بسم الله الرحمن الرحيم

نحمده ونصلي على رسوله الكريم   وعلى عبده المسيح الموعود

دون أي دليل، وبناء على استنتاجات مغرِّضة واستقراءات مغلوطة من نصوص بتحكُّم مقطوعة من سياقها، يدعي المعترض أن المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام كان يؤمن بنسخ التلاوة ونسخ الأحكام وفقا للعقيدة التقليدية، وهذه مجرد دعوى لا دليل عليها.

ولم يعتمد المعترض في استنتاجاته على ما يفيده النص، بل على ما يفيد عكسه وفقا لمفهوم المخالفة، الذي هو مفهوم خاطئ لطالما انتقده هو بنفسه ولم يقبل به. وهذا المفهوم يقوم على أنه لو لم يوجد شيء فإنه سيوجد خلافه حتما، ولكن هذا لا ينطبق في كل حال، وليس شرح هذا المفهوم موضوعنا الآن. ويعرف المعترض أن الاستنتاج وفقا لهذا المفهوم هو استنتاج هزيل لا يصلح للاستناد إليه، لذلك طلب هو بنفسه نصًّا واضحا يقول فيه حضرته إنه لا يؤمن بالنسخ ولو جئنا بهذا النص، فإنه سيثبت خطؤه. فلو كان استنتاجه يقينيا لما طلب هذا الدليل.

ولو كان المعترض صادقا، لقدَّم نصًّا واضحا يقول فيه المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام إنني أؤمن بالنسخ، أو لقدَّم قولا لحضرته يشرح يذكر فيه أنه كانت هنالك آية منسوخة في القرآن الكريم ونزلت بدلا منها آية ناسخة في القرآن الكريم مثلا. والبينة على من ادعى، فإن لم يقدم بينته بطلت دعواه من أساسها. علما أنه لن يعثر على شيء من هذا مطلقا، ودعواه باطلة سلفا.

وبالمقابل، فنحن لدينا أدلة قاطعة، لا مجال أبدا للشك فيها، أن نفيَ النسخ في القرآن بكل أنواعه هي عقيدة حضرته الراسخة، التي كررها مرارا، وعلَّمها صحابته، وكانت أمرا مسلما به بينهم، ولم يختلفوا عليها حتى عند اختلافهم على أمور أكبر منها كمسألة الخلافة. وهذه الأدلة هي الآتية:

الدليل الأول:

مقالات نشرت في حياة حضرته وتحت إشرافه وبعد موافقته تفصل في نفي النسخ في القرآن الكريم بكل أنواعه. فقد نشرت في ثلاثة أعداد في عام 1907 مقالات قيمة تتناول قضية الناسخ والمنسوخ والرد على الفكر التقليدي.  وهذه المقالات الثلاث تعالج إبطال النسخ بأنواعه الثلاثة، كما أنها ترد على استدلالات القائلين بالنسخ التقليدي من خلال بعض الآيات القرآنية والأحاديث. وكذلك تبين أن معنى النسخ في مفهوم الصحابة غير الذي فهمه المتأخرون. أي باختصار تتناول القضية كما تناولها المصلح الموعود رضي الله عنه وعلماء الجماعة فيما بعد.

ولم يُكتب اسم مؤلف هذه المقالات في المجلة إلا أن أغلب الظن أنه المولوي محمد علي حيث كان محرر هذه المجلة في عهد المسيح الموعود عليه السلام.

ومراجع هذه الأعداد في الطبعة الإنجليزية هي: السنة 1907، عدد أغسطس: ص 21-29، عدد سبتمبر: ص 15-36، وعدد أكتوبر: ص 7-20.

ونشر هذه المقالات في حياة حضرته تحت إشرافه وموافقته هي دليل قاطع كافٍ لإثبات أن هذه هي عقيدة حضرته عليه الصلاة والسلام، لأن هذه المجلة هدفها نشر فكر حضرته لا غير، ولا يمكن أن تتضمن أي فكرة أو عقيدة تخالف عقائد حضرته أو فكره.

