المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود عليه السلام العربية .. 183

صحة وفصاحة التركيب (لمَ ما فعل…؟)

عشرون مثالا من بين الآلاف على ورود هذا التركيب في أمهات المراجع

الاعتراض :

يدّعي المعارضون الركاكة وقلة الفصاحة في بعض كلام المسيح الموعود عليه السلام والذي ورد فيه التركيب (لمَ ما فعل؟)، مدعين أن الأفصح منه هو القول: (لماذا لم يفعل)، وكأن استعمال التركيب:( لم ما فعل؟) منافٍ لمظاهر الفصاحة والبلاغة.

واعتراضهم على الفقرات التالية:

1: فتفكَّرْ .. لِمَ ما نزل مع أن عمر الدنيا قد بلغ إلى آخر الزمان؟ (حمامة البشرى).

2: أتقول لِمَ ما فعل الفعّال كما كنتُ أخال؟ (سر الخلافة).

3: ولِمَ ما نهض للحرب والبأس وتأييد الحق ودعوة الناس؟ (سر الخلافة)

4:  ولِمَ ما هاجر من أرض الظلم والفتنة والارتداد إلى بلاد أخرى؟ (سر الخلافة)

5: ففكِّروا لِمَ ما ظهر مجدد كنتم تنتظرونه؟ (سر الخلافة)

6: وتقول لما فعلت كذا ولم ما فعلت كذا؟ (تحفة بغداد)

فحسب زعمهم في كل هذه الفقرات كان من الأفصح القول:

لِمَ لَمْ ينزل ؟ لماذا لم ينزل/ لِمَ لَمْ يفعل؟ لماذا لم يفعل؟/ ولماذا لم ينهض؟/ ولماذا لم يهاجر؟/  لماذا لم يظهر؟/ لماذا لم تفعل؟ …

الرد:

يكفينا لإثبات صحة وفصاحة هذا التركيب، التأكيد على استعماله من قبل جهابذة اللغة والنحو والدين والتفسير، مثل: مفسري القرآن والحديث الشريف، مئات إن لم يكن آلاف وملايين المرات، فقد ورد هذا التركيب عن أئمة النحو والدين مثل الإمام السيوطي وبدر الدين العيني وغيرهم، كل ذلك في أمهات الكتب من الأدب العربي والإسلامي القديم والحديث.

وإليكم بعض هذه الكتب مع أسماء مؤلفيها:

1: الكتاب: عمدة القاري شرح صحيح البخاري

المؤلف: أبو محمد محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين الغيتابى الحنفى بدر الدين العينى (المتوفى: 855هـ)

2: الكتاب: عقود الزبرجد على مسند الإمام أحمد في إعراب الحديث

المؤلف: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ)

3: الكتاب: عون المعبود شرح سنن أبي داود، ومعه حاشية ابن القيم: تهذيب سنن أبي داود وإيضاح علله ومشكلاته

المؤلف: محمد أشرف بن أمير بن علي بن حيدر، أبو عبد الرحمن، شرف الحق، الصديقي، العظيم آبادي (المتوفى: 1329هـ)

4: الكتاب: العرف الشذي شرح سنن الترمذي

المؤلف: محمد أنور شاه بن معظم شاه الكشميري الهندي (المتوفى: 1353هـ)

5: الكتاب: الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري

المؤلف: محمد بن يوسف بن علي بن سعيد، شمس الدين الكرماني (المتوفى: 786هـ)

6: الكتاب: آثار البلاد وأخبار العباد

المؤلف: زكريا بن محمد بن محمود القزويني (المتوفى: 682هـ)

نورد فيما يلي قائمة بعشرين مثالا لاستعمال هذا التركيب من كتب التراث :

1: عمدة القاري شرح صحيح البخاري (1/ 97)

الْحَادِي عشر مَا قيل لم مَا رَاعى هِرقل التَّرْتِيب وَقدم فِي الْإِعَادَة سُؤال التُّهْمَة على سُؤال الِاتِّبَاع

2: عمدة القاري شرح صحيح البخاري (1/ 144)

مِنْهَا: مَا قيل: لِمَ مَا ذكر نفس الرجل أَيْضا

3: عمدة القاري شرح صحيح البخاري (4/ 147)

(فَإِن قلت) لم مَا عكس بِأَن يَجْعَل هَذَا الْإِسْنَاد أصلا

4: عمدة القاري شرح صحيح البخاري (4/ 197)

فَإِن قلت: لِمَ مَا قَالَ نوم الرجل مثل مَا قَالَ فِي الْبَاب السَّابِق نوم الْمَرْأَة

5: عمدة القاري شرح صحيح البخاري (4/ 271)

فَإِن قلت: لمَ مَا أخر لفظ: كَانَ،

6: عقود الزبرجد على مسند الإمام أحمد في إعراب الحديث (73  –  74/ 47)

فإن قلت: لِم ما ثنّي “أحب” حتى يطابق خبر “يكون”

7: عون المعبود وحاشية ابن القيم (1/ 231)

) أَيْ لِمَ مَا أَيْقَظْتَنِي

8: العرف الشذي شرح سنن الترمذي (2/ 84)

«لمَ ما أخبرتم إياي»

9: الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (1/ 97)

فإن قلت لم ما ذكر

10: اِلكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (3/ 47)

فإن قلت لم ما ذكر الاستنشاق

11: الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (3/ 161)

فإن قلت لم ما قال حائضة.

