المعترض:

لم تتحقق نبوءة زواج المرزا صاحب من ابنة أحمد بيك وقد كذب في ما نسبه من وحي بين قوسين وبالتالي فهو شغوف بالنساء كل همه هو الزواج لا غير.

الجواب:

لقد كان للمسيح الموعود عَلَيهِ السَلام قريب يدعى أحمد بيك وكان هو وأسرته مرتدين عن الإسلام ومن الأعداء اللدودين للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، حيث لم يكن يدع فرصة إلا وطعن في عرضه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، فبلغ ذلك المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام فأرسل له بعد أن استخار الله تعالى في أمرهم بأن الله تعالى كشف عليه عَلَيهِ السَلام أن يخطب ابنته فيكون بالمحصلة بعد الموافقة خيراً لهم بدخولهم في مصاهرة خادم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم من جهة والكف عن عداء سيده المصطفى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فينالون الأجر وثواب التوبة، ومن جهة أخرى يثبت للملاحدة أن الله تعالى سوف يظهر للإسلام آية في كلا الحالتين، أي في حال رفضوا عرض المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام فسوف يوقّعون على دمارهم فتظهر آية لا مرد لها ولا واق، وفي حال قبلوا فسوف ينعم الله عليهم ويكون الإسلام سبباً في مصالحة الناس وتحويل السباب والعداء إلى محبة وارتباط إنساني وثيق.

يقول عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام:

ثم توجهت في تلك الأيام إلى الله تعالى مرارا للمزيد من الاستيضاح، فعلمت أن الله تعالى قد قدّْر أن يزوج تلك البنت الكبرى مني في النهاية بعد إزالة كل عائق، ويجعل الملحدين مسلمين، ويهدي الضالين. والإلهام العربي الذي تلقيته بهذا الصدد هو كالآتي: “كذّبوا بآياتنا وكانوا بها يستهزئون. فسيكفيكهم الله، ويردّها إليك، لا تبديل لكلمات الله، إنّ ربك فعّال لما يريد. أنت معي وأنا معك. عسى أن يبعثك ربُّك مقاماً محموداً.” (١)

وقد ورد في الحديث الشريف أن الله تعالى هو الذي أنبأ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم بزواجه من عائشة * وزينب وصفية وغيرهن رضوان الله عليهن أجمعين.

وكذلك يُبين عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام مغزى الزواج بأنه بشرى نصر للإسلام حين يدخل فرد من هذه الأسرة الملحدة في نسب مع المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام فينفتح بذلك طريق إسلام جميع الأسرة:

فمنها ما وعَدني ربّي في عشيرتي الأقربين، أنهم كانوا يكذّبون بآيات الله وكانوا بها يستهزئون، ويكفرون بالله ورسوله، وقالوا لا حاجة لنا إلى الله ولا إلى كتابه ولا إلى رسوله خاتم النبيين. وقالوا لا نتقبل آية حتى يرينا الله آية في أنفسنا، وإنّا لا نؤمن بالفرقان، ولا نعلم ما الرسالة وما الإيمان، وإنّا من الكافرين. فدعوت ربي بالتضرع والابتهال، ومددت إليه أيدي السؤال، فألهمني ربي وقال: “سأريهم آية من أنفسهم.” وأخبرني وقال: “إنني سأجعل بنتاً من بناتهم آيةً لهم.” فسمّاها وقال: “إنها ستُجعل ثيبةً، ويموت بعلُها وأبوها إلى ثلاث سنة من يوم النكاح، ثم نردها إليك بعد موتهما، ولا يكون أحدهما من العاصمين.” وقال: “إنّا رادّوها إليك، لا تبديل لكلمات الله، إن ربك فعال لما يريد.” (٢)

أما التعلق بالنساء والزواج كما يدعي المعترض فهي فرية لم يدعيها معاصرو المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام أنفسهم، وسوّلت للمعترض نفسه هذا الادعاء العظيم والبعيد تماماً عن الصحة، فقد كان المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام -في مقتبسات كثيرة- يحب الخمول والابتعاد عن الأضواء ولا يجتذبه شيء من أمور الدنيا غير الدفاع عن الإسلام والذود عن شرف النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم. ويحدثنا المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام فيقول:

لم يكن بي حاجة لأطلب الزواج من هذه البنت، فإن الله تعالى قد سد حاجاتي كلها. لقد أعطاني الأولاد بمن فيهم ذلك الابن الذي سيكون سراج الدين، بل هناك وعد من الله بولادة ابن آخر قريياً يكون اسمه محمود أحمد، وسيكون في أعماله من أولي العزم.” (٣)

فلم تكن هذه هي طباع المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام وهو الأمر الذي شهد به ألد خصومه أي محمد حسين البطالوي الذي قال بأن المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام كان تقياً ورعاً لا مثيل له ولا أحد يعرفه أكثر منه لآنه صديق طفولته. فهل يأتي بعد كل هذا معترض يتهم هذا التقي الورع المنزوي عن اللهو والمتع الدنيوية يتهمه بالتعلق والشغف بالنساء ؟ وهل الورع والتقوى وسمو الأخلاق والغيرة على الإسلام تجتمع في شخص يطارد النساء ؟

فقد كانت نبوءة خير لهذه الأسرة الملحدة التي تحارب الإسلام ونبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم بتوبة نصوح يكون فيها تشريف وهو مصاهرة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام، ويبقى الخيار لهم، فلا إكراه في الدين. ولقد بيّن عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام معنى إلهام الزواج بأنه مشروط بتوبة المرأة، أي لن يتحقق ذلك الزواج على الأرض ما لم تتب، فقال عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام:

صحيح أنه قد ورد في الوحي أيضاً أن قِراني قد عقد على تلك المرأة في السماء، ولكن -كما بينت سلفاً- عدم وقوع هذا القِران المعقود في السماء على أرض الواقع كان مشروطاً من ِقبل الله تعالى بشروط منها قول الله تعالى: “أيتها المرأة توبي توبي، فإن البلاء على عَقَبِكِ”. وكنا قد نشرنا هذا الشرط في حينها، فلما وفوا بهذا الشرط، فُسخ النكاح أو أُجِّل.” (٤)

وقال عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام: “وأُنبئتُ مِن أخبارٍ ما ذهب وهلي قط إليها، وما كنت إليها من المستدنين. فأوحى الله إلي أن اخطُب صبيته الكبيرة لنفسك، وقل له ليصاهرك أولاً ثم ليقتبس من قبسك، وقُل: إني أُمرت َلأهبك ما طلبت من الأرض، وأرضاً أخرى معها، وأحسن إليك بإحسانات أخرى، على أن تُنِكحَني إحدى بناتك التي هي كبيرتها، وذلك بيني وبينك، فإنْ قبلت فستجدني من المتقبلين. وإنْ لم تقبل فاعلم أن الله قد أخبرني أن إنكاحها رجلاً آخر لا يبارك لها ولا لك، فإن لم تزدجر فيصب عليك مصائب، وآخر المصائب موتك، فتموت بعد النكاح إلى ثلاث سنين، بل موتك قريب، ويرد عليك وأنت من الغافلين. وكذلك يموت بعلها الذي يصير زوجها إلى حولين وستة أشهر، قضاًء من الله، فاصنع ما أنت صانعه، وإني لك لمن الناصحين… ثم كتبت إليه مكتوبا بإيماء منّاني، وإشارة رحماني… وها أنا كتبت مكتوبي هذا من أمر ربي لا عن أمري، فاحفظ مكتوبي هذا في صندوقك فإنه من صدوق أمين. والله يعلم أنني فيه صادق، وكل ما وعدت فهو من الله تعالى، وما قلت إذ قلت ولكن أنطقني الله تعالى بإلهامه…“. (٥)

إذاً كانت النبوءة مشروطة بتوبتهم وليس على الإطلاق والتوبة مانعة للحوق الوعيد كما قال ابن القيم رحمه الله معلقاً على أحد نصوص الوعيد:

وقال الجمهور: وهذا من الوعيد الذي له حكم أمثاله من نصوص الوعيد التي تدل على أن الفعل مقتض لهذا الحكم، وقد يتخلف عنه لمانع، وقد دل النص والإجماع على أن التوبة مانعة من لحوق الوعيد.” (٦)

