ينفق التاجر مثلا مئات الآلاف على أمل الربح مع أنه لا يكون موقنا بالربح، (كثير من الناس يخسرون) ولكني لا أرى هذا الحماس والسعي عند من يريدون وصال الله تعالى الذي وعوده يقينية وأكيدة بأنه لن يضيع مثقال ذرة من جهود الذين يسعون إليه. (إن الله وعد أنه سينيلكم الفلاح، مع ذلك يسعى الإنسان للأمور الدنيوية التي لا يبدو النجاح فيها يقينيا، ولا يُبدي ذلك السعي والحماس في سبيل الله تعالى، قال ؏) لمَ لا يفهم هؤلاء؟ ولمَ لا يخافون الموت الذي لا بد لهم منه يوما؟ أليس حريا بهم، بعد رؤية أنواع الفشل، أن يهتموا بهذه االتجارة التي لا أثر للخسارة فيها، بل الربح فيها يقيني؟ كم يتكبد الفلاح في الزراعة! ولكن من يضمن له أن النتيجة ستكون الراحة حتما؟! (الملفوظات)

ثم قال المسيح الموعود ؏ وهو يُظهر رغبته في رؤية التغير الواضح فينا:

“فلو صار شخص واحد ذا فطرة سليمة حية فهذا يكفي. ها إني أقولها علنا أنه لا يليق بي أن أقول لكم ما أقول طمعًا في الثواب. كلا، بل إني أجد في نفسي الحماس والألم إلى أقصى الحدود. لا أدري السبب وراء هذا الحماس، إلا أنه مما لا شك فيه أن هذا الحماس بلغ مبلغا لا أستطيع أن أَكُفّ. قال ؏: إني لا أريد تغييرا خفيا، (أي ينبغي ألا يكون التغيير فيكم خفيا بل يجب أن يكون جليا يُرى بوضوح، لأن الدنيا تحتاج إلى تغيير بيِّن) بل أريد تغييرا بيِّنا، لكي يندم المعارضون، ولكي يرى الناس الضوء من طرفنا وحدنا، وييأسوا من معارضينا ويدركوا أنهم في ضلال. (ينبغي أن يكون هذا التغير مشهودا للعالم ولا يكون للكبرياء بل لنشر الإسلام وتبليغه من خلال أسوة عملية ولإخبار العالم أن هذا التغير الحسن قد حدث فينا بعد بيعتنا للمسيح الموعود ؏ وذلك لكي ينجدب الناس إلى الحق) قال ؏: لقد تاب على يد النبي ﷺ أشرار كبار. لماذا؟ لقد أخجلتهم الثورةُ العظيمة الحاصلة في نفوس الصحابة، وأسوتُهم الحَريّةُ بالتأسي بها. (أي آمن كثير من الناس برؤية التغير الحاصل في الصحابة). (الملفوظات)

 

 

 

كان المسيح الموعود ؏ أيضا يتوقع منا أن نضرب نماذجنا ونسلك دروب التقوى ونقيم مستويات عليا في العبادات والأخلاق، حينها سيتوجه إلينا الناس، وحينها سيعرفون تعليم الإسلام الجميلَ ومحاسنه وحينها يُسلمون، فاليوم يقول العالم غير المسلم أشياء كثيرة ضد الإسلام، والوصمة التي التصقت بالإسلام بسبب تصرفات بعض المسلمين من مسؤولية الأحمديين أن يزيلوها اليوم.

ثم يقول حضرته ؏ أن على جماعتنا النظر إلى الآخرة، فقال ؏:

