المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود ع العربية ..99

فنون التذكير والتأنيث الإعجازية ..4

اكتساب المضاف التذكير والتأنيث من المضاف إليه ..

الاعتراض:

قدّم المعارضون ما يقارب المائتين وخمسين خطأ لغويا مزعوما من كتابات المسيح الموعود عليه السلام، مدّعين أن حضرته عليه السلام قد أخطأ في مسألة التذكير والتأنيث فيها، وسبب هذا الخطأ هو العجمة التي تؤثر على لغته عليه السلام. ( يُنظر مقال مظاهر الإعجاز 86 لتفصيل هذا الاعتراض على الرابط التالي: فنون التذكير والتأنيث الإعجازية ..1)

الردّ:

لقد وجهنا في المقالات السابقة 90 فقرة من الفقرات المعترض عليها في هذا الصدد وفق توجيهات مختلفة وهي

  1. جواز تذكير وتأنيث الفعل إذا  فصل فاصل بين الفعل وفاعله المؤنث، سواء أكان هذا المؤنث حقيقيا أو مجازيا
  2. جواز تذكير وتأنيث الفعل إذا كان فعله مؤنثا مجازيا حتى لو لم يفصل بينهما فاصل 3- جواز تذكير وتأنيث الفعل إذا كان الفاعل جمع تكسير أو أي جمع وفق المذهب الكوفي.

وأما القاعدة الرابعة التي سنوجّه وفقها فقرات أخرى هي: اكتساب المضاف التذكير والتأنيث من المضاف إليه.

سنعرض فيما يلي خلاصة بحث تفصيلي عن هذه القاعدة، سننشره مع الاقتباسات والإثباتات من كتب النحو المختلفة بعد نشر هذا المقال وهذه الخلاصة هي:

يجوز أن يكتسب المضاف التأنيث من المضاف إليه وذلك وفق الشروط التالية.:

  1. أن يكون المضاف بعض المضاف إليه، أو كبعضه، أو منه أو به،وتجمعهما صلة غير صلة الجزئية تدل على اتصالهما
  2. أو أن يكون المعنى مشتملا عليه، (أي على المضاف إليه)
  3. وأن يصح الاستغناء بالمضاف إليه عن المضاف، فيصح حذفه دون أن يؤثر في المعنى، أي أن يصح المعنى مع هذا الحذف ولو مجازا.
  • تأنيث المضاف هذا عند إضافته للمؤنث وارد بكثيرة في كلام العرب وفق تصريح ابن جني.
  • من الأمثلة على هذا الاكتساب في القرآن والقراءات القرآنية والشعر ما يلي:

قوله تعالى: { يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ/مثقالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ} (لقمان 17) .

وقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ/مثقالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا} (الأنبياء 48)

قوله تعالى: {فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} (الشعراء 5)

قراءة الآية: { لَا تنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا} (الأَنعام 159)

قراءة الآية: {تلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ } (يوسف 11)

