بسم الله الرحمن الرحيم

{ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} (الأنبياء 19)

نصُّ:”لم يتأملوا في المعنى الحقيقي للنبيّ..”، يردّ كل الاعتراضات حول النبوّة

الحلقة الرابعة عشرة في ردّ الاعتراضات حول نبوّة المسيح الموعود عليه السلام.

ملخّص الحلقة:

نقوم من خلالها بعرض بعض النّصوص التي يستشهد

بها المعارضون في هذه المسألة، ونردّ عليها وفق نصوص أخرى أدلى بها المسيح الموعود عليه السلام بعد إعلانه نبوته الحقيقية، موضحا بذلك كل تلك النصوص المبكرة التي صدرت من حضرته عليه السلام. ونسترعي انتباه المشاهدين والقرّاء بالأخص إلى ذلك النصّ الذي يفسّر فيه حضرته عليه السلام، ما هو المعنى الحقيقي للنبيّ والذي من شأنه أن يدحض ويرد على كل الاعتراضات في هذا الصدد، فهذا النصّ يؤكد نبوة المسيح الموعود الحقيقية ومعناها.

الحلقة كاملة:

متابعة في عرض النصوص التي يستشهد بها المعارضون لدعم ادعاءاتهم حول نبوة سيدنا أحمد عليه السلام:

أما التهم الأخرى التي تُلصق بي ويقال بأني أنكر ليلة القدر وأرفض المعجزات والمعراج وأدّعي النبوة وأنكر ختم النبوة فكلها تهم باطلة تماما وكذب وزور فقط. إن مذهبي في هذه الأمور كلها هو المذهب نفسه الذي يعتنقه أهل السنة والجماعة. والاعتراضات التي استُخرجت من كتابي “توضيح المرام” و”إزالة الأوهام” هي خطأ بحت من الطاعنين. فأقرّ بكل وضوح الأمور المفصلة التالية أمام المسلمين وجالسا في بيت الله، المسجد، بأني أؤمن بأن النبي – صلى الله عليه وسلم – خاتمُ النبيين، والذي ينكر ختم النبوة أعتبر ذلك الملحد خارجا عن حظيرة الإسلام. كذلك أؤمن بالملائكة والمعجزات وليلة القدر وغيرها. وأقرّ أيضا أني سأؤلف قريبا كتيبا منفصلا وأنشره لإزالة شبهات ما فهمه بعض من قاصري الفهم نتيجة سوء فهمهم. فباختصار، كل الاعتراضات التي نُحتت ضدي سوى إعلاني بوفاة المسيح وكوني مثيل المسيح كلُّها باطلة لا قيمة لها قط وناتجة عن سوء الفهم فقط. (إعلان في 23/10/1891م)

إن قال أحد إن هذا الزمن أيضا لا يقلّ في الفساد والعقائد الباطلة وارتكاب السيئات، فلماذا لم يأتِ أي نبي فيه، فالجواب أن ذلك الزمن كان قد خلا نهائيا من التوحيد والصدق، أما في هذا الزمن ففيه أربعمائة مليون إنسان ينطقون بشهادة لا إله إلا الله، ومع ذلك لم يحرمه الله ﷺ من بعثة المجدد فيه أيضا. منه (نور القرآن 1895)

 فهل يمكن أن يكون مؤمنًا بالقرآن الكريم الشقيُّ الذي يدّعي الرسالة والنبوة افتراءً؟ وهل يمكن للمؤمن بالقرآن الكريم والواثق بأن آية (وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ) كلام الله، أن يُفصح بأني أيضا رسول ونبي بعد النبي ﷺ؟ فليتذكر طالب العدل أن هذا العبد المتواضع لم يدَّعِ الرسالة والنبوة قط بالمعنى الحقيقي، أما استخدام أي كلمة مجازا وبمعنى غير حقيقي بحسب المعاني الشائعة الواردة في المعاجم فلا يستلزم الكفر، غير أنني لا أحب حتى هذا، لأنه يتضمن احتمال وقوع عامة الناس في الخطأ. إلا أنني لا أستطيع أن أخفي -لكوني مأمورا من الله- المكالمات والمخاطبات التي تلقيتُها من الله جل شأنه؛ وقد وردتْ فيها كلمةُ النبوة والرسالة بكثرة. وأقول مرارا وتكرارا بأن كلمة المرسَل أو الرسول أو النبي الواردة في هذه الإلهامات في حقي، لم تُستعمَل بمعناها الحقيقي. والحقيقة الأصلية التي أعلنُها على الملأ أن نبينا ﷺ هو خاتم الأنبياء، ولن يأتي بعده أيُّ نبي لا قديم ولا جديد؟ (عاقبة آتهم، ص27-28، الحاشية 1896)

