بسم الله الرحمن الرحيم

{ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ } (الأنبياء 19)

الاعتراض 1:

يقول المعترضون اليوم، بأن الجماعة تبالغ في أعدادها كثيرا، وأن هذا الأمر كان منذ زمن المؤسس عليه السلام، وهنالك شواهد على ذلك منها:

قيل في سنة 1897 إن عدد الجماعة ثمانية ألاف فرد، وادّعَوا ( الجماعة) أن هذا العدد سوف يبلغ ثمانيةَ عشرَ ألفا في السنة القادمة. ولكنهم أخبروا جابي الضرائب في السنة القادمة أي سنة 1898 أن عدد الجماعة هو 318 شخصا، وهذا هو العدد الحقيقي على ما يبدو، لأنهم لا يستطيعون الكذب على الموظف الحكومي.

الرد:

لقد أثبتنا في الحلقة الماضية التزييف والكذب المتعمد وخلط النصوص والأحداث بعضِها ببعض، مِن قِبل معارضين اليوم في عرضهم لهذه القضية وقلنا:

  • على النقيض مما يقوله المعارضون، فإن القائمة التي قُدمت لموظف الضريبة لا تعبّر عن عدد أفراد الجماعة كلهم، بل هي قائمة لكبار المتبرعين في الجماعة، قُدّمت بناء على قوائم معدّة مسبقا.
  • وعلى النقيض مما يقوله المعارضون، لم يعترض المشايخ زمن سيدنا أحمد عليه السلام على القائمة التي قُدمت لموظف الضريبة، بل على القائمة التي قدّمت للحاكم العام في شباط من نفس السنة، فقد جاء اعتراضهم في جريدة “بيسة اخبار” في شهر 5 مايو من نفس السنة، بينما قضية الضريبة بدأت في شهر 6 يونيو.
  • وعلى النقيض مما يقوله المعارضون، لم يكن ردّ سيدنا أحمد عليه السلام على اعتراض المشايخ متعلقا بمسألة ضريبة الدخل قطّ، لأنها لم تكن بدأت بعدُ، عندما ردّ حضرته عليهم، فقد جاء ردُّه هذا في كتاب البلاغ الذي ألّفه في شهر 5 سنة 1898 بينما بدأت مسألة الضريبة في شهر 6 من تلك السنة، وقُدمت القائمة لموظف الضربية في شهر 8 وانتهت القضية في شهر 9، وذُكرت هذه القضية في كتاب ضرورة الإمام الذي أُلف ونُشر في شهر 10 من نفس السنة.
  • وادعى المعارضون أن ردّ سيدنا أحمد عليه السلام جاء في كتاب البلاغ فورا بعد ذكرِ قضية ضريبة الدخل في كتاب ضرورة الإمام، أي في أواخر سنة 1898 وما هذا إلا التزييف والدجل بعينه، لأن كتاب البلاغ والجواب الذي جاء فيه قد أُلّف قبل كتاب ضرورة الإمام.

باختصار، لقد ثبت أن حضرته عليه السلام لم يردّ في كتاب “البلاغ” على الاعتراض المتعلق بعدد المذكورين في قضية ضريبة الدخل المذكورة في كتاب “ضرورة الإمام”، ولم يكتب حضرته جملة: “كتبت هذه القائمة عرضا” بخصوص القائمة المقدَّمة في قضية ضريبة الدخل. وهكذا تبطل الحكاية التي حبكها المعترضون، وهي لا تدل إلا على جهلهم أو تعمدهم التزييف والتمويه.

وأما الآن فنبدأ الردّ على الاعتراض الذي يثار بشأن القائمة التي قُدمت لموظف ضريبة الدخل ونقول:

يجهل المعترضون أمورًا كثيرة أو يتجاهلونها مما يدفعهم للاعتراض. أما الحقيقة فهي كما يلي:

هذا العدد الذي أُعطيَ لموظف الضريبة كان من قائمة أُعدّت مسبقًا وكانت تضم أولئك الذين تبرّعوا بمناسبة حفل يوبيل الملكة فكتوريا فقط. وكان هذا العدد عدد هؤلاء المتبرعين مع أسمائهم وعناوينهم بكل أمانة، ولم يكن أبدًا عددَ الأحمديين جميعا، بل لم يكن عدد المتبرعين جميعا أيضا، وإنما كان عدد أبرز المتبرعين، والذين يشكلون المصدر الأساس لدخل الجماعة، وهذا ما يهمُّ موظفَ الضريبة؛ إذ لا يهمّه العددُ مهما كان كبيرا إذا لم يشكلّوا مصدرا للدخل.

