الاعتراض: هل المسيح عاش 120 عاما، وما معنى الكهولة؟

كمسيحيين نعترض على تفسير الأحمدية أن المسيح عاش 120 عاماً، ودليلنا هو أن القرآن قال بأن المسيح كلم الناس في المهد وكذلك في الكهولة، والكهولة حسب قواميس اللغة العربية تبدأ من الثلاثين حتى الأربعين أو الخمسين وليس 120 لأن هذا سن الشيخوخة وليس الكهولة. وفيما يلي استدلال من القرآن حول هذا الموضوع:

الكهل

(الرجل فى تمام أشده واستوائه قوة وعقلا من الثلاثين إلى الخمسين تقريبا)

{وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ }آل عمران46

{إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ }المائدة110

الشيخ

(الرجل العجوز بعد سن الخمسين تقريبا) والمؤنث شيخة، والجمع شيوخ

{قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَـذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ }هود72

{قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ }يوسف78

{وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ }القصص23

{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى مِن قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُّسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }غافر67

الرد: لا يشترط للشيخ أن يكون طاعنا في السن

لا شك أن الاستدلال بالآيات أعلاه على كون الشيخ هو سن نهاية الحياة صحيح، ولكن الاستدلال بذلك للقول بعدم جواز إطلاق صفة الكهولة على من بلغ سن الشيخوخة فيه نظر، فقد جاء في الحديث:

الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ نَكَالًا مِنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.” (حديث صحيح في السنن والمسانيد)

لأن الشيخ والشيخة هنا لا يقصد بهما العجزة بل المتزوجون كما جاء في موطأ مالك:

قال يحيى: سمعتُ مالكاً يقول: قوله: الشيخ والشيخة يعني: الثيب والثيبة فارجموهما البتة.” أهـ

فلا يشترط بالشيخ إذن أن يكون طاعناً في السن بل يقصد به أيضاً الزعيم والمتزوج وإن كان شاباً.

لماذا قيل كهلاً ولم يقل عجوزاً مثلا؟

يجيب مجاهد ؒ:

والعرب تمدح الكهولة لأنها الحالة الوسطى في احتناك السن واستحكام العقل وجودة الرأي والتجربة.” (تفسير ابن كثير، آل عِمْران 47)

وكذلك الأزهري ؒ:

“وقيل له كَهْل حينئد لانتهاء شَبابه وكمال قوَّته.” (لسان العرب)

كما جاء في المعجم:

أَراد بالكَهْلِ ههنا الحليمَ العاقلَ.” (لسان العرب)

والعجوز صفة للرجل والمرأة إذا طعنا في السن، حيث جاء في المعجم:

قال الأَزهريُ: والعربُ تقول لامرأَة الرجل وَإِنْ كانت شابة: هي عَجُوزُهُ، وللزوج وإِن كان حَدَثاً: هو شَيْخُها، وقال: قلت لامرأَة من العرب: حالبي زوجكِ، فَتَذَمَّرَتْ وقالت: هلا قلتَ حالبي شَيْخَكِ؟ ويقال للرجل عَجُوز وللمرأَة عَجُوز.” (لسان العرب)

فالعجوز لا تقال مدحاً بل تقال للهرم والضعف فقط، بينما الكهولة تقال للمدح لمن طال عمره وقويت حكمته.

إذن لا يوجد سن محددة للكهولة وكل ما قيل مجرد اجتهادات لا غير، فلا وجود لسن ثابتة للكهولة وإنما هي صفة تُطلق بالضد من الطفولة والصبا والشباب، أي أن سن الكهولة يعاكس سن الطفولة، كقولنا الليل والنهار، والسماء والأرض الخ، وكقول الشاعرين:

وكيف ترجيها وقد حال دونها … بنو أسد كهلانها وشبابها.” (ابن ميادة، لسان العرب)

ولا أَعُودُ بعدها كَرِيًّا 
أُمارِسُ الكَهْلَة والصَّبِيَّا” (الأشعث بن هلال من بلعدوية، لسان العرب)

وجاء الكهل بمعنى نهاية الحياة:

وقد اكتهل النبات: طال وانتهى منتهاه.” (تاج العروس)

فالكهولة والطفولة/الصبا أضداد بعضيهما، حيث الأولى بداية الحياة والثانية نهايتها.

