قتل ساب الرسول ﷺ وسلم بين القرآن والسنة وآراء الفقهاء

نتناول في هذا المقال قضية قتل ساب الرسول صلى الله عليه وسلم بين القرآن والسنة وآراء الفقهاء، حيث نثبت من جديد أن الفقه الإسلامي أبدع دينا جديدا غير دين الإسلام.

آراء الفقهاء:

قال مالك رحمه الله: “من سب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو شتمه، أو عابه، أو تنقصه، قتل مسلما كان أو كافرا ولا يستتاب“. (نقله القاضي عياض في الشفاء وابن تيمية في الصارم المسلول وابن رشد في البيان والتحصيل).

قال الإمام ابن المنذر كما نقله عنه القرطبي 8/82:

أجمع عامة أهل العلم على أنَّ مَن سبَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عليه القتل“.

وقال الإمام الخطابي في معالم السنن 3/295:

لا أعلم أحداً مِن المسلمين اختلف في وجوب قتله“.

وقال القاضي عياض في الشفاء:

أجمعت الأمة على قتل متنقصه من المسلمين“.

وقال ابن رشد في البيان والتحصيل: قال الإمام القاضي: “هذا كله بين لا إشكال فيه؛ إذ لا اختلاف في أن من سب النبي – عليه السلام -، أو عابه، أو نقصه بشيء من الأشياء؛ يقتل، ولا يستتاب مسلما كان أو كافرا أو ذميا “.

المسلمون التقليديون:

هذا إجماع الأمة وقد ذكره ابن المنذر والخطابي وغيرهم، بل لا يعلم أحد من المسلمين اختلف في هذا إذا كان مسلما كما قال الخطابي.

أي شئ أعظم قبحا وجرما من النيل من نبينا صلى الله عليه وسلم؟ وأي دين يبقى إذا نيل ممن جاء به؟

خصوم الإسلام:

هذا وجه بسيط من وجوه دموية هذا الدين، وما خفي أعظم. ولا نجد في التاريخ البشري دينا أشد عداوة للإنسان من هذا الدين.

المسلمون المتنورون، والمسلمون بالفطرة:

لا شك أن العلماء أخطؤوا، وأن هناك خللا في مكان ما. على كل حال، لسنا أهل تخصص، لكن لا يمكن أن نقبل هذا في دين الإسلام.

المسلمون الأحمديون:

لا شك أنه ليس هناك شيء أكبر قبحا من الإساءة لسيد الخلق صلى الله عليه وسلم .. لكن لا الله ولا رسوله عليه ألف صلاة وسلام قد شرعا قتل شاتم الرسول ص .. بل حتى من سب الله لا حد عليه في الإسلام.

و لا نجد في كتاب الله تعالى ولا في سنة الرسول صلى الله عليه ولو شبه إشارة إلى هذا الإجتهاد الفقهي الكارثي. وهذه أدلتنا:

أولا: تعليم القرآن الكريم في هذا الباب:

  1. الإعراض عن المسيئين، وعدم العقود في مجالسهم:

يأمر كتاب الله تعالى بالإعراض عن المسيئين لله تعالى ورسوله ص، وينهى عن القعود في مجالس السابين.

يقول تعالى: “وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا“.(النساء – 141).

و يقول عز وجل: “وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ“. (الأنعام – 69).

  1. النهي عن إيذاء مقدسات الآخرين:

و لأن إيذاء مقدسات الآخرين قد يكون سببا في استثارة ثوائرهم النفسية وإساءتهم لمقدسات المسلمين، فقد نهى كتاب الله تعالى عن ذلك:

يقول الله تعالى: “وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّواْ اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ“. (الأنعام – 109).

  1. عقوبة المسيء لمقدسات المسلمين:

لم يقرر الإسلام عقوبة دنيوية مادية لشاتم الرسول صلى الله عليه وسلم، بل جعل جزاءة اللعنة في الدنيا والعذاب في الآخرة.

يقول الله تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا“.(الأحزاب – 58).

و يقول عز وجل: “وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ“.(التوبة – 62).

ثانيا: سنة الرسول صلى اله عليه وسلم:

لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم قرآنا يمشي على الأرض. فتعليم القرآن الكريم كان يجد تطبيقه بحذافره في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم.

و هكذا نجد في السنة النبوية عشرات المواقف التي تعرض فيها الرسول صلي للإيذاء النفسي من سب وشتم واستهزاء وسخرية، كما تعرض جسده الطاهر للإيذاء الجسدي مرات عديدة ..

لكن الثابت في كل هذه المواقف هو أن ردة فعله صلى الله عليه وسلم تجاه من سبه أو أساء لمقامه المبارك لم تكن تتجاوز حد الإعراض والعفو والإبتهال إلى الله تعالى بالدعاء!

وهذه السنة في الحقيقة هي تجسيد للأمر القرآني: “خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ“.

ثالثا: إجماع العلماء:

أما إجماع العلماء فلا يعني طالب الحق في شيء، خصوصا إن خالف هذا الإجماع كتاب الله وسنة رسوله، فماذا إن أحل دم البشر!

و رب سائل يسأل: كيف يجمع هؤلاء على شيء يقول القرآن بخلافه؟

و الجواب أن هؤلاء المجمعين يبنون رأيهم على ثلاث أدلة:

  • أولها: أن شاتم الرسول ص كافر، وأن الكافر مرتد، وأن المرتد يقتل ..
  • و ثانيها: رواية للإمام علي رضي الله عنه عن رجل أعمى قتل زوجته لأنها تسب الرسول ص، فقال له الرسول ص أمام الملأ: “ألا اشهدوا أن دمها هدر“.
  • و ثالثها: قولهم “أي دين يبقى إذا نيل ممن جاء به” وهو دليل عقلي عندهم.

وردنا كالتالي:

الدليل الأول:

  • كون الشاتم كافرا، هذا واضح وإلا لو كان مؤمنا لما كان ممكنا سبه للرسول ص.
  • أما عن كون الكافر مرتدا، فليس بالضرورة صحيح، فكل مرتد كافر ولكن ليس كل كافر سبق أن أسلم وارتد ..
  • أما عن قتل المرتد، فهذا انحراف عقدي آخر سنتناوله في مقال آخر.

الدليل الثاني:

هذا الدليل يثبت أولا أن القاتل هو الأعمى وليس الرسول ص، وهذه تبرئة للرسول ص من هذه الوحشية. كما يثبت من كلام الرسول ص أنه أراد أن يشهد الناس أن الرجل الأعمى قد هدر دم زوجته. وهو الكلام الذي فهمه الفقهاء تحريفا على أنه إباحة لدم المرأة الشاتمة.

الدليل الثالث:

أما القول “أي دين يبقى إذا نيل ممن جاء به” فلا أراه إلا ضعفا في الإيمان بأن لهذا الدين رب يحميه، فهل نال المعاضون للإسلام منذ زمن الرسول ص وإلى اليوم من هذا الدين العظيم، وهم من حملوا السيف في وجهه الكريم وأخرجوه من داره وبلده، حتى ينال منه من هم أضعف منهم شوكة وأقل إضرارا.

وصلى الله وسلم على سيدنا خاتم النبيين، والحمد لله رب العالمين.