أثبتنا في المقال السابق بان المسيح الموعود عليه السلام لم يجزم في كيقية تحقق نبوءة زلزلة الساعة وبروقها الخمسة، ونظرا لكون بعض جوانب النبوءة مبهمة، فقد تتحقق جزئية معينة من النبوءة في بريق معين، لتتحق الجزئيات الأخرى في مراحل وبروق أخرى، إلى أن تتحقق كل جزئيات النبوءة بالإجمال.

وبناء عليه نبين تحقق الجزئيات المتعلقة بهذه النبوءة:

قوله عليه السلام: “أو ( إذا) لم يظهر هذا الحادث في حياتي، فلكم أن تكذِّبوني على دقات الطبول وتعُدّوني مفتريا.” ( البراهين الخامس)

فهذه الجزئية تتحدث عن أحد البروق الذي تحقق بوقوع الحرب العالمية الأولى، والتي وقعت في الأجل المسمى لحياة حضرته الذي تنبأ به سنة 1875، حيث قال عليه السلام في البراهين الخامس سنة 1905 عن موعد تحقق هذه النبوءة: “إني الآن بالغ من العمر سبعين عاما تقريبا (في سنة 1905) ، وقد مضى ثلاثون سنة منذ أن أخبرني الله تعالى بكلمات صريحة (1875) أنك ستعيش ثمانين حولا أو تزيد عليه خمسة أو ستة أو يقل كمثلها. ففي هذه الحالة إذا أخّر الله تعالى ظهور هذه الآفة الشديدة فلن يكون التأخير أكثر من 16 عاما على أكثر تقدير، لأن من المحتوم أن يقع هذا الحادث في حياتي.

ووفق قول حضرته هذا، يكون القصد من وقوعها في حياته أي الأجل الذي تنبأ به من قبل، ليكون أقصى حدّ لوقوع الزلزلة سنة 1921، وقد وقعت الحرب العالمية الأولى في هذه المدة.


قوله: الهدف من هذا الحادث العظيم هو أنه سيكون نموذجا للقيامة وسيدمِّر عالما في لمح البصر” ( البراهين الخامس)

لا بدّ من التدقيق في قوله عليه السلام، إذ لم يقل أن هذه الزلزلة ستدمر العالم، أو العالم بأسره، بل تدمّر عالما، أي مناطق معينة، أو مجموعة أو مجموعات معينة من الناس والبشر والخلق؛ فكلمة عالم تعني الخلق، بمعنى أنها ستدمر خلقًا بلمح البصر. ألا نَصِف أحيانا في لغتنا مجموعة من الناس أو الخلق بعالَم!؟؟

وهذه الجزئية تتحدث عن الحربين العالمية الأولى والثانية، واللتان كانتا بريقين بهذه الآية؛ حيث أبيدت فيها عوالم عن بكرة أبيها.


وأما قوله عليه السلام: “المراد من هذا الوحي الإلهي أن الله يقول إن خمسة زلازل هائلة سوف تحدث، واحدة تلو الأخرى، وعلى فترات قصيرة، وذلك لمجرد تصديق هذا العبد المتواضع، والغاية الوحيدة منها أن يدرك الناس أني منه“.( التجليات الإلهية)

فهذا أمر نسبي متعلق بفترة دعوة النبي، فإذا كانت فترة دعوته ألف سنة فالفترات المتقاربة قد تكون 50 سنة بينها. ومما لا بد من الإشارة إليه في هذا السياق، أن حضرته عليه السلام كان قد حدد مدة 300 سنة لنصرة الإسلام على يديه، حيث قال:” ولن ينتهي القرن الثالث من هذا اليوم إلا ويستولي اليأسُ والقنوط الشديدان على كل من ينتظر عيسى، سواء كان مسلمًا أو مسيحيًّا، فيرفضون هذه العقيدة الباطلة؛ وسيكون في العالم دين واحد وسيد واحد . إنني ما جئت إلا لأزرع بذرةً، فقد زُرعتْ هذه البذرة بيدي، والآن سوف تنمو وتزدهر، ولن يقدر على عرقلتها أحد.” (تذكرة الشهادتين)

فهذه المدة هي التي على الأرجح سوف تحتوي الخمسة زلازل، حيث إن التقارب الزمني بينها يكون نسبيا.


قوله عليه السلام: “الهدف من هذا الحادث العظيم….يُدخل آلافَ الناس في جماعتي.

الأمر المذكور اعلاه، من شأنه أن يفسّر متى ستدخل الأفواج إلى الجماعة ومتى سيتحقق النصر الموعود بشكل أكبر، ومتى ستحدث هذه الزلازل، فالأرجح أن يكون في هذه المدة 300 سنة، فعلامَ تستعجلون؟. هذا رغم أن الحربين العالميتين الأولى والثانية قد ساهمتا بشكل أو بآخر، مباشرة أو بشكل غير مباشر في انتشار دعوة الإمام المهدي ودخول الآلاف من الناس في الجماعة، وتحقق هذه النبوءات أيضا، ولكن بما أن النبوءات قد تتحقق بطرق وأزمنة مختلفة إذ لها أبعاد زمانية مختلفة كهذه النبوءة التي لها خمسة بروق، فليس من البعيد بل من المؤكد أن هذه الجزئية ستتحقق بجلاء في المستقبل، متلازمة مع البريق الثالث والرابع والخامس لزلزلة الساعة.

قوله عليه السلام:” ولا يغيبن عن البال أنه عندما تحدث هذه الزلازل الخمسة ويتم الدمار بقدْر ما أراده الله، ستفور رحمةُ الله مرة أخرى وتنقطع الزلازل غير العادية والمرعبة الهائلة لأمدٍ، كما أن الطاعون هو الآخر سيغادر البلد.

وعليه فيكون الحديث عن زوال الطاعون أيضا أمرا مستقبليا يبقى في عداد الغيب وسيتبين معناه الحقيقي لاحقا، كأن يكون متعلقا بمرض فتاك آخر مثل الإيدز مثلا، أو بأن مرض الطاعون قد ينتشر مستقبلا مرة أخرى ويختفي بعد تمام تحقق هذه الآية. رغم أن هذه الجزئية قد تحققت أيضا بزوال الطاعون سنة 1918 بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى والتي هي أحد بروق هذه النبوءة.

وهكذا الأمر بالنسبة للجزئيات الأخرى، من فوران رحمة الله وانقطاع الزلازل ومغادرة الطاعون للبلاد، وأن لا يبقى في جحيم الزلازل والطاعون بشر، وانجذاب القلوب ونجاة المؤمنين وتعرف الناس على مبعوث السماء، فرغم أنها قد تحققت بشكل أو بآخر في البريق الأول والثاني لهذه الآية كما أوضحناه، إلا أنها قد تتحقق بجلاء أكبر في بريق مستقبلي آخر لنبوءة زلزلة الساعة.