وتشرقُ بالقول الذي قد أدْعتَهُ      كما ((شرِقَتْ صدرُ)) القناة من الدم

إذا ((بعضُ السنينِ تعرَّقَتْنا)) …. كفى الأيتامَ فقدُ أبي اليتيمِ

لما أتى خبرُ الزبيرِ ((تواضعتْ   سور المدينة)) والجبالُ الخشع ُ

مشينَ كما اهتزت رماحٌ ((تسفّهتْ    أعاليَها مرُّ الرياح)) النواسمِ

((طول الليالي أسرعتْ)) في نقضي       أخذن بعضي وتركن بعضي

قد صرحَ السيرُ من كُتمانَ ((وابتُذِلَتْ      وقعُ المحاجنِ)) بالمهرية الذُّقُنِ

((أرى مرَّ السنين أخذنَ)) مني      كما أخذ السرارُ من الهلالِ

وما ((حب الديار شغفن)) قلبي          ولكن حبّ من سكن الديارا

  • هذه الأمثلة المذكورة أعلاه ممكن أن يوُجه تأنيث المضاف فيها على اكتسابه التأنيث من المضاف إليه، أو أن يكون التوجيه الثاني حملا له على معنى المؤنث، وهو كثير في كلام العرب حسب تصريح أبي جعفر النحاس.
  • يجيز بعض النحاة مثل ابن جني وابن سيده سريان التأنيث من المضاف إليه إلى المضاف حتى لو كان المضاف إليه ضميرا كما في الآية القرآنية {فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} (الشعراء 5) حيث ذُكّرت أعناقهم لاتصالها بالضمير (هم)(ملحوظة: هذا مثال عكسي لجريان التذكير من المضاف إليه إلى المضاف وهو مطابق لموضوعنا وسنفصل الحديث عنه لاحقا)؛ وكما في قراءة الآية القرآنية (لا تنفع نفسا إيمانها)حيث اكتسب الإيمان التأنيث من الضمير (الهاء)، رغم أنه في هذه الآية لا يجوز حذف المضاف وفق رأي ابن مالك .
  • وَرَدَ في كلام العرب اكتساب المضاف التأنيث من المضاف إليه دون إمكانية حذف المضاف إليه مع استقامة المعنى؛ كما في قول ابن عباس : كثيرة شحم بطونهم، قليلة فقه قلوبهم.
  • ووفق هذا نرى بأن شرط حذف المضاف مع بقاء المعنى صحيحا ليس قطعيا لكي يجوز اكتساب المضاف التأنيث من المضاف إليه، فهنالك أمثلة لا يسري عليها هذا الشرط ويقرّ بها النحاة.
  • لذا فقد وسع ابن مالك هذا الشرط بقوله أنه يجوز الاكتساب إذا كان المضاف مما يجوز حذفه أو مما هو شبيه لما يجوز حذفه مع استقامة المعنى. كقوله: سرتني إيمان الجارية/ أعجبتني شحم بطونهم/ ونفعت الرجالَ فقه قلوبهم. ففي هذه الأمثلة يصح الاكتساب لجواز الحذف؛ فالأمثلة السابقة (لا تنفع نفسا إيمانها/ كثيرة شحم بطونهم/ قليلة فقه قلوبهم) والتي لا يصحّ فيها الحذف فيجوز فيها الاكتساب لشبهها بالأمثلة التي يصحّ فيها الحذف.

ولربما هذا هو السبب الذي جعل ابن مالك في ألفيته يذكر شرط أن يكون المضاف مؤهلا للحذف دون التطرق إلى إقامة المضاف إليه مكانه حيث جاء في ضياء السالك ما يلي:

وربما أكسب ثان أولا … تأنيثا إن كان لحذف موهلا

أي أن الثاني وهو المضاف إليه، قد يُكسب الأول وهو المضاف، التأنيث؛ إن كان الأول مؤهلا -أي صالحا- للحذف والاكتفاء بالثاني عنه، وقد أهمل الناظم الشرط الثاني. {ضياء السالك إلى أوضح المسالك (2/ 324)}

  • حذف المضاف قد يتطلب حذف ملحقاته لكي يستقيم المعنى في بعض المواضع كأن يحذف نعته مثلا.
  • أحد أهم الأسباب لتأنيث المذكر عند إضافته للمؤنث، هو شمل المضاف إليه في حكمه، وأن يكون مقصودا في المعنى والحكم، وهو في الحقيقة توسع في المعنى وكسب معنيين في تعبير واحد؛ فعندما نقول أفنتْنا تتابعُ السنين، يكون القصد أفنتنا السنون وتتابعها بإشراك السنين في المعنى والحكم. ولعل هذا إن كان منوِيا في نية المتكلم مع وجود الصلة القوية بين المضاف والمضاف إليه يكون كافيا لجواز هذا الاكتساب، رغم أنه ليس باديا من أقوال النحاة.
  • كما يجوز اكتساب المذكر التأنيث إذا أضيف إلى مؤنث، كذلك يجوز العكس أي اكتساب المؤنث التذكير إذا أضيف إلى مذكر، وهو قليل في كلام العرب، وشروطه هي نفس شروط تأنيث المذكر عند إضافته للمؤنث.
  • من أمثلة اكتساب المؤنث التذكير عند إضافته للمذكر ما يلي:

((إنارة العقل مكسوف)) بطوع هوى      وعقل عاصي الهوى يزداد تنويرا

(( رؤية الفكر ما يؤول له الأمر                   معين)) على اجتناب التواني

انطباق هذا التوجيه على فقرات المسيح الموعود عليه السلام:  

نتابع عدَّ الفقرات المعترض عليها من كلام المسيح الموعود عليه السلام والتي تندرج تحت هذا التوجيه من اكتساب المضاف التذكير أو التأنيث من المضاف، وتبيين انطباق هذا التوجيه عليها.

كل الفقرات التالية يسري عليها هذا التوجيه لكون المضاف مما يجوز حذفه أو شبيها لما يجوز حذفه. فهو بعض أو كبعض المضاف إليه أو منه وبه. نذكر هذه الفقرات ونذكر بعدها بين الأقواس كيفية انطباق هذا التوجيه عليها.

