نقول أولا:

  • على المعترضن الذين يتهمون سيدنا أحمد (عليه السلام)، أنه كان يؤمن بوجود النسخ في القرآن الكريم، أن يأتوا لنا بنصّ واحد يصرح فيه حضرته (عليه السلام) بوجود التناقض والتضارب في آيات القرآن الكريم، لأن أساس الاعتقاد بالنسخ هو الاعتقاد بوجود التعارض والتضارب بين آيات القرآن الكريم.
  • على المعترضين أن يأتوا لنا بتصريح واحد فقط يشير فيه سيدنا أحمد (عليه السلام) إلى آية قرآنية واحدة يقول عنها أنها منسوخة وأن آية قرآنية أخرى ناسخة لها.
  • ولكننا نقول ونجزم بأن المعترضين لن يأتوا بنصوص كهذه ولو عُمرّوا أبد الدهر وقضوا حياتهم كلها بحثا عن نصوص كهذه.

توضيح الاقتباسات التي يستشهد بها المعارضون:

الاقتباسان الأولان اللذان يستشهد بهما المعارضون للقول بأن سيدنا أحمد عليه السلام كان يعتقد بوجود النسخ في القرآن الكريم:

الاقتباس الأول:
تلقيتُ صباحا إلهامًا وأردت أن أسجله، ثم لم أسجله اعتمادا على الذاكرة، فنسيته نهائيا ولم أتذكر مطلقا رغم محاولتي الكثيرة. فالواقع أنه (مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا). (البقرة:107)” (البدر مجلد2، رقم 7، العدد: 16/3/1903م)
الاقتباس الثاني:
يقول بعضُ المعترضين بأن المسيح الموعود عليه السلام قال قبلَ وفاته بأسبوعين: إن إلهنا هو القادرُ المطلق ويملك الخيارَ كله، (يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ) (الرعد:40)، وإننا نؤمن بأنه ليس كالمنجِّم، بل إنه يصدر أمرا صباحا ويملك القدرة الكاملة على نسْخه ليلا، وتشهد على ذلك آيةُ (مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ) (البقرة: 107) (جريدة بدر العدد: 24/5/1908م)

نقول:

انطلاقا من الآية الكريمة: “ ما ننسخ من آية…” يبين حضرة سيدنا أحمد ( عليه السلام)، المبدأ العام المنبثق من هذه الآية، والذي هو: إن الله قادر ومن الممكن أن ينسخ أو يُنسي وحيه الخارج عن نطاق الوحي القرآني، وأنه ممكن أن ينسخ أي أمر ليس قرآنيا يشاءه، فيقصد حضرته في هذين الاقتباسين، أنه كما أن الله نسخ الشرائع السابقة وأحكامها وأنسى بعضا من أحكامها، ثم أتى بما هو خير منها أو مثلها؛ فكذا الأمر بالنسبة للوحي الذي نسيه هو، وهكذا أيضا من الممكن أن يحدث لبعض أحكام الله تعالى وأوامره الأخرى الخارجة عن نطاق الوحي القرآني.

وليس في كل هذا ما يدل على أن حضرته (عليه السلام) يقول بوجود النسخ في آيات القرآن الكريم!!

وأما الاقتباسان الآخران اللذان يستشهد بهما المعارضرون في هذا الصدد فهما:

الاقتباس الثالث:
(مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا). لقد قال القرآن في هذه الآيةِ بوضوحٍ تام بأن الآيةَ لا تُنسخ إلا بآية فقط. لذا وعَدَ أنه لا بد من نزول آيةٍ مكانَ آيةٍ منسوخة.(مناظرة لدهيانه، ص90، الطبعة الأولى)

الاقتباس الرابع:
“هل يُعقل أن تكون أوامرُ الله تعالى غيرَ ناضجة وغيرَ ثابتةٍ ومليئةً بالتعارضات إلى هذا الحد؛ بحيث يفرضُ خمسين صلاة أولا، ثم ينضج الأمر فيما بعد فيحدِّد خمسَ صلوات إلى الأبد؟ ثم يُخلف وعده ويحوّلها إلى خمسين مرة أخرى، ثم يجعلها خمسًا إلى الأبد رحمة منه؟ ثم يخلف وعده مراتٍ عديدة ويَنسخ آيات القرآن الكريم مرة بعد أخرى، وذلك دون أن تنـزل آيةٌ ناسخة بحسب منطوق الآية: (نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا)؟” (إزالة الأوهام، الخزائن الروحانية المجلد3،ص618)

الردّ:

بما أن الخصوم يقولون بنسخ بعض آيات القرآن الكريم بالحديث الشريف، ويقولون في الإسراء ما يترتب عليه نسخ آيات القرآن الكريم؛ يستند حضرته عليه السلام على الآية الكريمة “ما ننسخ من آية…” ليبين المبدأ العام المنبثق منها، بأن وحي الله وكلامه لا يمكن أن ينسخه غير وحي الله وكلامه، ولا يمكن أن ينسخه لا قول نبيّ ولا قول وليّ؛ ولذا فإن آيات القرآن الكريم لا يمكن أن تُنسخ إلا بآيات قرآنية.

فيقصد حضرته عليه السلام من ردّه على المعارضين: أنه “اذا جاز نسخ القرآن الكريم، وإذا جاز ما تقولونه في أمر النسخ هذا،- كما تقولون بالنسخ بواسطة لحديث الشريف أو بحوادث الإسراء التي يترتب عليها النسخ- ؛ ” فلا بد أن يحدث هذا بآيات قرآنية فقط وليس بالحديث الشريف، ولاستلزم الأمر نزول آيات قرآنية ناسخة لتبيين حوادث الإسراء التي فيها نسخ لبعض آيات القرآن الكريم، إلا أن هذا الأمر لم يحدث أصلا، لأن مشيئة الله (عز وجل) قد تحددت بحفظ القرآن الكريم وعدم نسخه، وبأنه كتاب متشابه ولا اختلاف ولا تناقض فيه. وليس في كل هذا ما يثبت أن حضرته (عليه السلام) يؤمن فعلا، بوجود النسخ في القرآن الكريم.