رجال حول المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام

المعترض: نبوءات الأولياء عن المسيح الموعود

الميرزا وآله وافتراؤهم على الصالحين ظلّ الميرزا ينسب لمشاهير الأولياء في الهند أنهم تنبأوا عنه، أو أنهم طلبوا منه أن يعلن أنه المسيح أو المجدد، أو أنهم ذكروا أن المسيح لا بد أن يُبعث على رأس القرن الرابع عشر الهجري، وما إلى ذلك. ولا يسهل علينا تتبع كتب هؤلاء الناس ولا الروايات عنهم، إلا أن يشاء الله. لكننا على يقين أنّ الميرزا لم يكن صادقا في أقواله كعادته.

الرد:

ما دام المعترض يقر بأنه لا يسهل علينا تتبع كتب هؤلاء الناس ولا الروايات عنهم، فكيف أصبحَ المعترض على يقين أن ما قاله المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام عنهم لم يكن صادقًا فيه ؟!!

إنَّ ما يقوله حضرته عليه السَلام، تصدِّقه الروايات الواردة عنهم، ويؤكد عليها أبناء هؤلاء الصلحاء وبناتهم وأحفادهم ويؤكد عليها كتاباتهم وسيرتهم. والغريب أن كل هذا لا قيمة له عند المعترض. أما ظنّه فهو يصل مباشرة إلى يقين تام مع اعترافه بأنه لا دليل عليه.

● المعترض: الصوفي أحمد جان

من هؤلاء صوفي أحمد جان المتوفى عام 1885، حيث نسب إليه الميرزا أنه بايعه، فقد كتب الميرزا: ” كتب إليّ صوفي أحمد جان رسالة بتواضع شديد قبل أن يسافر للحج، وبواسطتها أدخل نفسه في البيعة من أعماق قلبه. فقد أظهر فيها توبته بحسب سنّة الصالحين، وطلب مني الدعاء ليُغفَرَ له، وقال بأنني أحسب نفسي في ظل العلاقة الربانية معك. ثم قال: إن أفضل جزء من حياتي هو أنني انضممت إلى جماعتك . (إزالة الأوهام 1891) يتحدث الميرزا وكأنّ هذا الصوفي قد انضمّ للأحمدية، وهذا ذروة الكذب، فقد توفي قبل تأسيس الأحمدية بأربع سنوات. بل إن محمودا ابنه زاد على ذلك، فنسب إليه أنه خاطب الميرزا بقوله: إنك أنت مطمح أنظارنا نحن المرضى- فبالله كن مسيحا لنا.

الرد:

لقد ترك المعترضُ جملةً قبل اقتطاع هذا النص ليخلص إلى نتيجة ذكرها لاحقا. فتعالوا نقرأ النص في سياقه الكامل. يقول المسيح الموعود عليه السلام:

“ومع أن هذا الأخ قد توفِّي قبل بدئي بأخذ البيعة، لكن من خوارقه أنه كتب إليّ رسالة في تواضع شديد قبل أن يسافر للحج، وبواسطتها أدخل نفسه في البيعة من أعماق قلبه. فقد أظهر فيها توبته بحسب سنّة الصالحين، وطلب مني الدعاء ليُغفَرَ له، وقال بأنني أحسب نفسي في ظل العلاقة الربانية معك. ثم قال: إن أفضل جزء من حياتي هو أنني انضممت إلى جماعتك. ثم شكا أيامَ حياته السابقة -تواضعا منه- بكلمات ملؤها الرقة المتناهية التي تثير البكاء. إن رسالته الأخيرة المليئة ببيان رقيق جدا ما زالت موجودة.” أهـ

فأين ذكر المسيح الموعود عليه السلام أنه انضم للأحمدية؟

هذا تدليس وكذب واضح قام به المعترض لأن حضرة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام بنفسه يقول: “ومع أن هذا الأخ قد توفِّي قبل بدئي بأخذ البيعة.” أي رغم أنه توفي قبل أخذي البيعة ولكنه كان ثاقب الفراسة المؤمنة بحيث إنه في هذا الوقت أيضا أظهر في رسالته توبته بحسب سنة الصالحين، وطلب من حضرته الدعاء ليُغفر له، وبواسطة هذه الكلمات أدخل نفسه في البيعة من أعماق قلبه.

كان الصوفي أحمد جان قد طلب من حضرته عليه السلام مسبقا بأنه يتطلع إليه بنظرة المريض إلى المعالج وقال “فكن أنت مسيحًا لنا”. فكان يريد البيعة ولكن حضرته كان يقول لست بمأمور بها. وليس الصوفي فحسب بل مير عباس علي نفسه كان يطلب من حضرته عليه السلام أن يأخذ البيعة، وكان حضرته يرد عليه: “لم أؤمر بعد.” فهؤلاء انضموا إليه عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام وأصبحوا على علاقة وثيقة مع حضرته يسترشدونه ويعتبرونه مرشدًا لهم. وهذا ما عناه الصوفي أحمد جان بقوله: “إن أفضل جزء من حياتي هو أنني انضممت إلى جماعتك.” لا يقصد هنا الجماعة الأحمدية بل إلى رفاق حضرته المؤيدين الذين أصبحوا معه.

المعترض: نك أنت مطمح أنظارنا نحن المرضى- فبالله كن مسيحا لنا

إن محمودا ابنه زاد على ذلك (وقصَدَ الكذب)، فنسب إليه أنه خاطب الميرزا بقوله: إنك أنت مطمح أنظارنا نحن المرضى- فبالله كن مسيحا لنا. (دعوة الأمير).

الرد:

كم يتجلى وحي المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام بإهانة مَنْ يحاول أن يهين أولياء الله ومبعوثيه، ففيما يلي شهادة “بير افتخار أحمد” وهو ابن الصوفي أحمد جان وقد سجلها في كتابه: “افتخار الحق أو إنعامات الله الكريم” حيث قال:

لقد بذل والدي سعيه في تربيتي الدينية كما سجلني في المدرسة أيضا للحصول على التعليم الدنيوي أيضا. فلما نشر البراهين الأحمدية، تعرّف والدي على حضرته عَلَيهِ السَلام، وكان يكنّ له تقديرًا عظيمًا، وكان حضرته قد أعلن في تلك الفترة أنه مجدد هذا القرن، فصدّق والدي دعواه، وكان يقول إن إمام الزمان قد ظهر في العالم فاذهبوا إليه وآمنوا به. وإن جاء أحد إلى والدي ليكون من مريديه فكان يقول: لقد طلعت الشمس فلا حاجة الآن للنجوم، اذهبوا إلى حضرته عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام وبايعوه. لكن حضرته لم يكن قد أُمر من الله تعالى بأخذ البيعة إلى ذلك الحين.” (افتخار الحق أو إنعامات الله الكريم)

ثم يقول:

كان والدي يتبرع لحضرته عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام لتبليغ الإسلام، وكان قد نشر إعلانًا طويلا لتأييد حضرته وكتب فيه بيتًا من الشعر معناه:

إنك أنت مطمح أنظارنا نحن المرضى- فبالله كن مسيحا لنا.

مع أن حضرته لم يكن قد أعلن عندها عن كونه مسيحًا موعودًا ولم يكن قد ألف كتابيه: فتح الإسلام وتوضيح المرام. ولقد نُشر هذا الإعلان في جريدة الفضل الآن. فلما بلغت 20 من عمري استأذن والدي حضرته عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام وذهب للحج…. ولقد أخذني والدي معه للحج كما رافقه عدد من مريديه أيضا، وكان من بينهم شهزاده عبد المجيد الداعية في إيران….” أهـ

ثم يقول:

“بعد العودة من الحج بـ 13 يومًا توفي والدي. وبعد ذلك سافرت إلى قاديان، ثم تكررت زياراتي لقاديان حتى انتقلت إلى قاديان مع عائلتي في 1892. في 1902 استأذن المولوي عبد الكريم رحمه الله المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام فتم تعييني لكتابة رسائل حضرته فظللت أقوم بهذه الخدمة.

فأبناء الصوفي أحمد جان بايعوا المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام وبقوا معه وتزوج الخليفة الأول رَضِيَ اللهُ عَنْهُ من ابنته رحمه الله. فلماذا يا ترى ؟

فمن كتاب “بیر منظور احمد” نفسه يثبت كما تشاهد عزيزي القارئ في الصور المرفقة صفحات من كتاب “بير افتخار أحمد” ابن الصوفي “أحمد جان” يثبت أن والده قال للمسیح الموعود علیه السلام “إننا مرضی نرنو إلیك فكن انت مسیحا لنا“. وبیر منظور هو زوج ابنته من میر اسحاق احمد الذی هو اخ زوجة المسیح الموعود علیه السلام، كما أن موضوع وجود الجماعة قبل تأسيسها بسنوات فهذا مردّه جهل المعترض بالأردية لأن النص الدقيق لا يذكر الصَلاة مع الجماعة بمعنى الجماعة الإسلامية الأحمدية التي تأسست في ١٨٨٩ بل جماعة من الناس، وفيما يلي تعريب ما جاء فيه باختصار:

حبي في الله؛ المرحوم المنشي أحمد جانْ: أجدني مضطرا لأن أكتب هذه القصة بقلب ملؤه الحزن الشديد؛ فصديقنا الحبيب هذا ليس موجودا في هذا العالم الآن، وقد دعاه الله الكريم الرحيم إلى جنة الفردوس، إنا لله وإنا إليه راجعون، وإنا بفراقه لمحزونون. كان الحاج المرحوم والمغفور له “أحمد جان” مُقتدىً لجماعة كبيرة، وأمارات الرشد والسعادة واتّباع السنَّة بادية في أتباعه. ومع أن هذا الأخ قد توفِّي قبل بدئي بأخذ البيعة، لكني أرى من خوارقه أنه كتب إليّ رسالة في تواضع شديد قبل أن يسافر للحج، وبواسطتها كان قد أدخل نفسه في البيعة من أعماق قلبه. فقد أظهر فيها توبته بحسب سنّة الصالحين، وطلب مني الدعاء ليُغفَرَ له، وقال بأنني أحسب نفسي في ظل العلاقة الربانية معك. ثم قال: إن أفضل جزء من حياتي هو أنني انضممت إلى جماعتك. ثم شكا أيامَ حياته السابقة -تواضعا منه- بكلمات ملؤها الرقة المتناهية التي تثير البكاء. إن رسالته الأخيرة المليئة ببيان رقيق جدا ما زالت موجودة. ولكن للأسف الشديد غلبه المرض الشديد عند العودة من سفر الحج، فلم يتسن له لقائي كونه يقيم بعيدًا عن قاديان، وقد وصلني نعي موته بعد بضعة أيام من عودته، وفور سماعنا خبر وفاته صلينا عليه صلاة الغائب في قاديان مع جماعة من الناس. كان الحاج المرحوم شجاعا جدا في بيان الحق. لقد منعه بعض من قليلي الفهم من البقاء على علاقة الإخلاص معي قائلين له بأن ذلك يحط من شأنه، ولكنه قال: لا أبالي بأيّ شأن ولا حاجة لي للمريدين. وكذلك أيضًا فإن نجله الأكبر “الحاج افتخار أحمد” مخلص لي من الدرجة الأولى مثله تماما، وإن علامات الرشد والصلاح والتقوى بادية على وجهه. وهو خادم من الدرجة الأولى مع أسلوب عيشه المتسم بالتوكل، وهو حاضر في هذا السبيل قلبا وقالبا. متّعه الله تعالى بالبركات الظاهرية والباطنية.” (إزالة الأوهام)

هذا تلخيص ما جاء في ثلاث صفحات من كتاب بير افتخار أحمد ابن الصوفي أحمد جان. وبعد هذا نتساءل: هل نصدق ابن الصوفي أحمد جان، أم المعترض الذي لا أساس عنده إلا سوء الظن ؟!

ما الذي حدا بالإبن أن يذكر كل ذلك عن والده، وما الذي دفعه ليترك خلافة أبيه ويأتي إلى حضرته ليكون خادمًا صادقا له؟ لا بد أنه رأى والده يكن لحضرته عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام كل هذا التقدير وعاين آيات صدقه فجاء وسكن قاديان مفضلاً خدمة الخليفة والتضحية بكل شيء على العلاقات والمناصب والنفوذ. ولم يقتصر الأمر على ذلك بل إن أخاه “بير منظور أحمد” زوّج بنته من “مير إسحاق أحمد” الذي هو أخ لحرم المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام. وقبل ذلك زوّجا أختهما من الخليفة الأول.

لقد نقل المعترض ما كتبه حضرته عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام في إزالة الأوهام عن الصوفي أحمد جان في سياق ذكر أصحابه، ولكن المعترض لم يذكر بأن حضرته بعد بضع صفحات ذكر أيضا اسم بير افتخار أحمد ابن الصوفي أحمد جان، فنورد ذلك هنا ليتضح أن ابنه هذا كان أحد العشاق الولهانين لحضرته عَلَيهِ السَلام.

قال حضرته عليه السلام في وصف ابن الصوفي أحمد جان:

حبي في الله؛ صاحبزاده افتخار أحمد: هو شاب صالح، وهو الخلف الرشيد لمحبي الصادق والمخلص حاجّ الحرمين، المرحوم والمغفور له؛ المنشي أحمد جان. إنه يجمع في نفسه جميع محاسن والده، وهو كما يقال “الولد سرٌّ لأبيه”. فيه قوة متزايدة تُدخِل الإنسان في جماعة المتفانين. أدعو الله أن يرزقه الله حظا وفيرا من الأغذية الروحانية، ويجعله نشوانا بحلاوة ذوق عشقه وحبه، آمين، ثم آمين.” (إزالة الأوهام)

أما الرد على ما ورد في رسالة مير عباس علي، فنقول أن الأمور الخمسة لا يوجد حولها أي تصريح، وما يجب أخذه بعين الاعتبار هو أن حضرته عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام عندما هب للدفاع عن الإسلام والنبي الأكرم ﷺ فقد دعا الجميع إلى مؤازرته ونصرته، فكان بعض الأبرار من العلماء يشيرون عليه وكان يقبل آرائهم إذ لم تكن القضية قضية شخص أو شخصين بل كانت قضية الدفاع عن الإسلام والقرآن ونبي الإسلام ﷺ، بل كان حضرته يحب أن تتولد في الناس هذه الروح فيهبّوا للدفاع عن الإسلام. وبما أن الصوفي أحمد جان كان مرشدًا وعالمًا صوفيا كبيرًا فلعله قدم لحضرته عليه السلام بعض المقترحات فقبلها. أفلم يقبل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم -وهو نبي مبعوث من الله- كثيرًا ما أشار به عليه الصحابةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم ؟ فهل هذا ينقص من نبوته ﷺ شيئًا ؟ بل كان الصحابة يقولون بأنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم كان كثير المشورة.

المعترض: الصوفي أحمد جان انتقد المسيح الموعود

الصوفي أحمد جان انتقد الميرزا بسبب مبالغته في مدح نفسه فما كان من الميرزا إلا أنْ تظاهر بعدم فهم قصده، ثم حاول التبرير، فقال: “وأما ما نصح السيد المنشي أحمد جان بألاّ يُبالَغ في المدح، فلم أفهم مقصوده؛ فليس في هذا الكتاب إلا مدح القرآن الكريم ومدح سيدنا خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم……نعم هناك عبارات إلهامية أُنزلت عليّ من رب كريم تحتوي بعض مدائح تبدو أنها منسوبة لهذا العاجز، ولكنها في مدح سيدنا خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم في الحقيقة. (رسالة لمير علي في 8/11/1882)

الرد:

لا أساس لهذا الاعتراض إلا سوء الظنون المجرد، ولكن المعترض ينتهج ذلك وكأنه عين اليقين. فرسالة أحمد جان هي: “ألا يبالغ في المدح”. ولم يكن هذا الكلام مفهوماً لحضرته، فحاول فهم الأمر، فذكر الاحتمالات وردّ عليه. أما المعترض فقام ببتر العبارات التي تدل على ذروة حبّه عَلَيهِ السَلام للنبي الأكرم محمد المصطفى ﷺ، ولذا نذكر المقطع التالي بالسياق الكامل حيث يقول حضرته عَلَيهِ السَلام:

فليس في هذا الكتاب إلا مدح القرآن الكريم ومدح سيدنا خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم. (وهذان بحران لا نهاية لهما، ولو أثنى عليهما باستمرار عقلاء العالم وفضلائه كلهم أجمعين فلن يتم حق مدحهما، دعْ عنك وصول الأمر إلى المبالغة.) اللهم نعم هناك عبارات إلهامية أُنزلت عليّ مِن رب كريم تحتوي على بعض المدائح، ويبدو أنها منسوبة لهذا العاجز، ولكنها في مدح سيدنا خاتم الأنبياء -صلى الله عليه وسلم- حقيقة، (وتنسب إلى أحد طالما يتبع النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- وإذا أعرض عن التبعية مثقال ذرة فيسقط تحت الثرى، وأراد الله من هذه العبارات الإلهامية أن يُظهر عظمة رسوله وكتابه.).” أهـ

ملاحظة: ما بين القوسين لم يذكره المعترض.

كانت هناك ثمة فكرة لدى بعض المسلمين في ذلك الزمن وإلى الآن أنهم لم يكونوا يحبذون المبالغة في مدح النبي ﷺ وذلك حتى لا يرفعوا مكانته إلى الإلوهية. فلعل الصوفي أحمد جان كتب لحضرته مشيرا إلى هذا الأمر وجواب حضرته أيضا يتضمن الرد على هذه الفكرة حيث قال: وهذان (أي مدح القرآن ومدح النبي ﷺ) بحران لا نهاية لهما، ولو أثنى عليهما باستمرار عقلاء العالم وفضلائه كلهم أجمعين فلن يتم حق مدحهما دعْ عنك وصول الأمر إلى المبالغة.

أما طلب حضرته عَلَيهِ السَلام من الخليفة الأول أن يقرّ بأنه حنفي فحضرته عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام كان يميل إلى الأحناف وكان يكن تقديرًا عظيما للإمام أبي حنيفة رحمه الله وكان يدافع عنه، فقال في إحدى المناظرات:

أيها المولوي المحترم، أرجو ألا تنزعج؛ لو أحسنتَ الظن ولو قليلا بالإمام الصالح أبي حنيفة رحمه الله، لما استخدمتَ بحقه كلمات الاستهزاء والاستخفاف هكذا. إنك لا تدرك عظمة الإمام المحترم الذي كان البحر الأعظم والآخرون فروعه. إن وصفه بـ “أهل الرأي” خيانة كبرى. كان للإمام الهمام أبي حنيفة رحمه الله باع طويل في استنباط المسائل من القرآن الكريم بالإضافة إلى كماله في علم آثار النبوة. رحم الله مجدد القرن الثاني عشر الذي قال في الصفحة 307 من كتابه “المكتوب”: إن للإمام الأعظم مماثلة روحانية مع المسيح المقبل في استنباط المسائل من القرآن الكريم.” (مناظرة لدهيانه، الخزائن الروحانية، المجلد4، الصفحة: 101)

ثم قال حضرته:

من واجب جماعتنا أنه إذا لم يكن الحديث معارضا أو مخالفا للقرآن الكريم وللسنَّة أن يعملوا به مهما كانت درجته ضعيفة، ويجب أن يفضِّلوه على فقهٍ صنعه البشر. وإن لم يجدوا مسألة ما في الحديث ولا في السنَّة ولا في القرآن فليعملوا بالفقه الحنفي، لأن كثرة هذه الفِرقة تدل على مرضاة الله. وإن لم يستطع الفقه الحنفي أن يفتي فتوى صحيحة بسبب بعض المستجدات الحالية، فعلى العلماء من هذه الجماعة أن يجتهدوا بما منّ الله عليهم من قوة الاجتهاد. ولكن يجب أن يكونوا حذرين ولا ينكروا الأحاديث دون مبرر مثل الشيخ عبد الله الجكرالوي. أما إذا وجدوا حديثا يعارض القرآن والسنة فليتركوه.” (التعليق على المناظرة بين البطالوي والجكرالوي، الخزائن الروحانية، المجلد19، الصفحة: 212)

والرواية التالية توضح هذا الأمر كما يلي:

جاء مرة أحد الشيوخ إلى المسيح الموعود عليه السلام وأبدى رغبته في لقائه، وعند اللقاء ذكر له عدة مرات أنه حنفي ويحب التقليد وغير ذلك من الأمور. قال له حضرته: تذكُر لي مرة بعد أخرى أنك حنفي، فاعلم أننا لسنا معارضين للأحناف بل أعتبر الأئمة الأربعة كالجدران الأربعة للبيت، وقد حُفظ المسلمون بسببهم من التشتت والضياع. ثم قال حضرته: ليس الجميع مؤهَّلين للاجتهاد في الدين، فلولا هؤلاء الأئمة الأربعة لاخترع كل من هبَّ ودبَّ طريقًا خاصًا له بحرية وكان سيؤدي ذلك إلى إحداث اختلاف عظيم في الأمة المحمدية. ولكن هؤلاء الأئمة الأربعة بسبب علمهم ومعرفتهم وتقواهم وطهارتهم وبسبب كفاءتهم الاجتهادية قد عصَموا بفضل الله تعالى المسلمين من الاختلاف والضياع، فظل هؤلاء الأئمة يحفظون المسلمين كما تحفظ الجدرانُ الأربعةُ الدارَ، لذلك نقدّر لهم عملهم ونعترف بعظمتهم وإحسانهم.” (سيرة المهدي رواية رقم 360)

فلماذا كان حضرته يميل إلى الفقه الحنفي؟ الجواب: لأن أصوله كانت محكمة.

وأخيراً نذكر الرواية التي طلب فيها المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام من الخليفة الأول بأن يقرّ بأنه حنفي، وهذه الرواية تردُّ على المعترض بالإضافة إلى ذكر سبب ميل حضرته إلى الفقه الحنفي. نص الرواية:

سأل حضرته (حضرة المسيح الموعود عليه السلام) المولويَ نورَ الدين: ما هي أصول المذهب الحنفي؟ قال المولوي نور الدين: هي أن القرآن مقدم على كل شيء، وإن لم يُعثَر على حكم لمسألة ما في القرآن الكريم فينبغي النظر إلى قول النبي ﷺ وفعلِه المذكور في الحديث النبوي، وبعدهما ينبغي اتخاذ القرار بالنظر في الإجماع والقياس أيضا. فقال حضرته: فما مذهبك إذن يا مولوي صاحب؟ قال المولوي نور الدين: سيدي هذا هو مذهبي أيضا.” (سيرة المهدي رواية رقم 359)

وهذا هو السبب الذي من أجله نُشر كتاب فقه الجماعة الإسلامية الأحمدية بعنوان “الفقه الأحمدي الحنفي”.

ولا يسعنا في ختام الرد إلا أن نقول:

هل تطمَع الدنيا مذلّةَ صادقٍ
هيهات ذاك تخيُّل السفهاءِ
يدُ الله تحمي نفسَ مَن هو صادق
وإن المزوّر يضمحلّ ويزهَق

وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

 

نبوءات الأولياء

نبوءات الأولياء

About الأستاذ فراس علي عبد الواحد

View all posts by الأستاذ فراس علي عبد الواحد