يقول تعالى:

﴿وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
الذاريات: 50

يُصرّح القُرآنُ الكَرِيم في مواضع عديدة بأن الخَلْقَ يحدث عموماً مِن التقاء الذكر والأنثى، أما في هذه الآية فالمعنى هو خلق الزوجين وليس بداية الخلق. ولكن هل توقف القُرآن الكَرِيم عند ذلك ؟

من سُنَن الحياة الثابتة أن لكل قاعدة استثناء. والمقصود بالقاعدة في السنن هي الثابت في قوانين الكون عند الناس ضمن حدود معرفتهم، ويشذُّ عن ذلك ما خرج عن معرفة الإنسان بهذه القوانين والسنن. فالاستثناء لا يخرق السنن ولكن يسير وفق سنن نادرة لا نحيط بها علماً فقط. أي أنَّ الاستثناء هو في الحقيقة خرق للعادة لا أكثر.

يُعرَّف الاستثناء في المعاجم بأنه:

الحَالَةُ التِي تَخْرُجُ مِنَ الحُكْمِ أَوِ القَاعِدَةِ العَامَّةِ.” (معجم الغني)

كذلك في القواميس الإنكليزية يوجد للاستثناء نفس التعريف:

Exception: A person or thing that is excluded from a general statement or does not follow a rule.” (Oxford Dictionary)

لم يقف القُرآنُ الكَرِيم عند ذِكْر القاعدة الأساسية أي أن الخلق يبدأ من أنثى وذَكَر، وهذا هو العام الثابت، إذ يُذْكَر العامَّ ويُركّز عليه وليس الاستثناء، فذَكَرَ القُرآن الكَرِيم أيضاً الاستثناءات، ومن أمثلة ذلك سيدنا عيسى عَلَيهِ السَلام، حيث يقول تعالى على لسان مريم:

﴿قَالَتْ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ ۖ قَالَ كَذَٰلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ
آل عمران 48

فالسيدة مريم عَلَيْهِٰا السَلام تسألُ ربّها سبحانه متعجّبةً من إمكانيّة الولادة دون تدخّل رَجُل:

رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ؟“.

وقد كان جواب الله تعالى:

كَذَٰلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ“.

أي أنَّ الخَلقَ مِن زوجين ذكرٍ وأنثى -القاعدة المعروفة- لها في الحقيقة استثناء إذ يمكن أن يُخلق الإنسان على سبيل الندرة من أُمٍٍّ دون تدخّل رَجُل.

وقال تعالى في موضع آخر:

﴿قَالَ كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ۖ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا ۚ وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا﴾ -مريم 22

فمسُّ البشر لم يُذكر في الآية اعتباطاً وإنما للتأكيد على أن مسألة خَلق عيسى عَلَيهِ السَلام كانت بدون مسّ البشر، فأكدَّ تعالى بأن هذا الخَلقَ مِن مشيئة الله ﷻ كما سلف، وأنَّ هذا الخَلق ليس بالشيء العظيم كما يظن البعض حتى جعلوا المخلوقَ بدون أبِ عظيماً وعبدوه، بل هو أمرٌ هيّن عند الله ﷻ، ثم قال الْحَقُّ سبحانه بأن خَلْق هذا الولد بهذه الكيفية إنما تمَّ ليكون آية للناس، والآية هي العلامة والإشارة والإمارة وقد ذكرها الله تعالى في موضع آخر:

﴿وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ .. وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ ۚ هَٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ﴾ -الزخرف 58-62

فقد بيَّنَ اللهُ تعالى في القُرآن الكَرِيم بأن ابن مريم عَلَيهِ السَلام كان مثلاً العبرة منه هو البعثة الثانية لعيسى عَلَيهِ السَلام أي آية لساعة خروج عيسى ابن مريم عليه السلام قبل يوم القيامة:

وهو قول أبي هريرة وابن عباس رَضِيَ اللهُ عَنْهُم وعكرمة والحسن وقتادة والضحّاك وغيرهم. وقد تواترت الأحاديث عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه أخبر بنزول عيسى عليه السلام قبل يوم القيامة إماماً عادلاً وحكماً مقسطاً، وقوله تعالى: {فلا تمترن بها} أي لا تشكّوا فيها فإنها واقعةٌ لا محالة، {واتبعونِ} أي فيما أخبركم به {هذا صراطٌ مستقيمٌ ولا يصدّنكم الشَّيْطَانُ} أي عن اتباع الحق، {إنه لكم عدو مبين ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة} أي بالنبوة، {ولأبيّنُ لكم بعض الذي تختلفون فيه} قال ابن جرير: يعني من الأمور الدينية لا الدنيوية، وهذا الذي قاله حسن جيد” (انظر تفسير ابن كثير)

