الإرث في الإسلام وأهمية تقسيم الثروة

إنَّ مِن أهمّ المشاكل التي تواجه العالم اليوم هي الطمع والتقاتل وغزو البلدان وقتل وتهجير أهلها من أجل المال وسبب ذلك عدم العدل في تقسيم الثروة سواء من خلال البنوك أو الإرث. ويتفرّدُ الإسلام بأنه قدَّمَ النظام المتكامل لصيانة الحقوق ومنع تكدّس الثروات عند الأغنياء وحدهم من خلال الإرث وتحريم الربا وكافة أشكال التحايل والظلم المالي الذي يؤدي إلى كوارث على صعيد الأسر والدول والعالم ككل. مثال على ذلك ما ورَدَ في الكتاب المقدس:

وَقَالَ لَهُ وَاحِدٌ مِنَ الْجَمْعِ: «يَا مُعَلِّمُ، قُلْ لأَخِي أَنْ يُقَاسِمَنِي الْمِيرَاثَ». فَقَالَ لَهُ: «يَاإِنْسَانُ، مَنْ أَقَامَنِي عَلَيْكُمَا قَاضِيًا أَوْ مُقَسِّمًا؟».” (إنجيل لوقا 12: 13-14)

فالإسلام وحده يتفرد بهذا النظام المتكامل الذي يقضي على المشاكل كلها .. وقد جُعل في الإسلام للذكر ضعف نصيب الأنثى في الإرث وذلك لأن الذكر بحسب القُرآن الكَرِيم أيضاً مسؤولٌ عن الصرف ورعاية الأسرة وبيته {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ}. وهكذا كلما كان الورثة من بنات وأولاد كانت هذه الحصة هي النافذة. أما إذا لم يكن هنالك ذكورٌ وكان يوجد عددٌ من البنات، فيتمُّ تقسيم الحصة بينهما بمقدار الثلثين، والنصف إذا كانت بنتاً واحدة فقط. أما في حال وجود بنتين اثنتين فَلَمْ تحدّد الآية مقدار الحصة. وهنا يعترض بعض أعداء الإسلام على عدم ذكر الحصة، ولكن هذا نتيجة قلة التدبر فقط لأن الفاء الاستدراكية في قوله تعالى {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ} تؤكد بأن حصة الإثنتين قد ذُكرت في الآية السابقة وهي {الأُنثيَين}. لذلك يتم حساب حصة البنتين على أساس ما ورَدَ في بداية الآية السابقة التي حدّدت نصيب الذكور والإناث وهي أن يحصل الذكرُ الواحدُ على حظّ الأنثيين، لذلك إذا كان ذكراً واحداً وأنثى واحدة فللذكرِ الثلثان، ولكن بما أنَّ حصة الإبن بحسب الآية هي بمقدار حصة البنتين، فإن حصة البنتين إذا لم يكن يوجد وَلَدٌ هي الثلثان، وهي نفس حصة البنات إنْ كُنَّ ثلاثة. وهكذا فمبنى الآية يحدّد للبنتين بغياب الولد، وكذلك للثلاث بنات بنفس الحال، يحدّدُ لهنَّ الثلثين. أما إذا لَمْ يكن الهدف في الآية هو تحديد حصة البنتين، فإن الكلام سيكون كالتالي “للذكر ضعف حظ الأنثى” وليس كما تنص الآية في الحقيقة.

آية الميراث تتحدث عن ثلاث حالات تتعلق بحصة الوالدين

  1. إذا ماتَ الْإِنسَانُ وتَركَ واحداً أو أكثر من الأولاد والبنات، فلكلّ واحدٍ من والديه السدس.
  2. إذا ماتَ الْإِنسَانُ بدون ذرّية، وكان الوالدان هما الوارثان الوحيدان في حال لَمْ توجد للمتوفى/للمتوفاة زوجة أو زوج، فإن حصة الأُم الثلث مما ترك، وللأبِ الثلثان الباقيان.
  3. أما الحالة الثالثة فهي استثناء للحالة الثانية وهي:
    إذا ماتَ الْإِنسَانُ بدون ذرّية وَكَانَ والداه هما الوارثان الوحيدان له وكان عنده أيضاً أخوةُ وأخوات، فعندها وَعَلَى الرغم من أنَّ الأخوة والأخوات لَنْ يرثوه، إلا أنَّ وجودهم بحدّ ذاته سيؤثر على حصّة الوالدين. ففي هذه الحالة ستأخذ الأُمُ السدس -بدل الثلث المذكور في الحالة الثانية- ويأخذ الأبُ الخمسة أسداس الباقية. السبب في منح الأب حصة أكبر في هذه الحالة هو المسؤولية الواجبة على الأبِ للصرف ورعاية الأخوة والأخوات بعد رحيل المتوفى/المتوفاة. وهكذا هو موضوع الآية اللاحقة.

