المعترض: التحقق العكسي لأدعية الميرزا

يتحدث الميرزا عن وفاة أستاذه فيقول: “بالإضافة إلى كونه أستاذا لي، كان رجلا من رجال الله، وطيب الباطن وذا قلب رحيب وتقيا وورعا جدا. وقد لقي رفيقه الأعلى في حالة الصلاة. ولأن الإنسان يحظى بحالة التبتل والانقطاع أثناء الصلاة، لذا فإن حادث موته مما يُحسد عليه، ندعو الله تعالى أن يكتب هذا النوع من الموت للمؤمنين جميعا”. (إزالة الأوهام)
وقد مات الميرزا بالإسهال، لا في الصلاة كما دعا للمؤمنين جميعا، بل في وقت تُكره فيه الصلاة، وهو قبيل الظهر تقريبا. وبهذا تحقق دعاؤه عكسيا.
فإذا أردتم أيها الناس أن تتحقق أمانيكم فاطلبوا من خليفة الميرزا أن يدعو لكم بتحقيق عكسها، فعكس العكس يعود إلى الأصل والمراد.

الرد:

يقول تعالى:

﴿ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ -الإنسان 31

وقد اختار الله تعالى بحكمته وعلمه السابقين لحضرة لمسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام وقتاً للوفاة أفضل مما تَمَنّاه حضرته لنفسه وهو وقت الضحى أي نفس الوقت الذي توفي فيه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم.

فقد نقل الإمام السخاوي رحمه الله حديث عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنها وأرْضاها أن الوقت كان الضحى فقال:

.. وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَتْ عَائِشَةُ كَمَا رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ حَدِيثِهَا فَقَالَتْ : ” مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ – ارْتِفَاعَ الضُّحَى وَانْتِصَافَ النَّهَارِ ” . وَنَحْوُهُ قَوْلِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ فِي مَغَازِيهِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ : ” تُوُفِّيَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ حَيْثُ زَاغَتِ الشَّمْسُ ” . وَكَذَا أَخْرَجَ ابْنُ شَاهِينَ فِي ( النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ ) لَهُ عَنْ عَلِيٍّ مِثْلَهُ .” (فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي، الإمام السخاوي، أقسام الحديث، تواريخ الرواة والوفيات، الاختلاف في ابتداء مرضه ثم مدته ثم وقت وفاته ودفنه ﷺ، ج 4 – 789 – 1002)

أما ساعة وفات النبي ﷺ فيتابع الإمام السخاوي رحمه الله:

.. سَاعَةَ وَفَاتِهِ وَهِيَ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ ، وَقَالَ الْحَاكِمُ فِي ( الْإِكْلِيلِ ) : إِنَّهُ أَصَحُّ الْأَقْوَالِ وَأَثْبَتُهَا … وَقِيلَ : عِنْدَ الزَّوَالِ مِنْ يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ . رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنُ شَاهِينَ فِي النَّاسِخِ عَنْ عَلِيٍّ ، وَلَفْظُهُ : أَنَّهُ دُفِنَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ . وَصَدَّرَ بِهِ الْحَاكِمُ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ كَلَامَهُمَا ، وَنَحْوُهُ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ كَمَا عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ : تُوُفِّيَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ قَبْلَ أَنْ يَنْتَصِفَ النَّهَارُ وَدُفِنَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ . وَقَوْلُ ابْنِ جُرَيْجٍ كَمَا عِنْدَ أَحْمَدَ وَالْبَيْهَقِيِّ : ” أُخْبِرْتُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاتَ فِي الضُّحَى يَوْمَ الِاثْنَيْنِ ، وَدُفِنَ الْغَدَ فِي الضُّحَى . “” (نفس المصدر)

وقت الضحى

ومن المعروف أن الضحى هو الوقت قبل الظهر كما في فتوى علماء المسلمين في الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف كما يلي:

ووقت الضحى يبدأ من ارتفاع الشمس وزوال الحمرة عنها إلى زوالها، والمقصود بالزوال هو وقت أذان الظهر، وبناء عليه فلو أديت صلاة الضحى قبل أذان الظهر ولو بخمس دقائق يعتبر وقتاً لها، والله تعالى أعلم.” (فتوى الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف)

المبطون والوفاة بمرض الإسهال

أما الوفاة بمرض الإسهال فقد ثبت عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ:

الْمَبْطُونُ شَهِيدٌ وَالْمَطْعُونُ شَهِيدٌ.” (متفق عليه)

وقد ذكر بعض العلماء أن المبطون هو من مات بأي داء في بطنه مطلقا، قال الإمام النووي رحمه الله في شرحه للحديث السابق:

وَأَمَّا (الْمَبْطُون) فَهُوَ صَاحِب دَاء الْبَطْن، وَهُوَ الْإِسْهَال. قَالَ الْقَاضِي: وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي بِهِ الِاسْتِسْقَاء وَانْتِفَاخ الْبَطْن، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي تَشْتَكِي بَطْنه، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي يَمُوت بِدَاءِ بَطْنه مُطْلَقًا.” اهـ.