12: الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (3/ 204)

لم ما أفتى أولاً بذلك

13: الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (25/ 132)

فإن قلت لم ما ذكر الزكاة والحج

14: تاريخ مختصر الدول (1/ 271)

فقال هولاكو:لم ما جاء الدويدار

15: عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان (ص: 214، بترقيم الشاملة آليا)

وقال: لم ما أحضرتموه بالحياة؟

16: آثار البلاد وأخبار العباد (ص: 382)

فقلت: يا سيدي لم ما سألته المعرفة به وقد قال لك سلني ما شئت؟

17: الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (19/ 59)

فان قلت: لم ما ذكر الحديث الذي رواه في…

18: الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (20/ 157)

فإن قلت لم ما دخل على (الصفي) التاء

19: عمدة القاري شرح صحيح البخاري (8/ 216)

فَإِن قلت: لِمَ مَا صرح باسمه حَتَّى لَا يلْزم التَّدْلِيس؟

20: عمدة القاري شرح صحيح البخاري (24/ 277)

فَإِن قلت: لم مَا قَالَ شَيْئا لَهَا وَسكت عَنْهَا وَلم يزجرها؟

وفي كل هذا إثبات على فصاحة هذا التركيب بما لا يدع مجالا للشك والريبة.

وللتأكيد على هذه الفصاحة نقول:

_  إن الفصاحة مجال واسع وما لم يكن في أعلى مستويات الفصاحة فهو ليس بالضرورة ليس فصيحا، بل يبقى فصيحا وقد يكون من أفصح الفصيح أيضا إلا أنه يقل عما هو أفصح منه بدرجة.

_ على فرض أن هذا التركيب أقل فصاحة من الآخر، فمن يمنع وماذا يمنع الكابت الفصيح والبليغ أن يستعمل الأسلوب الأقل فصاحة!!؟ أوليس الأقل فصاحة عند المعارضين موجود في القرآن الكريم؟ مثل لغة أكلوني البراغيث بتأويلاتها المختلفة. فهذه اللغة يعتبرها المعارضون أقل فصاحة من غيرها ويعترضون عليها ويصنفونها ضمن الخطأ وغير الفصيح رغم ورودها في القرآن الكريم.

_ من هنا فإن البليغ والفصيح يجوّز لنفسه استعمال أعلى مستويات الفصاحة والبلاغة، ويتيح لنفسه التفنن في أساليب اللغة بما هو أقل منها فصاحة أيضا، وليس هذا ما يقدح في فصاحته وبلاغته.

_ ثم من قال بأن التركيب (لماذا لم يفعل؟) أكثر فصاحة من (لم ما فعل)؟

_ من قال أن الاستفهام بـ(لماذا) أفصح من الاستفهام بـ ( لمَ)؟ فالقرآن الكريم الذي هو أعلى مستويات الفصاحة والبلاغة لم يستفهم بـ (لماذا) في أي آية من آياته قاطبة، بل استفهم كثيرا بـ (لمَ)!!! ومن قال أن نفي الفعل الماضي بـ (ما) النافية أقل فصاحة من نفي المضارع بـ (لمْ)، فالقرآن الكريم يزخر بدخول ما النافية على الفعل الماضي. ولو ضربنا هذين التركيبين بالقرآن الكريم لرجحت كفت (لم ما فعل) من حيث الفصاحة والبلاغة.

_ وإن كان المعارضون قد أقروا بأن الاختصار من سمات الفصاحة والبلاغة، فنقول بأن التركيب( لم ما فعل؟) مختصرا أكثر من ( لماذا لم يفعل)، وعليه فهو أكثر فصاحة وبلاغة.

_ لقد وقع المعارضون كثيرا في فخ عدم استعمالنا في هذا العصر للعديد من التراكيب اللغوية، فيستثقلونها لأنها ليست مما هو متبع في كتاباتنا العصرية، غير أنها كانت في الكتب القديمة من الأساليب الرائجة والمعروفة، بما يؤكد فصاحتها ويسرها على ألسن الناس .

_ واستعمال المسيح الموعود عليه السلام لكل هذه الأساليب والتراكيب هو في الحقيقة فنّ من فنون التعبير ومظهر من مظاهر الإعجاز في لغته العربية، وإثبات على بلاغته وفصاحته وامتلاكه لناصية اللغة.