الكلالة

  1. كُلّ مَن يتوفى دون أن يترك خلفه ذرية أو أبوين.
  2. كُلّ مَن يتوفى دون أن يترك والداً أو ولد.
  3. وبحسب قول ابن عباس رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فإن كُلّ مَن مات ولم يترك خلفه ولداً بغضّ النظر عن وجود الأب فذلك هو الكلالة
    (انظر قاموس لين ومفردات الراغب).

أخوة وأخوات الكلالة فهم على ثلاثة أصناف

  • أولاً- أخوة وأخوات حقيقيون، أي الذين هم من نفس الأُم والأب ويُطلق عليهم بالأعيان.
  • ثانياً- الأخوة والأخوات من جهة الأب فقط، ويُعرَفون بـالعلّات.
  • ثالثاً- الأخوة والأخوات من جهة الأُم فقط، أي أن الأب ليس هو نفس أب الأخ المتوفى/الأخت المتوفاة، وهولاء يُعرَفون بـ الأخياف (انظر تفسير ابن كثير” 3/383).

أما الحُكم للصنفَين الأوليين فقََدْ ذُكِرَ في الآية الأخيرة من نفس السورة. أما الصنف الثالث فهو أقلّ من الصنفَين الأوليين، والسبب هو أنَّ الأخوة والأخوات في الصنف الثالث هو لكونهم من جهة الأُم فقط، بينما الأخوة والأخوات في الصنفين الأوليين هُم من جِهة نفس أبِ المُتوفى. في حالة الكلالة ينالُ الأخوة والأخوات حِصصاً متساوية إِذْ لم تُحدَّد نسبة الواحد والإثنين في هذه الحالة. (من التفسير الوسيط بتصرف)

فالميراث مرتبطٌ بالنفقة، فما دام الإسلام يوجبُ على الرجلِ وحده أن ينفقَ على أُسرته، فكان الوضع المناسب لهذا ألا ترث المرأةُ قطّ، لكنّ الله تعالى يُرِيدُ العدل في كل شيء فأعطى للمرأة الإرث كاملاً مع عدم المسؤولية للإنفاق منه على بيتها بخلاف الرجل الذي تقع عليه كامل المسؤولية للإنفاق من مال الإرث والعمل وكل مال يكتسبه، فالميراث هنا كأنه هدية لها، وإشعار لها بتقديرها البالغ. فالمرأة عند المسلمين محترمة للغاية ومصونة، ولا توجد مثل هذه المكانة خارج الإسلام.

تكديس المال ونتيجته على المجتمع

وفي موضوع تكدس المال للأسباب المتعلقة بالإرث وغيره يَقُولُ المُصْلِح المَوْعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:

يبقى السؤالُ: لو لَمْ يترك الأغنياء للفقراءِ والشريحة الوسطى من المجتمع فرصة التقدّم، فكيف يمكن لهؤلاء نيلُه ؟
يردُّ الإسلامُ على هذا السؤال ويقول: من حقِّ بني البشر جميعاً أن يُترك باب التقدّم مفتوحاً أمامهم، ويستنكر أن يعرقل أحدٌ طريق الآخرين. لا شكّ أنَّ جميع الناس سينظرون إلى المشاركين في سباق التقدّم بين عديدٍ من الناس بكلّ حُب وتعاطف، ولكن لا يتعاطف أحدٌ مع شخصٍ يسبق الآخرين ثم يتصدى لهم ليعرقل طريقهم كي لا يسبقه أحد. ولو سُمح بذلك لانتهت المسابقة في حينها، ولاحتكر السبّاقون جميع أنواع التقدّم والرُقي لأنفسهم ولنْ يتركوا مجالاً لغيرهم. الإسلامُ لا يسمحُ بذلك مطلقاً، ويستأصلُ هذا العيب من جذوره، ويفتحُ بابَ التقدّم والرُقي أمام الجميع. ولو تأمّلنا في هذا العيب الذي أدّى إلى اقتصار التقدّم والثروة على بضع عائلات في بعض الدول لوجدنا أنَّ له ثلاثة أسباب:

  1. عدم تقسيم الإرث بين جميع المستحقّين ووقوعه في يد الابن الأكبر فقط، وحرّية الوالد في ماله ليورثه من يشاء وبقدر ما يشاء.
  2. السماح بالربا الذي بسببه يستطيع شخصٌ واحدٌ أو بعض الأشخاص أن يوسعوا دائرة عملهم بقدر ما يشاءون بدون الجهد والسعي.
  3. كثرة الربح.

فبسبب هذه العيوب الثلاثة ضاقت جداً سبل التقدّم على الناس في كثير من البلاد. فقََدْ وقَعت العقارات في أيدي بعض الناس فلم تبقَ للفقراء فرصة لاقتنائها. والذين سبقَ أن كسبوا سمعة جيدة ونفوذاً واسعاً بسبب الربا يمكنهم أن يأخذوا أيّ قدر من المال ولا يقدر أصحاب الأموال القليلة أن يجاروهم في ذلك. أما كثرة الربح فتؤدي إلى تجمّع الأموال في بيوت معدودة.

ولقد قدَّم الإسلامُ ثلاثة حلولٍ للقضاء على هذه العيوب الثلاثة: الأول: أمرَ بتقسيم الإرث، فلا يحقُّ لأحدٍ أن يهب عقاره أو إرثه لشخصٍ واحد، فلا تتكدّس الأموال في أيدي فئة واحدة. يأمر الإسلام أن يوزَّع إرث الميت بحسب حكم الشريعة على جميع ورثته مثل الأولاد جميعهم والأبوين والزوج والإخوة والأخوات، ولا يحقُّ لأحدٍ أن يغير هذا التقسيم. إذاً، فلو نال أحدٌ في البلد الإسلامي تقدّماً هائلاً من الناحية المالية فلا يقدر أولاده أن يجلسوا عاطلين معتمدين على أمواله، بل سيضطرون للجهد والكدِّ من جديد لأن عقاره بما فيه بيته وأراضيه وماله أيضاً سوف يقسم إلى أجزاء. وبما أنَّ الأراضي أيضاً سوف تظل تقسّم من جيلٍ إلى آخر لتتحول بعد جيلين أو ثلاثة أجيال إلى أجزاء صغيرة الحجم جداً فبذلك يستطيع الأجير البسيط شراء جزء منها ليضع الأساس للنهوض بأجياله القادمة. باختصار، إنَّ توزيع العقار سوف يحول دون التقسيم العنصري.” (الأحمدية أي الإسلام الحقيقي، ص 228-229)

ثم يتحدّث حضرته رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عن موضوع الربا الذي لا يتسع المجال هنا لذكره وسنأتي عليه إنْ شاءَ الله تعالى في موضوع الربا في منشور منفصل.

فالتوزيع في الإسلام للإرث بين الجنسين عادلٌ تمام العدل وهو الإنصاف بعينه إذْ ترثُ المرأةُ في الإسلام ولا تقع عليها أي مسؤولية للصرف من ذلك الإرث على بيتها ولكن يحق لها ذلك فقط إنْ هي أحبَّت ورغبت بمساعدة زوجها، وبخلافه فهي ليست مسؤولة عن أي صرفٍ من هذا المال الموروث إلا على نفسها وكل تجارة تقوم بها أيضاً من هذا المال لها وحدها، وفوق ذلك تقع على الرجل مسؤولية الصرف عليها وَعَلَى البيت سواء من مال الإرث أو من المال الذي يجنيه من العمل.

