بسم الله الرحمن الرحيم

{بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} (الأنبياء 19)

قبلت التّحدّي، وها هو ردّي..!!

نصُّ إثبات استمرار النبوّة التابعة في الأمة المحمدية..

الحلقة التاسعة في دحض الاعتراضات على نبوّة المسيح الموعود عليه السلام

مقدمة وملخص الحلقة :

ردّا على ردودنا في موضوع نبوّة سيّدنا أحمد عليه السّلام، أعلن المعترض التّحدي الآتي: أين قال الميرزا إن النبوة التابعة الظلية مستمرة؟ وأتحداكم أن تأتوا بهذا النصّ.

ونظرا لكون هذه الحلقات مسجلة وجاهزة مسبقا، منذ فترة تزيد عن شهر أو شهرين، وتسبق إطلاق المعترض تحدّيه التّهوري هذا؛ وهي حلقات تحوي ردودا على كلّ ترّهات المعارضين في مسألة النّبوّة، ولكننا نقوم بعرضها بوتيرةِ حلقةٍ كلَّ ثلاثة أو أربعة أيام؛ كان لا بدّ من الانتظار إلى حينٍ يأتي به دور الردّ على هذا التحدي وفق تسلسل موضوع الحلقات.

وابتداء من هذه الحلقة نردّ على هذا التحدي في أربع حلقات نثبت فيها إيمان ومعتقد المسيح الموعود باستمرارية النبوّة غير التشريعية وغير المستقلة في الأمة المحمدية، كما ونثبت تَوافق إيمانه هذا مع معتقد أهل السنة والجماعة في تفسير آية ” خاتم النّبيين” وحديث “ لا نبيّ بعدي“؛ هذا على النقيض مما يدّعيه المعارضون بأن كِلا المعتقدَين يقولان بانقطاع النبوة بعد النبي محمد صلى الله عليه وسلم. ونسترعي، على وجه الخصوص، انتباه المشاهدين والقرّاء الكرام، إلى النصّ الذي يقول فيه سيدنا أحمد عليه السلام : “اعلموا أن سلسلة النبوة ستبقى جارية إلى يوم القيامة“.(جريدة بدر، مجلد7، رقم23، عدد: 23/6/1908م)، والذي هو نصّ قطعيّ في تحطيم هذا التّحدي وتبكيت صاحبه . هذا ناهيك عن أنّ كل ما جاء في هذه الحلقات الأربع، يصبّ هو الآخر في دحض ونسف هذا التّحدي.

الاعتراض السابع:

يقول المعترضون أن سيدنا أحمد عليه السلام، كان يؤمن بعقيدة أهل السنة والجماعة والتي تقول -كما يعلمها القاصي والداني – بانقطاع النبوة بجميع أشكالها بعد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك بناء على النصوص التالية:

{بل كما قلت في الصفحة 137 من إزالة الأوهام إني أؤمن بأن سيدنا ومولانا محمد المصطفى صلى الله عليه ﷺ هو خاتم النبيين.} اعلان 3-2- 1892

{ إنني عازم على تأليف كتيب منفصل قريبا وسأشرح فيه بالتفصيل كل هذه الشبهات التي تنشأ في قلوب الذين يقرأون كتبي ويعتبرون بعض عباراتي منافية لمعتقدات أهل السنة والجماعة. فسأؤلّف قريبا كتيبا بإذن الله لأشرح بالتفصيل بأنها تطابق معتقدات أهل السنة والجماعة وسأزيل الشبهات كلها.} (إعلان في 3/2/1892)}

الردّ:

القول إن عقيدة أهل السنة والجماعة هي انقطاع النبوة كلها، لهو قول باطل كليا كما سنبينه في هذا السياق، وكذا فإن القول بأن سيدنا أحمد عليه السلام كان يؤمن بهذا الاعتقاد لهو أمر باطل بداهة، وذلك لما ثبت عن حضرته إعلانُه وادعاءُه النبوة الظلية البروزية الكاملة وفق العديد من النصوص. فكيف يمكن لحضرته أن يؤمن بانقطاع النبوة كلها وبجميع أشكالها، وهو الذي ادعى النبوة الناقصة في بادئ الأمر ثم النبوة الكاملة فيما بعد!؟؛ فلو اقتصر حديثنا عن ادعائه النبوة الناقصة في المراحل الأولى لدعوته فقط، لكفى هذا لدحض اعتراض المعترضين في هذا الصدد، وذلك لأن هذا لوحده يكفي لإثبات أن حضرته عليه السلام، لم يكن في أي مرحلة من مراحل دعوته يؤمن بانقطاع النبوة بجميع أشكالها بعد سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم).

لذا، يقصد حضرته (عليه السلام) في الاقتباسات المذكورة أعلاه، أن ادعاءه النبوة لا يخالف معتقدات أهل السنة والجماعة، حيث ذهب العديد من أئمة وعلماء أهل السنة والجماعة للقول بانقطاع نبوة التشريع وعدم انقطاع النبوة الظلية، كما يعلمه المعترضون جيدا. إذ ليس اعتقاد أهل السنة والجماعة هو انقطاع النبوة بجميع أشكالها بعد سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، كما يحاول المعترضون إيهام الناس والترويج له، بقولهم إن هذا الاعتقاد يعلمه القاصي والداني.