91- وإذا بلغت الأنباءُ إلى مرتبة البينات، ((فلا تحتاج صدقها)) إلى تحقيقِ تقوى الرُواة (نور الحق).

(فلا تحتاج هي ..شبيه بقراءة الآية لا تنفع نفسا إيمانها فالتأنيث لإضافتها للضمير)

92-  فكيف تغفلون من الأمور الباقية الأبدية التي ((توصل فقدانها)) إلى النيران المحرقة (مكتوب أحمد).

( التي توصل هي …شبيه بقراءة الآية لا تنفع نفسا إيمانها فالتأنيث لإضافتها للضمير)

93-     ((وأما عقيدة النزول فليس)) من أجزاء هذه المواعيد. (حمامة البشرى) (وأما النزول فليس..)

94-     فيتركون السماوات خالية كبلدة ((خرجت أهلها)) منها (حمامة البشرى). (كبلدة خرجت هي منها) (شبيه بقراءة الآية لا تنفع نفسا إيمانها فالتأنيث لإضافتها للضمير)

95-     96 ويعلم الناس أن نصرة الله قد أحاطت مشارق الأرض ومغاربها، ((وشاعت تغلغلها)) في أخيار العباد وعقاربها. (الاستفتاء)

( وشاعت هي .. شبيه بقراءة الآية لا تنفع نفسا إيمانها فالتأنيث لإضافتها للضمير). أما تأنيث (العباد) بالرجوع إليها بضمير الهاء في (عقاربها) إنما مرده إلى كون العباد جمع تكسير فحمله على معنى الجماعة (جماعة العباد) كما بيّناه في المقال السابق.

97-     ولو فرضنا أن آفة النسيان أجاحَ شجرةَ علمه من البنيان (إعجاز المسيح). (أن النسيان أجاح)

98-     وإن ((خفايا القرآن لا يظهر)) إلا على الذي ظهر مِن يَدَيِ العليمِ العليّ ( إعجاز المسيح). ( إن القرآن لا يظهر)

99-     ولكن خلافته ما كان مصداق الأمن المبشَّر به من الرحمن، (سر الخلافة ) (ولكنه ما كان مصداق.. شبيه بقراءة الآية لا تنفع نفسا إيمانها فالتأنيث لإضافتها للضمير)

العبارات التالية سوف نذكرها تحت توجيهات أخرى مستقبلية في باب التذكير والتأنيث، ولكنها ممكن أن تُوجه أيضا وفق اكتساب المضاف التذكير والتأنيث مما أضيف إليه.

97-     ((قيمة المرء الكامل يزيد)) عند ظهور كماله (إعجاز المسيح ). (شبيه بما يمكن حذفه. كمثل:قيمة المرء الكامل يعجبني عند ظهور كماله)

98-     : كثرت موت القلوب (إعجاز المسيح). (شبيه بما يمكن حذفه. كمثل:أخافتني موت القلوب..)

99-     كما هو عادة المبطلين.( كرامات الصادقين ) (شبيه بما يمكن حذفه. كمثل: أغاظني عادة المبطلين)

100-          84: فلا شك أنه تحكُّمٌ محضٌ كما هو عادة المتعصبين. (حمامة البشرى). (شبيه بما يمكن حذفه. كمثل: كما كان/اعتُبِر عادة المتعصبين)

101-          كما هو عادة المؤمنين، (مكتوب احمد ) (كسابقتها)

102-          كما هو عادة الحاسدين والمستكبرين (الهدى والتبصرة لمن يرى ) (كسابقتها)

103-          كما هو عادة الأشرار، (الهدى والتبصرة لمن يرى) (كسابقتها)

104-          كما هو عادة الأجلاف واللئام،    (ترغيب المؤمنين في إعلاء كلمة الدين )    (كسابقتها)

105-           فلا شك أن خلافته عاري الجلدة من حلل الثبوت، (سر الخلافة ) (شبيه بما يمكن حذفه. كمثل:أن خلافته مذكور/ ذُكر منذ ..)

كما أن هنالك الكثير من الفقرات الأخرى، التي تندرج تحت هذا الباب من اكتساب المضاف التذكير والتأنيث من المضاف إليه، ولكننا  نمتنع عن ذكر بعضها هنا لأننا كنا قد أدرجناها تحت التوجيهات السابقة فلا حاجة إلى ذكرها هنا مرة أخرى، وبعضها الآخر يندرج تحت توجيهات أخرى مستقبلية في باب التذكير والتأنيث سنذكرها في وقتها.