ما قاله حضرته هو أن البحوث العلمية الحديثة تقول بذلك – وهي تقول بذلك بالفعل كما سنرى – وقال هذا في ردٍّ تفصيلي على الاعتراض من قبل أحد الهندوس على أن معجزة انشقاق القمر التي ذكرها القرآن الكريم لا أصل لها وهي تناقض العلم وقوانين الطبيعة. فبيَّن أن وجود هذه الكائنات التي يقول بها العلم يؤكد حدوث نوع أدنى من الانشقاق والاتصال يحدث باستمرار على سطح الشمس والقمر، وهذا الانشقاق يحدث بنشوء هذه الكائنات وانفصالها عن الجِرم ثم بعد ذلك موتها واتصالها به من جديد. فإن كان الأمر كذلك، فما الذي يمنع أن يظهر انشقاقٌ أعظم يكون مشهودا بصورة أكبر، بناء على ذلك، من الناحية المادية.

أما فيما يتعلق بالعقائد الهندوسية خاصة، فإن الانشقاق العظيم للقمر ينبغي أن يكون واجبا عندهم ومشهودا؛ لأنهم يعتقدون بأن الشمس والقمر هي من ذوات الأرواح، وهذه الأرواح في التناسخ تنقسم إلى ما هو أدنى ويظهر ذلك عند اتصالها بجسد أدنى، ثم قد تترقى وتتصل بجسد أعلى بعد ذلك. فإذا كان الأمر كذلك، فإن من الواجب على الهندوس الإيمان بالانشقاق الدائم للشمس والقمر لأن روحهما لا بد أن تتعرض للتناسخ وفق اعتقادهم! فهكذا يتفق العلم ومعتقداتهم – رغم بطلانها- مع هذه المعجزة، ويصبح الاعتراض عليها عبثا.

ففيما يتعلق بالجانب العلمي، فإن حضرته قد قدَّم مسألة كائنات الشمس والقمر كنظرية لها وزنها كانت ولا زالت قائمة بل أصبحت أكثر قوة في وقتنا الحالي. أما فيما يتعلق بالمعتقدات فإن الهندوس خاصة ينبغي ألا يعترضوا على الانشقاق وفقا لمعتقدهم، رغم بطلانه، ولكن من باب إلزامهم بما يؤمنون. فهذان الأمران أوجبا أن يطرح حضرته هذه المسألة ردا عليهم.

وفيما يتعلق بالنظرية العلمية لوجود كائنات على الشمس والقمر، فسواء ثبتت أم لم تثبت، فقد قدمها حضرته كدليل في الرد على الادعاء بأن العلم لا يقبل بالانشقاق ثم الاتصال وفق قولهم. ولم يكن هذا هو دليله الوحيد أو القاطع على حقيِّة حدوث الانشقاق، بل هذا كان دليلا مساندا وردًّا فقط على القول بأنه حادثة لا يقبلها العلم وتخالف قوانين الطبيعة.

أما الأدلة القاطعة على حدوث الانشقاق فقد ساقها حضرته في كتابه الذي طرح فيه هذه المسألة هو “كحل لعيون الآريا”، ومنها التواتر وعدم اعتراض الصحابة والمعترضين على حدٍّ سواء في حينه عندما سجلها القرآن الكريم. ومنها أن بعض الشعوب بما فيهم الهنود يذكرون في تاريخهم بأن حادثة كهذه قد حدثت ورأوها في ذلك التاريخ. ومنها أن القانون الطبيعي يتضمن أيضا حدوث التغييرات والحركات على سطح الأرض وأي كوكب آخر أيضا كالزلازل والانشقاقات الناجمة عنها والتي تؤثر أحيانا بشدة على اليابسة ولكنها لا تُخلِّ بالقانون الطبيعي بل هي جزء منه. وعلى رأس هذه الأدلة على بطلان اعتراضهم على حدوث الانشقاق هو أن ادعاء الإحاطة بقوانين الطبيعة ليس إلا عبثا غير علمي بل هو مذهب الجهلة والحمقى.