“انظروا كيف كانت عاقبة قوم لوط وغيرهم من الأمم. فلزاما على كل واحد منكم أنْ لو كان قلبه قاسيًا فعليه أن يلومه ويروِّضه على الخشوع والخضوع، (وإذا كان قلب أحد قاسيا جدا فعليكم أن تُفهموه أن هذه سيئة تجلب سخط الله تعالى فيجب تجنبها) فهذا ضروري جدا لجماعتنا، لأنها تتلقى معرفة متجددة. (إنه من مسؤولية جماعتنا إفهام الدنيا وإرشادها وإنقاذها من النار لأننا بواسطة المسيح الموعود ؏ نلنا المعرفة التي نزلت على النبي ﷺ في صورة القرآن الكريم ولكن كانت أعمال المسلمين قد أخفتها وأعادها المسيح الموعود ؏ إلينا بتحسينها) قال ؏: لو ادعى المرء المعرفة ثم لم يعمل بها، فادعاؤه ليس إلا ثرثرة لسان فقط، لذلك يجب على جماعتنا ألا تغفل برؤية غفلة الآخرين، ولا تدع حبها يخمد برؤية خمود حبِّ الآخرين. إن الإنسان يربي في قلبه آمالا وأماني كثيرة، ولكن مَن يعلم بالقضاء والقدر المخفي وراء الغيب؟! (لا يعلم أحد متى وماذا سيحدث) لا تسير الحياة وفق الأماني والآمال. (لم يحدث أن المرء نال كل شيء تمناه) إن عالم الأماني مختلف عن عالم القضاء والقدر، (للإنسان أمنيات كثيرة، كأنْ يُعَمَّر طويلا ولكن الله تعالى يُنفذ قدْره) وإن عالم القضاء والقدر هو الحق. (ما يقضيه الله تعالى هو يثبت حقا وتتلاشى أمنيات الإنسان ويَثْبُت كونها خاطئة وباطلة) اعلموا أن صحيفة أعمال الإنسان الحقيقية هي عند الله تعالى، (تاريخ الإنسان كله موجود عنده تعالى) وما يدريه ما هو المكتوب فيها، لذلك فعليه أن يوقظ قلبه مرة بعد أخرى لينتبه. (الملفوظات)

عليكم أن تتفكروا وتتأملوا في أعمالكم، ماذا تعلمون وكيف ينبغي أن تقضوا حياتكم. لأن الله تعالى خبير بكل لحظة من حياة الإنسان ويتم تسجيل صحيفة أعماله، لذا عليكم أن تعملوا الصالحات باهتمام خاص وتتوجهوا إلى السلوك على دروب التقوى.

ثم يقول حضرته ؏ وهو يُنبِّهنا إلى أن نجاحات الدنيا أيضا لا تخلو من الابتلاءات وكيف ينبغي لمؤمن أن يتعلم منها:

“إن النجاحات المادية لا تخلو من ابتلاء، قال الله تعالى في القرآن الكريم (خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ) (الملك 3). النجاح والفشل يماثلان الحياة والممات. النجاح نوع من الحياة، فعندما يبلغ المرءَ خبرُ فوزه تدبّ فيه الحياة وكأنه ينال حياة جديدة، أما إذا وصله خبر الفشل فكأنه يموت وهو حي، وفي كثير من الأحيان يموت أصحاب القلوب الضعيفة (بسماعهم خبر فشلهم، ويتوقف قلب بعض الناس عند سماعهم خبر خسارة في تجارتهم فيموتون) قال ؏: والجدير بالتذكر أن الحياة والموت العاديَّيْن أمر سهل، ولكن الحياة والموت الجحيميَّيْن أصعب شيء. والسعيد ينجح بعد الفشل فيزداد سعادة وإيمانا بالله تعالى (فالسعيد حين ينجح بعد الفشل يزداد إيمانا) إنه يستمتع حين يفكر في عجائب قدرة ربه، فيتسبب نجاحه المادي في معرفة الله، وتصبح النجاحات الدنيوية لأمثاله سببا لنجاحهم الحقيقي الذي يسمى فلاحا في اصطلاح الإسلام. الحق والحق أقول، إن السعادة الحقة والراحة الحقة ليست في الدنيا وفي متعها أبدا. الواقع أن الإنسان لن ينال السعادة الحقة والسرور الدائم مع نجاحه في جميع مجالات الحياة. ترون أن أصحاب الثروات يفرحون بثرائهم دائما، ولكن الواقع أن حالتهم تشبه حالة المصاب بالجرب الذي يجد الراحة في حكّ جسمه، (أي لا تظنوا أن الأثرياء سعداء جدا، بل الحق أن حالتهم مثل مريض الجرب أو المصاب بمرض جلدي الذي يشعر بالحكة فيحكّ جسده ويشعر براحة في الحك ويستمر في ذلك حتى ينـزف جسده) قال ؏: ولكن ماذا يكون مآله؟! ينـزف جسده. فلا تفرحوا بهذه النجاحات المادية والعابرة فرحة تبعدكم عن النجاح الحقيقي، بل اجعلوها سببا لمعرفة الله، (هذه النجاحات المادية التي تحرزونها وتربح تجارتكم وتنالون وظائف جيدة وترون صحة أولادكم وصحتكم وتتيسر لكم كل حاجات الحياة فكل هذه الأشياء يجب أن تجعلكم عارفين بالله ولا تزعموا أنها نتيجة فضيلتكم أو عقلِكم) قال ؏: ولا تتباهوا بهمتكم وجهودكم، ولا تظنوا أن هذه النجاحات ثمرة كفاءاتكم ومساعيكم، بل فكروا أن الله الرحيم الذي لا يضيع سعيا صادقا من أحد قد أثمر جهودكم، وإلا أفلا ترون كل يوم أن مئات الطلاب يفشلون في الامتحانات، أكانوا كلهم غير مجتهدين وأغبياء غير أذكياء؟ كلا، بل إن بعضهم يكونون أشد ذكاء وفطنة من معظم الناجحين في الامتحان. (ومع ذلك يفشلون ولكن لا نستطيع أن نقول أنهم كانوا أغبياء بلا عقل بل بعضهم يكونون أكثر ذكاء وعقلا من الناجحين) قال ؏: لذا فلزاما على المؤمن أن يكثر من سجود الشكر لله عند كل نجاح على أنه لم يضيع جهوده، وهذا الشكر سيزيده حبًّا لله وإيمانا به، بل سيجلب له مزيدا من النجاح، لأن الله تعالى يقول (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) (إِبراهيم 8)