ومما يؤكد إيمان حضرته أن اعتقاد أهل السنة والجماعة لا يقول بانقطاع النبوة بجميع أشكالها قول حضرته التالي:

وليس المراد من النبوة إلا أني أحظى بكثرة المكالمة والمخاطبة الإلهية. الحقيقة أنه كما كتب المجدد السرهندي في مكتوباته: مع أن بعض أفراد هذه الأمة قد خُصُّوا بالمكالمة والمخاطبة الإلهية وسيبقون مخصوصين إلى يوم القيامة، غير أن الذي يُشَرَّف بكثرة المكالمة والمخاطبة الإلهية وتُكشف عليه الأمور الغيبية بكثرة يسمَّى نبيًّا.” (حقيقة الوحي، الخزائن الروحانية، المجلد 22، ص406).

وقال حضرته عليه السلام في نص آخر ما يلي:

لم أخترع كلمة شهادة من عندي ولم أخترع صلاة منفصلة بل أرى طاعة النبي ﷺ هي الدين والإيمان. أما كلمة النبوة التي اخترتها فهي من الله. فالذي يُظهر الله عليه أمرًا بكثرة على سبيل النبوءة يُسمَّى نبيًّا. إن الله تعالى يُعرف بالآيات، لهذا الغرض يُرسَل أولياء الله. لقد ورد في “مثنوي” ما معناه: “شخص مثله نبي الوقت يا أيها المريد”. وكتب محيي الدين بن عربي أيضًا مثل ذلك، وقد أبدى حضرة المجدد أيضًا الاعتقاد نفسه. فهل ستكفِّرون الجميع؟ اعلموا أن سلسلة النبوة ستبقى جارية إلى يوم القيامة.” (جريدة بدر، مجلد7، رقم23، عدد: 23/6/1908م)

فقد ذكر حضرته عليه السلام ثلاثة من علماء أهل السنة والجماعة (جلال الدين الرومي مؤلف كتاب المثنوي، وابن العربي، والمجدد السرهندي)، الذين يقولون باستمرار النبوة بعد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

ويجب أن لا ننسى أن السيدة عائشة رضي الله عنها أيضًا كانت تعتنق الاعتقاد نفسه لذلك قالت: “لا تقولوا لا نبي بعده“.فقد بيّن كل هؤلاء الصلحاء والأولياء اعتقادهم حتمًا بأن المسيح الموعود سيكون نبيًّا، وسيكون زمنه زمن النبوة. بل ذكر حضرة المجدِّد المذكور السبب وراء علوّ مرتبته أن زمنه قريب من زمن المهدي وأن شُعاع نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، الذي يقع على المهدي يقع عليه أيضًا، لذلك فضِّل نفسه على الصلحاء السابقين.

والنص التالي يؤكد أن النبوة التي يدعيها يوافق عليه أكابر أهل السنة والجماعة: “ثم مع ذلك ذكرتُ غير مرّةٍ أن الله ما أراد من نبوّتي إلا كثرة المكالمة والمخاطبة، وهو مسلَّم به عند أكابر أهل السنّة. فالنـزاع ليس إلا نـزاعٌ لفظيٌّ. فلا تستعجلوا يا أهل العقل والفطنة. ولعنة الله على من ادّعى خلاف ذلك مثقال ذرّةٍ، ومعها لعنة الناس والملائكة.” (تتمة حقيقة الوحي)

فهذه النصوص من أقوال حضرته عليه السلام تؤكد أن حضرته كان يعتقد أن مذهب أهل السنة والجماعة لا يقول بانقطاع النبوة بجميع أشكالها بعد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، بل إن مذبهم يقول باستمرار النبوة غير التشريعية وغير المستقلة بعد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو تماما مذهبه هو عليه السلام وما يؤمن به هو ولذا فمذهبه مطابق وليس مخالفا لمذهب أهل السنة والجماعة وفق هذا المعنى، وليس وفق ما يحاول المعترضون إيهام الناس به بان التوافق في الاعتقاد بانقطاع جميع أشكال النبوة بعد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

ونورد في هذا الصدد أقوال العديد من علماء السلف من أهل السنة والجماعة، والتي تؤكد هذا المفهوم أي استمرار النبوة العامة الظلية، وتنفي مفهموم انقطاع النبوة بالكلية:

قال السيوطي: ” أخرج ابن أبي شيبة عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قولوا خاتَم النبيين ولا تقولوا لا نبي بعده. وأخرج ابن أبي شيبة عن الشَّعبي -رضي الله عنه- قال: قال رجلٌ عند المغيرة ابن أبي شُعبة: صلى الله على محمد خاتم الأنبياء لا نبي بعده فقال المغيرة: حسبُك إذا قلت خاتم الأنبياء، فإنَّا كنا نحدث أنَّ عيسى – عليه السلام – خارج. فإنْ هو خرج فقد كان قبله وبعده.” (1)