فمما قاله حضرته في هذا السياق:

وبالإضافة إلى ذلك يمكن أن يفهم القراء بقراءة ما كتبناه في المقدمة- عن البحث في قانون الطبيعة- أن انشقاق القمر ليس مستبعدا في الحقيقة عقليا كما يظنه أشباه الحكماء؛ فإلى الآن لم يتمكن أحدٌ من الإحاطة بخواص الشمس والقمر، ولم يثبت أن الله تعالى قد تخلّى عن هذه الأشياء نهائيا بعد خلقها. وأن هذه الأشياء تتمرد عليه الآن. كلا بل إن يدي الله سبحانه وتعالى مبسوطتان على الدوام للمحو والإثبات، وهو يفعل ما يشاء بقدراته غير المنتهية التي لا حصر لها. والواضح أن عدم العلم بشيء لا يستلزم عدم وجوده. فما دامت الكرة الأرضية تتصف بخاصية الزلازل والانشقاق والاتصال؛ إذ قد انقلبت الأرض في الأزمنة الغابرة على مسافة مئات الأميال نتيجة الانشقاق، كما يلاحَظ ظهور مثل هذه الأحداث الآن أيضًا، وهذه الأحداث لا تؤثر في دورانها أيما تأثير، فلماذا يثار التعجب في أحداث القمر؟ أليس من المحتمل أن يكون الله الحكيم قد أودعه ميزتَي الانشقاق والاتصال كلتيهما؟ ويكون ظهورهما مرتبطا بموعد معين. ويكون ذلك الموعد في الإرادة الأزلية وقتًا طُلبت فيه من النبي هذه المعجزة؟” (كحل لعيون الآريا)

ثم يقول حضرته أن الأمر أيضا يمكن أن يكون من قبيل الكشف، ولم يكن انشقاقا ماديا، رغم أنه ليس هنالك ما يمنع من ذلك:

كما من الممكن أن تكون القوة القدسية للنبي صلى الله عليه وسلم قد وَهبت للمشاهدين عيونا كشفية بحيث أُحضر أمامهم مشهدُ الانشقاق الذي سيحدث قرب القيامة. لأنه من الثابث المتحقق أن قوى المقربين الكشفية، تؤثِّر بسبب قوتها الكبيرة في الآخرين أيضًا. والأمثلة على ذلك موجودة بكثرة عند أصحاب المكاشفات. فبعض الأكابر أظهروا وجودهم في بلدان مختلفة وأماكن مختلفة في آن واحد بإذن الله.” (كحل لعيون الآريا)

أما ما يتعلق بالنظرية العلمية لوجود مخلوقات من نباتات وحيوانات على سطح القمر والشمس فقد استخدمها حضرته كما قلنا سابقا للتدليل على إمكانية الانشقاق الأدنى علميا نظرا إلى أن هذه المخلوقات تحيا وتموت، وحياتها بمنزلة انشقاق وموتها بمنزلة الاتصال من جديد، إذ قال:

وهنا نقول أيضًا إن البحوث العلمية المعاصرة تشهد على أن انشقاق القمر لم يحدث مرة واحدة فقط، بل إن الاتصال والانشقاق جاريان في الشمس والقمر باستمرار، لأن العلوم المعاصرة تبدي رأيها المحكم بأن الشمس والقمر عامرتان بالحيوانات والنباتات بأنواع مختلفة من الحياة كما هي الأرض.
وهذا الأمر يُثبت الانشقاق والاتصال للقمر، لأن من الواضح جدًّا أن الحيوانات والنباتات وغيرها تتخذ جسمها من مادة الكوكب نفسه الذي تكون عليه، وليس صحيحا أن تلك المادة تنقل إليها بالعجلات والمرْكبات من كوكب آخر. الآن حين لم نجد بدًّا من الإقرار بأنه قدر ما يوجد في القمر من حيوانات وهي تتحرك بإرادتها وتتولد بانتظام، فإن مادة جسمها هي نفس التي كانت تتصل بجِرْم القمر؛ فهذا يستلزم الإقرار بأن جرم القمر يلزمه الانشقاق دومًا. ثم بموت هذه الحيوانات يلزم الاتصال أيضًا. فالواضح من هذا التحقيق أن الانشقاق والاتصال موجودان في القمر كل حين وآن بل في الشمس أيضًا. وإن مثالا عظيما لهذا الانشقاق والاتصال يكمن في حادثة انشقاق القمر المذكور في القرآن الكريم. فما دام العلماء يُقرون بأنفسهم بنموذج أصغر فما الذي يدفعهم إلى إنكار العظيم؟ فالأمر الحقيقي ثابت بحسب طريق العلماء أيضًا أن الانشقاق والاتصال يحدثان بانتظام في جِرمَي الشمس والقمر؛ فبناء على ذلك قد سُلِّم بكون هاتين الكرتين عامرتين بالحياة” (كحل لعيون الآريا)

ومن العجيب أن حضرته عليه الصلاة والسلام كان مطلعا على آخر ما توصل إليه العلم في ذلك الوقت، بل وعلى أدق تفاصيله، عندما كان الاطلاع على هذه التفاصيل شبه مستحيل لقلة انتشار المجلات العلمية والمراجع في حينه. ولكن كتاباته تُبين أنه كان دائما مواكبا بصورة مذهلة لآخر ما توصل إليه العلم. والعجيب أيضا أن نظرية وجود كائنات حية على سطح القمر والشمس كانت مجرد رأي له كثير من المعارضين في ذلك الوقت، بينما اكتسب الآن قوة كبيرة ومالت إليه البحوث العلمية الحديثة بشدة وهذا ما أوردته المصادر المتنوعة والبحوث الحديثة.

وقول حضرته بوجود حيوانات إنما يعني كائنات حية وحيدة الخلية أو ما هو أعقد منها بقليل، وتسميتها الصحيحة هي الحيوانات وفقا للغة وبخاصة اللغة العلمية، كما تسمى مثلا الحيوانات المنوية بالحيوانات. أما النباتات فالبكتيريا تصنَّف علميا على أنها نباتات، وهذا لأنها لا تحتوي على نواة كما هي الكائنات وحيدة الخلية الأخرى التي تصنَّف بالحيوانات. فتمييز هذه الكائنات من قبل حضرته ووصفها بالحيوانات والنباتات يدل على مدى سعة معلوماته.

أما ما الذي يقوله العلم حيال ذلك؟

تقليديا كان يعتقد بأن وجود الحياة مرتبط بوجود الماء في أي جِرم أو كوكب، ثم إذا كانت الحياة أكثر تعقيدا فلا بد من وجود الغلاف الجوي والأكسجين. لذلك كان تركيز العلماء على العثور على الماء ليبدأوا بعد ذلك اختبار الحياة ونوعيتها ومدى تطورها على أي جِرم أو كوكب.

ومؤخرا، فقد تم تأكيد وجود الجليد على القمر، بل وكميات كبيرة منه وخاصة في القطب الشمالي منه، كما تؤكد الصور الفضائية. وهناك تفاصيل حول ذلك على الرابط التالي، إذ تؤكد وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) ذلك دون أدنى مجال للشك: موقع Space