ويستطرد المسيح الموعود ؏ قائلا: “فضعوا هذا المبدأ نصب أعينكم دوما، إن على المؤمن أن يخجل عند كل نجاح ويحمد الله تعالى على أنه قد تفضل عليه، (ولا يخبر العالم بتفاخر بل ينشأ فيه تواضع، المراد من الخجل هنا أنه يتواضع ويحمد الله تعالى وينسب كل نجاحاته إلى منة الله وفضله) قال ؏: ويحمد الله تعالى على أنه قد تفضل عليه، وهكذا يمضي قدما ويزداد إيمانا لثبات قدمه عند كل ابتلاء. إن نجاح الهندوسي ونجاح المؤمن متشابهان بادي الرأي، ولكن اعلموا أن نجاح الكافر هو سبيل الضلال، أما نجاح المؤمن فيفتح عليه أبواب النعم. (لأنه نتيجة نجاحه يحمد الله تعالى ويشكره) إن نجاح الكافر يؤدي إلى الضلال لأنه لا يرجع إلى الله تعالى، بل يعدّ جهوده وذكاءه وكفاءته إلهـًا، أما المؤمن فإنه يرجع إلى الله ويتعرّف عليه تعرُّفا جديدا، وهكذا بعد كل نجاح تكون له معاملة جديدة مع الله تعالى، وتبدأ فيه ثورة وتغيير. قال الله تعالى (إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا) (النحل 129). اعلموا أن كلمة “التقوى” وردت في القرآن الكريم مرات كثيرة، وتفسر بالنظر إلى كلمة سبقتها، وقد سبقها هنا حرف “مع”، فمعناه هنا أن الذي يُؤْثِر اللهَ تعالى فالله يُؤْثِره وينقذه من كل أنواع الخزي والهوان. إنني أؤمن أن المرء إذا أراد اجتناب كل أنواع الذلة والشدة فليس أمامه إلا سبيل وحيد، وهو أن يصبح متقيا، وعندها لن ينقصه شيء. باختصار، إن نجاحات المؤمن تمضي به قدما، فلا يقف في مكان واحد. (الملفوظات)

ثم قدَّم حضرته ؏ نصائح متعلقة باحترام قوانين الحكومة والأخلاق العامة فقال:

“عاملوا الجميع بالحسنى، (وهذا الأمر أيضا ضروري للأحمدي لأن الأخلاق الفاضلة تتسبب في إظهار نموذج حسن للعالم) قال ؏: عاملوا الجميع بالحسنى، إن طاعة الحكام والوفاء لهم فرض على كل مسلم. إنهم يقومون بحمايتنا، وقد أعطونا الحرية الدينية التامة. أرى أن من الخيانة الكبرى ألا يطيع المرء الحكومةَ ولا يكون مطيعا لها بصدق القلب. (فالذين يأتون إلى هذه البلاد توفر الحكومة لهم الحماية كما صرَّح ضابط الشرطة آنفا أن قلبه تكدَّر بسبب أعمال المسلمين ولكن حين رأى الأحمديين زالت هذه الكدورة، واليوم هو يكن في قلبه احتراما للإسلام، لذلك هو يريد حماية المسلمين الأحمديين وجاهز لتقديم كل نوع من التعاون، فما يقوم به رجال الحكومة عموما وما يقدمونه لنا من خدمات يستوجب علينا أن نتقيد بالقانون ونطيع الحكام، وهذا ما يريده منا المسيح الموعود ؏ (لعلِّي قلتُ ضابط الشرطة ولكنه مفوض الشرطة) قال ؏: وللأقارب حقوق فيجب معاملتهم بالحسنى. غير أن على المرء أن يعتزلهم فيما يخالف مرضاة الله تعالى. إن مبدأنا هو أنه يجب الإحسان إلى الجميع، فأحسنوا إلى كل خلق الله تعالى. (الملفوظات)

هذا هو المعيار العظيم لأخلاقِ كل أحمديٍّ، أن يعامل الجميع بالحسنى ويحسن إلى أقاربه وأحبابه، لذا قال المسيح الموعود ؏ أن عاملوا الأقارب أيضا بالحسنى.

ثم قال حضرته ؏ عن المواساة تجاه كل واحد وإظهار نماذج الأخلاق السامية:

أما أنا فإذا كان أحد يعاني من الألم وكنت في الصلاة، وتناهى إلى أذني صوته فإنني أُريد أن أساعده ما استطعت ولو بنقض الصلاة، وأجد لزامًا علي مواساته بكلّ ما في وسعي.

ومما يُناقض الأخلاق ألاّ يُساعد الإنسانُ أخاه المكروب أو الذي يُعاني من شدّة. إذا لم يكن في وسعكم فِعل أيّ شيء له، فعليكم أن تدعوا له على الأقل. وعليكم أن تطبّقوا هذه الأخلاق وتمارسوها حتى مع الأغيار والهندوس أيضا وليس مع إخوتكم فقط. على المرء ألاّ يكون من الذين لا يُبالون.

ثم سرد ما حدث له فقال:

ذات مرة كنت ذاهبا للنـزهة، وكان برفقتي مسَّاح الأراضي وكان يتقدمني قليلاً وكنت وراءه. قابلنا في الطريق سيدةً مسنّة في السبعين أو الخامسة والسبعين من عمرها، أعطته رسالة ليقرأها لها فوبّخها ونحّاها جانبًا فتلقيت من ذلك صدمة قلبية. ثم أعطتْني السيّدةُ الرسالةَ. فتوقّفتُ وقرأتُها لها وشرحتُها جيدا. مما جعل ذلك المسَّاح يندم كثيرا على ما صدر منه إذ قد اضطُر إلى الوقوف على أية حال وحُرم من الأجر.

فمن مقتضى الأخلاق السامية أن نهتم بسد حاجة أشد الناس فقرا، وهذه هي الأخلاق التي علمناها النبي ﷺ فقد حدث معه أيضا مثل هذه الأحداث، فقد ورد في الروايات أن عجوزا أوقفته وظلت تتكلم معه فظل واقفا معها حتى أنهت كلامها. ثم أرانا خادمه المخلص الأخلاق نفسها بأعماله.

ثم يقول سيدنا المسيح الموعود ؏ عن حسن معاشرة النساء (فبهذا الخصوص أيضا تصدر من الرجال اعتداءات أحيانا):

“ينبغي أن تتحملوا من النساء كل نوع من سوء الخُلق والإساءة، ما عدا الفحشاء،

ليس من المروءة مطلقًا أن نتشاجر مع النساء ونحن رجال. لقد خلقنا الله تعالى رجالاً، الأمرُ الذي هو في الحقيقة من إتمام النعمة علينا، والشكرُ عليها يقتضي منا أن نعامل النساء بلطف ونرفق بهن”.

فالبيوت التي فيها نزاعات يجب أن يزيلوها. فأحد فروع التقوى، أن نسعى لتحسين الأوضاع في بيوتنا خائفين اللهَ ﷻ.