وقد ثبت في السُنَّة أيضا أن الموت بداء البطن من أسباب الوقاية من عذاب القبر، فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ:

كُنْتُ جَالِسًا وَسُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ وخَالِدُ بْنُ عُرْفُطَةَ فَذَكَرُوا أَنَّ رَجُلًا تُوُفِّيَ مَاتَ بِبَطْنِهِ فَإِذَا هُمَا يَشْتَهِيَانِ أَنْ يَكُونَا شُهَدَاءَ جَنَازَتِهِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ: أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ يَقْتُلْهُ بَطْنُهُ فَلَنْ يُعَذَّبَ فِي قَبْرِهِ. فَقَالَ الْآخَرُ: بَلَى.” (رواه الإمام أحمد، والترمذي وحسنه، والنسائي، وصححه الألباني)

وفي رواية أن النبي ﷺ قال:

ما تعدون الشهادة ؟ قالوا: القتل في سبيل الله تعالى. قال رسول الله ﷺ: الشهادة سبع سوى القتل في سبيل الله: المطعون شهيد، والغرق شهيد، وصاحب ذات الجنب شهيد، والمبطون شهيد، وصاحب الحريق شهيد، والذي يموت تحت الهدم شهيد، والمرأة تموت بجُمْع شهيدة.” (رواه أحمد 23804 وأبو داود 3111 والنسائي 1846. والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود وقال في عون المعبود شرح سنن أبي داود: “والمبطون من إسهال أو استسقاء أو وجع بطن.”)

ويقول الإمام ابن عبد البر رحمه الله:

وأما المبطون فقيل المحبوق وقيل صاحب انخراق البطن بالإسهال.” (الإستذكار، ابن عبد البر)

من علماء السلف الذين توفوا بالإسهال وأمراض البطن

ومن السلف من أصيب بالإسهال وغيره من أوجاع البطن ومات به كالإمام ابن حجر العسقلاني رحمه الله الذي أصيب بعلة الإسهال، وبقي كذلك حتى تُوفي، فقد ورد في شرح ديوان ابن حجر ما يلي:

وفي سنة ثمانمائة واثنتين وخمسين للهجرة أصيب ابن حجر العسقلاني بعلة الإسهال، وبقي كذلك إلى أن توفي ليلة السبت في الثامن عشر من ذي الحجة من السنة المذكورة.” (أنس الحجر في أبيات ابن حجر: وهو شرح بلاغي على ديوان أبي الفضل شهاب الدين أحمد بن علي المعروف بابن حجر العسقلاني، تحقيق شهاب الدين أبو عمرو، دار الريان)

وقال المعلّق على قول الإمام شمس الدِّين السَّخاوي في ترجمته لأستاذه الإمام ابن حجر ما يلي:

وذلك أنه حصل له إسهال مع رَمْي دم، واستمرَّ به ذلك إلى أنْ وافاه حِمَامه بُعَيد صلاة العشاء الآخِرَة من ليلة السبت، المُسْفِرة عن اليوم الثَّامن والعشرين من ذي الحِجَّة الحرام.” (البدور السافرة في نفي انتساب ابن حجر إلى الأشاعرة 1 / 6، أبو أسامة الأثري جمال بن نصر عبدالسلام.)

والمثال الآخر هو الإمام الشافعي رحمه الله الذي ثبت أن موته كان بسبب مرض البواسير الذي أصابه، وهذا وما رواه الإمام ابن حجر نقلاً عن الربيع بن سليمان لحالَ الشافعي في آخر حياته فقال:

أقام الشافعيُّ ها هنا أربع سنين، فأملى ألفاً وخمسمئة ورقة، وخرَّج كتاب الأم ألفي ورقة، وكتاب السنن، وأشياء كثيرة كلها في مدة أربع سنين، وكان عليلاً شديد العلة، وربما خرج الدم وهو راكب حتى تمتلئ سراويله وخفه -يعني من البواسير“. (“في مناقب الإمام الشافعى توالي التأسيس لمعالي محمد بن إدريس”، ابن حجر العسقلاني، تحقيق أبي الفداء القاضي، دار الكتب العلمية بيروت، الفصل العاشر، وفاته ص177-178)

وهذا ما قاله الشيخ أحمد فريد في سلسلته “أعلام السلف” وتفريغها النصي كما يلي:

وكان (أي الشافعى) عليلاً شديد العلة، يكاد ربما يخرج الدم منه وهو راكب، حتى تمتلئ سراويله ومركبه وخفه. كان عنده بواسير رحمه الله، والبواسير عندما تنزف دماً تكون متقدمة.” (سلسلة “من أعلام السلف الإمام الشافعي“، للشيخ أحمد فريد)

وقال النووي رحمه الله في شرح مسلم:

هو صاحب داء البطن، وهو الإسهال.” أهـ

وقال الملا علي القاري في مرقاة المفاتيح:

والمبطون من إسهال، أو استسقاء، أو وجع بطن.” أهـ

والمبطون معدود من الشهداء، كما في الحديث الصحيح أن النبي ﷺ قال:

الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغريق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله.” (متفق عليه)

المبطون شهيد

فماذا ينقم المعترض من وفاة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام بمرض الإسهال ! بل نشكر المعترض الذي يتحقق كل اعتراض له بخلاف مراده من جهة ويثبت من جهة أخرى صدق المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام، وها قد ثبت أنه توفي شهيداً عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام ونال شرف الشهادة كما صحَّ عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وأجمع عليه السلف الصالح ومنهم مَن نال هذا الشرف رحمة الله عليهم أجمعين.

أما دعاء خليفة المسيح أيَّدَهُ اللهُ بِنَصْرِهِ العَزِيز فأغلب المسلمين الأحمديين عندهم تجارب خاصة خارقة للعادة وأنا منهم في معجزة استجابة دعاء حضرته أيَّدَهُ اللهُ بِنَصْرِهِ العَزِيز، فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ.

وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

About الأستاذ فراس علي عبد الواحد

View all posts by الأستاذ فراس علي عبد الواحد