والأدلة على ما نقول هي كما يلي:
  1.  في 7/6/1897 دعا المسيح الموعود عليه السلام أبناء جماعته لحضور اجتماع يوبيل الملكة فكتوريا المنعقد في قاديان، وقال بأنه سوف ينشر أسماء الذين يتبرعون لهذا الاجتماع. (مجموعة إعلانات ج 2 ص109-110)،
    ثم بعد الاجتماع نشر المسيح الموعود عليه السلام في 23/6/1897 قائمة المشتركين في هذا الاجتماع، وكان عددهم 353.
  2.  في 24/2/1898 نشر المسيح الموعود عليه السلام إعلانا موجها إلى الحاكم العام وذكر فيه أسماء 317 فردا من جماعته (317 إضافة إلى حضرته عليه السلام يصبح العدد 318)، مصرحا فيه بكل وضوح أنها أسماء بعض أفراد جماعته حيث قال: “وأرى من المناسب أن أكتب لكم فيما يلي أسماء بعض مريديّ على سبيل المثال….. والآن أكتب فيما يلي أسماء بعض أفراد جماعتي.” (مجموعة إعلانات المجلد 2 ص 197 إلى 206)

فحضرته قد كتب بكل وضوح وجلاء أنها أسماء بعض أتباعه وليس كلهم. وهذا يدل على أن العدد المذكور لموظف الضريبة هو عدد أبرز المتبرعين عموما، والذين صادف أن تُجمع أسماؤهم بمناسبة احتفال اليوبيل، ولأن أسماءهم وعناوينهم قد سُجِّلت في هذا السجل، فقد كان حضرته يقدمهم للمسؤولين كعينة لأفراد الجماعة، ولا سيما أنهم كانوا من ذوي المكانة المرموقة في المجتمع غالبا.

وبما أنهم متبرعون أيضا فهذا يعني أنهم متقدمون في الإيمان والالتزام أيضا.

وهنالك الكثير من الأدلة القطعية، على أن الأعداد المذكورة في هذه القوائم المختلفة لا تعبّر عن العدد الإجمالي لأفراد الجماعة، وهذه الدلائل كما يلي:

نتحدث أولاً عن قائمة المشتركين والمتبرعين في حفل اليوبيل سنة 1897 والتي بناء عليها قُدّمت القائمة لموظف الضريبة بأسماء 318 شخصا، فنقول:

أولا: تلك الفترة (1897-1898) كانت فترة شدة وقحط في الهند، ولم يكن بإمكان أحد التبرع إلا إذا كان قوي الإيمان وميسور الحال، ومع ذلك تبرع هؤلاء القوم بمناسبة يوبيل الملكة مما يدل بأنها كانت فقط قائمة الوجهاء والمتبرعين البارزين في الجماعة.

ثانيا: عدد المشاركين في التبرع لجلسة اليوبيل عام 1897 ليس 318 بل عددهم أكثر في واقع الأمر. وبيان ذلك أنه في هذه القائمة قد أُعطيَ كل شخص رقمًا واحدًا حتى ولو اشترك في التبرع مع عائلته، أعني أن أفراد عائلته لم يُعَدّوا في هذه القائمة مع أنهم اشتركوا في التبرع وفي هذه الجلسة، وعلى سبيل المثال كان قد ذكر في القائمة:

  • المسيح الموعود عليه السلام مع أهل بيته
  • والحكيم فضل الدين مع عائلتيه
  • ومرزا أيوب بيك مع عائلته
  • وقاضي محمد يوسف علي النعماني مع عائلته
  • والحافظ فضل أحمد مع ابنه
  • والحافظ علي أحمد مع ابنه

وهكذا حتى اكتملت القائمة إلى 318 اسم، بحيث من الممكن أن تضم بعض الأرقام فيها أكثر من شخص واحد.