ووجود الجليد يعني أنه لا بد أن يكون هنالك نوع من الحياة هناك، وإن لم تكن معلومة. فقد تبين أن هنالك أنواع من البكتيريا تتواجد في الجليد ودرجات التجمد العالية، وهي التي تعمل على إفساد الأطعمة، وإن كانت مجمَّدة، وذلك عندما تخزن لفترة طويلة.
أما فيما يتعلق بالحياة على الشمس، فقد تغيَّرت الفكرة التقليدية عن ارتباط الحياة بالمياه والجليد والأكسجين فقط لتجزم بوجود الحياة، وأثبتت الدراسات أن أصل الحياة بدأ في البراكين الملتهبة ثم بعد ذلك كان دور الماء والطين، وعثر العلماء أيضا على جرثومة سميت “لوقا” تتواجد قرب البراكين وفي المياه الحارة. وتحدَّث العلماء أيضا عن إمكانية وجود كائنات في الشمس أيضا، وهذا رابط لوكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) والذي هو عدد لمجلة ناسا عدد 14 نوفمبر 2013، وهو ليس المصدر الوحيد بل هناك عديد من المقالات وأوراق البحث والنقاش، وهذا الرابط هو: موقع ناسا

وهكذا فقد ثبت حديثا أن هنالك أشكال من الحياة تنشأ في ظروف لا ماء فيها ولا أكسجين، بل إن أصل الحياة على الأرض إنما نشأت في بيئة كهذه البيئة، حيث إن بداية تشكل الخلْق كان في البراكين الملتهبة. وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم بقوله تعالى:
{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ * وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ } (الحجر 27-28)

أي أن بداية الخلق كانت للجانِّ التي تعني هنا الكائنات الدقيقة التي لا ترى بالعين المجردة، والتي خلقها الله تعالى من النار، ثم بعد ذلك بدأت عملية تطوير خلق الإنسان في الطين بعد تشكيل هذه الخلايا والكائنات الأولية.

وباختصار، فإن حضرته عندما تحدث عن حيوانات ونباتات لم يقصد أبدا أن على الشمس أشجارا وحيوانات تسير على أربع كمثل الحيوانات والنباتات ذات البنية المعقدة المتواجدة على الأرض، وكان كلامه علميا دقيقا، ووظَّفه في الدفاع عن الإسلام وفي التأكيد على صدق معجزاته وحقيتها.

About الأستاذ تميم أبو دقة

من مواليد عمَّان، الأردن سنة 1968 بدأ بتعلَّم القرآن الكريم وحفظ بعض سوره وفي تعليمه الديني في سنٍّ مبكرة وبدأ بتعليم القرآن في المساجد في الثانية عشرة من عمره. انضم إلى الجماعة الإسلامية الأحمدية عام 1987 قبل أن يبلغ التاسعة عشرة من العمر وكان من أوائل الأحمديين العرب. يعمل في خدمة الجماعة في المكتب العربي المركزي وفي برامج القناة الإسلامية الأحمدية وفي خدمات التربية والتعليم لأفراد الجماعة وفي العديد من الأنشطة المركزية. أوفده الخليفة الخامس نصره الله تعالى ممثلا ومندوبا لحضرته إلى عدد من الدول، وكرَّمه الخليفة نصره الله بلقب “عالِم” في العديد من المناسبات. عضو مؤسس ومعدّ في فريق البرنامج الشهير “الحوار المباشر” الذي انطلق رسميا عام 2006 والذي دافع عن الإسلام ضد الهجمة المسيحية التي انطلقت على بعض القنوات في بداية الألفية وأخمدها، والذي أسهم في تعريف الجماعة الإسلامية الأحمدية إلى العالم العربي، والذي يبث الآن مترجما ترجمة فورية إلى العديد من اللغات. وهذا البرنامج أصبح نموذجا للعديد من البرامج المشابهة في اللغات الأخرى. شارك ويشارك في العديد من البرامج الأخرى وخاصة المباشرة في اللغة العربية وفي بعض البرامج باللغة الإنجليزية. عضو هيئة التحرير لمجلة “ريفيو أوف ريلجنز” الإنجليزية العريقة التي بدأ إصدارها في زمن الإمام المهدي والمسيح الموعود عام 1902م.

View all posts by الأستاذ تميم أبو دقة