كذلك ليس من الخطأ اعتبار بداية سن الكهولة هو من سن الأربعين أو الخمسين فما فوق، وذلك لأنها تبدأ فقط منذ تلك السن وتنتهي عند موت الإنسان سواء كان في السِّتِّينَ أو المائة الخ، فالمهم هو القوة وَالْحِكْمَةَ، لأن الخمسيني أو حتى المئوي إذا كان بكامل قواه العقلية والجسدية فهو شيخ سِنّاً وكهل سنّاً وقوةً معاً، أما الشيخ الضعيف فهو عجوز أي فاقدٌ للقوة. وهي صفة لا تليق بالنبيين. وقد ورد في الحديث الشريف أن الكهل هو المسن الذي يتركه المجاهد في البيت لرعاية الأطفال أي غير القادر على الجهاد بسبب سنه:

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، أنا أَبُو الْحَسَنِ الْكَارِزِيُّ، أنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ، رَفَعَهُ، أَنَّ رَجُلا كَانَ يَخْدُمُهُ فِي سَفَرٍ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ فِي أَهْلِكَ مِنْ كَاهِلٍ؟» فَقَالَ: لا، مَا هُمْ إِلا صِبْيَةٌ صِغَارٌ، قَالَ ﷺ: «فَفِيهِمْ فَجَاهِدْ».” (البيهقي في شعب الإيمان وقال: قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: قَوْلُهُ: مِنْ كَاهِلٍ: يَعْنِي مَنْ أَسَنَّ بِهِ، وَهُوَ مِنَ الْكَهْلِ.)

وقال أَبُو عُبَيْدٍ ؒأيضا:

من الكُهُولة؛ يقول: هل فيهم مَنْ أَسَنَّ وصار كَهْلاً؟” (لسان العرب)

وقال الأزهري ؒ:

ومعنى قولِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: هل في أَهلِك من كاهِلٍ، أَي في أَهلك مَنْ تعْتَمِده للقيام بشأْن عيالك الصغار ومن تُخلِّفه مِمَّن يلزمك عَوْلُه، فلما قال له: ما هُمْ إِلاَّ أُصَيْبِيَةٌ صِغار، أَجابه فقال: تَخَلَّف وجاهِد فيهم ولا تضيِّعهم.” (لسان العرب)

بقي أن نعرف ما أو من الذي يمكنه تحديد سن الكهل الخاص بالمسيح عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام؟

في الحقيقة لا يوجد أفضل من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم الذي أوتي جوامع الكلم الذي حدد عمر الكهل عيسى عَلَيهِ السَلام في الحديث الذي أخرجه الإمام الطبراني في “المعجم الكبير” بسند رجاله ثقات:

عن عائشة أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قال في مرضه الذي توفي فيه لفاطمة: «إن جبريل كان يعارضني القرآن في كل عام مرة، وإنه عارضني بالقرآن العام مرتين وأخبرني أنه لم يكن نبي إلا عاش نصف الذي قبله، وأخبرني أن عيسى ابن مريم عاش عشرين ومائة سنة، ولا أراني إلا ذاهباً على رأس الستين».” (المعجم الكبير للطبراني، شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية، للزرقاني، 67/1. ورواه الحاكم في المستدرك. قال الحافظ ابن حجر العسقلاني ؒ: “رجال السند ثقات” انظر: موسوعة الحافظ ابن حجر العسقلاني الحديثية، ج 3. فتاوى، قسم الحديث، 20)

فالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم هو الذي أعطى لسن عيسى عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام الكهل 120 سنة، وهو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم خير من يعرف العربية.

الخلاصة:

يتبين مما سبق أن الكهولة والشيخوخة مراحل للمسنين لكل منهما معنى خاص، حيث الشيخوخة تلزم السن وحده، بينما الكهولة تلزم السن وكذلك سلامة الحالة العقلية والبدنية. فالاستدلال بالآيات على المراحل العمرية صحيح على أي حال، فالمسيح عَلَيهِ السَلام حين سافر إلى الهند وكلّمَ بني إسرائيل هناك فقد كان عمره وقتها 33 سنة بعد الهجرة، وبقي يكلمهم بعد الأربعين والخمسين التي هي سِنِيّ الكهولة كما جاء في الاستدلال، فتحقق بهجرة المسيح عَلَيهِ السَلام بعمر 33 إلى الهند وتكليم بني إسرائيل هناك تحقق نبأ القرآن الكريم أنه سيكلمهم وهو كهل. وبذلك يبطل الاعتراض ويثبت قول القرآن الكريم وتفسير الجماعة الإسلامية الأحمدية.

لقراءة المزيد: 30 آية تثبت موت المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام

وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

About الأستاذ فراس علي عبد الواحد

View all posts by الأستاذ فراس علي عبد الواحد