ما هو الولاء والبراء في الإسلام؟

الولاء:

الولاء في الإسلام إنما يعني أن المسلم يجب أن يكون ولاؤه الأول لجماعة المؤمنين وإمامهم، ويكون ارتباطه بها هو الارتباط الأسمى الذي لا يعادله ارتباط آخر. وألا ينحرف نتيجة اتباع التقاليد والأهواء والعصبيات فيتضرر إيمانه؛ مما يؤدي إلى إنحرافه في النهاية عن السلوك الصحيح والعمل الصالح.

البراء:

أما البراء فإنما يعني أن يتبرأ المسلم من الكفر ظاهره وباطنه، ويقطع علاقته حتى بأقرب المقربين – إن كانوا يحادُّون الله ورسوله ويحاربونهم ويعلنون لهم العداوة بأي صورة، سواء كان ذلك في صورة حرب وقتال أو مقاطعة أو هجوم معنوي بالسب والشتم والتفاحش. وذلك صيانة لإيمانه وعمله الصالح.

هذا هو الولاء والبراء في الإسلام بكل بساطة. وهو واجب على كل مسلم، بل لا يستقيم إسلام المرء وإيمانه إن لم يلتزم به.

ومعنى أن ولاءه الأول هو لجماعة المؤمنين لا يعني أنه ممنوع على المسلم من أن يوالي أحدا في غير الدين، بل الإسلام يأمر المسلم بأن يوالي النظم الدنيوية الأخرى ويكون مطيعا لها طاعة كاملة – فيما لا يعارض أوامر الله. وليس هذا فحسب، بل إن الإسلام قد عَدَّ النظم الدنيوية التي لا تعارض جماعة المؤمنين بأنها صاحبة ولاية أمر شرعية واجبة الطاعة وأنها جزء من النظام الديني، وطاعتها من طاعة الله ورسوله، إذ يقول تعالى:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ } (النساء 60)

لا علاقة بين الولاء والبراء ومعادات غير المسلمين

ومعنى البراء من الكفر لا يعني معاداة الكافرين من أولي القربى أو من المجتمع أو البلد الذي يقطن فيه المؤمن لمجرد أنهم لم يؤمنوا، بل القصد أن المؤمن سيقطع أي رابطة أو علاقة بهؤلاء إذا حاددوا الله ورسوله وأعلنوا عداءهم لجماعة المؤمنين وحاربوهم بأي صورة، وسيُبقي أيضا على كل رابطة لا تتصادم مع الرابطة الأسمى بجماعة المؤمنين، بل ويوصل البر والإحسان وإيتاء ذي القربى إلى هؤلاء ضمن هذا النطاق.

المهم ألا تتغلب الروابط الدنيوية على الرابطة الدينية وتصبح لها الأولوية. فالذي يفعل ذلك يكون إيمانه في خطر شديد، وسيُستدرج تلقائيا وينزلق إلى الكفر اتباعا للتقاليد وتعصبا لذوي قرباه ومجتمعه وقومه، وهذا ما حذر منه القرآن الكريم مرارا.

أما الاعتقاد بأن الولاء والبراء إنما يعني قطع الروابط كلها مع الكافرين بعلة كفرهم والتبرؤ منهم، بل وإعلان البغض لهم واستغلال أي فرصة لمحاربتهم والقضاء عليهم، فهذه العقيدة المنحرفة الإجرامية ليست من الإسلام في شيء – الذي يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى للناس كافة دون تمييز- وهي متفرعة من عقيدة الجهاد المحرفة التي تقوم على أن المسلمين إنما يجب عليهم قتال الكافرين بعلة كفرهم، سواء كانوا معتدين أم مسالمين!

والواقع أن هذه العقيدة المنحرفة عن الولاء والبراء التي تروج لها السلفية خاصة هي غير ممكنة التطبيق لما تتطلبه من أفعال يفوق إجرامها وحمقها وعدم معقوليتها الخيال. بل إن هؤلاء لو حاكموا سيرة النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام بناء عليها فستكون النتيجة أنهم سيكفرونهم وسيتبرؤون منهم!

