الاعتراض:

هل كان المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام يهين المسيح الناصري عَلَيهِ السَلام؟ وما معنى العبارة التالية: “مومس جميلة تجلس بقرب يسوع وكأنها تحاول إثارته، أحيانًا تقوم بتدليك رأسه بالعطر أو تحتضن قدميه، وأحيانًا تمرر شعرها الأسود الجميل على قدميه وتلعب على ركبته. في هذا الوضع فإن السيد المسيح كان يجلس منتشيًا. فإن نهض أحدهم ليعترض بأن هذا الفعل مشين بالنظر إلى سن المسيح الشاب، إضافة إلى شربه للكحول وحياة العزوبية، تقوم مومس جميلة بالتمدد أمامه وتلامس جسدها بجسده! هل هذا تصرف رجل مستقيم؟ وما هو الدليل على أن المسيح لم تغلبه النشوة الجنسية من لمسات تلك المومس؟ للأسف فإن يسوع لم يكن له بالإمكان الاتصال جنسيًّا مع أي زوجة تخصه بعد أن أمضى وقته مع تلك العاهرة. أية شهوة جنسية يمكن أن تثيرها لمسات وألاعيب تلك المومس البائسة!! لا بد أن المتعة والإثارة الجنسية قد أعطت أثرها إلى أقصى غاية. لهذا السبب لم يستطع يسوع أن يفتح فمه قائلاً “أيتها العاهرة ابتعدي عني”. إنه من المعلوم في الإنجيل أن تلك المرأة كانت عاهرة وسيئة السمعة في جميع أرجاء المدينة. (كتاب نور القرآن – الخزائن الروحانية؛ ج9، ص449)

الرد:ّ

أيها المسلمون العرب، لقد قام كثير من المشايخ الهنود والباكستانيين بنقل صورة مشوّهة للمسيح الموعود عَلَيهِ السَلام إليكم، مستغلين عدم معرفتكم بلغة الأوردو. وهناك أدلة لا تُحصى على كذبهم وتشويههم، ولعل مثالا يتضح الآن من خلال الإجابة على هذا الاعتراض، ويمكنكم أن تقيسوا عليه البقية. وهذا المثال يوجب عليكم أن لا تصدِّقوهم، أو على الأقل أن تتبيّنوا وتتثبتوا قبل أن تثقوا بأقوالهم.. فقد قال الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}، وقال رسول الله ﷺ كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع. (مسلم)

كان المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام يرد على اعتراضات القساوسة ضد سيدنا محمد ﷺ، فهنا يذكر اعتراضهم الخامس، وهو قولهم: إن نبيكم قد وقع نظره على امرأة غير مُحْرمة عليه، فجاء إلى بيته فقضى حاجته مع زوجته سودة، فالإنسان الذي لا يستطيع أن يتمالك نفسه عند وقوع نظره على الغريبات عنه، ما لم يَقْضِ حاجته مع زوجته وما لم يشبع جَشَع شهوته، كيف يكون مثل هذا رجلا كاملا؟

وقد استدلّوا بحديث على ذلك.. فأخذ سيدنا المسيح الموعود يردّ عليهم ردًّا مفحمًا مبكِّتًا ومطوّلا -استغرق أربع صفحات- منـزهًا نبينا ﷺ عن مثل هذه التهم، حتى قال لهم متحدثا عن يسوع كما تصفه الأناجيل وليس عن عيسى عَلَيهِ السَلام:

ولكن ماذا نكتب وماذا نقول عن يسوعكم؟ وإلى متى نبكي على حاله؟ هل كان مناسبا أن يهيئ فرصة لامرأة زانية أن تجلس ملتصقة معه في عز شبابها حاسرة الرأس، وتلمس قدميه بشعرها بكل غنج ودلال، وتدهن رأسه بعطر كسبته بالحرام؟ لو كان قلب يسوع بريئا من الأفكار الفاسدة أو السيئة لمنع مثل هذه المرأة المومس من الاقتراب إليه حتما.. ” فهنا يتحدث المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام عن يسوع حسب ما جاء في الأناجيل، أي من باب المحاجّة، وليس عن المسيح الناصري الذي يكرمه القرآن الكريم باعتباره رسولا إلى بني إسرائيل. ثم عرّج المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام للحديث عن سيدنا محمد ﷺ، فقال: “ولكن، انظروا إلى تقوى سيدنا ومولانا أفضل الأنبياء خير الأصفياء محمد ﷺ، حيث لا يصافح أي امرأة حتى الشريفة، بل حين كن يأتينه للبيعة كان يُجْلِسهن على بعد منه، ويعظهنّ بالتوبة“.

ثم عاد عَلَيهِ السَلام إلى الحديث عن يسوع كما وُصف في الأناجيل، فذكر الكلام الذي أشار إليه السؤال، وإن كان في الترجمة بعض الخطأ.

باختصار، المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام يردّ على القساوسة الذين يشوهون صورة نبينا ﷺ، ويهاجم يسوع الإنجيلي وليس المسيح الناصري عَلَيهِ السَلام.. فقام المشايخ الهنود بقصّ هذه العبارات متجاهلين سياقها، ومفترين بادعائهم أن المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام يهاجم المسيحَ الناصري عَلَيهِ السَلام.

وكيف يهاجم المسيحُ الموعودُ عَلَيهِ السَلام المسيحَ الناصريَّ وهو شبيهه؟ وكيف يهاجمه وهو نبي الله؟ فلماذا الكذب؟

وللتفصيل في هذا الموضوع يرجى مراجعة كتيّب (تكريم المسيح الناصري عَلَيهِ السَلام) فهو يوضح كيف أن المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام يكرّم المسيح الناصري عَلَيهِ السَلام. ونورد فيما يلي بعض أقوال المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام من كتبه في تفنيد شبهة إهانة المسيح عَلَيهِ السَلام، حيث قال حضرته عَلَيهِ السَلام:

عندما يجرح المسيحيون أفئدتنا بشتى الهجمات الفظيعة على شخصية الرسول ﷺ نرد عليهم هجومهم هذا من خلال كتبهم المقدسة والمسلَّم بها لديهم، لكي ينتبهوا وينتهوا عن أسلوبهم… هل يمكنهم أن يَعرضوا أمام الناس من مؤلفاتنا ردًّا هجوميًّا على سيدنا عيسى عَلَيهِ السَلام ليس له أساس في الإنجيل؟ إنه لمن المستحيل أن نسمع إهانة سيدنا محمد المصطفى ﷺ ونسكت عليها” (الملفوظات؛ ج 9، ص 479)

وقال عَلَيهِ السَلام:

أما قولك بأنني استعملت كلمة “الشتم” في حق المسيح وكأنني لم أحترمه، فهذا ليس إلا سوء فهمك. إنني أؤمن بأن المسيح عَلَيهِ السَلام كان نبيًّا وعبدًا محبوبًا عند الله تعالى. وأما الذي كتبتُه فكان هجومًا منكم علينا، ولكني جعلتُه يرتد عليكم، إذ كان طبقًا لمعتقدكم.” (جنغ مقدس، الخزائن الروحانية؛ ج 6، ص 107)

وقال عَلَيهِ السَلام:

ليتذكر القُرّاء أننا كنا مضطرين لدى الحديث عن الديانة المسيحية أن نختار نفس الأسلوب الذي اختاره هؤلاء ضدنا. الحقيقة إن المسيحيين لا يؤمنون بسيدنا عيسى عَلَيهِ السَلام الذي قال عن نفسه بأنه عبد ونبي فحسب، وكان يؤمن بصدق جميع الأنبياء السالفين، وكان يؤمن من صميم قلبه بمجيء سيدنا محمد المصطفى ونبّأ عن بعثته ﷺ. وإنما يؤمنون بشخص آخر يسمى يسوع، ولا يوجد ذكره في القرآن. ويقولون بأن ذلك الشخص ادعى الألوهيهَ، وقال عن الأنبياء السابقين إنهم “سُرّاق” و”لصوص”. ويقولون أيضا إن هذا الشخص كان شديد التكذيب لسيدنا محمد المصطفى ﷺ، وتنبأ بأنه لا يأتي بعده إلا المفترون. وتعرفون جيدا أن القرآن الكريم لا يأمرنا بالإيمان بمثل هذا الشخص، بل يقول صراحةً بأن الذي يدعي بأنه إله من دون الله فسوف ندخله جهنم. ولهذا السبب لم نُبدِ لدى الحديث عن يسوع المسيحيين الاحترام اللازم تجاه رجل صادق، إذ لولم يكن ذلك الرجل (المزعوم) فاقدَ البصر، لما قال بأنه لن يأتي بعده إلا المفترون، ولو كان صالحًا ومؤمنًا لما ادّعى الألوهية. فعلى القراء ألا يعتبروا كلماتنا القاسية موجَّهةً إلى سيدنا عيسى عَلَيهِ السَلام. كلا، بل إنها موجهة إلى يسوع الذي لا يوجد له ذكر ولا أثر، لا في القرآن ولا في الأحاديث.” (مجموعة الإعلانات؛ مجلد 2، ص 295 و296)

وقال عَلَيهِ السَلام:

إننا – بعد تخصيص منصب الألوهية لله وحده – نعتبر سيدنا عيسى عَلَيهِ السَلام صادقا وصالحًا في جميع الأمور، وجديرًا بكل نوع من الاحترام الذي يجب القيام به تجاه كل نبي صادق“. (كتاب البرية، الخزائن الروحانية؛ ج 13، ص 154)

وقال عَلَيهِ السَلام:

إن المسيح من عباد الله المحبوبين والصالحين جدا، ومن الذين هم أصفياء الله، والذين يطهرهم الله تعالى بيده ويُبقيهم تحت ظل نوره. غير أنه ليس إلهًا كما زُعم. نعم إنه من الواصلين بالله تعالى ومن أولئك الكُمَّل الذين هم قلةٌ“. (تحفة قيصرية، الخزائن الروحانية؛ ج 12، ص 272، 273)

وقال عَلَيهِ السَلام:

لقد كُشف عليَّ أنا العبدِ المتواضع أن حياتي مماثلة للفترة الأولى من حياة المسيح من حيث الفقر والتواضع والتوكل والإيثار والآيات والأنوار، ويوجد تشابهٌ بين فطرتي وفطرة المسيح، وكأننا جزءان من جوهرة واحدة، أو ثمرتان من شجرة واحدة. وهنالك مشابهة ظاهرية أخرى أيضا؛ فإن المسيح كان تابعًا لنبي كامل عظيمٍ هو موسى، وكان خادمًا لدينه، وإنجيلُه كان فرعًا للتوراة، كذلك أنا العبد المتواضع أيضا من الخدام المتواضعين لذلك النبي الجليل الشأن الذي هو سيد الرسل وتاج المرسلين جميعا“. (براهين أحمدية، الخزائن الروحانية؛ ج 1، ص 593 و594 الحاشية على الحاشية رقم 3)

وقال عَلَيهِ السَلام:

قال الله تعالى لي: “أنت أشد مناسبةً بعيسى بن مريم، وأشبَهُ الناس به خُلقًا وخَلقًا وزمانًا.” (إزالة الأوهام، الخزائن الروحانية ج5، ص 165)

وقال عَلَيهِ السَلام:

ومن جملتها إلهام آخر خاطبني ربي فيه وقال: إني خلقتُك من جوهر عيسى. وإنك وعيسى من جوهر واحد وكشيء واحد.” (حمامة البشرى، ص 44)

وقال عَلَيهِ السَلام:

ولست أنكر شأن عيسى عَلَيهِ السَلام، وإن كان الله قد أخبرني أن المسيح المحمدي أفضل من المسيح الموسوي، ولكنني مع ذلك أحترم المسيح ابن مريم جدَّ احترام، وذلك لأنني -من حيث الروحانية- خاتم الخلفاء في الإسلام كما كان المسيح ابن مريم خاتم الخلفاء للأمة الإسرائيلية. كان ابن مريم مسيحًا موعودًا في الأمة الموسوية، وأنا المسيح الموعود في الأمة المحمدية، لذلك فإني أحترم الذي أنا سَمِيُّه، ومفسدٌ ومفترٍ مَن يتهمني بأني لا أحترم المسيح ابن مريم. وليس ذلك فحسب بل إنّني أحترم إخوانه الأربعة أيضًا، لأنّهم الخمسة أبناء أمّ واحدة، ولا يتوقف الأمر على هذا بل فوق ذلك إني أعتبر أختيه أيضًا قديستين لأنّ جميع أولئك الأبرار من رَحِم مريم العذراء، وما أعظمَ شأن مريم التي منعت نفسها عن القِران مدة طويلة ثم قامت بعقد القِران على إصرار أولي الأمر من القوم بسبب الحمل، وإن كان الناس يعترضون: لماذا تم عقد القران في أثناء الحمل خلاف تعليم التوراة؟ ولماذا تم نقض عهد العذرية؟ ولماذا سُنّ تعددُ الزواج؛ أي لماذا رضيت مريم بأن تتزوج يوسف النجار مع أن زوجته الأولى كانت موجودة؟ ولكني أقول إنها كانت كلها ضرورات ظهرت، وكان أولئك الناس في تلك الحالة يستحقون الرحمة وليس الملامة“. (سفينة نوح، الخزائن الروحانية؛ ج19، ص 17-18)

وقال عَلَيهِ السَلام:

إني رأيت عيسى عَلَيهِ السَلام مرارًا في المنام ومرارًا في الحالة الكشفية. وقد أكل معي على مائدة واحدة. ورأيته مرة واستفسرته عما وقع قومه فيه. فاستولى عليه الدهش، وذكر عظمة الله، وطفق يسبح ويقدس، وأشار إلى الأرض وقال: إنما أنا تُرابيٌّ وبريء مما يقولون. فرأيته كالمنكسرين المتواضعين. ورأيته مرة أخرى قائمًا على عتبة بابي وفي يده قرطاس كصحيفة، فأُلقي في قلبي أن فيها أسماءَ عباد يحبون الله ويحبهم، وبيانَ مراتب قربهم عند الله. فقرأتُها فإذا في آخرها مكتوب من الله تعالى في مرتبتي عند ربي: هو مني بمنـزلة توحيدي وتفريدي. فكاد أن يُعرَف بين الناس“. (نور الحق، ص 33)

وقال عَلَيهِ السَلام:

نكشف للقراء بأن عقيدتنا في سيدنا المسيح عَلَيهِ السَلام سليمة جدًّا، وإننا نؤمن من أعماق قلوبنا بأنه كان نبيًا صادقًا من الله تعالى، ومحبوبًا لديه. ونؤمن حسبما أنبأنا القرآن الكريم بأنه كان يؤمن من صميم فؤاده بمجيء سيدنا ومولانا محمد المصطفى ﷺ. وكان خادمًا مخلصًا من مئات الخدام لشريعة سيدنا موسى عَلَيهِ السَلام. فنحن نكرمه تمامًا بحسب مقامه، ونأخذ مقامه هذا بعين الاعتبار دائمًا.” (نور القرآن، الخزائن الروحانيةج9، ص 374)

وقال عَلَيهِ السَلام:

إنه لخبيث الذي يطيل لسانه على الكُمَّلِ الصالحين اتباعًا لأهواء نفسه. وإنني على يقين بأن من المستحيل أن يبقى مثل هذا الشخص بعد الطعن في الصلحاء مِثل الحسين أو عيسى عَلَيهِ السَلام حيًّا ولو لليلة واحدة، بل إن الوعيد الإلهي: “مَن عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب….” سيبطش به على الفور“. (إعجاز أحمدي، الخزائن الروحانية؛ ج19، ص 149)

وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

About الأستاذ فراس علي عبد الواحد

View all posts by الأستاذ فراس علي عبد الواحد