بعدما بيّنا في مقالنا السابق زيف الاعتراضات التي يقدمها المعترض على نبوؤة المسيح الموعود (عليه السلام)، عن وقوع الحرب العالمية الأولى والمصير الذي سيؤول إليه قيصر روسيا بعد هذه الحرب، ودحضنا اعتراضاته بأدلة عقلية ونقلية مفحمة؛ نسوق إليكم في هذا المقال ردودا أخرى في هذا السياق تعضد ما قلناه في المقال السابق، وذلك بعد تحرّي الأمر بشكل جذري وتفصيلي أكثر، وباستشارة علماء اللغة الأردية الذين يهزأ منهم هذا المعترض، ربُّ التزييف وعاشق الاستهزاء بأنبياء الله (عز وجل) وأوليائه الصالحين وأتباعهم الأبرار.

لقد نشر المسيح الموعود عليه السلام نبوءة عن كارثة هائلة تزلزل الأرض وأهلها زلزالا شديدا حيث تتهدم المباني وتهلك النفوس بالكثرة. وذكر هذه النبوءة في أبيات شعرية ضمن قصيدة طويلة له وصف فيها أهوال هذه الكارثة وعلاماتها. علمًا أنها ترجمة أبيات أردية وليس نصًّا مترجمًا.

يقول حضرته:

بعد بضعة أيام من اليوم (أي 15/4/1905) ستظهر آية ترتجف بها القرى والمدن والمروج،

وسيحدث انقلاب على الخَلق بسبب قهر الله حتى يتعذر على الشخص العاري لبس إزاره

ستأخذ البشرَ والشجر والحجر والبحر هزّةٌ عنيفة دفعةً واحدة نتيجةَ زلزال

سيُجعَل في لمح البصر عالي الأرض سافلَها، وستجري قنوات الدماء كما يجري ماء النهر

واللابسون بالليل حُلَلاً بلون الياسمين، سيحوِّل الصباحُ حُللَهم حمراء كلون شجرة الحَوْر

سيفقد الناس والطيور صوابهم، وستنسى الحمائمُ والبلابل تغريدها

ستكون تلك الساعة شديدة على كل المسافرين، فسيضلّون طريقهم كأنهم سكارى فقدوا الصواب

ستصبح المياه الجارية في وديان الجبال من كثرة دماء الموتى محمرّةً احمرارَ مشروبِ “أنجبار”

سيضمحلّ الجنّ والإنس كلهم خوفًا، وإذا بقي “زار” (القيصر الروسي) في تلك الساعة لكان في حالة يُرثى لها

ستكون تلك الآية الربّانية نموذجًا لقهر الله تعالى، وستصول السماء مصلِتةً سيفها

فلا تستعجلْ في الإنكار أيها السفيه الجاهل، لأن صدقي كله متوقف على تلك الآية

إنّ هذا الأمر مبني على وحي الله تعالى، وسيتحقق حتمًا، فاصبرْ بضعة أيام متحليًا بالتقوى والحِلم.

(البراهين الأحمدية، الجزء الخامس، الخزائن الروحانية، مجلد 21، ص 151-152)

فهل هو زلزال أم كارثة أخرى؟

لقد وضّح ذلك المسيح الموعود عليه السلام في الكتاب نفسه حيث قال:

لقد وردت كلمة “الزلزال” في وحي الله مرارا، وقد قال الله تعالى إن ذلك الزلزال سيكون نموذج القيامة، بل يجب أن يسمَّى زلزلة القيامة، كما تشير إليها سورةُ (إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا)، ولكني لا أستطيع حتى الآن حملَ لفظِ الزلزال على ظاهره قطعًا ويقينًا، فقد لا يكون هذا زلزالاً معروفًا، بل كارثة شديدة أخرى تُري نموذجَ القيامة، ولم يشهد هذا العصرُ نظيرَها، وتسفر عن دمار شديد بالنفوس والمنازل. ولكن لو لم تظهر آية خارقة للعادة، ولم يصلح الناس أنفسهم بصورة واضحة، لكنتُ كاذبًا في هذه الحالة.” (البراهين الأحمدية الجزء الخامس، الخزائن الروحانية، مجلد 21، ص 151)

وقال أيضا في الكتاب نفسه:

المعنى المراد من كلمة الزلزال هو الزلزال على الأغلب والأكثر، ولكن من الممكن- بحسب سنة الله القديمة- أن يكون المراد منها آفة شديدة أخرى خارقة للعادة ومدمّرة تدميرا شديدا تحمل في طياتها طبيعة الزلزال، لأنه توجد في كلام الله استعارات كثيرة ولا ينكرها أهل العلم. ولكن الكلمات الظاهرية أحق بالأخذ. والمعلوم أن كلمات النبوءات الظاهرية تدل على الزلزال فقط. (البراهين الأحمدية الجزء الخامس)