كما اشترك 34 آخرون ذُكرت أسماؤهم خارج هذه القائمة في الصفحة التالية.

ثالثا: من الجدير ذكره أن التبرعات التي كانت تُجمع من أفراد الجماعة حينها، لم تكن وفق النظام المالي القائم اليوم في الجماعة، فلذلك إن القوائم المعدة بأسماء المتبرعين لا تعكس عدد أفراد الجماعة البتة، بل قد يكون الكثير والأغلبية لم يكن بمقدورها أن تدفع هذه التبرعات.

رابعا: إضافة إلى ذلك كانت قد عقدت هناك جلسات أخرى لليوبيل في ذلك اليوم، مثل الجلسة التي أقامها نواب محمد علي خان في مدينته، والتي ذُكرت تفاصيلها مع هذا الإعلان.

وهذا دليل أنه لم يستطيع جميع الأحمديين الحضور للجلسة في قاديان، بل لم يحضرها جميع من تبرع أيضا.

فكيف يمكن اعتبار هذا العدد هو العدد الإجمالي لأفراد الجماعة كلها؟

خامسا: أما القائمة التي أُرسلت إلى الحاكم العام الإنجليزي في فبراير 1898 فقد وضّح حضرته عليه السلام أن 317 أو 318 هؤلاء هم فقط عيّنةٌ لبعض من أتباعه ذوي المناصب المرموقة في المجتمع.

سادسا: إذا قارنا بين هاتين القائمتين (قائمة المتبرعين في جلسة اليوبيل والقائمة المرسلة للحاكم العام) نجد أنهما لا تحويان نفس الأسماء، بل الأسماء المشتركة بينهما هي أقل من مئة، وهذا يعني أن القائمة المقدمة للحاكم كانت تحتوي على أكثر من 220 اسما إضافيا لم ترد في قائمة المتبرعين في جلسة اليوبيل في يونيو 1897، أي التي أُعدّت قبل ثمانية أشهر تقريبا.

فبالجمع بين القائمتين يصبح العدد الإجمالي فيهما حوالي 540، وعليه فإن هذه القائمة البالغة لـ318 شخصا لم تضم إلا أقل من مئة شخص من قائمة المتبرعين في جلسة اليوبيل في يونيو 1897.

سابعا: إذا أمعنا النظر في هذه القوائم نرى أنها قوائم بأسماء الرجال فقط، فلم يذكر فيها أسماء النساء ولا الأطفال.

ألم يكن لهؤلاء الرجال عوائل وأطفال ونساء.

إذًا، فالنتيجة الحتمية أن هذه القوائم لم تُعَدّ لإحصاء عدد أفراد الجماعة، وإنما أُعدت لأهداف أخرى غير الإحصاء، فالإحصاء له قوانينه واعتباراته الخاصة.

ويقول المعترضون:

ولكن موظف الضريبة يقول: “انضم إلى هذه الجماعة، ولم يقل يتبرع”.

الحق، أنه لا يمكن الجزم من قول موظف الضريبة أن هذا عدد كل المنضمين إلى الجماعة، بل قد يكون قصده: انضم إلى نظام التبرع أو سجل المتبرعين في هذه الجماعة”؛ لأن هذا هو المجال الذي يُعنى به موظف ضريبة الدخل، إذ يهمّه الأشخاص الذين يشكلون مصدر الدخل، وليس من مهامه إحصاء عدد أفراد الجماعة.

خلاصة الكلام: أثبتنا في هذه الحلقة أن القائمة التي أعطيت لموظف الضريبة، وكذلك تلك التي أرسلت للحاكم العام قبلها بحوالي نصف سنة، لا تعكس عدد أفراد الجماعة كلها، ولا علاقة لها بإحصاء عدد أفراد الجماعة، وإنما هي قوائم خاصة أعدت لأهداف خاصة ومعينة ولا علاقة لها بالإحصاء.