الحكمة في حظ الأنثى نصف حظ الذكر

لقد أمرَ القرآن الكريم: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} فقال المسيح الموعود ؑمبيّنا حكمته:

ذلك لأن البنت تنالُ نصيباً عند أصهارها أيضاً، فتنالُ نصيباً من بيت الوالدين وتنالُ نصيباً في بيت الأصهار وبذلك يصبح نصيبها مثل الذكر تماما.” (ينبوع المعرفة، الخزائن الروحانية المجلد 23، ص 212، الحاشية)

فالقول بأن الإسلامَ ظَلمَ المرأة في الإرث هو الظلم والإجحاف بعينه مع كل هذه المعطيات والمميزات.

وقد يقول قائل كيف نحسب كذا وكذا عدداً من المورثين الخ؟

وجوابنا هو: أنَّ حساب الحصص بالدقة باختلاف الأولاد والبنات والأقارب إنما يتم مراجعته مع دار الإفتاء في الجماعة الإسلامية الأحمدية فقط وليس لكلّ من شاء أن يفتي في ذلك لأنه لأهل الاختصاص بناء على الأسس أعلاه وكلام المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام.

وقد يعترض البعض على انّ هنالك قول عند بعض المسلمين وهو أن هنالك حديث للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم نصّه هو أنَّ لا وصية لوارث، ولهذا هو ينسخ آيات المواريث الواردة قبله في القرآن الكريم، وهنا تنفردُ الجماعة الإسلامية الأحمدية بالقول السديد المنسجم مع كل ما ورد في القُرآن الكَرِيم حول المواريث إِذْ يقول المُصْلِح المَوْعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في تفسير الآية التالية:

{كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} -البقرة 181

شرح الكلمات: خيرا –قالوا: ترك خيراً أي مالا. وقال بعض العلماء: لا يقال للمال خير حتى يكون كثيراً ومن مكان طريق طيب (المفردات).

التفسير: لقد أمرَ اللهُ هنا بالوصية للوالدين والأقربين. وهنا ينشأ سؤالٌ: ما هي هذه الوصية التي أمرنا بها، مع أنَّ أحكام الوراثة قد نزلت في سورة النساء بالتفصيل ؟ وبعد نزولها تكون أي وصية للورثة الأقارب بلا معنى.

يقول البعض في هذا الصدد أنه ما دامت أحكام الوراثة قد نزلت في آيات أخرى من القرآن الكريم .. فهذه الآية منسوخة ولا مجال للعمل بها.

ولكننا نرى أنه ليست هناك آية منسوخة في القرآن الكريم. إن عقيدة النسخ في الآيات القرآنية ظهرت نتيجة لقلة التدبر .. عندما لم يستطع المفسرون فهم الآية قالوا بنسخها، وهكذا اعتبروا مئات الآيات القرآنية منسوخة، ولو أنهم أيقنوا أن كل لفظ وكل حرف من القرآن المجيد قابل للعمل .. لتَدَبَّروا في هذه الآيات الصعبة، وإذا لم يستطيعوا حلها وفهم معانيها أنابوا إلى الله مبتهلين أن يعينهم على فهم حقيقة كلامه عز وجل. ولو فعلوا ذلك لهداهم الله إلى الصواب، ولرأوا حَلاًّ لها. ولكنهم لسوء الحظ اختاروا طريقاً سهلاً .. فاعتبَروا كُلّ آيةٍ لا يفهمون معناها منسوخة، وهذا ما فعلوا بهذه الآية أيضا.

لو نظرنا إلى هذه الآية على ضوء المعنى الذي نورده لها لتبين أن الأمر بالوصية حكيم للغاية، ولا داعي لاعتبار الآية منسوخة. الْحَقُّ أنَّ كلمة الوصية هنا جاءت بمعنى التأكيد العام؛ وأكبر دليل على ذلك أن الله ذكر هنا الوالدين والأقربين ولم يذكر الأولاد .. مع أن ذكر الأولاد كان ضرورياً لِما للإنسانِ من علاقة قلبية بهم. وهذا يعني أن الموضوع هنا لا يتناول الميراث وتوزيعه بين الورثة، بل أمراً آخر. إنَّ سياق الآية يبين أن الأمر هنا يتعلق بالحرب أو ما يشبهها من أحوال. فقبْل ثلاث آيات ذكر الحرب {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ} الآية 178. ثم بعد آيتنا هذه أمر بالقتال {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} الآية 191. وبما أنَّ المشتركين في الحرب هم عموما من الشباب الذين لا يكون لهم أولاد أو يكونون صغارا .. لذلك أمر بالوصية في حق الوالدين والأقربين دون ذكر الأولاد، وقال إنه إذا اقتربَ موتُ أحدٍ أو كان بصدد الذهاب إلى مكان يتعرض فيه لخطر الموت .. وكان ذا مالٍ كثير .. فَلْيُوصِ وليؤكد على أهله بتوزيع إرثه بين الورثة حسَب الشرع .. حتى لا يحدث أي نزاع أو خصومة بينهم فيما بعد. ويكون التأكيد موجّهاً إلى أقاربه مباشرة بدلاً من غيرهم. وإذا أرادَ أن يتصدّق بجزء من ماله فعليه أن يذكر هذا أيضاً ويؤكده في وصيته.

وأرى أنه لو اتبع المسلمون هذا التعليم وعملوا به لَمْ تستمر فيهم أبداً تلك التقاليد والعادات المعارضة للقسمة الشرعية للتركة. يمكن ألا تكون مثل هذه التقاليد والعادات موجودة في بلدٍ تطبَّق فيه الشريعة الإسلامية تماماً، ولكن تكون الحاجة ماسة إلى أن يوصي ويؤكد الإنسان الوصية في حقِّ والديه والأقربين كي تُقسم تركته بينهم بالمعروف .. في تلك البلاد التي تسير بحسب التقاليد والعادات غير الإسلامية .. وإلا حُرم المستحقون وأخَذ الأموال من لا يستحقها.

 ما هو المعروف في قوله تعالى {بِالْمَعْرُوفِ} ؟

والجواب:

أولاً: إنَّ الأحكام الشرعية للميراث هي المعروف، فيجب أن يوصي المورث ويؤكد العمل بها.

وثانياً: هناك حقوق خارجة عن دائرة أحكام الوراثة، لم تذكر تحتها، ولكنها مستحبة على صعيد الدين والأخلاق، وقد تركت الشريعة الباب مفتوحاً ليوصي المتوفَّى حتى بثلث المال لأهل هذه الحقوق. فمثلا يمكن أن يقف بعض أمواله إذا شاء للإنفاق على الفقراء ويوصي بذلك أهله.

ولقوله تعالى {الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} معنى آخر هو أن الورثة إذا كانوا كفارًا فليوص بحسن معاملتهم وإعطائهم شيئًا من ماله، لأن والديه وأقاربه في حالة كفرهم لا يمكن أن يرثوا شيئاً بحسب الشرع لأنهم سينفقون هذا المال في محاربة الإسلام. فإذا وجدهم يستحقون المعونة، وأنَّ إعطاءهم بعض المال فيه مصلحة وخير .. فليوصِ بإعطاء نصيب معيّن من الإرث لمن يراه منهم. أما إذا رأى أنهم سوف يستخدمون هذا المال في محاربة الإسلام فلا يوص لهم بشيء.

والمعنى الثالث لقوله تعالى {الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} أنه يمكن للمورِّث أن يوصي بشيء من إرثه لأحفاده وأبناء إخوته .. وهكذا يقوم بإعانتهم بدون أي مخالفة لأحكام الشرع. لأنه بحسب قانون الوراثة الإسلامي إذا كان للمورِّثِ ابنٌ ماتَ في حياته تاركًا وراءه أولادًا فإنهم لا يرثون من تركة الجد المورِّث شيئا. في هذه الحالة يمكن أن يوصي الجد -في حدود ثلث ماله- لحفدته وحفيداته هؤلاء.

أما البلاد غير الإسلامية، التي لها قوانين محليّة للإرث فهي على قسمين: بعضها تأخذ بوصية المتوفَّى مثل روسيا، وبعضها لا تأخذ بها، وإنما تعمل بقوانين شرّعتها الحكومة. فالبلاد التي تقبل بوصية المتوفَّى يمكن أن تنفع فيها هذه الوصية .. حيث يمكن للأقارب الورثة المحرومين من الإرث بسبب القوانين المحليّة أن ينالوا نصيبهم بحسب الأحكام الشرعية نتيجة لهذه الوصية، وهكذا تحيا التعاليمُ الإسلاميةُ في بلادٍ ليس فيها حكومات إسلامية، ولكن أهلها يرون العمل بوصية المتوفَّى ضرورية. أما البلاد التي لا يمكن فيها تقسيم الإرث طبقا للشريعة الإسلامية .. فإنه وإنْ لَمْ يستطع الورثةُ الحقيقيون الحصول على نصيبهم من الإرث إلا أنَّ المسلمين نتيجة لإعلانهم هذه الوصية سوف يتجنبون هذا الإثم المترتب على مخالفة أحكام الشرع، ويقع الذنبُ على من يخالفون هذه الوصية من رجال الحكومة.

إلا أنَّ هذه الوصية لا تعني أن يعطي المورثُ أحداً من الورثة أكثر مما عيَّنت له الشريعة الإسلامية من الإرث. فقََدْ نهى الرسولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم عن ذلك نهياً شديداً وقال: “إنَّ اللهَ أعطى كُلّ ذي حقٍّ حقّه فلا وصية لوارث.” (الترمذي، أبواب الوصايا).

إذن فليست هذه الآية منسوخة، وليست بلا ضرورة وبدون داع. فكثير من الأحيان يختصم الورثةُ على تقسيم الإرث بعد وفاة المورث، وأحيانا يطالبُ بعضُ الأقاربِ غير الورثة قائلين إنَّ المتوفَّى وعدَنا بكذا وكذا، فأمرَ اللهُ أنْ يُدلي المورثُ بهذه الوصية حتى يسدَّ أبواب النزاع والخصومة بين أهله .. ولا يدّعي أحدٌ أو يطالبُ بشيء، ويجب أن تكون هذه الوصية أمام أقاربه.

وباستخدام كلمة {خَيْرًا} للمال أشار اللهُ إلى أنَّ ما يُكسب بطرق شرعية هو المال الحقيقي، فعليكم أن تكسبوه دائماً بطريق الحلال، وتسعوا لجمع الحلال. أما المال الذي يُكتسب بطرق غير شرعية فلا يكون خيرا. وإنما يصبح شرا.

وكذلك نصحَ بقوله {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ} بأن الإنسان يترك كل ماله لمن خلفه، ويرحل من هذه الدنيا صفر اليدين، وإذن فلماذا يكسب الحرام، فيأكله الآخرون، ويدخل هو بسببه جهنّم، فلا تكسبوا المال من حرامٍ لتتركوه بعدكم، بل عليكم أن تكسبوا من حلال، وإلا فالمال الحرام ليس بمالِ لكم .. فكيف توصون به ؟!” (التفسير الكبير)

فهذا القول هو الذي يجمع الآيات بانسجام تامٍّ دون الحاجة للنَسخ وغيره إذ يثبت انّ القُرآن الكَرِيم كتاب متكاملٌ مترابطٌ يقدّم النظام الأنجح على الإطلاق الكفيل بحلّ مشاكل العالم التي تتفاقم للأسف يوماً بعد يوم. وبالتالي يثبت أنَّ الله تعالى الذي أنزلَ القرآن المجيد يُرِيدُ للإنسان سعادةً وعافية في الحياة الدنيا والآخرة.

كيفية تقسيم الميراث في وجه الشبهات

رجل توفي وترك خلفه أربع بنات ووالدين وزوجة، فكيف يتم تقسيم الميرات؟

الجواب:

إنَّ القُرآن الكَرِيم هو بالأصل مؤسس علم الجبر في الرياضيات، والتسمية عربية وهي (جـ بـ ر). وقد أوجد العلماء المسلمون طريقة الكسور أي البسط والمقام التي يفصل فيها العددان بخط فاصل. وَعَلَى ضوء القُرآن الكَرِيم تم حساب وقياس النسب وظهر للنور علم الجبر وغيره. ولما كان القُرآن الكَرِيم يفصّل والسنّة تشرح هذا التفصيل وذلك لأن حديث وفعل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم هي السنة وهو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم لا ينطق عن الهوى بنص القُرآن الكَرِيم. وطالما ينصّ القُرآن الكَرِيم على العدل ويبَيَّنَ النسب بعمومها فيُترك للإنسان حساب مقدار الحصص وفق هذه النسب المقدّرة دون أن يظلم أحد، ولذلك جاءت مسألة العول. فالمسألة التي هي أربعة وعشرون (24) وسبب ذلك لأن العدد (24) هو الاصل المشترك لجميع المسائل والمضاعف المشترك البسيط لمخارج الفروض الستة (النصف والربع والثمن) و(الثلثان والثلث والسدس). أي أن (24) هو المضاعف المشترك البسيط للأعداد (8،6،4،3،2). فالعدد 24 هو الأصل لكل مسالة متعلقة بأسهم الورثة كي تصبح المسألة مستوية.

أما حساب المسألة هنا فيعتبر من حالات العول وهو (27)، فتقسم التركة على سبعة وعشرين سهماً (27)، يكون لكلٍّ من الأب والأم أربعة أسهم (4)، ولكل بنت أربعة أسهم (4)، وللزوجة ثلاثة أسهم (3) أسهم. وقد حدثت أول مسألة فيها عول في عهد الفاروق سيدنا عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حيث أشار له العباس رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بأن يقسم المال إلى سبعة أجزاء

وَيُرْوَى أَنَّ الْعَبَّاسَ قَال : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَرَأَيْتَ لَوْ مَاتَ رَجُلٌ وَتَرَك سِتَّةَ دَرَاهِمَ ، لِرَجُلٍ عَلَيْهِ ثَلاَثَةٌ ، وَلآِخَرَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ كَيْفَ تَصْنَعُ ؟ أَلَيْسَ تَجْعَل الْمَال سَبْعَةَ أَجْزَاءٍ قَال : نَعَمْ ، قَال الْعَبَّاسُ : هُوَ ذَلِكَ فَقَضَى عُمَرُ بِالْعَوْل. أهـ

ووفق هذا الحساب يمكن تقسيم المسألة هنا كمثال على 27 كالتالي:

1000 / 27 =

37.03703703703704 قيمة السهم الواحد !

الأب والام لكل منهما 4 أسهم:

37.03703703703704 * 8 = 296.29629629629632

والبنات لكل منهن 4 أسهم:

296.29629629629632 + 296.29629629629632 = 592.59259259259264

بجمع حصص الوالدين (4 أسهم لكل منهما) مع حصص البنات الأربع (4 أسهم لكل منهن) ينتج التالي:

592.59259259259264 + 296.29629629629632 = 888.88888888888896

حصة الزوجة 3 أسهم:

37.03703703703704 * 3 = 111.11111111111112

الناتج من جمع الحصص كلها:

888.88888888888896 + 111.11111111111112 = 1000.00000000000008

وهو المطلوب

يجب التنويه إلى أن الحساب يعود إلى أهل الإختصاص وحدهم ولكن ضربنا الحساب أعلاه كمثال فقط. كل هذه مجرد أمثلة وهنالك أهل الإختصاص الذين لديهم الخبرة في قياس وحساب التركة وفق الكتاب والسنة.

ونذكّر المعترض بأن كبار علماء الغرب الرياضيين النصارى أنفسهم امتدحوا تقسيم الإرث في القُرآن الكَرِيم مثل البروفيسور أ. رامسي أستاذ القانون في جامعة لندن الذي قال عن الإرث في القُرآن الكَرِيم بأنه:

Comprises beyond question the most refined and elaborate system of rules for the devolution of property that is known to the civilised world.” (Rumsey, A. Mohummudan Law of Inheritance. (1880) Preface iii)

أي أن القُرآن الكَرِيم يضع أرقى نظام لتوزيع الملكية لم يشهد العالم المتحضر مثيله.” أهـ

فالإرث في القُرآن الكَرِيم هو العدل بل الإحسان بعينه. وما يعترض إلا قليلي التدبر فقط.

إقرأ المزيد:

هل اقتبس القرآن من التوراة والإنجيل – شبهات وردود

وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

About الأستاذ فراس علي عبد الواحد

View all posts by الأستاذ فراس علي عبد الواحد