ولذلك بيّن اللهُ سبحانه بأن خَلق المسيح ؑمن دون أبٍ كان بشرى بعثة النبي الخاتم مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، حيث كانت هذا الخلق النادر بدون أبِ علامةً على انتقال النبوة من بني إسرائيل إلى بني اسماعيل كما في نبوءات التوراة المعروفة على بعثة النبي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم. فهي لم تكن ولادة عادية أو مجرد سرد خال من التدبر والفائدة والعياذ بالله بل كانت حقاً آية عظمى للمتدبّرين.

ويؤكد مؤسسُ الجماعة الإسلامية الأحمدية على أن ولادة عيسى عَلَيهِ السَلام تمّت بدون أب وأن هذه الولادة ليست الحالة الوحيدة النادرة بل حدثت قبل ذلك في ولادة سيدنا آدم عَلَيهِ السَلام:

إنْ قيل إنّ المسيح قد خُلق من غير أب من يد القدرة، وهذا أمرٌ فوق العادة، فلا يتم هنالك شأن المماثلة، وقد وجب المضاهاةُ كما لا يخفى على القريحة الوقّادة، قلنا إنّ خَلْق إنسانٍ مِن غير أب داخلٌ في عادة الله القدير الحكيم، ولا نسلِّم أنه خارج من العادة ولا هو حريٌّ بالتسليم فإن الإنسان قد يتولّد من نطفة الامرأة وحدها ولو على سبيل النُدرة، وليس هو بخارجٍ مِن قانون القُدرة، بل له نظائرٌ وقصصٌ في كُلّ قومٍ وقد ذكرها الأطبّاء من أهل التجربة. نعمْ، نقبل أنَّ هذه الواقعة قليلةٌ نسبةً إلى ما خالفها من قانون التوليد، وكذلك كان خَلْقي من الله الوحيد، وكان كمِثله في الندرة، وكفى هذا القدر للسعيد، فإني وُلِدتُ تَوءَمًا وكانت صبيّةٌ تولّدتْ معي في هذه القرية، فماتت وبقيتُ حيًّا من أمر الله ذي العزة. ولا شك أن هذه الواقعة نادرة نسبة إلى الطريق المتعارف المشهور. ويكفي للمضاهاة الاشتراكُ في الندرة بهذا القدر عند أهل العقل والشعور، فإن المشابهة لا تُوجِب إلا لونًا من المناسبة، ولا تقتضي إلا رائحةً مِن المُماثلة. وإنّا إذا قلنا مثلاً إنَّ هذا الرجلَ أسدٌ بطريقِ المجازِ والاستعارة، فليس علينا من الواجب أن نثبت له كلَّ ما يوجد في الأسد من الذنب والزأر وهيئة الجلد وجميع لوازم السبُعية. ثم اعلم أنَّ تولُّدَ عيسى ابن مريم مِن غير أب من بني إسرائيل بهذا الطريق تنبيهٌ لليهود وعِلمٌ لساعتهم وإشارة إلى أن النبوّة منتزَعٌ منهم بالتحقيق.” (الخطبة الإلهامية)

وهذه الأبيات الشعرية بالعربية من كلام حضرته:

وواللهِ ما كان ابْنُ مريم خالِقاً ………… فلا تهلكوا بغيا وتوبوا واحذروا
ولا تعجبن من أنه ليس من أبٍ …………. ومثل هذا الخلق في الدود تنظر
ألا رُبِّ دود قد تُرى في مرْبعٍ ………… تَكوَّنُ في ليلٍ و تنمو و تكثر
وليست لها أُمٌّ بأرضٍ ولا أبٌ ………… ففكِّر هداكَـــ الله هادٍ أكبر
(كرامات الصادقين)

ويشدد عَلَيهِ السَلام على التماثل بين خلق عيسى وآدم عَلَيهِما السَلام:

وإذ قالت النصارى إنَّ عيسى ابن الله بما تَولّد من غير أبٍ، وكانوا به يتمسّكون، فأجابهم اللهُ بقوله: {إِنَّ مَثَلَ عيسَى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}.” (الإستفتاء)

بعدها يعود حضرته ويركّز على أن ولادة ابن مريم عَلَيهِ السَلام من غير أب هي آيةً على قيامة بني اسرائيل:

… فأخبرهم الله على لسان بعض أنبيائه أن ابنًا من قومهم يُولَد من غير أب، وهذا يكون آيةً لهم على وجود القيامة، فإلى هذا أشار في آية: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} …” (حمامة البشرى)

لقد بيَّنَ القرآن الكريم في سورة آل عمران تماثل خَلق عيسى عَلَيهِ ؑ مع آدم فقال تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عيسَى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}، والخَلق هنا من التراب أي من الأُمّ (الأرض) حيث أشار الله تعالى إلى أن أصل الخلق هو من نفس واحدة فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً}، أي أنَّ النفس وهي الأُمَّ خَلَقَ منها زوجها فكان أصل الحياة هو الأُمّ (الأنثى) خرج منها الزوجين الذكر والأنثى وانتشرت منها البشرية ولم يخرج منها نسخة أنثوية فقط كما هو متوقع في الاستنساخ الحالي، وهكذا تَوَصَّلَ العلمُ اليوم أنَّ أصل الخَلق هي الأنثى والتي يسميها العلم بالأُمّ الأولى أو حواء المايتوكوندريا MRCA، وقد عبَّرَ القرآنُ الكريم عن ذلك مراراً مبيّناً أن أصل الخلق هي الأرض أو التراب بمعنى عدم بداية الخلق من زوجين وإنما تطور ذلك من نفس واحدة خلقت من الأرض فكان الأصل الذي هو التراب/الأرض كما في سورة نوح: {وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا} ! وقد تطرق الْمَسِيحُ الموعود عَلَيهِ السَلام أيضا لذلك وذكرَ أنَّ هذا الخَلق ليس خاصاً بعيسى عَلَيهِ السَلام بل هو متكرر ولكن بندرة، ولنقرأ ما قاله المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام حول ولادة المسيح عَلَيهِ السَلام من دون أب:

لأن ولادة المسيح بلا أب أيضاً من الأمور النادرة وليست مخالفة لقانون الطبيعة؛ لأن الأطباء اليونانيين والهنود والمصريين قد كتبوا نظائر كثيرة لولادة أولاد من دون أب. فبعضُ النساء يتمتعن -بحكم القادر المقتدر- بكلتا القوتين العاقدة والمنعقدة … فلا يمكن القول: إنَّ الولادة بلا أب أمر خارق للعادة يخص عيسى عليه السلام وحده فقط. فلو كان ذلك ميزة خاصة بعيسى عليه السلام لما قدَّم الله في القرآن الكريم نظيره الأكثر ندرة، ولما قال: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (آل عمران: 60)، … خَلَقه من التراب الذي هو أُمُّ جميع الناس ثم قال له كُن فكان، أي صار حياً يقظاً. فواضح أنه إذا ظهر نظير شيء ما فلن يبقى منقطع النظير. فإذا عُثر على ميزة لأحد فلا يسعه القول إنها تخصه وحده. … ليس من إنسان يتصف بصفة حميدة أو باسم أو أي فعل معين إلا وهذا الاسم أو هذه الصفة أو هذا الفعل موجود في غيره.” (حاشية التحفة الغرولوية، ص 72)

فالمقصود هنا هو التماثل الخلقي بين آدم (أبي البشر) وبين عيسى ؑ الذي أعاد فيه الله تعالى هذا القانون الحيوي من جديد ليثبت أن ذلك ليس مقتصراً على عيسى ؑ بل هو أصل الخلق لأبي البشر الذي جاء من أنثى مع توأمه حواء (إسمي الكائنات البشرية الأولى)، وكذلك ذكر حضرته عَلَيهِ السَلام أنه أيضا وُلِدَ توأماً مع بنت فماتت وعاش هو عَلَيهِ السَلام، لأن دوره ليس لاستمرار الخلق بل للنبوة والخلافة. إنَّ هذا الخلق الذي أصله النفس الواحدة أو الأنثى أو الأرض هو في الواقع أصلنا جميعاً كبشر وهي سنّة الله تعالى في خلقه عادت ثانية لغرض سيبيّنه الله تعالى حول النبوة واستمرارها وانتقالها إلى نسل جديد وما يترتب على ذلك. لا تعجبوا فهي سُنّة الله تعالى في خلقه وهي لا تزال جارية إلى اليوم حتى في ديدان الأرض صغرى الكائنات المرئية التي تتوالد بنفس الطريقة لتعلموا أن ذلك هو هَيّن عند الله ﷻ، وقد بيّن مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية عَلَيهِ السَلام أن الدُودَ يُخلق بنفس الطريقة التي خُلق بها رب النصارى وإلههم المزعوم وأن خَلْق الدودِ لأعجبُ من خَلْق إلههم، ثم تطرق المؤسس عَلَيهِ السَلام إلى تماثله مع آدم النبي ؑ في كونه تلقى التعليم الإلهي عن طريق النبوة والوحي لا بيد إنسان والاستخلاف وغير ذلك. وقد كان الذين رَدَّ عليهم حضرة مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام وبيّن فسادَ اعتقادهم بإنكار ولادة عيسى عَلَيهِ السَلام بدون أب كانوا يُٰسمَّون “الطبيعيين” وهُم الذين كانوا يقولون بأن الإنسان لا يمكن أنْ يأتي إلا من ذكرٍ وأنثى، فكأنّهم يدّعون الإحاطة بجميع السنن الإلهية، وهو ما يستحيل إثباته فضلاً عن استحالته بداهة، وهو الأمر الذي يُظهر تناقض هؤلاء لأن لا أحد منهم ادّعى الإحاطة التامّة بالسنن والقوانين الكونية كافة.

دعونا لا ننسى أيضاً مَثَل خَلْق يحيى عَلَيهِ السَلام. إذ إنَّ الحمل بيحيى عَلَيهِ السَلام كان كذلك بمعجزة، حيث كان والداه عجوزين وأمه عاقراً أي عقيماً لا تلد. فلنتأمل معاً في الآيات التالية التي تذكر التشابه بين يحيى وعيسى عَلَيهِما السَلام. ولنبدأ بالآيات الخاصة بحيي عَلَيهِ السَلام:

﴿يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً ۖ وَكَانَ تَقِيًّا وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا﴾ -مريم الآية: 13-15

لنقرأ أيضاً من إنجيل لوقا:

كَانَ فِي زَمَنِ هِيرُودُسَ مَلِكِ الْيَهُودِيَّةِ كَاهِنٌ اسْمُهُ زَكَرِيَّا، مِنْ فِرْقَةِ أَبِيَّا، وَزَوْجَتُهُ مِنْ نَسْلِ هَارُونَ، وَاسْمُهَا أَلِيصَابَاتُ. وَكَانَ كِلاَهُمَا بَارَّيْنِ أَمَامَ اللهِ، يَسْلُكَانِ وَفْقاً لِوَصَايَا الرَّبِّ وَأَحْكَامِهِ كُلِّهَا بِغَيْرِ لَوْمٍ. وَلكِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا وَلَدٌ، إِذْ كَانَتْ أَلِيصَابَاتُ عَاقِراً وَكِلاَهُمَا قَدْ تَقَدَّمَا فِي السِّنِّ كَثِيراً.” (لوقا 1:5-7)

فالكتاب المقدس يذكر بأن زكريا وزوجه كانا متقدمين بالسن كثيرا وقد وافق القرآن الكريم ذلك بقول زكريا في سورة ال عمران:

﴿هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ ۖ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ۖ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰ مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ ۖ قَالَ كَذَٰلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾ -آلِ عمران

وكذلك في سورة مريم ورد وصف التقدم البالغ في السن مما دفع زكريا إلى التعجب كونه وزوجه كما تقدم طاعنين في السن:

﴿قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا﴾ -مريم: 9

تقول العرب للعُودِ إذا يبس: عتا، وقال مجاهد: {عِتِيًّا} يعني قحول العظم، وقال ابن عباس وغيره، عتياً يعني الكبر، والظاهر أنه أخص من الكبر. وجاء في تفسير ابن كثير لمعنى (عتا في الكبر) : “قد كبر وعتا، أي عسا عظمه، ونحل، ولم يبق فيه لقاح ولا جماع.“. (انظر تفسير ابن كثير)

أما العاقر فقد جاء تعريفه في قاموس لسان العرب بالعقم: “العَقْرُ والعُقْرُ: العُقْم، وهو اسْتِعقْامُ الرَّحِم، وهو أَن لا تحمل.“. أهـ

وفي الحديث: لا تَزَوَّجُنَّ عاقِراً فإِني مُكاثِرٌ بكم؛ العاقرُ: التي لا تحمل. أهـ

ومن هنا كان التعجب كما أسلفنا وما وافقه القرآن المجيد بكل وضوح.

بناء على ما سبق، لكل قاعدة استثناء وقد وردت القاعدة والاستثناء كلاهما في القُرآن الكَرِيم، ولكل منها مناسبة وسياق وسبب وآية عظمى.

وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

About الأستاذ فراس علي عبد الواحد

View all posts by الأستاذ فراس علي عبد الواحد

2 Comments on “قاعدة الزوجين وخلق الإنسان في القرآن المجيد”

Comments are closed.