ولما لم يتب والدها أحمد بيك فقد مات في ١٨٩٢ بعد ستة أشهر من الزواج بعد إصابته بمرض التيفوئيد. (٧)، وبذلك تحققت نبوءةُ المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام في موته بعد ثلاث سنوات بالتمام والكمال. (راجع ٢)

إذاً تحققت النبوءة بوضوح لم يخفى حتى على ألد الأعداء وأشهرهم أي زعيم أهل الحديث محمد حسين البطالوي الذي شهد تحقق ذلك بأم عينيه ولكنه للأسف لم يؤمن بل عزا ذلك للسحر والشعوذة والعياذ بالله، فقال:

ومع أن النبوءة قد تحققت .. إلا أن ذلك كان راجعًا لعلم التنجيم.” (٨)

والحقُّ ما شهدت به الأعداء!

الخلاصة، أن النبوءة كانت تتعلق بصدق الإسلام وكرمه، ورغم عدم حاجة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام للزواج من وجهة نظره ألا أن غايات الله تعالى هي فوق إدراك البشر، ويريد الله ﷻ أن يُظهر صدق دينه ونبيه ومبعوثه بأحسن حال يكون فيه الارتباط وثيقاً بمبعوث السماء وتحل الخيرات الكثيرة بدل اللعنات التي أوقع فيها الوالد الملحد نفسه بمناصبته النبي ﷺ العداء. وقد تحققت النبوءة فمات الأب في موعده المحدد وتاب زوج المرأة بعد ذلك ودخل الإسلام ولم يبق للوعيد إلا أن يُرفَع برفع أسبابه. ولقد كانت هذه النبوءة في الواقع دليلاً عظيماً لا مجال فيه للمراء والتلاعب حيث يواجه طرف مسلم صرف طرفاً ملحداً حد النخاع، وقد تكلل بنصر الإسلام في نهاية المطاف. ويكفي أن أعداء المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام يكيلون له ذات التُهم التي كالوها من قبل ويكيلون لسيده ومُطاعه مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم حيث قالوا بأنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم كان والعياذ بالله شغوفاً بالنساء والزواج، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك واتهموه بقتل الرجال بهدف التزوج من نسائهم كما في الرابط أدناه (٩) ولكن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ما كان كذلك بل كل زيجة من زيجاته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم كانت لحكمة ونصر للدين وترسيخ الشرع المتين. ويكفي ذلك مثلاً للمتدبرين.

وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ


المصدر

١- إعلان١٨٨٨/٧/١٠، ومجموعة الإعلانات، مجلد ١، ص ١٥٧-١٥٩ .

* عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا: “أُرِيتُكِ فِي الْمَنَامِ مَرَّتَيْنِ أَرَى أَنَّكِ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ وَيَقُولُ هَذِهِ امْرَأَتُكَ فَاكْشِفْ عَنْهَا فَإِذَا هِيَ أَنْتِ فَأَقُولُ إِنْ يَكُ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُمْضِهِ” (صحيح البخاري 3606)

٢- كرامات الصادقين، صفحة الغلاف الأخيرة، الخزائن الروحانية، مجلد ٧، ص١٦٢ .

٣- إعلان ١٨٨٨/٧/١٥ وهو تكملة إعلان ١٨٨٨/٧/١٠، ومجموعة الإعلانات، مجلد ١، ص ١٦١-١٦٢ .

٤- تتمة حقيقة الوحي، الخزائن الروحانية، مجلد ٢٢، ص ٥٧٠ .

٥- مرآة كمالات الإسلام، الخزائن الروحانية، مجلد ٥، ص ٥٧٢-٥٧٤ .

٦- حادي الارواح الى بلاد الافراح، ابن القيم ص ١٣٦ .

٧- تاريخ الأحمدية ج ٢.

٨- مجلة “إشاعة السنة” المجلد الخامس.

٩- الحكمة من زواج النبي من صفية بنت حيي

About الأستاذ فراس علي عبد الواحد

View all posts by الأستاذ فراس علي عبد الواحد