أما إذا قال المعترض أو غيره بأنها قد تكون نُشرت دون علمه أو موافقته فنقول، لقد أكد حضرته إنه لا يمكن أن ينشر في هذه المجلة شيء إلا إذا عرض عليه ووافق عليه، والدليل ما جاء في الإعلان التالي المنشور بتاريخ 15/1/:1901 والذي يقول:

اقتراح هام

بسم الله الرحمن الرحيم

كانت تحزنني وتُقلقني دائما فكرة أن الحقائق والمعارف الطاهرة والأدلة الدامغة في تأييد الإسلام والأمور التي تطمئن روح الإنسان التي ظهرت ولا تزال تظهر عليّ لم يستفد من تلك البراهين المقنعة والخطابات المؤثرةِ إلى حد الآن الشريحةُ المثقفة والباحثون عن الحق من أوروبا أيما استفادة. كان هذا الألم متفاقما لدرجة تعذّر احتماله. ولكن لما كان الله تعالى يريد أن تتحقق جميع مقاصدي قبل أن أرحل من هذه الدار الفانية ولا يكون ذلك السفر سفر حسرة لي، فقد تقررت لإنجاز هذا الهدف الذي هو الهدف الحقيقي لحياتي خطةٌ وهي أن بعض الإخوة قد وجّهوا أنظاري بمشورتهم المخلصة أن تُصدَر مجلة لإظهار مرامينا المذكورة آنفا مجلة بالإنجليزية تكون الغاية المتوخاة فيها نشر المقالات التي كتبتُها أنا تأييدا للإسلام، ويجوز أيضا أن تُنشر فيها مقالات السادة الآخرين ذات الطابع الديني والقومي بشرط أن تكون قد نالت إعجابي….

المعلن: مرزا غلام أحمد من قاديان، في 15/1/1901م.

وتأكيدا على ذلك، فإن الطبعات الأوردية من المجلات قد نشرت المقالات ذاتها مترجمة إلى الأردية، مع أنها غالبا تنشر مقالات ومواضيع مختلفة.

وعدم وجود اسم للكاتب، ووجود المقالات في الطبعات الأردية أيضا، يشكل دليلا قويا أيضا على أنها لم تكن برضى حضرته وموافقته فحسب، بل بتوجيهه المباشر.

ثانيا:

إجماع صحابة المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام على أن هذه هي عقيدة حضرته التي أكَّد عليها مرارا. وهذا الدليل من القوة بحيث  إنهم لم يختلفوا على هذه العقيدة حتى بعد خلافهم في مسألة أكبر وهي الخلافة. فلو كانت من صنع إحدى فئتيهم لما أقرت لها الأخرى بذلك.

وهذا يعني أنهم تعلموها من حضرته وسمعوها ووعوها كثيرا جدا.

من هذه الروايات ما يلي:

وإن أصر صاحبنا أنه لا يوجد دليل على أن المسيح الموعود عليه السلام كان يطلع على محتويات هذه المجلة كي يوافق عليها قبل نشرها فليقرأ الإعلان التالي (رغم عدم الحاجة إلى إيراده إذ يستحيل عقلا أن تُنشر هذه السلسلة من مقالات طويلة عبر عدة أعداد في الطبعتين الأردية والإنجليزية من المجلة الرسمية للجماعة وهي تخالف موقف المسيح الموعود عليه السلام من هذه القضية):

أولا: روايات الصحابة باختلافهم، وخاصة من غير المبايعين (أو اللاهورية) الذين أكدوا أنه لا نسخ في القرآن الكريم مطلقا، ومنها ما يلي:

  • حضرت پیر سراج الحق النعماني رضي الله عنه

قال سيدنا المسيح الموعود u أنه لا يجوز الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم مطلقا.

(تذكرة المهدي للصحابي الجليل حضرة بير سراج الحق نعماني t المطبوعة في 1915 في قاديان)

  • حضرة الخليفة الثاني رضي الله عنه:

ثمة روايات كثيرة في أدبيات الخليفة الثاني مفادها أن المسيح الموعود عليه السلام نفسه نزه القرآن عن النسخ ومثال ذلك ما يلي:

“إن هذه الآية من الأهمية والحيوية بمكان، وعندي أنه لو أن الإمام المهدي والمسيح الموعود –عليه السلام –قد اكتفى فقط بإزالة ما علق بأذهان المسلمين من مفاهيم خاطئة عن هذه الآية لكان هذا وحده دليلا قاطعا على صدقه.” (التفسير الكبير)

  • محمد علي (محرر مجلة الريفيو في حياة المسيح الموعود) ينسب الرأي إلى المسيح الموعود عليه السلام:

يقول محمد علي في معرض الرد على كتاب حقيقة النبوة للمصلح الموعود رضي الله عنه ما يلي:

http://aaiil.org/text/books/mali/prophethoodislam/prophethoodislam.shtml

التعريب: “ولكن مؤسس الجماعة الأحمدية أثبت بطلان هذا الرأي (أي النسخ في القرآن).” (النبوة في الإسلام، الطبعة الإنجليزية، ص54)

أقول: كيف يتفق الخليفة الثاني رضي الله عنه والمولوي محمد علي على أن المسيح الموعود عليه السلام نفسه كان ينفي النسخ رغم عداوتهما؟

  • حضرة ميرزا بشير أحمد رضي الله عنه:

لقد رد المسيح الموعود عليه السلام بشدة على هذه العقيدة السخيفة.

Silsilah-e Ahmadiyya by Mirza Bashir Ahmad MA (ra), vol. 1, pg. 265

  • د. بشارت أحمد (الذي كان صحابيا للمسيح الموعود عليه السلام ثم انشق عن الجماعة فدخل في جماعة اللاهوريين):

لقد ذكر المسيح الموعود عليه السلام  هذا الأمر للصحابة وكان عاما لدرجة لا ينكره حتى الذين انفصلوا عن الجماعة ومنهم الدكتور بشارت أحمد وهو من اللاهوريين حيث يقول:

لقد أعلن المسيح الموعود u بوضوح أنه لا توجد في القرآن الكريم أية آية منسوخة، المشكلة كلها أن المفسرين حين لم يتمكنوا من التوفيق بين آيتين فجعلوا إحداهما ناسخة والأخرى منسوخة، مع أنه لم يُروَ عن النبي ﷺ حديث قال فيه النبي ﷺ بنسخ أي آية قرآنية، والآية التي يُستَنتج منه النسخ هي: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} (البقرة: 107) لا تتحدث عن نسخ أي آية أو حكم من القرآن الكريم بل هي تتحدث عن نسخ الشرائع السابقة، يعني أن أحكام القرآن الكريم ناسخة وأحكام الشرائع السابقة -التي لا تتوافق معها- هي منسوخة.” (المجدد الأعظم، الجزء الثالث، تأليف الدكتور بشارت أحمد ص:166)

وبهذا فقد قضي الأمر، وثبت أن المعترض لم يكن محقا في دعواه، وكان هذا ناتجا عن تسرُّعه وتغريضه لا غير، بادعائه أن الجماعة الإسلامية الأحمدية تتبنى عقائد كان حضرة مؤسسها عليه الصلاة والسلام يقول بخلافها.

ونقول في النهاية، بأن معظم شبهاته هي من نفس النوع، وتقوم على الاستنتاج المغرِّض الناجم عن التسرع وقلة التدبر، ولا أساس لها، ولدينا ما يبطلها من أدلة قاطعة.

يمكن مشاهدة هذا الرد مسجلا من تقديم الأستاذ عبد القادر مدلل

About الأستاذ تميم أبو دقة

من مواليد عمَّان، الأردن سنة 1968 بدأ بتعلَّم القرآن الكريم وحفظ بعض سوره وفي تعليمه الديني في سنٍّ مبكرة وبدأ بتعليم القرآن في المساجد في الثانية عشرة من عمره. انضم إلى الجماعة الإسلامية الأحمدية عام 1987 قبل أن يبلغ التاسعة عشرة من العمر وكان من أوائل الأحمديين العرب. يعمل في خدمة الجماعة في المكتب العربي المركزي وفي برامج القناة الإسلامية الأحمدية وفي خدمات التربية والتعليم لأفراد الجماعة وفي العديد من الأنشطة المركزية. أوفده الخليفة الخامس نصره الله تعالى ممثلا ومندوبا لحضرته إلى عدد من الدول، وكرَّمه الخليفة نصره الله بلقب “عالِم” في العديد من المناسبات. عضو مؤسس ومعدّ في فريق البرنامج الشهير “الحوار المباشر” الذي انطلق رسميا عام 2006 والذي دافع عن الإسلام ضد الهجمة المسيحية التي انطلقت على بعض القنوات في بداية الألفية وأخمدها، والذي أسهم في تعريف الجماعة الإسلامية الأحمدية إلى العالم العربي، والذي يبث الآن مترجما ترجمة فورية إلى العديد من اللغات. وهذا البرنامج أصبح نموذجا للعديد من البرامج المشابهة في اللغات الأخرى. شارك ويشارك في العديد من البرامج الأخرى وخاصة المباشرة في اللغة العربية وفي بعض البرامج باللغة الإنجليزية. عضو هيئة التحرير لمجلة “ريفيو أوف ريلجنز” الإنجليزية العريقة التي بدأ إصدارها في زمن الإمام المهدي والمسيح الموعود عام 1902م.

View all posts by الأستاذ تميم أبو دقة