ثم يقول حضرته ؏:

الحسنات التي يقوم بها المرء قسمان، هما الفرائض والنوافل. فالفرائض هي واجبات لا بد له من أدائها كسداد الدين أو الإحسان جزاءَ الإحسان. (أي إذا استدان أحد من غيره فسدَّد هذا الدَّين، أو إذا أحسن إليكم أحد فأحسنتم إليه فهذا واجب ولا يعدّ حسنة) وإضافة إلى الفرائض هناك مع كل حسنة نوافلُ، أي حسنة أكثر مما وجب عليه. (أي إذا أحسن إليكم أحد وأحسنتم إليه أكثر فكأنكم أديتم نفلا) كأن يردّ المرء على معروف الآخر بأكثر مما فعل. (أي إذا عمل أحد بحقكم معروفا فعليكم أن تردّوه بمعروف أكبر) فهذا من النوافل وهي مكملات الفرائض ومتمِّماتها. (أي تكتمل بها الفرائضُ وترتفع معاييرُها) فقد ورد في الحديث أن فرائض أولياء الله الدينية تكتمل بالنوافل، فعلى سبيل المثال إنهم يخرجون الصدقات علاوة على الزكاة. يكون الله تعالى وليًّا لأمثال هؤلاء، ويقول الله تعالى: إن هذه الولاية والصداقة تتوثق حتى أكونَ يَدَ وَلِيي ورجلَه وغيرهما، وحتى أكون لسانَه الذي يتكلم به.

ثم يقول حضرته لافتا انتباهنا إلى التخلي عن الأخلاق الرذيلة: إن الشيطان يدعو إلى الكذب والظلم والثوائر والقتل وطول الأمل والرياء والتكبر. وفي المقابل يدعو الله ﷻ إلى الأخلاق الفاضلة والصبر والمحوية والتفاني في الله والإخلاص والإيمان والفلاح. والإنسان بين هذين الجذبين. فالذي طبعُه سليم ويملك السعادة فهو ببركة طبعه الرشيد والسعادةِ وحسنِ النية يندفع إلى الله ويجد فيه ﷻ راحتَه وقناعته وطمأنينته رغم آلاف الدعوات من الشيطان والثوائر. وهذا ما يجب أن يكون عليه دأبُ المؤمن.

ثم قال حضرته ؏ في موضع آخر:

مما يجدر تذكره باهتمام قلبي (أي يجب أن تستمعوا له باهتمام وترسخوه في القلب) أنه كما وُضِع الحجر الأسود في بيت الله كذلك القلب مَوْضِعُه في الصدر. (أي أن مكانة قلب الإنسان في الصدر كالحجر الأسود في الكعبة) لقد جاء على بيت الله زمان وَضع الكفار الأصنام فيه، (أي قد أتى على الكعبة حينٌ من الدهر حيث كان الكفار قد وضعوا فيها الأصنام) وكان من الممكن ألا يأتي ذلك الزمن على بيت الله، ولكن الله تعالى سمح بذلك ليقدمه نظيرا ومثالا. فإن قلب الإنسان أيضا يشبه الحجر الأسود وصدرُه يشبه بيت الله. وإن التفكير في ما سوى الله هو بمنـزلة الأصنام التي وُضعت في الكعبة، (أي أن مثل ما يخطر ببالنا من أفكار في ما سوى الله تعالى كمَثل أصنام وُضعت في الكعبة) وقد كُسرت أصنام مكة حين ذهب إليها رسول الله ﷺ مع عشرة آلاف قدوسي، وتم فتح مكة. لقد سمّي هؤلاء العشرة آلاف صحابي في الكتب السابقة ملائكةً، (أي شُبِّهوا بالملائكة) والحق أن شأنهم كان شأن الملائكة تماما. إن القوى البشرية أيضا بمنـزلة الملائكة من وجهٍ، إذ ورد في صفة الملائكة أنهم: (يَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)، كذلك هي خاصية القوى البشرية فإنها تفعل ما تُؤمر. وكذلك فإن جميع القوى والجوارح البشرية تابعة لأوامر الإنسان. فلا بد لكسر الأصنام المتمثلة في ما سوى الله والقضاءِ عليها من شنِّ هجوم مماثل عليها.(أي قاوِموا ثوائر النفس وطهِّروا القلوب) وهذا الجند إنما يجهَّز بتزكية النفس. (أي إذا زكيتم نفوسكم وطهَّرتم قلوبكم وتحليتم بالتقوى، واهتممتم بعبادة الله وأديتم حقوقه وحقوق مخلوقه فبذلك سيتجهز الجيش الذي يكسر الأصنام في كعبة قلوبكم) ولا يُكتب النصر إلا لمن يقوم بالتزكية، فقد قال الله تعالى في القرآن الكريم: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا). وورد في الحديث الشريف أنه إذا صلح القلب صلح الجسد كله. (أي إذا تطهَّر القلب تطهَّر الجسد كله، فلا تنشأ الأفكار السيئة ولا تصدر تصرفات سيئة) وما أصدقه من قول، فإن العين والأذن والرِّجل واللسان وغيرها من الأعضاء والجوارح كلها تعمل في الحقيقة بأوامر القلب. حيث تخطر بالقلب فكرة ما فلا يلبث العضو المتعلق به أن ينفذها. (أي تنشأ في قلب الإنسان فكرة سيئة أو حسنة فهو ينشط فورا لتنفيذها بواسطة عضو له علاقة بها، فإذا كانت تتعلق بيد أو عين أو عضو آخر فإن القلب يأمره لتنفيذ تلك الفكرة، لذا طهِّروا قلوبكم)

