اعتراض: الخليفة الرابع ألغى مباهلة ضياء الحق قبل موته

تدَّعي الجماعة الأحمدية بأن ضياء الحق رئيس الباكستان الأسبق لقي مصرعه نتيجة نداء المباهلة لخليفتها الرابع التي وجهها إلى ضياء الحق وعلماء باكستان، ولكن الأمر ليس كذلك إذ لم تحدث الأمور كما تصفها الجماعة بل على عكس ذلك قبل موت ضياء الحق بأسبوع نسخ الخليفة الرابع عقاب المباهلة.

الرد: حكم ضياء الحق الطاغي الدكتاتوري

كان حُكم الجنرال حكمًا عسكريا دكتاتوريا لم تَعهده البلادُ من قبل، وقد تعرضَ للاحتقار مِن قبل الشعب بما لم يتعرض له أي حاكم باكستاني من قبل، أما المسلمون الأحمديون فقد ضُيِّق عليهم خناق العيش بعد هجرة الخليفة -رحمه الله- حيث حظر الدكتاتور عليهم ممارسة واجباتهم الدينية الإسلامية، كما أعطى المشايخ المتعصبين وأتباعهم الرعاع كل حرية لسلب ممتلكات المسلمين الأحمديين، وإحراق بيوتهم وقتلهم بدون هوادة.

أراد هذا الطاغية أن يسجن خليفة الأحمديين ويقطع صلته مع جماعته فاضطر الخليفة للهجرة من بلده فأراه الله تعالى آية أن الخليفة الرابع خرج من مطار كراتشي بسلام وبتدبير ربَّاني رغم أمر الطاغية بمنع خليفة الأحمديين من مغادرة البلاد، مما أدى إلي استياء ضياء الحق وزيادة اضطهاد الأحمديين وظلمهم.

وكما هي سنَّة الأنبياء، فهكذا أيضا كان الخلفاء على منهاج النبوة؛ إذ إن همَّهم الأول ليس إلا أن يؤمن الناس. فلهذا نجدهم لا يتسرَّعون بطلب العذاب لهؤلاء الظالمين، بل لا يرغبون به إلا إذا كان هذا العذاب سببا لإيمان الناس، أو كان سببا لقطع دابر أئمة الكفر الذين يحولون بينهم وبين الإيمان.

وكما قلنا فإنه بعد هجرة الخليفة الرابع رحمه الله صعَّد الطاغية ضياء الحق من اضطهاد الأحمديين، وضيَّق عليهم الخناق من كل ناحية، وجعلهم عرضة لمظالم واضطهاد وتقتيل تفوق التصور على يد مشايخ السوء والغوغاء تحت سمع ونظر السلطة، فبهذا كان المسئول الأول عن هذه الجرائم التي يندى لها جبين البشرية، والذي استحق أن ينال العقاب على جرائمه.

وكان الخليفة الرابع رحمه الله قد حذر هذا الطاغية مرارًا من المغبة الوخيمة لجرائمه، وقد خاطبه وأعوانه في خطبة الجمعة بتاريخ 14 كانون الأول 1984 فقال:

بفضل الله تعالى إن للجماعة الإسلامية الأحمدية وليًّا ومولى. إن للجماعة الإسلامية الأحمدية مولى، وإن إله الأرض والسماء هو مولانا، ولكنني أخبركم أنْ لا مولى لكم. وأقسم بالله أنه عندما يأتي مولانا لنصرتنا فلن يستطيع أحد أن ينصركم. عندما يمزقكم قدر الله تعالى إربًا فستمحى آثاركم ولن تذكركم الدنيا إلا بالذلة والهوان، وسيُذكَر اسم المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام الخادمِ الصادق لمحمد المصطفى صلى الله عليه وسلم بعزة ومحبة وعشق أكثر فأكثر يوما بعد يوم.

دعوة الخليفة الرابع للمباهلة

ولما طفح الكيل بالظلم والاضطهاد على الأحمديين الأبرياء، وجه الخليفة الرابع رحمه الله دعوةَ المباهلة إلى أئمة التكفير للأحمديين عامةً وإلى هذا الطاغية خاصة، بعد أن عدّد كل التهم الموجهة إلينا وتبرأَ منها قائلاً: لعنة الله على الكاذبين، وذلك في خطبته للجمعة يوم10 حزيران 1988. وكان يهدف من ذلك أن يعاقب الله أئمة الكفر عسى أن يزول تأثيرهم على عامة الناس فيندفعوا للإيمان.

وبعد ذلك ظل الخليفة رحمه الله ومن ورائه الجماعة يبكون ويبتهلون إلى الله تعالى بأن يصدر حكمه في هذه القضية المصيرية، ويميز بين الصادقين والكاذبين، فيرى الناس صدق هذه الجماعة فيؤمنوا.

هذا وكان الخليفة رحمه الله قد قال في خطبته للجمعة في 1 تموز 1988 وهو يتحدث عن الطاغية ضياء الحق ويؤكد أنه أصبح طرفا في المباهلة:

إننا ما زلنا ننتظر ما سيُظهره الله تعالى من قضائه بشأن هذا الرجل، ولكنه، سواء أقَبِلَ دعوتي للمباهلة أم لم يقبلها، فإنه إمام المكفرين لنا، وأولُ المؤذين والمسؤولين عن كل ما يُصَبّ على الأحمديين الأبرياء من ظلم واضطهاد، إذ كان ولا يزال يأمر بالاعتداء عليهم، ثم يراقب هل وُضعت أوامره موضعَ التنفيذ أم لا، ويستمتع بتعذيبهم أيما متعة، لذا فلا يُنتظر مِن مثل هذا الشخص قبولُ دعوة المباهلة باللسان، بل إن استمراره في الاضطهاد يُعَدّ دليلا على قبوله لها“.

وفي خطبة الجمعة 5 آب 1988 بشّر حضرتُه رحمه الله أبناء الجماعة وقال:

أريد أن أخبركم أن رحى الله أخذتْ تدور، وعندما تدور رحى قدر الله فلا يستطيع أحد أن يوقفها، وليس في العالم قوة تستطيع أن تنقذ مِن عذاب تلك الرحى مَن أراد اللهُ تمزيقه في رحاه.

وكان حضرته قد طلب من الجماعة، متأثرا بفكرته عن أن العذاب قد يدفعهم إلى الإيمان، أن يبتهلوا إلى الله تعالى عسى أن تكون هذه الآية – التي أصبحت وشيكة جدا، والتي سيظهرها الله تعالى بكل جلال، كما هو واضح من الأنباء – عسى أن تكون سببا لإيمان الناس بسبب قوتها وجلالها، فهذا هو الهدف المنشود.

ولكن الله تعالى أفهمه حقيقة الأمر، والذي هو أن الآيات لا تؤدي إلى الإيمان مهما كانت قاهرة، والذي ذكره في خطبته للجمعة يوم 12 آب 1988 حيث استهلها بقول الله تعالى: {وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ * كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ * لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ * وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ}. ثم ذكر أنه رأى بالأمس رؤيا يشرح فيها المَثل الإنجليزي History Repeats Itself، وتعريبه “التاريخ يعيد نفسه”، وبين حضرته أن معناه الذي فهمته هو أنكم لن تجدوا لسنة الله بشأن المجرمين الظالمين تبديلا، فهؤلاء سيعذبون ولكنهم لن يؤمنوا برؤية آية العذاب، وأخبر أن هذه الرؤيا منذرة جدًا وقال مؤكدا أن العذاب نتيجة للمباهلة سوف ينزل:

ومعناها أن القوم الذين نخاطبهم ودعوناهم للمباهلة قد قُدِّرَ لهم أن يروا يوم غضب الله بسبب شقاوتهم، وإلا فما كان الله ليُرسل لهم هكذا عن طريقي هذه الرسالة (أي التاريخ يعيد نفسه). فلن تجدوا في هذا تبديلا، بل سوف يعاقب الله المجرمين حتمًا.

ثم قال حضرته رحمه الله في الخطبة نفسها:

سوف يبطش بهم قدرُ الله حتما، وسوف يُعاقَبَنَّ يقينًا مَن لا يكفُّ منهم عن هذه الشرور.

ومع تأكيد حضرته على أن العذاب واقع لا محالة وقريب جدا، إلا أنه أخبر أنهم لن يؤمنوا وفقا لما أنبأه الله تعالى به كان شديد الوطئ عليه، وقال إنه قد انخلع قلبه نتيجة لهذا النبأ، وقال مخاطبا الجماعة في هذه الخطبة مبينا خطأ ظنه أنهم سيؤمنون نتيجة لهذه الآية التي ظن أنها ستكون سببا في إيمانهم ولذلك لا بد من الدعاء لنزولها:

إن رؤياي هذه التي رأيتها البارحة قد أصابت قلبي بهزة شديدة، إذ يبدو منها أن هذه العقوبة قد صارت قدرًا مقدرا لهؤلاء القوم، وأن شريحة منهم -ولا أقول”كلهم” الآن أيضا – لا بد أن يصبحوا آيةَ عبرة.

وبعد خمسة أيام فقط من هذا الإنذار الإلهي وهذه الخطبة المؤثرة نـزل قدر الله من السماء يوم 17 آب 1988، حيث انفجرت في جوّ السماء الطائرة العسكرية التي تحمل هذا الطاغية مع عدد من الضباط وأيضا الدبلوماسيين الأمريكيين، وأصبح رمادًا تذروه الرياح، حيث لم يُعثَر على شيء من جثته المحترقة سوى بعض أسنانه الذهبية التي دفنوها في قبره كما هو معروف؛ فقد ذكرت صحيفة بريطانية شهيرة:

لم يكن في التابوت الذي دفنوه في “إسلام آباد” إلا بعض أسنانه “المحترقة“. (Financial Times العدد الصادر يوم 22/8/1988)

وفرح الشعب الباكستاني بتحرره من حكم هذا الطاغية، ولا يذكره اليوم أحد إلا باللعن والطعن لأنه وضع أساسًا للإرهاب والتشدد الذي يعاني منه البلد اليوم.

أما الجماعة وخليفتها فقد كتب لهم بعد المباهلة من التقدم والازدهار المطرد ما هو غني عن البيان. فالحمد لله أولاً وآخرًا، وظاهرًا وباطنًا، إلى يوم الدين.

وهكذا يتضح أن الآية نزلت تماما وفقا للأنباء المتعاقبة، وأن الخليفة نصره قد تنبأ بنزولها القريب أخيرا قبل خمسة أيام من وقوعها، كما تنبأ بأنها لن تؤدي إلى إيمان الناس رغم وضوح وجلال تحققها، وهذا ما أفهمه الله تعالى إياه في الرؤيا نفسها التي بينت أن العذاب قريب.

ماذا عن شبهة نسخ الخليفة الرابع المباهلة قبل أسبوع من موت ضياء الحق؟

الحقيقة أن الخصوم يقطعون النصوص من سياقها ليوهموا للناس معانيها حسب أهوائهم، ولا تحتاج مثل هذه الاعتراضات إلى أدلة غير سرد النصوص كاملة مع سياقها.

فقد قلنا سابقا إن الخليفة الرابع ذكر في خطبة الجمعة يوم 12 آب 1988 (أي قبل أسبوع فقط) من هلاك ضياء الحق رؤياه المنذرة التي رأى نفسه فيها يشرح المَثل الإنجليزي History Repeats Itself، وتعريبه “التاريخ يعيد نفسه”، وبين حضرته أن معناه الذي فهمه هو أنكم لن تجدوا لسنة الله بشأن المجرمين الظالمين تبديلا، فهؤلاء سيعذبون ولكنهم لن يؤمنوا برؤية آية العذاب واستدل على ذلك بقول الله تعالى: {وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ * كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ * لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ * وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ}.

ثم تابع قائلا:

لقد طلبت منكم في الخطبة الماضية أن ادعوا الله تعالى أن تظهر آية يؤمن بسببها هؤلاء القوم كلهم. ولكن الآيات القرآنیة المذكورة أعلاه نبّهتني إلى خطأي. لا شك أن الفكر الإنساني ناقص في كل حال، وكلام الله تعالى قد ألقى الضوء على هذا الموضوع وبين أن الأمم لا تؤمن نتيجة رؤية الآيات، حيث قال الله تعالى: {لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ } (الحجر 14)، أي سوف يسلك هؤلاء مسلك الأولين، وسوف يفعل الله بهم ما فعل بالأولين…

ثم قال:

فانظروا إلى فداحة جهلي وخطأي حين قلت لكم أن ادعوا الله تعالى أن تظهر معجزات وآيات يؤمن بسببها هؤلاء أجمعين. كلا، إن الأمم لا تؤمن أبدا نتيجة رؤية الآيات. لو كانت الأمم تؤمن بسبب رؤية الآيات لكان تاريخ الأنبياء كلهم مختلفا تماما، ولكان هذا التاريخ مكتوبا بشكل آخر. لذا فهناك سبيل وحيد تستطيعون به استنزال فضل الله تعالى، ويوفَّق به أي قوم للإيمان، وهو سبيل الدعاء. فادعوا الله تعالى: اللهم ارحم هؤلاء القوم لكي يؤمنوا، وليس أن تدعوا: اللهم أَرِ آية كذا أو أمرًا كذا وكذا فإنهم سيؤمنون. ذلك أن مثل هذه الأدعية تضيع في معظم الأحيان.

ثم تابع وقال:

فالدعاء الذي طلبته منكم في المرة الماضية اعتبروه منسوخا، إذ لا معنى له. إنما الدعاء الوحيد هو أن تدعوا اللهم أنت مالك القلوب، أنت القادر القوي، أنت الرحيم. متى آمنت الأمة العربية نتيجة رؤية المعجزات، إنما آمنوا ببركة أدعية محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم، فأرِنا اللهم المعجزة التي أريتها في زمن محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم ومِن أجله. هذه الجماعة أيضا جماعته، واليوم أيضا القضية قضية كرامته وليست كرامتنا. فهذه الجماعة هي جماعة سيدنا محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم، وكل هذا العمل هو عمله. فأَرِنا اللهم آية عظمة قبوليته صلى الله عليه وسلم عندك مرة ثانيةً، وببركته وبسبب حبه أَرِنا مرة أخرى معجزةً تغيّر قلوب هؤلاء المعارضين فيؤمنون. فإننا لا نفرح بعذابهم، وإنما نفرح بهدايتهم. آمين.

فالأمر الذي ألغاه حضرته هنا وطلب من الجماعة أن يعتبروه منسوخًا هو طلبه في الخطبة السابقة بأن يدعو الأحمديون بأن يظهر الله تعالى آية يؤمن بسببها القوم كلهم لا أنه اعتبر نبأ نزول العقاب على أئمة التكفير منسوخًا.

لو كان حضرته قد نسخ في هذه الخطبة عقاب المباهلة فكيف له أن يؤكد في الخطبة نفسها مفسرًا الرؤيا المنذرة المذكورة بقوله:

ومعناها أن القوم الذين نخاطبهم ودعوناهم للمباهلة قد قُدِّرَ لهم أن يروا يوم غضب الله بسبب شقاوتهم، وإلا فما كان الله ليُرسل لهم هكذا عن طريقي هذه الرسالة (أي التاريخ يعيد نفسه). فلن تجدوا في هذا تبديلا، بل سوف يعاقب الله المجرمين حتمًا.

ثم كيف يمكن أن يقول في الخطبة نفسها:

سوف يبطش بهم قدرُ الله حتما، وسوف يُعاقَبَنَّ يقينًا مَن لا يكفُّ منهم عن هذه الشرور.

ثم كيف يقول في الخطبة نفسها إن كان قد نسخ العقاب أو المباهلة:

إن رؤياي هذه التي رأيتها البارحة قد أصابت قلبي بهزة شديدة، إذ يبدو منها أن هذه العقوبة قد صارت قدرًا مقدرا لهؤلاء القوم، وأن شريحة منهم -ولا أقول”كلهم” الآن أيضا – لا بد أن يصبحوا آيةَ عبرة.

وعليه فإن الأمر الذي ألغاه حضرته وطلب من الجماعة أن يعتبروه منسوخًا هو قوله في الخطبة السابقة بأن يدعوا بأن يظهر الله تعالى آية يؤمن بسببها القوم كلهم، وليس أنه اعتبر نبأ نزول العقاب عليهم منسوخًا كما يوهم البعض باقتطاع النص من سياقه متجاهلين تأكيد حضرته مرات كثيرة في الخطبة نفسها على بطش الله تعالى بهؤلاء الظالمين بعقاب شديد.

والحق، كما قلنا سابقا، أنه قد حصل مثلما قال الخليفة الرابع رحمه الله بحيث عذّب الله تعالى الظالمين ولكنهم لم يؤمنوا برؤية آية العذاب.


المزيد: