بسم الله الرحمن الرحيم

{بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ}
(الأنبياء 19)

الاعتراض٤:

أعلنت الجماعة أعدادا كبيرة للمبايعين الجدد في أواخر التسعينات من القرن الماضي وبداية القرن الحالي بحيث قاربوا مائتي مليون، فهل هذه بالفعل أعداد الأحمديين في العالم؟ ومن أين جاءت هذه الأرقام؟

الرد:

هذه الأعداد نجمت عن أمرين:

الأمر الأول: في تلك الفترة كثير من الناس الذين سمعوا بعض أدلة صدق الجماعة في مجالس الدعوة والتبليغ وبايعوا متأثرين بها، وكانوا في مختلف مناطق العالم ومن أماكن نائية.

  • فلما وصل إليهم المعارضون وهددوهم وآذوهم وأغروهم بالأموال انحرف بعضهم عن البيعة نتيجة التهديد والإيذاء والإغراء.
  • كما انحرف بعضهم بتأثير اعتراضات المعارضين وبسبب جهلهم بالرد عليها.
  • وبعضهم التزموا الصمت بسبب عدم تواصل نظام الجماعة بهم باستمرار.

وارتداد الناس في مثل هذه الظروف ونتيجة الأسباب المذكورة آنفا ليس بأمر جديد، بل قد حدث سابقا في تاريخ الإسلام، وكان القرآن الكريم قد أنبأ به في سورة النصر، حين قال إن أعدادا كبيرة ستدخل أفواجا، ولكنهم سيحتاجون تربية ربما لا تكون بمقدرة جماعة المؤمنين في ذلك الحين بسبب كثرة عدد هؤلاء الجدد، لذا عليك تسبيح الله تعالى واستغفاره لتدارك هذا النقص الذي سيحصل حتما، والذي سيتداركه الله تعالى بأسبابه لاحقا.

ففي الأيام الأخيرة من حياة النبي ﷺ كانت بلاد العرب كلها تقريبا دخلت في الإسلام، ولكن بعد وفاته ﷺ تغيرت الظروف رأسا على عقب وارتد معظم هؤلاء المبايعين الجدد عن الإسلام سوى أهل مكة والمدينة والطائف. ولم يكتفوا بالارتداد فقط بل حثّوا المسلمين في مناطقهم أيضا على الارتداد، وقتلوا من بقي منهم على الإسلام، واستولوا على أموال الزكاة الموجودة في بيت المال، وأعَدّوا جيوشا ضد الخلافة الراشدة والمسلمين وأخذوا يشنّون الهجوم على المدينة المنورة نفسها.

فقضية ارتداد هؤلاء المسلمين العرب الأوائل ليست خفية على أحد. فما الغرابة لو ارتد البعض اليوم؟

لقد ذُكر عدد أفراد الجماعة المذكور بما يقارب مائتي مليون في فترة من الفترات، ولكن عندما جاءت مرحلة ضم هؤلاء إلى نظام الجماعة التربوي والمالي ظهرت أسباب وعوائق كثيرة أدت إلى فقدان التواصل مع هؤلاء المبايعين الجدد. ومن تلك الأسباب والعوائق الظروفُ السياسية والاقتصادية لبعض البلاد وضعف إدارة الجماعة في بعض المناطق الأخرى.

الأمر الثاني: كانت هنالك تقارير غير صحيحة أرسلها بعض المسئولين إلى الخليفة الرابع رحمه الله، وخاصة في الهند، وقد اتخذت إجراءات بحقهم.

ولقد أخذ سيدنا الخليفة الخامس أيده الله بنصره العزيز منذ بداية توليه الخلافة يسعى سعيا حثيثا لإصلاح هذا الخلل. ففي رد حضرته على تساؤلات أحد هؤلاء المعترضين كتب بتاريخ 2 يوليو 2015 ما يلي:

قلتَ إن الخليفة الرابع رحمه الله قد رُفعت له أرقام خاطئة بالملايين في عامي 2000 و2001 … وقولك هذا صحيح، أعني أن المعلومات الخاطئة قد رُفعت له فعلاً. كنتُ في باكستان في تلك الأيام، وعندما عرفتُ حقيقة الأمر لم أضم البيعات الزائفَة منها إلى القائمة في باكستان، وأخبرتُ الخليفة الرابع رحمه الله بأنّ هذه المعلومات التي وصلتكم عن بيعات باكستان زائفة إلى حد كذا وكذا. ولكن حضرته بسبب تدهور صحته لم يكن يذكر بعض الأمور في خطبه وخطاباته، فلم يُستدرك هذا الخطأ أو لم يتم أي إعلان عن هذا الأمر. ولكنني بمجرد أن صرت خليفةً قلتُ للدعاة في أول جلسة معهم وبكل صراحة ووضوح إن أرقام البيعات التي كنتم رفعتم للخليفة الرابع رحمه الله إذا كانت صحيحة فأعطوني 70% منها على الأقل إن لم تستطيعوا مئة بالمئة. كما أوصيتهم بشدة في تلك الجِلسة أن يبحثوا عن هذه البيعات الضائعة كلها ويعيدوها من جديد. إذا كانت هذه البيعات قد تمت حقيقة فيجب أن يجعلوا هؤلاء المبايعين يندمجوا في نظام الجماعة. ومنذ ذلك الحين، لا تزال ترجع إلينا تلك البيعات الضائعة، ففي غانا مثلا تعود إلينا من تلك البيعات الضائعة ما بين 80 إلى 90 ألف بيعة سنويا، وذلك منذ سبع أو ثماني سنوات. وقد عادت هذه البيعات في نيجيريا أيضا.

الواقع أن معظم هؤلاء المبايعين كانوا فقراء، أو لم يستمر التواصل معهم، أو كانوا تحت ضغط مشايخهم، أو لم يخبرهم المسؤولون جيدا بتعاليم الأحمدية وهدف البيعة، فانسحبوا.

أما البيعات التي تمت بالملايين في الهند فكنتُ بدأت بالتحقيق فيها فورا، وحاسبتُ الذين رفعوا هذه التقارير الخاطئة، وعزلتُهم من مناصبهم. كانت معظم هذه البيعات في بنغال الغربية، فأعطيتهم تعليمات بوضع خطة عمَلية محددة للبحث عنهم واسترجاعهم وضمّهم إلى نظام الجماعة. لكن الأكثرية منهم كانوا قد انضموا إلى الجماعة لمصالح شخصية مادية، فابتعدوا الآن عن الجماعة جدا.

ثم في ألمانيا كان الصرب والبوسنيون دخلوا بكثرة في الجماعة، وكان عددهم حوالي 100 ألف، ولكنهم لما رجعوا إلى بلادهم تركوا الجماعة والبيعة.

وقد ذكرتُ هذه الأمور في خطبتي أيضا، ولذلك لا أخبر الناس بعدد معين لجماعتنا، وإنما أقول بأننا قد صرنا بالملايين في السنوات الأخيرة. وهذا الأمر يذكره مَن يقومون بالإحصاءات بطرقهم الدنيوية. ففي الفترة الأخيرة أُجري معي حوار مع LBC البريطانية، وكانت المضيفة قد استضافت فيه أيضا بروفيسورا، فاعترف صراحة بأن هذه الجماعة هي من أسرع الجماعات انتشارا في العالم وتقدِّم تعاليم الإسلام الصحيحة، ولكن عددهم ليس ما يذكرونه، إلا أنهم بالملايين يقينا.

كما قال بعض أصحاب الإحصائيات من غير جماعتنا في الأيام الأخيرة إن هذه الجماعة هي أكثر الجماعات انتشارا في العالم في هذا الوقت.

ثم إنك تستطيع أن تقدر الرقيّ الحاصل في الجماعة حاليًا بطريقة أخرى؛ وهي أننا لا نعرف نية الذين يبايعون، ولكن عندنا معيار واضح لمعرفة العدد، وهو أن عدد المتبرعين لم يكن قد بلغ 300 ألف في سنة 2003، رغم أن البيعات بلغت عشرات الملايين كما قيل، ولكن اليوم قد بلغ عدد المتبرعين في الجماعة بفضل الله تعالى مليونا و200 ألف. وهذا يوضح أن الجماعة في ازدهار مستمر. إلا أنّ الناس لم ينخرطوا بعدُ في نظام الجماعة كما ينبغي، ومن أسباب ذلك أولاً: فقرُ أهل البلاد الإفريقية وقلة التواصل مع المبايعين، وثانيا فقدان التربية عمومًا. غير أننا بفضل الله تعالى نسعى للتواصل في البلاد الإفريقية خصوصا، ولذلك قد أمرت كل جماعة جديدة ببناء المسجد عندهم، وإن كان مجرد سقيفة.

صحيح أنه لو وصلت الخليفةَ معلوماتٌ خاطئة فيمكن أن يقوم بإعلان خاطئ بناءً على تلك المعلومات الخاطئة.

وفي الرسالة نفسها أشار إمام الجماعة إلى أمر هام آخر وهو أن عدد المتبرعين في الجماعة في ازدياد مستمر، ويعرف الجميع أن الانضمام إلى الجماعة ممكن ولكن التضحية المالية ليست سهلة. وفي كل عام تُقدّم الجماعة لمحة عابرة عن التضحية المالية مرتين على الأقل، وذلك عبر خطبة الجمعة التي تبث مباشرة في العالم كله حيث يقدم حضرة الخليفة كل سنةٍ لمحةً عن صندوق التحريك جديد في نوفمبر وعن صندوق الوقف جديد في يناير من كل سنة، ويذكر التبرعات وعدد المتبرعين على المستوى العالمي. ألا يرى المعترضون أنه في كل سنة هناك زيادة ملموسة مقارنة مع السنة المنصرمة. العدو أيضا يهاب هذه الزيادة المستمرة أو يقرّها على الأقل، ولكن المعترضين يقدّمون الأمور ملتوية متعمّدين لخداع الناس.

وعلى كل حال، وحتى بخصوص هذه التقارير التي ربما لم تراعَ فيها الدقة المطلوبة، فليكن معلوما أن هناك من يعتبرون أنفسهم أحمديين قولا، ولا سيما في إفريقيا حيث يتبع الناس أئمتهم ورؤساء قبائلهم، فإذا دخل إمام قرية أو رئيس قبيلة في الجماعة تبعه كلهم عادة. وهكذا عُدّ هؤلاء كلهم أحمديين حتى وإن لم يوقعوا وثيقة البيعة، وحتى وإن لم يرتبطوا بنظام الجماعة، وبالتالي أصبح واجبا على مسؤولي فروع الجماعة المحلية ضمهم إلى النظام وتعليمهم وتربيتهم.

وهذا النهج هو النهج الذي اتبعه النبي صلى الله عليه وسلم في اعتبار المسلم مسلما، إذ ورد في الحديث الشريف:

عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اكْتُبُوا لِي مَنْ تَلَفَّظَ بِالْإِسْلَامِ مِنْ النَّاسِ فَكَتَبْنَا لَهُ أَلْفًا وَخَمْسَ مِائَةِ رَجُلٍ. (البخاري، كتاب الجهاد والسير)

وعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَهَذَا حَدِيثُ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ فَصَبَّحْنَا الْحُرَقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ فَأَدْرَكْتُ رَجُلًا فَقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَطَعَنْتُهُ فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَقَتَلْتَهُ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا قَالَهَا خَوْفًا مِنْ السِّلَاحِ قَالَ أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لَا فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ يَوْمَئِذٍ. (مسلم، كتاب الإيمان)

فمع أن المرء قالها في الحرب، ومع أنه اكتفى بقوله: لا إله إلا الله، بدون أن يضيف إليه: “محمد رسول الله، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم اعتبره مسلمًا حيث غضب على قاتله غضبا شديدا.

أعزاءنا المشاهدين، نكون بهذه الحلقة قد رددنا على أحد أهم الاعتراضات التي يوردها المعارضون في مسألة الأعداد في الجماعة الإسلامية الأحمدية، وبيّنا حقيقة المئتي مليون التي طالما طنطن ويطنطن عليها المعترضون اليوم، رغم أنهم يعلمون حقيقة الأمر ويعرفون الجواب على هذه الاعتراضات إلا إنهم يصرون بسبب مكرهم وخبثهم على إبراز هذا الاعتراض، من أجل إيهام الناس أن الجماعة تكذب عمدا في عدد البيعات والأحمديين، فإذا حدثت بعض الأخطاء أو التقصيرات هنا وهناك فهذا لا يقول إن الجماعة تتعمد الكذب في هذه المسألة مثلما يحاول المعترضون إيهام الناس به لكي يبرروا مواقفهم وتصرفاتهم وأقوالهم الكاذبة.