في الأخير أقدم لكم مقتبسا آخر يزخر بنصائح صادرة من منتهى الحرقة، فقد قال ؏:

إن الذي يُري جاره تغييرا في أخلاقه ويثبت له أنه صار إنسانا مختلفا تماما، فكأنه يُظهر كرامة. سيكون له تأثير طيب عظيم في جاره. يعترض الناس على جماعتنا قائلين إننا لا نرى أي تطور حققه أبناؤها، (أي يقول بعض المعترضين إن هؤلاء الناس أصبحوا أحمديين فلا نعرف أي تقدم أحرزوه) ويرمونهم بالافتراء والغيظ والغضب. (يتحدث ؏ عن المعارضين الذين يقولون: أيَّ تقدّم أحرزوه بعد انضمامهم إلى الجماعة الأحمدية، إذ ما زالوا متورطين في الافتراء والغيظ والغضب) ألا يبعث ذلك أفراد جماعتي على الخجل؟! فإنهم قد انضموا إليها باعتبارها جماعة صالحة، مثل الابن البارّ الذي يتسبب في حسن سمعة والده. لأن المبايع في حكم الابن. (فإذا كان اعتراض الأغيار في محله فهو جالب الخجل للمبايعين، فقد بيَّن حضرته من مثال أن مَثل المبايع كمثل الابن البار الذي يذيع صيت والده الحسن، فبعد البيعة يصبح المبايع كالابن) ومن أجل ذلك قد سميت أزواجُ النبي ﷺ المطهَّراتُ أمهاتِ المؤمنين، وكأنه ﷺ أبٌ لعامة المؤمنين. الأب المادي يتسبب في مجيء ابنه إلى الدنيا في الحياة العادية. (أيْ أن الأبوين يتسببان في مجيء روح الولد وجسمِه إلى الدنيا، أي أنهما يكونان وسيلة لولادته في الدنيا ويتسببان في الحياة الظاهرية التي ينالها) أما الأب الروحاني فيرفعه إلى السماء ويرشده إلى مركزه الأصلي (أي الأب الروحاني يذهب به إلى الله وهو مركزه الأصلي)، أفترضون أن يشوِّه ابنٌ سمعة أبيه، بالتردد على المومسات، ولعب القمار، وشرب الخمر؟! أو يتورط في غيرها من الأفعال القبيحة التي تسيء إلى أبيه؟! إني لأعلم أنه لا يرضى أحد بذلك، ولكن إذا ما أتى الابن السيئ بهذه المنكرات فلا أحد يقدر على إلجام الخلق. (أي إذا ارتكب الابن هذه التصرفات المشينة وكان الناس على علم بها فلا يمكن إلجام أفواه الناس، فسوف يرفع الناس أصابعهم ويُطلقون لألسنتهم العنان) فسوف يذكره الناس مع ذكر أبيه ويقولون إن ابن فلان يرتكب هذه المنكرات. فالحق أن ذلك الابن الشرير هو الذي يلطّخ سمعة أبيه. كذلك تمامًا إذا ما انضم أحد إلى هذه الجماعة ثم لم يبالِ بعظمتها وكرامتها، وخالف تعاليمها، فإنه مؤاخَذ عند الله، (أي سوف يبطش الله به) فهو لا يلقي بنفسه فقط في التهلكة، بل يقدم إلى الآخرين أيضا مثالاً سيئا ويحرمهم من السعادة والهداية. (أي يتسبب في عثار الآخرين وحرمانهم، ومنْعهم من السير على الطريق الصحيح)

