المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود ع العربية..166

الفصاحة في لغات المسيح الموعود عليه السلام..13

مقال إجمالي في إثبات فصاحة لغات المسيح الموعود عليه السلام

الفصاحة والبلاغة في كلام المسيح الموعود عليه السلام بينة ظاهرة، ولا يعمى عنها إلا جاهل أو حاقد. غير أننا لا بدّ أن نبيّن الفصاحة في الجزء البسيط من لغة حضرته عليه السلام،العربية، والذي يندرج تحت لغات العرب القديمة المختلفة ، وتلك اللغات المختلفة التي قمنا بتوجيه لغات المسيح الموعود عليه السلام لها وحسبها في أبحاثنا المختلفة. وهي كما لا يخفى على أحد ليست برائجة في الكتابات العصرية، ومن الممكن أن تكون قد صُنفت في بعض الكتب العربية بأنها لغات شاذة أو متروكة، فهل يحق لأحد أن يحكم على هذه اللغات بالضعف والشذوذ؟ أو أنها في عداد المتروك وغير المشهور؟ وبناء على ذلك القدح في فصاحة المسيح الموعود عليه السلام ؟ هذا ما نريد أن نبيّنه من خلال هذا المقال الإجمالي.

1: ليست كل اللغات التي ذهبنا إليها شاذة: لا بد من التأكيد على أنه ليس كل ما ذهبنا إليه من التوجيهات يندرج تحت اللغات القديمة أو المتروكة أو الشاذة. بل العديد منها لغات وأساليب لغوية ونحوية عالية الفصاحة والبلاغة، أو أنها لغات وأساليب نحوية معروفة ومذكورة بشكل واضح في أمهات المراجع النحوية ؛ ولكنها رغم ذلك يجهلها الطاعنون في لغته عليه السلام، لأنها في الحقيقة ليست رائجة في الكتابات المعاصرة ولا تستعمل كثيرا. وقد يكون سبب عدم رواجها هو الرغبة في تأطير اللغة وتحديد معالمها وعدم شيوع الفوضى في التعبير. ومن أمثلة ذلك أسلوب التضمين الذي هو أسلوب بليغ يستعمله البلغاء بلا حرج، لا سيما في النصوص القديمة، وكذلك أسلوب الحمل على المعنى الفاشي في الكتابات والنصوص القديمة ، أو اقتران الفاء في جملة جواب الشرط الفعلية ماضية كانت أو مضارعة. فكل هذه وغيرها من اللغات الأخرى التي ذهبنا إليه في التوجيه، لهي لغات وأساليب ليست شاذة ولا متروكة ولا ضعيفة بل في قمة الفصاحة والبلاغة أو على الأقل مما يندرج في فصيح الكلام ولا ريب.

2: حتى اللغات التي عُدت من الشاذ فهي فصيحة: أما بعض اللغات والأساليب الأخرى التي وجّهنا إليها لغة المسيح الموعود عليه السلام، فقد تندرج فعلا تحت ما صنفه النحاة بين الشاذ والمتروك والضعيف وغيره من أوصاف الضعف، التي بالمقابل لها يقف الفصيح من الكلام. ولكن في هذا النوع من اللغات لنا أن نقول أنها هي الأخرى لا بدّ أن تُعد في عداد الفصيح من الكلام العربي وذلك للأسباب التالية.

الفوضى والتضارب بين النحاة في تعريف الفصيح ومعاييره:

3: وصْم اللغات والأساليب بالشذوذ هو خطأ: وذلك لعدة أسباب منها:1- اختلاف النحاة في التصنيف والمعايير المتبعة فيه، ومنها:2- نقص الاستقراء والفوضى فيه

4: الفوضى في التصنيف والمعايير: تصنيف اللغات ومعايير الحكم عليها بالفصاحة والشذوذ خاطئة مضللة يشوبها الفوضى والاضطراب والتناقض وعدم الاتفاق، وهي ليست ذات دلالات واضحة. فما الفصيح؟ وما الشاذ؟ وما المقيس؟ وما السماعي؟ لا اتفاق على كل هذا! فهذه التصنيفات يشوبها نوع من عدم المصداقية حيث لجأ إليها النحاة للتخلص من الحرج في عدم تماشي هذه اللغات مع صناعة النحو والقواعد التي ابتكروها.

5: الفوضى وانعدام الدلالة في المعايير معدومة الإثبات (الكثرة والقلة): فالمعايير التي بنوا عليها هذه التصنيفات ليست ثابتة وغير متفَق عليها.فمدار هذا التصنيف هو على الكثرة والقلة التي لا يمكن إثباتها أصلا، لعدة أسباب وعوامل أهمها هو نقص الاستقراء في اللغة الذي سنفصل الأمر فيه. فما الكثير وما القليل وما الشاذ ؟ وما حد كل واحد منها؟ لا تعريف واضح لكل هذه المسميات! فكل هذا يشوبه الفوضى والغموض.

6: فلا تحديد ولا تعريف لما هو الكثير والقليل الذي يقاس أو لا يقاس عليه !؟ هل هو 10-20-30 مثالا حتى يصح القياس على اللغة واعتبارها من فصيح الكلام ؟ كل هذا ليس معروفا عند البصريين.

7: لا فرق بين المقيس أو القياسي (المجاري للكثرة) والسماعي (القليل) فكلاهما كلام عربي أصيل، كما بينه عباس حسن وبناء على هذا فقلة السماع باللغة لا يخرجها من الأصالة والفصاحة.

8: لا فرق بين الفصيح والشاذ عند ثلة من النحاة: فالكوفيون وغيرهم مثل الإمام أبو زيد الأنصاري شيخ سيبويه لا يفرقون بين الشاذ والفصيح بل يجعلونه سواء فيأخذون بالشاذ ويبنون عليه،

9: الشاذ عندهم موجود في القرآن الكريم وقراءاته!: جزء من هذا الذي يسمونه شاذا وارد في القرآن الكريم وقراءاته ، فكيف يصح وصم القرآن الكريم وحي الله تعالى بالشذوذ!؟ (مثل: صيغة الماضي مِن يدع / ودع؛ أو الفصل بين المصدر ومعموله، أو اعتبار شبه الجملة مبتدأ و اسما للنواسخ، أو صرف الممنوع من الصرف، وغيره )

10: اختلاف العلماء في تعريف ومعنى الفصيح من الكلام: فمنهم ما يراه يسير وفق كثرة الاستعمال ومنهم من يراه وفق استقامته مع القياس. إن مجرد هذا الاختلاف يؤكد أن مسألة الشيوع أو الكثرة ، أو مسألة القياس ، ليست هي أحكاما قطعية على فصاحة اللغة. حيث جاء في هذا:

“واصطلاحاً: اختلف العلماء فى المراد بالفصيح، فيرى كثيرون أنه ما كثر استعماله على ألسنة العرب الفصحاء. قال الجاربردى: فإن قلت ما يقصد بالفصيح؟ وبأى شىء يعلم أنه غير فصيح وغيره فصيح؟ قلت: أن يكون اللفظ على ألسنة الفصحاء الموثوق بعربيتهم أدور، واستعمالهم لها أكثر….

ويرى بعض اللغويين أن الفصيح لا يخضع لكثرة الاستعمال ولا قلته، وإنما الفصيح ما أفصح عن المعنى واستقام لفظه على القياس، لا ما كثر استعماله، وليس كل ما ترك الفصحاء استعماله بخطأ، فقد يتركون استعمال الفصيح لاستغنائهم بفصيح آخر، أو لعلة غير ذلك.” [موسوعة المفاهيم الإسلامية العامة (ص: 502، بترقيم الشاملة آليا)]

11: والأخذ برأي القدامى في هذا الامر ومسألة القياس والسماع مرهق مضلل على رأي عباس حسن: إذ القضية متعلقة بأمرين:1: مدى الشيوع وكثرة دوران اللغة على لسان الفصحاء ، و2: كذلك على تماشي اللغات مع القياس أي بتماشيها مع النظائر الكثيرة التي تؤيدها. وكلا الأمرين موضع اختلاف وتضارب بين النحاة.

12: معنى الفصيح وفق تعريف النحاة يشوبه نوع من الغموض والتضليل فهو لا يعني -على الأغلب- صحة وأصالة وعراقة الكلام العربي وإنما يعني ببساطة كثرته وكثرة دورانه على ألسن الفصحاء. ومن الأدلة على ذلك أن هناك منهم من يسوّي بين الشاذ والفصيح ، والشاذ عنده من الكلام العربي الأصيل، فكيف للكلام الفصيح أن يتفرّد بالعراقة والأصالة والصحة إذا كان الشاذ أو السماعي داخلا فيها!؟ وإذا كان معنى الفصاحة عندهم يدل على الأصالة والصحة، فكيف يسوى بين الاثنين!؟. القضية وما فيها أن الفصيح يعني الكثير وأما الشاذ وغيره من التعريفات فتدل على القلة. ولكن أنّى لهم أن يحكموا على شيء بالقلة والكثرة إذا كان الاستقراء ناقصا !؟

13: الفصاحة مدارج، وهي ذات مجال رمادي واسع لا يقتصر على الأبيض والأسود فقط: يظن البعض أن ما لا يندرج تحت أعلى درجات الفصاحة المتمثلة بالقرآن الكريم مثلا، لا بدّ من رميه بالشذوذ أو عدم الفصاحة، وأن القضية تنحصر بين الفصيح والشاذ فقط ؛غير أن الأمر ليس كذلك، فقد جاء في هذا: “الفصيح ليس علّى درجة واحدة، فله رتب متفاوته، فمنه الفصيح والأفصح، ونظير ذلك فى علوم الحديث تفاوت رتب الصحيح، ففيها صحيح وأصح. وكلام اللغويين يشهد بذلك…. وخلاف الفصيح إما ضعيف أو منكر أو متروك. “[موسوعة المفاهيم الإسلامية العامة (ص: 502، بترقيم الشاملة آليا)]

وعليه فإن اللغات التي ذهبنا إليها في توجيهاتنا المختلفة، إن لم يكن بعضها مندرجا تحت الأساليب الفصيحة العالية، فليس بالضرورة القول بشذوذه وضعفه، بل هو يندرج تحت مستويات الفصاحة المختلفة من الفصيح فالأفصح فالأفصح إلى ما دون الأعلى فصاحة، ولكنه يبقى في عداد الفصيح.

الفوضى والتضارب في الاستقراء وتعريفاته ومعاييره:

14: استقراء اللغة ناقص فما وصلنا هو الأقل منها: واعتراف النحاة أن ما وصلنا منها هو الأقل وأن أكثرها قد ضاع، يحتم أن الحكم على بعض اللغات بالشذوذ لم يكن صحيح،ا لأنه لو اكتمل الاستقراء لاتّضح أن ما عُدّ قليلا هو في الحقيقة كثيرُ الدوران على لسان الفصحاء.

ثم ما يدرينا فلعل لغة يُحكم عليها بالندرة والشذوذ، إلا أنها كانت شائعة في عصرها وووقتها وبين أبناء قبيلتها أو قبائلها المختلفة، التي لم يصلنا الاستقراء عنها.

وهذا ما يقوله عباس حسن:

  • “ومن يدري فقد تكون الألفاظ المرتجلة في زعمنا ليست في الحق والواقع جديدة، وإنما هي بعض تراث لغوي زال أكثره، وبقي أقله لدى فريق من الناس ” فحفظوا قّلَّ ذلك أو غاب عنهم أكثره،
  • كما يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكما يقول أبو عمرو بن العلاء: ” ما انتهى إليكم مما قالت العرب إلا أقله، ولو جاءكم وافراً لجاءكم علم وشعر كثير،
  • ويقول القاضي الجرجاني: ” إذا سمعنا عن العربي الفصيح الذي يعتد حجة، كلمة اتبعناه فيها، وإن لم تبلغنا من غيره، ولم نسمع بها إلا في كلامه “[إ.هـ]

15: اقتصار الاستقراء على ست قبائل من بين ثلاثين قبيلة عربية أصيلة وعريقة بحجة انّ القبائل الأخرى اختلطت بالعجم: واعتبار معظم هذه القبائل أنها ليست عربية نقية ، أدى إلى إضاعة ثروة لغوية كبيرة والتي لو توفرت لما صحّ نعت القليل بالقلة والشاذ بالشذوذ. فكل هذه القبائل عربية عريقة أصيلة جديرة بأن تؤخذ اللغة عنها ذلك أنها بحكم أصالتها العربية، و أنها من أهل شبه الجزيرة الخلص تملك أن تنشيء الكلمات إنشاء و تخترعها ابتداء؛ بل لكل فرد منها ذلك ما دام بعيدا عن التجريح.

16: لم يتفق النحاة أيضا في موضوع عصور الاحتجاج، ومَن هو العربي الأصيل الذي تُؤخذ منه اللغة، وما هي المعايير التي تحدد ذلك: فمن عيوبهم تجريدهم العربي الأصيل من أصالته وووصفه بأنه مولِّد ومُحدِث، لمجرد اختلاطه بالعجم، ومن بين ذلك القدح في فصاحة فحول الشعراء كالمتنبي والفرزدق وجرير.

17: حجة عجمة بعض القبائل أو العرب الفصحاء حجة واهية: إذ كيف يمكن الانعزال التام في البادية وعدم مخالطة العجم؟ وما هي مدة مخالطة العجم، قصرها وطولها، التي تحتم نزع الأصالة عن العربي، وكيف لنا أن نفحص ونتتبع ذلك لكل شاعر أو قبيلة؟

كما عرف عن قريش وبعض القبائل الستّ التي أُخذت منها اللغة مخالطتها للعجم أيضا ،ألم تكن لقريش رحلة الشتاء والصيف التي خالطت فيها العجم!؟ أولم تدخل الكلمات الأعجمية لغتها إلى أن احتلت مكانا في أبلغ وأفصح الكلام العربي ألا وهو القرآن الكريم!؟

18: الكلام الاعجمي المعرب موجود في القرآن الكريم: وهذا دليل على مخالطة فصحاء العرب ومن ضمنهم قريش للأعاجم وتعريب ألفاظهم وجعلها جزءا من الفصاحة العربية. فلا مجال للقدح في فصاحة القبائل العربية الأخرى ولغاتها وعدم أخذ اللغة منها لمجرد مخالطتها للعجم.

19: فلا فرق بين القبائل العربية والعرب الخلّص في الفصاحة: يؤكد العلماء الثقات كما يؤكده عباس حسن أنه لا فرق بين القبائل العربية المختلفة في لغتها وفصاحتها ولا مكان لتفضيل إحداها عن الأخرى بحجة مخالطة العجم، والعرب الخلّص سواسية من حيث صحة كلامهم و الاستشهاد بلغتهم لا فضل لأحدهم على الآخر.

20: العربي الفصيح لا يخطئ، ويحق له ارتجال وإنشاء اللغة وتعريب الأعجمي: هذا ما يقر به أئمة اللغة كالشافعي ابن جنى و أبو حيان و أبو عمرو و ابن فارس وغيرهم. ويحق له التلفظ بلغات غير لغته ولا يُعَد مخطئا فيها. وعليه فإذا انفرد العربي الفصيح أو قبيلة معينة بلغة معينة، فأي قول يأتينا من العرب الفصحاء لا بدّ من قبوله والأخذ به على أنه قول عربي فصيح ولغة عربية فصيحة، ولا حق لنا لردّه. ويحق للعربي الفصيح تعريب اللفظ الأعجمي وإدراجه في لغته ليصبح جزءا لا يتجزأ من الفصاحة العربية.

21: لذا فالمعيار الأساسي للحكم على فصاحة لغة معينة هو مجرد تلفظ العرب الفصحاء بها.

 

22: يقر ابن جني أن العربي الفصيح إذا خالف الجمهور بتحدثه بلغة عربية قديمة لم تصل إلينا، فإن هذا لا يقدح في فصاحته بل يبقى ممن تؤخذ عنه اللغة. [” أصول النحو 1 – جامعة المدينة (ص:92 -91) ]

وعليه فما دامت ثبتت فصاحة وبلاغة المسيح الموعود عليه السلام، في جلّ لغته العربية فإن تحدثه بلغات عربية قديمة أو غير رائجة لا يقدح في فصاحته قطعا.

23:كيف للفحولة أن تجتمع مع العجمة والتوليد والتجريد من الأصالة!؟ تجريد العربي الأصيل من أصالته أدّى بالنحاة إلى إهمال لغة الكثير من فحول اللغة، وجرّحوا بهم ووصموهم بوصمة العُجمة والتوليد، كالفرزدق وجرير وكميت والطرماح والأعشى وعدي؛ والمتنبي؛ أفحول في اللغة وأعاجم فيها!؟

24: لم يُحِط النحاة حتى بلغات القبائل الستّ على قلتها واختلفوا بنسْب بعض اللغات إليها: فإذا كانت الحال هذه، فقد يكون نتيجتها نسب لغة معينة فصيحة إلى قبيلة ليست فصيحة في نظرهم والحكم على هذه اللغة بالشذوذ وعدم الفصاحة.

25: “فَصَل ابن قتيبة في مسألة الاحتجاج فقال: (كل قديم من الشعراء فهو محدِث في زمانه بالإضافة إلى من كان قبله ولم يقصر الله الشعر والعلم والبلاغة على زمن دون زمن، ولا خصّ قوما دون قوم؛..”…

؛ فلا اعتبار لعصر معين، ولا لقبيلة خاصة؛ وإنما الاعتبار كله للبلاغة وما يتصل بها.

26: فَصَل مجمع اللغة القاهري في عصور الاحتجاج فقال: “هم عرب الأمصار إلى نهاية القرن الثاني، وأهل البدو من جزيرة العرب إلى آخر القرن الرابع.) ” وتحت هذه اللغات من هذه العصور تندرج لغات المسيح الموعود عليه السلام.

27: لغات الإمام الشافعي من عصر الاحتجاج: العديد من اللغات التي وجهنا إليها لغات المسيح الموعود عليه السلام، تكلم بها الإمام الشافعي، الذي يعبر حجة في اللغة، وعاش في النصف الثاني من القرن الثاني للهجرة، أي في عصر الاحتجاج اللغوي، الذي أقره المجمع. وقد وافق الشافعي المسيح الموعود في العديد من اللغات التي ذهبنا إليها في توجيهاتنا المختلفة.

28: لغات الحديث الشريف من عصر الاحتجاج: رغم أن جمع الصحاح تم في القرن الثالث الهجري، إلا أن معظم الأحاديث فيها، والمسانيد التي سبقتها، كانت قد دوّنت حتى آخر القرن الثاني الهجري ، فهي إذن من عصر الاحتجاج اللغوي ولا بد من اعتبارها من فصيح الكلام. ولذلك هناك من احتجّ بلغات الحديث الشريف مطلقا، واعتبرها من فصيح الكلام مثل ابن مالك. وعلى ذلك جرت لغات المسيح الموعود عليه السلام.

29: لغات القراءات القرآنية من عصور الاحتجاج: فكيف تُترك لغات القرآن الكريم ويعزى إليها الشذوذ. !؟ ولذلك هناك من النحاة من احتج بالقراءات القرآنية كلها حتى الشاذ منها، معتبرا إياها من فصيح الكلام، كابن مالك وأبي حيان. وعليها أجرينا لغات المسيح الموعود عليه السلام.

معارضة النحاة للسليقة العربية والعلوم اللغوية:

30: مثال على الفوضى والتضارب: فمن ناحية يُحكم على لغة بأنها مقيسة في نفس الوقت التي يُحكم عليها بالرداءة!(كما أقره عباس حسن) ويحكم على أخرى بأنها كثيرة شائعة إلا أنه رغم هذا الشيوع لا يقاس عليها! فكيف يستقيم كل هذا!؟ وما هذا اللغط وما هذه الفوضى؟

31: السليقة العربية سبقت النحاة وتأويلاتهم وتقييداتهم فالأصل محاكاة اللغات ومحاكات الألفاظ والقياس عليها كما رويت ألينا ،دون اللجوء للتأويل والمجاز أو الرمي بالشذوذ.

32: صناعة النحو متعارضة مع القرآن الكريم: صناعة النحو بما فيها نظرية العامل، والتأويل، والأخذ على المجاز، هي السبب في الحكم على الكثير من اللغات بالضعف والشذوذ، إذ كان لا بدّ للنحاة من أخضاع كل شيء حتى القرآن الكريم والحديث الشريف وأي لغة وكلام عربي إلى هذه الصناعة، بالتأويل والمجاز ، وإلا فرميت بالشذوذ؛ رغم أن الأصل هو محاكاة كلام العربي الأصيل دون هذه القيود.

33: صناعة النحو متناقضة مع البلاغة والبيان: فعلماء البلاغة والبيانيون يبيحون ما يمنعه النحاة.

34: النحاة يناقضون العلوم اللغوية الأخرى: مثل متون اللغة والمعاجم. فمثلا: يقر النحاة أن صيغة فعلان التي مؤنثها فعلى ممنوعة ممن الصرف، ومنها سكران لأن مؤنثها سكرى. فيتضح فيما بعد أن هناك لغة للعرب وتحويها المعاجم العربية تؤنثه بسكرانة وعليه يصح صرفه.

35: ليس كل الدقائق اللغوية والنحوية موجودة في كتب النحو، فبعضها في كتب التفسير والبلاغة، ولم يجمعها النحاة. فكيف التعويل على تصنيفاتهم بالشذوذ والقلة!؟

المعايير الحقيقية للصحة والفصاحة:

36: أساس الفصاحة هو الظهور والبيان والإفهام: والفصاحة في تعريفها الأصلي هي الظهور والبيان، فقال ابن الأثير: “الكلام الفصيح هو الظاهر البين، وأعني أن تكون ألفاظه مفهومة لا يحتاج في فهمها إلى استخراج من كتاب لغة ، وإنما كانت بهذه الصفة لأنها تكون مألوفة الاستعمال بين أرباب النظم والنثر دائرة في كلامهم”[البلاغة العربية مقدمات وتطبيقات ص 17-18].

أن غاية علوم اللغة المختلفة هو الفهم والإفهام بأقرب غاية وخير وسيلة، فلا سبيل لرفض تراكيب لغوية تؤدي هذا المعنى، فقط لحجة أنها لا تتفق مع بعض القواعد النحوية ، خاصة بوجود ما يؤيدها من لغات العرب وقواعدهم الأخرى. فطالما وافق التركيب لغات العرب وأدى الغاية المتوخاة منه، وهي الفهم والإفهام لم يصح القدح فيه والتشكيك في فصاحته. هذا ما ينطبق على لغات المسيح الموعود عليه السلام.

37: نسبة اللغات والتراكيب البليغة عالية الفصاحة هي الحكم: بما أن بلاغة وفصاحة لغة المسيح الموعود بينة واضحة في معظم لغته ، فتكون هذه النسبة هي الحكم على اللغات غير المشهورة التي تجاورها والتي جاءت بنسبة ضئيلة جدا ، وذلك وفق المعيار الذي وضعه ابن جني: بأن العربي الفصيح إذا تكلم بلغة قديمة غير معروفة فهي لا تقدح بفصاحته البينة الظاهرة.

38: عامل الاختيار يعضد الفصاحة والبلاغة: كون استعمال ما هو غير مشهور، نابع من اختيار المتكلم الفصيح وليس مضطرا إليه لجهله بغيره، يجعله عاضدا لهذه البلاغة والفصاحة التي تجاوره ولا يؤثر فيها سلبا. فقضية الاختيار والاضطرار في الاستعمال معيار واضح للحكم على فصاحة وبلاغة المتكلم. وهذا ما بينه المسيح الموعود عليه السلام بقوله:

“أن مدار الفصاحة على ألفاظ مقبولة سواء كانت من لسان القوم أو مِن كلمٍ منقولة مستعمَلة في بلغاء القوم غيرِ مجهولة، وسواء كانت من لغة قوم واحد ومن محاوراتهم على الدوام، أو خالطَها ألفاظٌ استحلاها بلغاءُ القوم، واستعملوها في النظم والنثر من غير مخافة اللَّوْم، مختارين غير مضطرين. فلما كان مدار البلاغة على هذه القاعدة فهذا هو معيار الكلمات الصاعدة في سماء البلاغة الراعدة، فلا حرج أن يكون لفظٌ من غير اللسان مقبولاً في أهل البيان، بل ربما يزيد البلاغة من هذا النهج في بعض الأوقات، بل يستملحونه في بعض المقامات، ويتلذذون به أهلُ الأفانين.” [نور الحق (3/ 79)]

39: معايير أقرها ابن جني وأبو حيان تعضد لغات المسيح الموعود عليه السلام:

  • وكيف تصرفت الحال فالناطق على قياس لغةٍ من “لغات العرب” مصيب غير مخطئ، وإن كان غير ما جاء به خيرًا منه. ” [الخصائص (2/ 14)]
  • ” ليس ينبغي أن يُطْلَق على شيء له وجه في العربية قائم -وإن كان غيره أقوى منه- أنه غلط ” [المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها (1/ 236)]
  • : وإذا كان لغة لقبيلة قِيسَ عليه. (التذييل والتكميل في شرح التسهيل، 28/ 2)

أمثلة:

لغات أُخذت بالتأويل والمجاز فقط، وإلا حكم عليها بالخطأ رغم كثرتها

  • وقوع المصدر نعتا أو حالا أو خبرا رغم كثرته لا يبيحونه بل يقصرونه على السماع كمثل: “الرجل العدل “.، أو ” بغتة زيد طلع” ، “محمد عدل” [تعارض مع البيانيين]
  • اعتبار شبه الجملة مبتدأ واسما للنواسخ رغم وقوعه في القرآن الكريم. [تعارض مع البيانيين]
  • صرف الممنوع من الصرف لا سيما في صيغ منتهى الجموع، حيث ورد أن صرف صيغ منتهى الجموع فاش في اللغة، حيث قيل فبها:

والصرف في الجمع جاء كثيرا  حتى ادعى قوم به التخييرا

وعلى فشوّها لم يقبلها النحاة ومنعوها!!! [تعارض مع القراءات القرآنية]

  • ورورد كلمة اجمعين حالا،وإن لم تكن كثيرة، فهناك من أجازها فقط على التأويل. [تعارض مع الحديث الشريف]
  • الإخبار بالمعنى عن ذات/ جثة، رغم شيوعه في العديد من الأبواب النحوية؛ كباب أفعال المقاربة والرجاء، في مثل دخول انْ الناصبة على خبر “عسى” وتقارض هذا الحكم مع “لعل ” ودخولها على خبر “كاد ” حيث يقر ابن مالك باطراده مع كاد. كما في:
  • دخول أن على خبر كان الوارد في القرآن الكريم، (ما كان هذا القرآن ان يفترى)/ (ما كنتُ ان أمشي)
  • وكون مفعول الفعل القلبي مصدرا مؤولا من ” أَنّ ومعموليها” ؛ (حسبتك أن تأتي)
  • اقتران خبر كاد بـ أن الناصبة [رغم شيوعه في الحديث الشريف]
  • توسط خبر كاد المقترن بـ أن بينها وبين خبرها. رغم شيوعه في الحديث الشريف لا يباح.

أمثلة أخرى مختلَف عليها:

  • مَنْع ان تقع الحال من المبتدأ ، -رغم إقرار سيبويه بجوازه-مثل: “محمدٌ هاجمًا أسدٌ”، أو “هذا هاجما أسدٌ” ؛ بحجة أن العامل في الحال يجب أن يكون هو نفسه العامل في صاحب الحال، والابتداء عامل معنوي ضعيف لا يقوى على التأثير في شيئين.
  • أن يتقدم معمول المصدر عليه، أو يفصل بينهما فاصل كالقول: “انت في الشدة العون”. بحجة أن المصدر عامل ضعيف لا يؤثر بمعموله إذا سبقه أو إذا فُصل عنه. كل هذا رغم ورود هذه الصِّيغ في القرآن الكريم كقوله تعالى: ” فلما بلغ ـمعه السعي… ” وقوله: ” ولا تأخذكم ـبهما رأفة… ” وقوله: ” إنه على رجعه ـ لقادر.
  • أو في باب الاشتغال، قولهم إن العامل لا يعمل في الاسم وضميره معا ، وهذا الباب اقترح عباس حسن إلغائه كلية.
  • أو منع العطف على إن واسمها كقراءة: ” إن الله وملائكتُه يصلّون..” والذي تفوّه سيبويه فيه بأن العرب يخطئون فيه ! فكيف يخطئ العرب الفصحاء، وكلام الله يؤيدهم في ذلك!!!؟ هذا هو العجب العجاب في أقوال النحاة، وأمثاله كثير. [تعارض مع فصحاء العرب والقرآن بقراءاته]

لغات وتراكيب يجوزها عباس حسن:

  • كون المبتدا نكرة،
  • كون الحال معرفة،
  • تقدم التمييز على عامله، وغيره

وبناء على كل هذا الكم الهائل من الدلائل القطعية، فلا يسعنا إلا أن نقرّ بأن كل اللغات التي ذهبنا إليها في توجيهاتنا المختلفة ، كلها بلا استثناء، لغات عربية أصيلة عريقة صحيحة وفصيحة، لا يحق لأحد أن يقدح بفصاحتها وإن كان بعضها قد صُنف في كتب النحو من بين الشاذ أو الضعيف.

فتصنيفها بالشاذ والضعيف تصنيف خاطئ قطعا، لا يستند إلى معيار صحيح، إذ كما رأينا لا فرق في الحقيقة بين ما أسموه فصيحا وما أسموه شاذا ؛ فما دامت هذه اللغات قد جاءتنا من فصحاء العرب الخلص المتحدثين على لسان القبائل العربية المختلفة، التي لا أفضلية لإحداها على الأخرى في الفصاحة، والمتحدثين بلغة القرآن الكريم بقراءاته المختلفة وهي أسمى ما وصلنا من اللغة، والمتحدثين بلغات الحديث الشريف الأصيلة المدونة في عصور الاحتجاج ، وما دامت هذه اللغات قد أكد صحتها وفصاحتها وتحدث بها فصحاء العرب من النحاة والبيانيين، فلا يسعنا سوى الإقرار بفصاحتها دون أن تشوبها شائبة. فالعربي الفصيح لا يخطئ ويحق له ارتجال اللغة وإنشائها وتعريب الأعجمي فيها ليصبح كل هذا جزءا لا يتجزأ من الفصاحة العربية، التي لا بد من محاكاتها.

فالأصل هو محاكاة اللغات العربية كما هي دون اللجوء إلى التعقيد والتأويل والأخذ على المجاز ، و ما دامت نسبة هذه اللغات في كلام المسيح الموعود صغيرة جدا تكاد تكون صفرية ، فتكون البلاغة المجاورة لها حكم عليها، فهي لا تقدح بهذه الفصاحة والبلاغة بل تصب في صالحا وتعضدها خاصة وأن استعمالها جاء اختياريا لا اضطراريا، هدفه إظهار إعجاز المسيح الموعود عليه السلام اللغوي بكونه قد تعلم أربعين ألف لغة من اللغات العربية في ليلة واحدة بتعليم رباني إعجازي لا يقوى على مبارزته أي أديب أو لغوي أخر.

فالفصاحة وإن اختُلف في تعريفها فهي في البيان والظهور بسلامة الألفاظ والتعابير وصحتها ، وهذا متحقق كله في كل لغات المسيح الموعود عليه السلام.