يقوم خصوم الجماعة الإسلامية الأحمدية كعادتهم باقتطاع النصوص من الأدبيات المختلفة للجماعة وذلك لاستغلالها في إثارة الشبهات ضد المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام. وفي هذه المرة قاموا باقتطاع عبارةً من كتاب “سيرة المهدي” الذي ألفه حضرة مرزا بشير أحمد الابن الثاني لحضرته عَلَيهِ السَلام. تقول هذه العبارة بأن والدته ذكرت بأن المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام تعرض لنوبة من الصداع و الهستيريا، ففرح الخصم واقتطع هذا النص ليبثه كدليل على إصابة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام بهذا المرض، والواقع أن هذا اللفظ شرحه مؤلف الكتاب بنفسه وفي نفس الصفحة التي بتر منها الخصم عبارته ولم ينقل النص الذي يرد على هذه الشبهة حيث بيّن أن المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام لم يكن يعاني من هذا المرض البتة ولا ظهر في أي تشخيص طبي له ولم يذكره المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام لفظا ولا كتابة قط ولكنه ورد هنا تشبيهاً لا تشخيصاً بواسطة والدته وذلك لتشابه العوارض بين الأمراض المختلفة المتعلقة بالصداع، واللفظ يرد ولا يثبت ويكتب من باب نقل القول سواء كان دقيقا أم لم يكن وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على الْأَمَانَةَ العلمية.

الهيستريا

وما دام المؤلف بنفسه قد نفى ذلك وبيّنَ ما المقصود بالهستيريا هنا وأنه ليس إلا وصف لوالدته وليس تشخيصاً طبياً ولا هو المرض المعروف بل مجرد وصف شخصي يراد منه وصف الصداع الشديد فقط لتشابه عوارض المرضين وأنه عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام لم يعاني من ذلك مطلقا فقد بطلت الشبهة بحمد الله تعالى. بل إن المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام بنفسه رد على هذه الشبهة، حيث كتب المسيح في كتابه “إزالة الأوهام” في سنة 1891م ردا على انتقاد المعارضين ما تعريبه:

… الانتقاد الثاني الذي وُجّه إليّ بأنني ما ادّعيت بكوني مسيحا موعودا إلاّ بسبب الهيستريا والجنون، فإنني أقول ردّا على هذا بأني لا أغضب على أحد يتهمني بالجنون أو بإصابة في العقل، بل أفرح لذلك لأن كل نبي ورسول سُمي بهذا الاسم في زمنه، ونال المصلحون هذا اللقب من أقوامهم منذ القدم. وأنا سعيد لتحقق هذا النبأ عني أيضا، فقد تلقيته من الله ﷻ ونُشِرَ في كتابي: “البراهين الأحمدية”، وقد جاء فيه أن الناس سوف يقولون عني أني مجنون…” (الخزائن الروحانية ج3 – كتاب: إزالة الأوهام، ص403)

ثم كتب حضرته أيضا، تعريبا عن الأردية:

“… كان الله ﷻ يعلم أنه لو أصابني مرض خبيث كالجذام أو الجنون أو العمى أو الصرع.. فيستنتج الناس منه نزول الغضب الإلهي عليّ، ولأجل ذلك بشّرني قبل فترة طويلة، وسجّلتُ بشارته في كتابي: “البراهين الأحمدية” حيث يقول: “أعصمك من كل مرض خبيث وأتمم نعمتي عليك.” (الخزائن الروحانية ج17 – كتاب: الأربعين، ص219). وقد استمر تحقق هذه البشارة الإلهية إلى آخر لحظة في حياته الشريفة، ولم يُصب بأي مرض خبيث يؤثر عليه بحيث يمنعه من أداء مهامه.

الأنبياء السابقون اتُّهموا بالسحر والجنون

ومن المدهش جدا أن معارضي الأحمدية قد نسوا.. أو لعلهم تناسوا.. الاتهامات التي وُجّهت إلى الأنبياء من قبل، حيث أتهمهم معارضوهم بالسحر والجنون، ويبدو أن معارضي المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام على شاكلة معارضي الأنبياء فيما سبق ولا فرق بينهما سوى أن معارضي المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام يعيشون في عصر تقدمت فيه العلوم والفنون، ولذلك فهم يحددون نوع الجنون بـ الهيستريا!!

يقول تعالى في القرآن المجيد:

[كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ] (الذاريات:53)

[وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلًا مَّسْحُورًا] (الفرقان: 9)

[وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوآ ءَالِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ] (الصافات:37)

[كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا فَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرْ] (القمر:10)

[قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ] (الشعراء:28)

[وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ] (الحجر:7)

وهكذا تتشابه قلوب وأقوال معارضي الأنبياء في كل زمان ومكان، وقد زعم بعض المستشرقين المغرضين الذين هم على شاكلة معارضي المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام أن سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قد أصيب بالصرع والجنون، وهم يتلمسون الكلمات التي قد تُفهم على أكثر من معنى، ويتمسكون بأعراض تبدو في خيالهم المريض أنها نوبات الصرع، فيَصِمون الرسول الأكرم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم بأنه كان يعاني من الجنون والصرع.

فسبحن الله رب العالمين

About الأستاذ فراس علي عبد الواحد

View all posts by الأستاذ فراس علي عبد الواحد