فليكن واضحا عليه أنني أيضا ألعن مدّعي النبوة وأؤمن بـ “لا إله إلا الله محمد رسول الله” وأؤمن بالنبي ﷺ خاتمَ النبيين، ولا أؤمن بوحي النبوة، بل أقول بوحي الولاية الذي يتلقاه أولياء الله تحت ظل النبوة المحمدية ونتيجة اتّباع النبي ﷺ، ومن يتهمني أكثر من ذلك فهو ينبذ التقوى والأمانة. فإذا كان أحد يصبح كافرا نتيجة تلقيه الإلهامات بآيات القرآن فيجب أن تُصدَر هذه الفتوى بحق السيد عبد القادر ؓ لأنه أيضا ادّعى بتلقيه الإلهامات بآيات قرآنية.. إذًا، أنا أيضا لا أدّعي النبوة بل أدّعي الولاية والمجددية. (إعلان في مطلع 1897)

الاعتراض الثاني عشر:

ملخص الاعتراضات المبنية على هذه النصوص:

  1. إن سيدنا أحمد عليه السلام يؤمن بختم النبوة على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.ومعنى ذلك أنه لا نبيّ بعد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، لذلك فهو يعلن بأنه ليس نبيا.
  2. إن حضرته عليه السلام يعتنق ويؤمن بمنهج أهل السنة والجماعة، خاصة فيما يتعلق بختم النبوة؛ وهذا بحد ذاته دليل على أنه لا يدعي النبوة لأن منهج أهل السنة والجماعة يقول بانقطاع جميع أشكال النبوة بعد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
  3. لا يدّعي حضرته النبوّة ،بل يلعن مدّعي النبوة، ولا يرى حاجة لنبي لهذا العصر، ولا يقول بوحي النبوة بل وحي الولاية، أي يُعلن أنه مجدد وولي فقط.

الردّ:

1- بالنسبة لمفهوم ختم النبوة عند حضرته عليه السلام، سبق وأوضحناه في حلقة خاصة ملخُصها أنه يقصد من ختم النبوة وحديث ” لا نبي بعدي” أي انقطاع نبوة التشريع والنبوة المستقلة واستمرار النبوة الظلية بشهادة النصوص التالية:

لقد كتبتُ مرارًا أن الأمر الحقيقي والواقعي هو أن سيدنا ومولانا النبي r هو خاتم الأنبياء، ولا نبوة مستقلة ولا شريعة بعده ﷺ. ( ينبوع المعرفة)

وإني على مقام الختم من الولاية، كما كان سيدي المصطفى على مقام الختم من النبوة. وإنه خاتم الأنبياء، وأنا خاتم الأولياء، لا وليَّ بعدي، إلا الذي هو مني وعلى عهدي. (الخطبة الإلهامية، الخزائن الروحانية، المجلد 16، ص69-70) وهذا النص يؤكد استمرار النبوة الظلية التابعة وعدم انقطاعها كعدم انقطاع الولاية بعد سيدنا أحمد عليه السلام.

2- وأما اعتقاده بمنهج أهل السنة والجماعة فقد أفردنا له حلقة خاصة مفادها أن إيمان حضرته بمنهج أهل السنة والجماعة بأنه يتفق مع إيمانه الشخصي في مسألة ختم النبوة وهو انقطاع نبوة التشريع واستمرار النبوة الظلية وذلك بشهادة النص التالي: “لم أخترع كلمة شهادة من عندي ولم أخترع صلاة منفصلة بل أرى طاعة النبي ﷺ هي الدين والإيمان. أما كلمة النبوة التي اخترتها فهي من الله. فالذي يُظهر الله عليه أمرًا بكثرة على سبيل النبوءة يُسمَّى نبيًّا. إن الله تعالى يُعرف بالآيات، لهذا الغرض يُرسَل أولياء الله. لقد ورد في “مثنوي” ما معناه: “شخص مثله نبي الوقت يا أيها المريد“. وكتب محيي الدين بن عربي أيضًا مثل ذلك، وقد أبدى حضرة المجدد (يقصد السرهندي) أيضًا الاعتقادَ نفسَه. فهل ستكفِّرون الجميع؟ اعلموا أن سلسلة النبوة ستبقى جارية إلى يوم القيامة.

