الاعتراض:

يورد المعارضون نصّين للمسيح الموعود عليه السلام مدّعين فيهما أنه عليه السلام يؤمن بنسخ التلاوة مع بقاء الحكم .

النص الأول: “إذ لا تدري أن الله تعالى قد أمر في القرآن الكريم بقطع يد السارق (( ورجم الزاني بكل وضوح))، فإذا كان تعليمه مبنيا على الجبر والإكراه لما كان لأحد أن يُرجم أصلا” [الحرب المقدسة (الخزائن الروحانية مجلد 6) ]

النص الثاني: “لقد أجاز الفقهاء استخدام الدف للإعلان عن عقد القران. كما يجوز أيضا استخدام المزمار  بنية الإعلان العام عن النكاح للحفاظ على النسب، ذلك لأنه لو لم يحفظ النسب لكانت هناك مظنة للزنا الذي يسخط الله عليه سخطا شديدا، حتى إنه أمر برجم الزاني لذا فلا بد من الاهتمام بالإعلان”. (الملفوظات، مجلد3، ص403)

فمن هذين النصين يظهر وفق زعم المعارضين أن حضرته عليه السلام، كان يؤمن برجم الزاني، ومعروف أن رجم الزاني حُكم مبني على آية منسوخة تلاوةً مع بقاء حكمها، وهي: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة”. فهذا دليل على أن حضرته عليه السلام، كان يؤمن بنسخ التلاوة خلافا لما تقوله الجماعة اليوم والمصلح الموعود رضي الله عنه.

الرد:

إن مفتاح فهم هذه القضية وإثبات بطلان زعم المعارضين يكمن في قوله عليه السلام من النصّ الأول : “بأن القرآن يأمر برجم الزاني بكل وضوح”! فالسؤال الذي يُسأل: كيف يتحقق هذا الوضوح بالكلية التي يصفها المسيح الموعود عليه السلام، إذا كانت الآية منسوخة تلاوة وغير موجودة في القرآن الكريم!؟

الحق أن حضرته عليه السلام لا يؤمن بهذه الآية المنسوخة، ولا يؤمن بنسخ التلاوة قطّ، فقوله ” بكل وضوح” يدل أن قصده عليه السلام هنا آية موجودة في القرآن الكريم بشكل واضح  لم تُنسخ تلاوةً، وتتحدث عن عقوبة الزناة غير آية الجلد؛ ألا وهي الآيات  الكريمة: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (61) مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (62) } (الأحزاب 61-62)

فهذه الآية تتحدث عن عقوبة المرجفين والذين في قلوبهم مرض، وهم في الحقيقة الزناة الذين لا يرتدعون عن فعلتهم هذه، والمروجين للزناة، أو مَن يقومون باغتصاب النساء عنوة وقسرا؛ فإن هؤلاء يخرجون من عداد الزناة العاديين الذين يقومون بفعلتهم بشكل عابر، ويصبحون في عداد الزناة المحاربين للمجتمع الإسلامي وأخلاقه، والذين لا ينفكّون عن إثمهم ومرضهم هذا، بحيث يستحقون عقابا أكبر من عقاب الجلد المنصوص عليه في القرآن الكريم بحق الزاني العادي، والعقاب الذي تنصّ عليه الآية هو النفي وعدم المجاورة والتقتيل. والتقتيل أشد من القتل، فهو قتل بلا رحمة ولا شفقة ، وتقتيل الزاني معروف وفق الشريعة الموسوية أنه يتم بالرجم.

وقد أوضح حضرته عليه السلام معنى هذه الآية في كتاب  ترياق القلوب حيث قال:

كما أشير في الآية: {مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلا} (1). أي أن الزناة ومروِّجي الزنا في المدينة ملعونون، أي أنهم حُرِموا من رحمة الله إلى الأبد، فهم يستحقون بأن تقتلوهم حيثما وجدتموهم. ففي هذه الآية إشارة لطيفة إلى أن الملعون يكون محروما من الهداية إلى الأبد، ويكون حماس الكذب والسيئة غالبا عليه منذ ولادته، ولهذا السبب صدر الحكم بقتلهم، لأن الذي لا يمكن علاجه وهو مصاب بمرض مُعْد وعضال كان موته خيرا. وقد ورد في التوراة أيضا أن الملعون يهلك.” [ترياق القلوب]

ومن هنا نخلص إلى وجوب التفريق بين الزناة العاديين الذين يقترفون هذا الذنب بشكل عابر دون إصرار وتكرار وغلو، فهؤلاء يستحقون الجلد وفق الآية الكريمة: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} (النور 3)، وبين المغالين في هذا الذنب والمروجين له والذين يقومون به على العلن ويحاربون المجتمع بهذه الآفة باغتصاب النساء وتدمير أخلاق  وحياة الآخرين؛ فهؤلاء يستحقون الرجم بأمر واضح في القرآن الكريم.

وبناء على كل هذا، لا بد من فهم النصّ الثاني الذي أورده المعارضون، فنقول: بأن الزنا الذي يتحدث عنه حضرته في هذا النصّ هو ليس زنا عابرا، بل زواج غير معلن، تشوبه شائبة المصاحبة المستمرة والزنا المستمر الذي يندرج تحت الزنا المُعلن، الذي من شأنه أن يساهم في تفشي هذه الآفة ، وعليه فإنه أيضا يندرج تحت الزنا المحارِب والمخلِّ بالأخلاق المجتمعية، بإصرار ودون توقف، مما يجعل صاحبه ومقترفه مستحقا للقتل والتقتيل،  بالرجم مثلا، وليس الجلد فقط.

وتعضد كل هذا العقاب من رجم الزناة المغالين المعلِنين للزناة والمحارِبين به الآيات التالية أيضا:

{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (34)} (المائدة 34)

فهذا هو الرجم الذي يؤمن به المسيح الموعود عليه السلام، وهذه هي الآيات التي يستند إليها المسيح الموعود عليه السلام،  في أقواله الآنفة الذكر؛ ولا إستناد له ولا إيمان له بآية منسوخة تلاوةً باقيةٍ حكمًا كما يدّعي المعارضون ، فهو عليه السلام لا يؤمن قطّ بنسخ التلاوة !  ولا يمكن أن يكون حضرته يؤمن بآية الرجم المنسوخة لأنها ليست حكما واضحا في القرآن الكريم لكونها غير موجودة فيه، فلا شك ان الحديث عن آية أو آيات ثابتة واضحة أخرى كما بيّنا.