لذا فاستعينوا بالله ما استطعتم، واسعوا للتخلص من تقصيراتكم بكل ما أوتيتم من قوة وهمة، وحيثما عجزتم فارفعوا أيديكم بصدق ويقين، لأن الأيدي المرفوعة بخشوع وخضوع وبدافع الصدق واليقين، لا تردُّ خائبة. (أي إذا فقدتم السيطرة على نفوسكم فأنيبوا إلى الله وارفعو أكفَّكم للدعاء وادْعوا في السجدة وقياما وقعودا وادعوا الله بخشوع وخضوع، لأن الأدعية التي تُرفع بخشوع وخضوع لا تردّ، بل يتقبلها الله ﷻ ويطهِّر الإنسان من كل السيئات)

إنني أقول بناء على خبرتي إن آلاف أدعيتي قد أجيبت ولا تزال تجاب. من المؤكد أن الذي لا يجد في نفسه حماسًا لمواساة بني جنسه فهو بخيل. (أي إن لم تجدوا في أنفسكم حماس المواساة لزملائكم والناس عامة، فهذا يعني أن في قلوبكم بُخلا)

إذا رأيت طريقا يؤدي إلى صلاح وخير، فمن واجبي أن أنادي الناس إليه صارخا. لا أهتم إذا كان أحد يلبي ندائي أم لا.

فمن واجبنا أن ننادي الناس بملء أفواهنا. فقد ألقى حضرته علينا مسؤولية نشر الدعوة. والحق والهدى والصدق الذي آمنتم به فانشروه في العالم وأطلعوه عليه دون أن تبالوا هل يستجيب لكم الناس أم لا. فالرسالة يجب أن تصل إلى كل مُواطن هنا، يجب أن نوصل هذه الرسالة إلى كل مُواطن في كل بلد، وهذه المسؤولية ألقاها علينا المسيح الموعود ؏.

إذن يجب أن تتذكروا أن علينا أن نخلق التقوى في قلوبنا، علينا أن نطهِّر قلوبنا، وبذلك علينا أن نُطلع محيطنا على محاسن الإسلام من خلال أعمالنا، وعلينا أن نطهِّر بيوتنا ونرفع معايير أخلاقنا، ونخلق لكل واحد وسائل الراحة والسهولة بدلا من إيذائه. ونوصل إلى كل إنسان رسالة حقيقية للإسلام والأحمدية. وَفَّق الله ﷻ الجميعَ لذلك حتى نكون نحن الجميع مؤدِّينَ حقَّ البيعة بحسب ما يريد الله منا وبحسب ما توقَّع منا المسيحُ الموعود ؏ ولا نكون من الأحمديين الذين يقول الناس مشيرين إليهم إنهم مع كونهم أحمديين يشوِّهون سمعة الأحمدية، ويسيؤون إلى المسيح الموعود ؏. سيَّرنا الله ﷻ على دروب التقوى دوما وَوَرَّثَنَا جميع الأدعية التي رفعها المسيح الموعود ؏ لأتباعه. تعالوا ندعُ.

عدد الحضور 3878، وجاء الضيوف من 24 بلدا. وبسبب هؤلاء الضيوف ارتفع عدد المشتركين. عدد الأحمديين من بلجيكا منهم هو 1775 تقريبا وعدد الضيوف 2300. هذا ما يحدث في الجماعات الصغيرة أن عدد الضيوف يصبح أكثر من المحليين. على كل حال أسأل الله ﷻ أن يجعل جميع الحضور وَرثة لجميع أدعية المسيح الموعود ؏، وأعادكم إلى بيوتكم بخير وعافية. تريدون الأناشيد؟ فتفضَّلوا.

 

About الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز

حضرة أمير المؤمنين الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز ولد حضرته في الخامس عشر من أيلول 1950 في مدينة (ربوة) في الباكستان. هو حفيد لمرزا شريف أحمد نجل المسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام. أنهى حضرته دراسته الابتدائية في مدرسة تعليم الإسلام في مدينة (ربوة) وحصل على درجة البكالوريوس من كلية “تعليم الإسلام” في نفس المدينة. ثم حصل حضرته على درجة الاختصاص في الاقتصاد الزراعي من كلية الزراعة في مدينة (فيصل آباد) في الباكستان وذلك في عام 1976م.

View all posts by الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز