المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود ع العربية .. 157

الفصاحة في لغات المسيح الموعود عليه السلام ..4

المعيار الرابع: وصف اللغات بالشذوذ والقلة يشوبه الاضطراب والغموض وعدم المصداقية ويفتقر للضبط والوضوح

نتابع في ما قاله العلّامة عباس حسن في سلسلة مقالاته ” صريح الرأي في النحو العربي داؤه ودواؤه” .

4: يؤكد عباس حسن أنه بسبب قصور النحو الذي أسسه النحاة على ما جمعوه من اللغة الناقصة، لجأووا إلى تخطيئ اللغات التي خالفت نحوهم والحكم عليها بالشذوذ والندرة والقلة ؛وما نهجهم هذا إلا تخلّصا من الضّيق الذي وقعوا فيه عندما جُوبهوا بلغات عربية  تعارض نحوهم ، فيقول:

“فتدهمُهم (أي النحاة) الأمثلة التي تعارضهم. فماذا يصنعون ؟ يلجأون إلى التخلص من هذا الضيق بتأويل تلك الأمثلة، أو وصفها بأنها شاذة، أو نادرة، أو قليلة، أو مخطيء صاحبها … أو ماشاءوا من مثل هذه الأسماء التي أصيبت بما أصيب به النحو عامة من اختلاف في تحديد أحكامه، ومرامي قواعده. و نالها ماناله من تفرق في الرأي؛ و اضطراب في الدلالة؛ ((إذ لم يتّفقوا – حتى اليوم – على تعريف هذه الأشياء تعريفا دقيقا و بيان أحكامها في وضوح و ضبط فما الكثير؟ و ما القليل؟ و ما الشاذ؟ و ما النادر؟ … و ما حدّ كل واحد من هذه الألفاظ و أمثالها؟)) و من هنا صحّ ما يقال: إن اللغويين أصحاب الفضل الأول على النحويين، و إنهم كذلك أهل الإساءة الأولى للنحو و النحاة. و هؤلاء و هؤلاء قد أحسنوا أيما إحسان إلى العربية و الناطقين بها و إن كانوا قد مزجوا إحسانهم بإساءة، و خلطوا عملا صالحا و آخر سيئا.” [إ.ه]

أقول: إذا كان وصْم بعض اللغات بالشذوذ والقلة كان من أجل التخلص من الضيق والحرج،  الذي أحدثته هذه اللغات للنحاة، فقول عباس حسن هذا ينمّ عن عدم مصداقية واضح في البحث وتقصي حقيقة هذه اللغات، وعدم مصداقية في هذه الأحكام النازلة بهذه اللغات من الشذوذ والندرة. إذ بدلا من إنزال هذه الأحكام كان من الأولى زيادة البحث والتقصي، ومحاولة جمع الأكثر من الشواهد على هذه اللغات قبل وصفها بكل هذا.

وأقول: إذا كانت هذه الأوصاف التي ألحقت ببعض اللغات العربية مثل: الشاذ والكثير والقليل والنادر  و و و  ، لا اتفاق على تعريفها وتحديدها ودلالاتها ؛ فتسقط كل هذه الأوصاف والتعريفات دفعة واحدة ؛ إذ ليس من البعيد أن يكون ما عُدّ شاذا عند البعض، لم يندرج تحت الشذوذ عند الآخرين. وهذا بالفعل ما حصل في الكثير من هذه اللغات. وإن كانت هذه الأوصاف مضطربة الدلالة، فبأي حقّ تُنبذ بعض اللغات لمجرد أن بعض النحاة أقروا بشذوذها أو قلتها!؟

وأضرب هنا على سبيل المثال لا الحصر : لغة أكلوني البراغيث، والتي حُكم عليها بالخطأ والشذوذ عند العديد من النحاة ؛ رغم أن العديد من النحاة الآخرين يقرّون بشيوعها في فصيح الكلام كالحديث الشريف، مما يحتّم الحكم بفصاحتها والأخذ بها ، لا سيّما لورودها في القرآن الكريم، في قوله تعالى: {عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ } (المائدة 72).

ومن هنا فإننا نخلص إلى أن وصف بعض اللّغات  أنها قليلة أو شاذة أو غير مشهورة ، لا يمكن أن يعوَّل عليه للحكم على أنها غير فصيحة، فمجرد تلفظ العربي الفصيح بها وصدورها عن قبائل عربية فصيحة يحتم الحكم عليها بالصحة والفصاحة.

وهذا ما ينطبق على بعض لغات المسيح الموعود عليه السلام، التي وصفها البعض بالشذوذ والقلة ، فهي رغم كل هذه الأوصاف التعسفية التضييقية لا يمكن إخراجها من فصيح الكلام ؛ فكلها لغات عربية صحيحة وفصيحة.