بسم الله الرحمن الرحيم

{بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ  } (الأنبياء 19)

نسف الاعتراض القائل: لم يستشهد المسيح الموعود بآيات قرآنيّة على استمرار النبوّة، ولم يقل إن “خاتم النبيين” لا تعني الآخِر..

الحلقة الثانيةَ عشرةَ في ردّ الاعتراضات على نبوّة المسيح الموعود عليه السّلام

ملخص الحلقة:

هذه هي الحلقة الثانيةَ عشرة َفي دحض الاعتراضات حول نبوّة سيّدنا أحمد عليه السّلام المسيح الموعود والمهدي المعهود، نقوم من خلالها بنسف اعتراض المعترضين، الذي يقول بأن حضرته عليه السلام لم يستشهد بآيات قرآنية لإثبات استمرار النبوّة في الأمة المحمدية؛ ونقدم في هذا السّياق ولدحض هذا الاعتراض ثلاث آيات قرآنية استشهد بها حضرته في كتاب إزالة خطأ لإثبات استمرار النبوّة الظلية، وهي الآيات: ” { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } (الفاتحة 6-7)، و {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} (الكوثر 2)، و { وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (الجمعة 4).

كما ونردّ بهذه الحلقة على قول المعترضين إن حضرته عليه السّلام لم يفسّر كلمة خاتَم في آية ” خاتم النبيين” أنها لا تعني الآخِر بل تعني الأفضل بإضافتها لجمع العقلاء، فنقدّم أمثلة عينيّة من تفسير حضرته يفسّر فيها هذه الآية بما لا يعني الآخِر فقط، بل يذهب حضرته عليه السلام في تفسيره إلى معنى الطابَع والكمال والأفضلية أيضا، بما ينسف هذا الاعتراض كلية.

الحلقة كاملة:

الاعتراض العاشر:

في تفسيره لخاتم النبيين لم يستشهد سيدنا أحمد عليه السلام، بآيات قرآنية تدل على استمرار النبوة بعد سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، ولم يفسر كلمة “خاتم” أنها لا تعني الآخِر عند إضافتها لجمع العقلاء بل تعني الأفضل، وإنما هذه الإضافات، أضافتها الجماعة وخاصة المصلح الموعود (رضي الله عنه) بعد وفات حضرته (عليه السلام).

أولا إن القول بأن حضرته عليه السلام لم يستشهد بآيات قرآنية على استمرار النبوة  ليس صحيحا، وقد ورد في كتاب إزالة خطأ في النصوص التالية:

اذا لم يكن أحد سيُبعث نبيا ورسولا بروزيا فما معنى دعاء {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} (1)؟ لذا ينبغي تذكّرُ أنني لم أنكر نبوتي ورسالتي وفق هذه المعاني. وبهذا المعنى سُمِّي المسيح الموعود نبيا في صحيح مسلم أيضا. إذا كان الذي يتلقى أخبار الغيب من الله تعالى لا يسمى نبيًّا فبالله أَخبِروني بأي اسم يجب أن يُدعى؟ فلو قلتم يجب أن يسمّى “محدَّثًا” لقلتُ لم يرد في أي قاموس أن التحديث يعني الإظهار على الغيب، ولكن النبوة تعني الإظهار على الغيب.

وفي الحاشية فسر حضرته ما قصده في هذه الآية وقال:

(1) يجب أن تتذكروا أن هذه الأمة وُعدت بكل الإنعامات التي أُعطيت للأنبياء السابقين والصديقين. ومن بين هذه الإنعامات تلك النبوءات التي دُعي الأنبياء السابقون بسببها أنبياء. لكن القرآن الكريم أغلق أبواب علوم الغيب على غير الرسل، كما يتضح من الآية الكريمة {فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ}. لذا فلا بد أن يكون نبيا حتى يتلقى علم الغيب. وإن آية {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} تشهد على أن هذه الأمة ليست محرومة من علم الغيب الواضح. وحسب منطوق هذه الآية يتطلب تلقي الغيب النبوة والرسالة. وحيث إن هذا الطريق المستقل قد أُغلق، لذا لا بدّ من الإيمان بأنه ليس لتلقي هذه النعمة إلا باب البروز والظلية والفناء في الرسول – صلى الله عليه وسلم -. فتدبر. منه

لذا يفسر حضرته عليه السلام آية “صراط الذين أنعمت عليهم” باستمرار النبوة  في أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، والتي هي نبوة الطاعة والاتباع الكامل والفناءبالنبي صلى الله عليه وسلم؛ وبربط هذه الآية مع ىية قرآنية أخرى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} (النساء 70) والتي توضح معنى النعمة التي ينعمها الله تعالى على من يتبع الصراط المستقيم يتبين بجلاء إمكانية استمرا النبوة في امة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

واقتباس آخر:

وكذلك وُعد (يقصد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم) ببروزٍ في آية {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} (1)، الذي في زمانه يظهر الكوثر، أي يخرج نبع البركات الدينية منهمرًا ويكثر أهل الإسلام الصادقين في العالم. في هذه الآية نُظر إلى ضرورة الأولاد الماديين باحتقار، ونُبِّئ عن الأولاد البروزيين، ومع أن ّ الله شرفني بأنني إسرائيلي وفاطمي أيضا وأنّ لي نصيبا من كلا العِرقين، لكنني أفضِّل العلاقة الروحانية، أي علاقة البروز.