فقد ذكر حضرته عليه السلام ثلاثة من علماء أهل السنة والجماعة (جلال الدين الرومي مؤلف كتاب المثنوي، وابن العربي، والمجدد السرهندي)، الذين يقولون باستمرار النبوة بعد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ويؤكد حضرته عليه السلام ان هذا هو اعتقاده أيضا.

3- أما بالنسبة للتعابير الواردة في البند الثالث، من عدم ادعائه النبوة ووحيها بل إنكارها وادعاء التجديد والولاية ووحيها، فكل هذه العبارات قد وردت قبل سنة 1901، وقد فسرت أو نسخت في إعلان “إزالة خطأ” سنة 1901 وأُكّد نسخها في ” حقيقة الوحي” في النصوص التالية :

حيثما أنكرتُ نبوتي ورسالتي فبمعنى أنني لم آت بشريعة مستقلة، كما أنني لست بنبي مستقل؛ ولكن حيث إني قد تلقيت علمَ الغيب من الله تعالى بواسطة رسولي المقتدى r، مستفيضًا بفيوضه الباطنة، ونائلًا اسمَه؛ فإنني رسول ونبي، ولكن بدون شرع جديد. ولم أنكر قط أنّي نبيّ بهذا المعنى، بل قد ناداني الله تعالى نبيًّا ورسولًا بهذا المعنى نفسه. لذلك لا أنكر الآن أيضًا أنّي نبيّ ورسول بهذا المعنى.” (إزالة خطأ، الخزائن الروحانية، المجلد 18، الصفحة 210-211)

إذا كان الذي يتلقى أخبار الغيب من الله تعالى لا يسمى نبيًّا فبالله أَخبِروني بأي اسم يجب أن يُدعى؟ فلو قلتم يجب أن يسمّى “محدَّثًا” لقلتُ لم يرد في أي قاموس أن التحديث يعني الإظهار على الغيب، ولكن النبوة تعني الإظهار على الغيب. ….ليس شرطًا أن يكون النبي مشرِّعا، فإنها ليست إلا موهبة تنكشف من خلالها أمورٌ غيبية“. ( إزالة خطأ 1901)

لم يتأملوا في المعنى الحقيقي للنبي. إن معنى النبي هو مَن يتلقّى الأنباء من الله تعالى بواسطة الوحي، ويحظى بشرف المكالمة والمخاطبة، وليس ضروريًّا أن يأتي بشريعة جديدة، كما ليس ضروريًّا ألا يكون تابعًا لنبي مشرّع. فلا مانع من اعتبار فرد من الأمة نبيًّا على هذا النحو“. (البراهين الأحمدية، الجزء الخامس، الخزائن الروحانية، المجلد 21، الصفحة 306).

فمُفاد هذه النصوص من إزالة خطأ والبراهين الأحمدية :

أنه عليه السلام في كل مرة نفى عن نفسه النبوة أو وحي النبوة، قصد نبوة التشريع والنبوة المستقلة، فهذا كان قصده في كل العبارات الواردة في النصوص أعلاه التي يستشهد بها المعارضون، والتي لم ينف عن نفسه فيها تلقيه أنباء الغيب والتي أصبحت تعني له النبوة الحقيقية فيما بعد.

كل العبارات التي صنّف حضرته عليه السلام نفسَه فيها أنه وليّ ومجدِّد، قد نُسخت في إعلان إزالة خطأ بقول حضرته عليه السلام إن الإظهار على الغيب الذي يحظى به من الله عز وجل هو النبوة، بل النبوة الحقيقية والمعنى الحقيقي للنبوة، فأقرّ بنبوته ونفى عن نفسه أن يكون فقط مجددا ووليا أو محدّثا، لأن المجددين والأولياء هم محدثون أيضا بقاسم مشترك وهو التحديث والتكليم.

لم يستعمل حضرته عليه السلام هذه العبارات ( محدث، ولي، نبوة ناقصة، نبوة التحديث) مرة أخرى بعد سنة 1901 مما يدل على نسخها وتخليه عنها، وعلى تأكيد نبوته.