المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود ع العربية ..142

الاحتجاج بالحديث الشريف ورواياته في النحو ..2

مذهبنا هو مذهب ابن مالك ومجمع اللغة القاهري

ابن مالك يستشهد بالروايات حتى الإشكالية منها ويعدها من فصيح الكلام

الاعتراض:

لا بد من الاستشهاد بروايات الحديث الصحيح والضعيف فقط التي لا تعارضها روايات أخرى متفقة مع القواعد المعروفة ولغة القرآن الكريم والذوق. فلا بد من الأخذ بالرواية التي تتفق مع القاعدة النحوية المعروفة والذوق.

الرد:

ننقل في ما يلي أقوال المحقق الدكتور طه محسن، محقق كتاب شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح، لنستخلص منها العبر في النهاية.

“يعد ابن مالك في طليعة النحاة الذين استندوا إلى الحديث الشريف في تأييد القواعد النحوية، بل هو أول من توسّع في الاستشهاد به، حتى صار من مميزات مذهبه النحوي. ومن ثم أقيم عليه النكير، ورمي بالخروج عن سنن النحوينِ المتقدمين. ..

إن عنوان الكتاب يشير قبل كل شيء إلى أنه شواهد لنصوص في “صحيح البخاري” أراد المؤلف أن يوجه إعرابها، ((وينظر لها بكلام العرب الفصحاء. فكان من هذه النظائر الحديث الشريف.))

وبلغ ما استشهد به منه اثنين وثمانين حديثًا. عزا المؤلف اثني عشر منها إلى مواضعه من كتب الحديث التي يأتي في مقدمتها “جامع المسانيد” لابنِ الجوزي، وروى ابن مالك واحدًا منها بسنده، واستطعت إرجاع ستين نصًا إلى صحيح البخاري، واثني عشر نصًا وجدتها في كتب الحديث الأخرى. مثل “المسند” لأحمد بن حنبل، و”الموطأ” لمالك، وصحيح مسلم والترمذي وسنن ابن ماجة وأبي داود، وغيرها مما هو مبين في الحواشي.

وبقي حديثان لم أتمكن من الوقوف عليهما في كتب الحديث المتيسرة:

أولهما- (فإن الله ملككم إياهم، ولو شاء لملكهم إياكم)

والثاني- (المرء مجزيَ بعمله، إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر).

….

((إنّ الأحاديث المشكلة عنده هي في الوقت ذاته نصوص فصيحة يمكن الاعتماد عليها في الاحتجاج)). لذلك وجدت المؤلف يستند إليها في مواطن عدة لتقرير قواعد نحوية خالف بها بعض المتقدمين من النحاة.

((ومن هنا أستطيع أن أضيف الىٍ عدد الأحاديث الشواهد كل الأحاديث المشكلة؛ لأنها عنده فصيحة لغةً ونحوًا.))

لقد كان موقف ابن مالك هذا فريدًا بالقياس إلى من سبقه، وكان يكرر التصريح بأهمية اتخاذ الأحاديث شواهد لدعم الآراء النحوية. لذلك وجدنا في الكتاب تصريحًا متكررًا بفصاحة الحديث وصحة لغته. ومن عباراته في هذا الباب:

  • قوله وهو يرجح اتصال الضمير في نحو “كنته” (وأما مخالفة السماع فمن قبل أن الاتصال ثابت في أفصح الكلام المنثور كقول النبي – صلى الله عليه وسلم – لعمر رضي الله عنه: إن يكنه فلن تسلط عليه، وان لا يكنه فلا خير لك في قتله).
  • وقوله في وقوع خبر “كاد” مقرونًا بـ (أن) (فإذا انضم إلى هذا التعليل استعمال فصيح ونقل صحيح كما في الأحاديث المذكورة تأكد الدليل، ولم يوجد لمخالفته سبيل).

وهذه النظرة في الاحتجاج بالحديث مكّنته من أن يعرض آراءه بدقة، يرجح ويتخير، ويتخذ لنفسه موقفًا خاصًا على وفق ما يمليه عليه اجتهاده، ويهديه إليه تفكيره، مستهديا بما ارتضاه من شواهد، بلا تعصب لمذهب معين، فهو مع الشاهد أينما يكن.

ومن الأمثلة التي كان فيها الحديث حكمه الفيصل:

  • جواز ثبوت الخبر بعد “لولا” (وهو ما خفي على النحويين إلا الرماني وابن الشجري)
  • وجواز حذف الموصول لدلالة صلته أو بعضها عليه، وهو (مما انفرد به الكوفيون ووافقهم الأخفش. وهم في ذلك مصيبون .. وأحسن ما يستدل به على هذا الحكم قوله – صلى الله عليه وسلم -: مَثل المهجر كالذي يهدي بَدَنة، ثم كالذي يَّهدي بقرة، ثم كبشًا ثم دجاجة، ثم بيضةً”.
  • و(صحة العطف على ضمير الرفع المتصل غير مفصول بتوكيد أو غيره،(( وهو مما لا يجيزه النحويون فى النثر إِلا على ضعف، )) ويزعمون أن بابه الشعر، والصحيح جوازه نظمًا ونثرًا، فمن النثر ما تقدم من قول علي وعمر رضي الله عنهما … ).

هذه أمثلة من فيض الآراء التي بثها في الكتاب،(( واحتج لكل منها بحديث أو أكثر مرتضيا القَياس عليها،)) وما لم يقس عليه- مع ندرته- فهو مؤول غالبًا، كقوله – صلى الله عليه وسلم – في صفة الدجال (وإن بين عينيه مكتوب كافرً) وفي رواية رفع (مكتوب) أوله على حذْف اسم “إِن” وما بعد ذلك جملة في موضع رفع خبرها.

ومهما يكن من شيء، فابن مالك انفرد عمّن سبقه من النحاة حين احتج لمجموعة مسائل بأكثر من مئتين وستين حديثًا، ((متوسعا في هذا الشأن توسعًا نفس فيه عن العربية بعض الشيء.))

وكان مجمع اللغة العربية معضدًا لهذا المذهب، إِذ جاء ضمن أبحاثه في الموضوع ما يأتي (وخلاصة البحث أنا نرى الاستشهاد بألفاظ ما يُروى في كتب الحديث المدونة في الصدر الأول، وإن اختلفت فيها الرواية, ولا يُستثنى إِلا الألفاظ التي تجيء في رواية شاذة أويغمزها بعض المحدثين بالغلط أو التصحيف غمزًا لا مرد له). (65)” [شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح (ص: 26- 23)]

الخلاصة والنتيجة:

من كل ما تقدم نخلص إلى النتائج التالية عن منهج ابن مالك وفق ما أبرزناه بين الأقواس المزدوجة:

  1. لم يتوان ابن مالك عن الخروج عن إجماع النحاة وآرائهم
  2. يعد ابن مالك هذه الأحاديث الإشكالية المختلفة مع الروايات الأخرى لها على أنها من فصيح الكلام
  3. فابن مالك يستشهد بكتب الحديث ورواياته المختلفة كالصحاح والمسانيد المختلفة، ولا يضع شروطا في اقتصار الرواية على مطابقة القرآن الكريم أو رواية صحيحة أخرى أو قاعدة لغوية معروفة.
  4. نجده يخرج عن أراء النحويين وإجماعهم أو عن رأي الجمهور في العديد من المواضع، ويقول:” وهو ما خفي على النحويين أو كثير منهم” وقد تكرر قوله هذا في ما يقارب 10 مواضع في كتاب شواهد التوضيح.
  5. نراه يجيز القياس على هذه الأحاديث التي يَستشهد بها ولها.
  6. منهج ابن مالك هو منهج توسيع وتنفيس عن العربية لا تعصب وجمود.
  7. منهج مجمع اللغة العربية في القاهرة وفق أبحاثه المنشورة يعضد منهج ابن مالك هذا، حيث يجيز الاحتجاج بالروايات الحديثية وإن اختلفت الرواية فيها.

وبناء على كل هذا فإن منهجنا في الاستشهاد بالرويات الحديثية في توجيه لغات المسيح الموعود عليه السلام، جاء مطابقا لمنهج ابن مالك الذي يعضده مجمع اللغة القاهري في أبحاثه.

والأهم من كل ذلك، أن كل هذه اللغات التي أثبتنا صحتها في لغة المسيح الموعود عليه السلام، بناء على الشواهد المختلفة من الحديث والقراءات، لهي من فصيح الكلام ولا ريب في ذلك، ولا يمكن القدح في فصاحتها وعدّها من ركيك الكلام وإن لم تكن موافقة للغة القرآن الكريم .

كما أن هذا كله يؤكد ما أقرّ به المسيح الموعود عليه السلام، من أن عمل النحاة ليس شاملا، بل لا زال ناقصا، والالتزام بأقوالهم ليس من الحجج الشرعية.