وقال أيضا في الكتاب نفسه:

ومما لا شك فيه أنه قد وردت في النبوءة عن المستقبل أيضا كلمة الزلزال مرارا مثل النبوءة السابقة دون أن ترد كلمة أخرى. والمعنى الظاهر أحق بالأخذ من التأويل، ولكن كما يلتزم جميع الأنبياء بمقتضى التأدب مع الله ومع سعةِ علمه تعالى فلا بد من القول التزاما بالأدب وبسنة الله أنه قد وردت كلمة الزلزال في الظاهر بلا شك، ولكن قد يكون المراد منه آفة أخرى تضم في طياتها صبغة الزلزال، وهي آفة مهولة وأشد فتكا ودمارا من سابقتها وتلحق أضرارا فادحة بالمباني أيضا. (البراهين الأحمدية الجزء الخامس)

إذا، فقد تبينَ من كلام المسيح الموعود (عليه السلام) أنه قد تنبأ عن آفة مهولة تلحق أضرارًا فادحة بالنفوس والمباني. والآن يمكنكم معرفة تلك الآفة التي تلحق مثل هذه الأضرار الفادحة. لا شك أنها أكثر انطباقًا على الحرب التي تدمر المباني وتهلك النفوس بأعداد مهولة وبشكل مفزع.

ولقد تحققت هذه النبوءة وحدثت الحرب العالمية الأولى ولحقت هذه الأضرار الفادحة الفظيعة بالبلاد والمباني والنفوس. كما تحقق أيضا أن قيصر روسيا انهزم حتى أصبحت حالته مزرية ومأساوية يرثى لها، وبذلك تحققت هذه الآية وكانت دليلا ساطعًا على صدق المسيح الموعود ( عليه السلام) للعالم كله. إذ لو لم يكن من الله لما استطاع أن ينبئ بمثل هذا النبأ العظيم الذي تحقق بعد سنوات بكل دقة.

لم يسكت الناس عن الاعتراض على سيد الرسل (صلى الله عليه وسلم) حتى يسكتوا عن غيره. ولكن من السخف الشديد أن يعترض معترض على هذه النبوءة مؤكدًا جهله بالشعر والبلاغة واللغة، حيث يفسر كلمة “زار” الورادة في النبوءة المتعلقة بمصير ” قيصر روسيا” تفسيرا فاسدًا حيث يقول:

  1. بأن كلمة “زار” بالأردية تعني “البكاء والنحيب”، ولا علاقة لها بروسيا
  2. وردت هذه الكلمة (أي “زار”) في القصيدة أكثر من مرة بهذا المعنى، فلا علاقة لها بقيصر روسيا لا من بعيد ولا من قريب.

ونقول: ألم يقرأ هذا قول الله تعالى: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً).فإن كنت تجهل اللغة الأردية ولا تستطيع أن تكوّن منها جملتين سليمتين فهذا ليس عيبًا، ولكن العيب أن تجعل نفسك حكمًا على أهل اللغة الأردية وتخطّئهم وتتحداهم وتهزأ من علمائها، في الوقت الذي تجهل به أنت أمورا أساسية من لغتك الأمّ، وأنت تحمل شهادة ماجستير فيها؛ فحريّ بك أولا أن تسدّ قصورك في لغتك الأمّ قبل أن تخوض في لغاة أخرى “ليس لديك فيها أدنى إلمام”.

نتوجه إلى الاعتراض الأول القائل أن الكلمة بالأردية تعني “البكاء والنحيب”، ولا علاقة لها بروسيا.

الرد:

هذا جهل مطبق. تعالوا نر ماذا تعني كلمة “زار” في قاموس اللغة الأدرية.

لقد ذكر قاموس الأردية “فيروز اللغات” أول معنى لكلمة “زار” كالتالي: شاهانِ روس كا لقب: أي لقب قياصرة روسيا.(فيروز اللغات) ففي اللغة الأردية لا توجد إلا هذه التسمية المعروفة لقياصرة روسيا فيقال بالأردية: زارِ روس، ولأجل ذلك جاء في القاموس أن “زار” لقب لقيصر روسيا. وما دام ليس هناك في اللغة كلمة أخرى لوصف قيصر روسيا غير “زار”، فبالله عليكم أخبرونا أية كلمة كان ينبغي على المسيح الموعود عليه السلام أن يستخدمها للإشارة إليه؟!

ثم بالإضافة إلى ذلك، هناك معان أخرى لكلمة “زار” ومنها الذلة والخزي والحالة التي يرثى لها. أما البكاء فلا شكّ أنه أحد معاني هذه الكلمة ولكن لا ينطبق هنا في هذا البيت من الشعر مطلقًا.

ولإثبات ذلك نورد لكم البيت المشار إليه باللغة الأردية وهو كالآتي:

مضمحل هو جائيں گے اس خوف سے سب جن وانس

زار بھی ہوگا تو ہوگا اس گھڑی باحالِ زار

أي: سيضمحلّ الجنّ والإنس كلهم خوفًا، وإذا بقي “زار” (القيصر الروسي) في تلك الساعة لكان في حالة يُرثى لها.

وردت كلمة “زار” في الشطر الثاني من البيت مرتين. وإذا طبقنا معنى المعترض في كلا المكانين، فسيصير كالتالي:

وإذا بقي البكاء في تلك الساعة لكان في حالة البكاء.

أو إذا بقي الباكي في تلك الساعة لكان في حالة الباكي أو في حالة البكاء.

أترون ما هي بالمماحكة ومن يحترفها؟!

هذا هو التحريف والتزييف بعينه، إذ طبّق هذا المعنى في المكان الأول وترك تطبيقه في المكان الثاني، فظل يكرر القول: إذا بقي الباكي لكان في حالة يرثى لها. لماذا لم تطبقه في المكان الثاني أيضا إذا كنت تعرف أنه هو المعنى الوحيد لكلمة “زار”؟!!

ثم أخبرونا، هل يمكن أن يكون مثل هذا التفسير مقبولا؟!

الأمر الثاني الذي ذكره المعترض

هو: وردت كلمة “زار” في هذه القصيدة أكثر من مرة بهذا المعنى (أي البكاء)، فلا علاقة لها بقيصر روسيا لا من بعيد ولا من قريب.

نرى أن المعترض ذكر ذلك للتمويه وكأنه يعرف اللغة الأردية، ولكن مما يدلّ على مبلغ علمه بالأردية أنه لم تُستخدم كلمة “زار” بمعنى البكاء في هذه القصيدة كلها، بل قوله هذا مجرد هراء.

لو كان المعترض يعرف الأردية حقا لما جلب على نفسه الخزي هنا، ولا حين اعترض على عبارة وردت في كتاب كشف الغطاء بخصوص إنجيل برنابا، ولا حين اعترض على وحي ظن أن المسيح الموعود عليه السلام يقول أنه قد سبق أن سجله في البراهين.

وبالنظر والتدقيق في بيت الشعر المذكور نرى أن كلمة “زار”قد وردت مرتين في الشطر الثاني من هذا البيت. و”زار” الأولى تعني قيصر روسيا وأما “زار” الثانية فتعنى حالة يرثى لها. وهو أسلوب بلاغي معروف في الأدب الأردي وهو ما يسمى في اللغة العربية الجِناس. فقد استخدم حضرته الكلمة نفسها بمعنيين مختلفين.

يعترض المعترض على هذه النبوءة متهمًا سيدَنا المصلح الموعود رضي الله عنه بأنه جعل هذه النبوءة تتعلق بالقيصر الروسي رغم أن كلمات النبوءة لا تشير إلى ذلك.

ولقد وضحنا أن الكلمات معبرة بكل قوة عمّا قاله سيدنا المصلح الموعود رضي الله عنه، ولا اعتراض على ذلك عند أهل اللغة. والدليل القاطع على ذلك هو، أن صحابة المسيح الموعود عليه السلام كانوا قد فهموا هذه النبوءة تماما كما فهمها سيدنا المصلح الموعود رضي الله عنه، وكانوا موقنين بصدقها وكانوا يتوقعون تحققها، ولأجل ذلك نشروها بهذا الشرح قبل وقوعها بسنوات، (أنظر صور المقال أدناه).

لقد بدأت الحرب العالمية الأولى في 28 يوليو 1914 وانتهت بعد أربع سنوات تقريبا في 1918. ونشر في أغسطس 1914 في مجلة ريفيو أوف ريليجنـز مقال بالإنجليزية حول هذه النبوءة، حيث ذكر صاحب المقال هذه الأبيات الأردية للمسيح الموعود عليه السلام وترجمتها، وترجم كلمة “زار” باللغة الإنجليزية Tsar أي قيصر روسيا، مصرحًا أنها نبوءة للمسيح الموعود عليه السلام وتتعلق بقيصر روسيا وستتحقق بإذن الله تعالى.

نشر هذا المقال مع بداية الحرب العالمية الأولى ووصل قيصر روسيا إلى حالة يرثى لها فعلا عند نهاية الحرب العالمية الأولى حيث نشبت الثورة البلشفية ثم أعدم في 1918. وكان قيصر روسيا هذا آخر قياصرة روسيا،فكانت هذه من أعظم نبوءات المسيح الموعود عليه السلام وقد تحققت بأجلى صورة لها.

وأخيرا نقول لهذا المعترض وأمثاله: اتق الله في هؤلاء الأبرار والصالحين، فلحوم أولياء الله مسمومة.

زار زار زار زار