الولاء لا يعني أن نغصب حقوق غيرنا

أما من يظنون بأن الولاء إنما يعني أن يتكاتف المسلمون لإفادة بعضهم بعضا وغصب حقوق الآخرين، حيثما كان لهم سلطة ونفوذ، وتفضيل جماعتهم على غيرهم، فهؤلاء أيضا انحرفوا عن تعاليم الإسلام التي تأمر بالعدل المطلق، بل تؤكد أن العدل الحقيقي هو الذي يكون مع العدو، وهو الذي يرتضيه الله تعالى، إذ يقول:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } (المائدة 9)

الهدف الحقيقي من الولاء والبراء

بل ويؤكد القرآن الكريم بأن العدل يجب ألا يخضع لحسابات القرابة وغيرها من الحسابات كالغنى والفقر والحاجة وغير ذلك، إذ يقول تعالى:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} (النساء 136)

وهذه الآية الأخيرة تكشف في تعليمها أن الهدف الحقيقي من الولاء والبراء إنما هو إيصال العدل والإحسان وإيتاء ذي القربى للناس دون تمييز، لأن ميزان العدل سيختل فيما لو تغلبت الروابط الأخرى. فليس الهدف من الولاء والبراء التعصب لجماعة المؤمنين، بل إن الهدف من هذه العقيدة هو توجيه المؤمنين وضبط بوصلة عملهم لينسجم مع تعاليم الله تعالى القائمة على خدمة الخلق والإحسان إليهم دون تمييز.

وأخيرا، فليست عقيدة الولاء والبراء وحدها التي تعرضت للتحريف والتشويه على يد علماء السوء في هذا الزمان الذي هو زمان الفيج الأعوج الذي تبرأ منه النبي صلى الله عليه وسلم. أما أصلها، فهي تعليم سامٍ مبرأ من كل عيب أو نقيصة، يظهر من خلاله ما يمتاز به الإسلام من مزايا سامية، وغايته أن يحافظ المسلم على إسلامه وإيمانه وهو مستغرق في عدله وإحسانه وإيتائه ذي القربى دون تمييز، وألا تزل قدمه فيميل إلى الكافرين ويتبع الأهواء والتقاليد شيئا فشيئا فيتضرر إيمانه.

هذا التعليم يجب أن يفخر به كل مسلم، ويحمد الله تعالى على هذا الدين الكامل الذي أتم الله تعالى به النعمة وارتضاه لعباده.

المزيد: معنى قبول الإسلام والدعوة إليه في العرف السياسي (مقولة الإسلام أو الجزية أو الحرب)

About الأستاذ تميم أبو دقة

من مواليد عمَّان، الأردن سنة 1968 بدأ بتعلَّم القرآن الكريم وحفظ بعض سوره وفي تعليمه الديني في سنٍّ مبكرة وبدأ بتعليم القرآن في المساجد في الثانية عشرة من عمره. انضم إلى الجماعة الإسلامية الأحمدية عام 1987 قبل أن يبلغ التاسعة عشرة من العمر وكان من أوائل الأحمديين العرب. يعمل في خدمة الجماعة في المكتب العربي المركزي وفي برامج القناة الإسلامية الأحمدية وفي خدمات التربية والتعليم لأفراد الجماعة وفي العديد من الأنشطة المركزية. أوفده الخليفة الخامس نصره الله تعالى ممثلا ومندوبا لحضرته إلى عدد من الدول، وكرَّمه الخليفة نصره الله بلقب “عالِم” في العديد من المناسبات. عضو مؤسس ومعدّ في فريق البرنامج الشهير “الحوار المباشر” الذي انطلق رسميا عام 2006 والذي دافع عن الإسلام ضد الهجمة المسيحية التي انطلقت على بعض القنوات في بداية الألفية وأخمدها، والذي أسهم في تعريف الجماعة الإسلامية الأحمدية إلى العالم العربي، والذي يبث الآن مترجما ترجمة فورية إلى العديد من اللغات. وهذا البرنامج أصبح نموذجا للعديد من البرامج المشابهة في اللغات الأخرى. شارك ويشارك في العديد من البرامج الأخرى وخاصة المباشرة في اللغة العربية وفي بعض البرامج باللغة الإنجليزية. عضو هيئة التحرير لمجلة “ريفيو أوف ريلجنز” الإنجليزية العريقة التي بدأ إصدارها في زمن الإمام المهدي والمسيح الموعود عام 1902م.

View all posts by الأستاذ تميم أبو دقة