وبقوله إن هذه الآية تنبئ بالأولاد البروزيين إنما قصده الأنبياء الذين يصطبغون بصبغة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ويختمون برحيق نبوته، فهذه الآية تدل عند سيدنا أحمد عليه السلام على استمرار النبوة بعد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

وآية أخرى يستشهد بها حضرته عليه السلام:

ومنصب البروز هذا كان قد قُرّر من الله لقوله تعالى {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ}.” وهي الآية التي تقول ببعثتين لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

إذن، نرى أن حضرته يستشهد ببعض الآيات القرآنية على استمرار النبوة الظلية وهي: “إهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم” وآية “ إنا أعطيناك الكوثر” و” وآخرين منهم لما يلحقوا بهم” .

وإذا قامت الجماعة وبالأخص الخلفاء بعد وفاة حضرته عليه السلام، بتقديم آيات أخرى تصب في نفس هذا التفسير، كالآية التالية: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} (النساء 70) ؛ فليس في هذا ما يخالف قول حضرته عليه السلام بل بالعكس، فإن حضرته قد أكد أن التفسير القرآني لآيات معينة لا بد أن تعضده آيات أخرى من القرآن الكريم نفسه، وليس في ذلك من التعارض أو التزييف المزعوم في شيء.

وأما بالنسبة لتفسير كلمة “خاتم“، حيث قال المعترضون ان حضرته لم يفسرها بأنها لا تعني الآخِر بإضافتها إلى جمع العقلاء؛ نقول: إن حضرته قد فسّر كلمة الخاتَم أن معناها لا يقتصر على ” الآخِر” فقط، بل أيضا “الأفضل” و”الطابَع” والذي تُطبع به نبوة من يأتي بعده من الأنبياء في حلة البروز وعن طريق الظلية كما في النصوص التالية:

1- “ونعني بختم النبوة ختم كمالاتها على نبينا الذي هو أفضل رسل الله وأنبيائه، ونعتقد بأنه لا نبي بعده إلا الذي هو من أمّته ومن أكمَلِ أتباعه، الذي وجد الفيضَ كله من روحانيته وأضاء بضيائه. فهناك لا غير ولا مقام الغيرة، وليست بنبوة أخرى.” (مواهب الرحمن، الخزائن الروحانية، المجلد19، ص285)

2- “وإني على مقام الختم من الولاية، كما كان سيدي المصطفى على مقام الختم من النبوة. وإنه خاتم الأنبياء، وأنا خاتم الأولياء، لا وليَّ بعدي، إلا الذي هو مني وعلى عهدي.” (الخطبة الإلهامية، الخزائن الروحانية، المجلد 16، ص69-70)

فهل يعني حضرته عليه السلام بكونه خاتَم الأولياء أنه آخرهم !؟ وعلى هذا يقاس في تفسيره لخاتم الانبياء.

3- “لكن الله تعالى في كلامه الطاهر قد نفى أبوة الرسول – صلى الله عليه وسلم – لأحد، وأخبر عن البروز“.

ففي تفسيره للآية، وفق هذا النص فإنه يقول بأن “خاتم النبيين” تصرّح بإمكانية بعث أنبياء ظليين بروزيين لسيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) مختومين ومطبوعين بنبوته. أليس هذا تفسير للخاتم بما لا يعني الآخِر.

4- “باختصار، إن لفظ خاتم النبيين هو الطبعة الإلهية التي وُضعت على نبوة محمد – صلى الله عليه وسلم -. والآن لا يمكن لهذا الختم أن يُكسر مطلقًا. نعم، إنه ممكن حقًّا أن يأتي محمد – صلى الله عليه وسلم – إلى العالم في حلة البروز، ليس مرة بل ألف مرة، ويعلن نبوته بجميع كمالاتها أيضا.

واضح أنه يفسّر الخاتَم بالطابَع وليس الآخِر في هذا النصّ.

هذا بالإضافة إلى الكثير من النصوص التي أوردناها وتثبت قول حضرته عليه السلام باستمرار النبوة وعدم كون سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم آخر الأنبياء كلية، بل آخرهم تشريعا واستقلالا فقط.

5- كما ويعلم المعترضون جليا، أن الجماعة الأسلامية الأحمدية لا تنفي ولم تنف في الماضي، معنى الآخِر في ” خاتم النبيين“، بل تأخذ بهذا المعنى إضافة إلى معان أخرى كالطابَع والأفضل، وذلك انطلاقا من قول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن للقرآن بطون في فهمه، وآياته تحتمل أكثر من معنى ؛ إلا أننا نؤكد ما أكّده سيدنا أحمد عليه السلام دائما، أن الخاتِمية تعني إغلاق باب النبوة التشريعية والمستقلة وليس جميع انواع النبوة.

وإذا كان الخلفاء بعد سيدنا أحمد (عليه السلام) وخاصة المصلح الموعود رضي الله عنه، قد أخذ من المسيح الموعود هذا الأصل، الذي بيّناه في تفسير خاتم النبيين، وبنى عليه توضيحا وإسهابا في التفسير، داعما هذا التفسير بشواهد قرآنية ولغوية أخرى فما العيب وما التزييف في ذلك!؟.