وقد فسر ابن قتيبة الدينوري قول عائشة فقال:” وأما قول عائشةَ -رضي الله عنها- قولوا لرسول الله خاتَم الأنبياء، ولا تقولوا لا نبي بعده. فإنَّها تذهب إلى نزول عيسى – عليه السلام – وليس هذا من قولها بناقض لقول النبي – صلى الله عليه وسلم – لا نبي بعدي، لأنَّه أراد لا نبي بعدي ينسخ ما جئت به، كما كانت الأنبياء صلى الله عليهم وسلم تُبعث بالنسخ، وأرادت هي لا تقولوا إنَّ المسيح لا ينزلُ بعده” (2)

وقال الشعراني: “فإنَّ مطلق النبوة لم يرتفع وإنما ارتفع نبوة التشريع فقط، ….. وقوله فلا نبي بعدي ولا رسول المراد به لا مشرع بعدي” (3)

أما محيي الدين بن عربي فقد قال:” فإنَّ النبوة التي انقطعت بوجود رسول الله إنما هي نبوة التشريع لا مقامُها فلا شرع يكون ناسخًا لشرعه ولا يزيد في حكمه شرعاً آخر، وهذا معنى قولِه إنَّ الرسالة والنبوة قد انقطعت، فلا رسول بعدي ولا نبي، أي لا نبي بعدي يكون على شرعٍ يخالف شرعي، بل إذا كان يكون تحت حكم شريعتي

وقال ابن عربي في فصوص الحكم: “وأما نبوة التشريع والرسالة فمنقطعة، وفي محمد – صلى الله عليه وسلم – قد انقطعت، فلا نبي بعده: يعني مشرعا أو مشرَّعا له، ولا رسول وهو المشرع” ثم قال: “إلّا أنَّ الله لَطف بعباده فأبقى لهم النبوة العامة التي لا تشريع فيها

أمّا أبو عبد الله محمد بن علي بن الحسن الحكيم الترمذي فقد انتقد بشدة من فسر خاتم النبيين بآخرهم فقال: “فإنَّ الذي عمي عن خبر هذا يظن أنَّ (خاتم النبيين) تأويله أنَّه آخرهم مبعثا. فأي منقبة في هذا؟ وأي علم في هذا؟ هذا تأويل البلهة الجهلة

وهذه النصوص والاثباتات ما هي إلأ غيض من فيض؛ لذا فإن قصد سيدنا أحمد عليه السلام: أن عقيدة أهل السنة والجماعة تقول بانقطاع النبوة التشريعية والمستقلة، إلا أنها لا تنفي أنواع النبوة العامة الظلية وهذا هو مفهوم نبوتي إذ لا أدعي ما يخالف هذا. وكفى بكل هذا إسقاطا لاعتراض المعترضين.

وكل هذا يثبت ما سبق وذكرناه أن مذهب أكابر أهل السنة والجماعة هو نفسه مذهب سيدنا أحمد عليه السلام والذي يقول باستمرار النبوة الظلية في الأمة وانقطاع نبوة التشريع والاستقلال ، ويبطل بهذا اعتراض المعترضين الذي لا أصل له وما هو إلا نتاج العمى الروحاني الذي أصابهم وحق عليهم قول الله تعالى : {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} (الحج 47).

إن من أهم النصوص التي يؤكد فيها المسيح الموعود عليه السلام عدم انقطاع النبوة بجميع أشكالها، بل استمرار النبوة الظلية البروزية بعد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، هو النص التالي من كتاب إزالة خطأ:

“باختصار، إن لفظ خاتم النبيين هو الطبعة الإلهية التي وُضعت على نبوة محمد – صلى الله عليه وسلم -. والآن لا يمكن لهذا الختم أن يُكسر مطلقًا. نعم، إنه ممكن حقًّا أن يأتي محمد – صلى الله عليه وسلم – إلى العالم في حلة البروز، ليس مرة بل ألف مرة، ويعلن نبوته بجميع كمالاتها أيضا. ومنصب البروز هذا كان قد قُرّر من الله لقوله تعالى {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ}.”

إذا يُقر حضرته بإمكانية وصول الكثيرين إلى مقام النبوة بروزا وظلا لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، دون أن يكونوا منفصلين ومستقلين عنه، فالظل والبروز هو انعكاس للأصل ولا يمكن أن يكون دونه وأن يستقل عنه؛ وقد أورد حضرته كلامه هذا بعد ان شرح مسألة ختم النبوة التي تعني أنه لا بد لأي شخص يصل إلى مقانم النبوة أن يكون مختوما بطابع النبوة المحمدية وهو في الحقيقة النبوة التي تتأتى بفضل الاتباع التام والانمحاء بطاعة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا ما يسميه المعارضون النبوة التابعة حقا والتي هي في تعبير المسيح الموعود عليه السلام النبوة الظلية والبروزية، وكل ما أوردناه من نصوص تثبت أن حضرته يؤكد استمرارية وعدم انقطاع مثل هذه النبوة الظلية البروزية.