المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود عليه السلام العربية..178

الإعجاز في (إذا) الفجائية ..2

جواز دخول (إذا) الفجائية على الجملة الفعلية

الاعتراض:

يعترض المعارضون على المسيح الموعود عليه السلام بإدخاله (إذا) الفجائية على الجملة الفعلية أي على الفعل، لأن الصحيح حسب زعمهم ووفق الرائج في اللغة هو دخولها على الجملة الاسمية فقط. واعتراضهم متعلق بالجمل التالية بالذات:

_ وكان المسلمون قد عجِزوا عن الاعتراضات الفلسفية … ودارَ الشيطان حول إيمان المسلمين … فإذا نظَر إليهم حضرةُ العزّة. (لجة النور)

_ وما مرّ على ما رأيت إلا سنة فإذا ظهَر قدر الله على يد عدو مبين اسمه “كرم الدين”. (مواهب الرحمن)

_  فبينما أنا كذلك إذا سمعتُ صوت صَكِّ الباب. (التبليغ، ص 108)

_ فبينما أنا في فكر لأجل ظفر الإسلام … فإذا بشّرني ربي بموته. (كرامات الصادقين)

_ بينما عمرُ يخطب يوم الجمعة إذا ترك الخُطبة ونادى يا ساريةُ الجبل. (تحفة بغداد)

_ فبينما أنا أفتّش كالكَميش، إذا تلالأتْ أمام عيني آيةٌ من آيات الفرقان. (منن الرحمن)

 

الردّ:

سنفجأ المعارضين حين نعلّمهم  -كما تعودنا- أن مسألة دخول إذا الفجائية على الجملة الفعلية هي قضية خلافية بين النحاة، ومن بين النحاة من أجاز دخولها على الجملة الفعلية مطلقا، ومنهم من أجاز ذلك بتصدير الفعل بالحرف (قد). وبناء عليه فالقطع بدخولها على الجملة الاسمية ليس بصحيح؛ وهذا ما تؤكده المصادر التالية:

يفتح لنا النحو الوافي هذا الباب بإقراره أن الرأي المقتصر دخول إذا الفجائية على الجملة الاسمية هو في الحقيقة الرأي الأشهر وليس الأوحد والقطعي، فيقول:

1: “… كالاسم الواقع بعد “لولا”؛ الامتناعية، أو بعد “إذا” الفجائية؛ فإنه لا يكون إلا مبتدأ؛ إذ لا يصح -في الرأي الأشهر- دخول أحدهما على غير المبتدأ؛ نحو: لولا العقوبةُ لزادت الجرائم. ونحو؛ فتحت الكتاب؛ فإذا الصّوَرُ فاتنة.” [النحو الوافي (2/ 22)]

 

2: “(إِذا) للمفاجأة فتختص بِالْجُمْلَةِ الاسمية فِيمَا جزم بِهِ ابْن مَالك وردّه أَبُو حَيَّان وَقيل تدخل على الْفِعْل مُطلقًا وَقيل تدخل إِلَى الفعلية المصحوبة ب (قد) نقل الْأَخْفَش ذَلِك عَن الْعَرَب نَحْو خرجت فَإِذا قد قَامَ زيد…” [همع الهوامع في شرح جمع الجوامع (2/ 182)]

وفيما يلي قول أبو حيان في الارتشاف:

3: وتجيء بعد (إذا) (يقصد الفجائية) الجملة الاسمية مصحوبة بإن المكسورة الهمزة، والمفتوحة كما روى: . … … … … إذا أنه عبد القفا واللهازم

بكسر (إن) وفتحها، والجملة الفعلية مصحوبة بقد نقل ذلك الأخفش عن العرب، فتخصيص ابن مالك أنها لا يليها إلا جملة اسمية وهْم…” [ارتشاف الضرب من لسان العرب لأبي حيان الأندلسي (3/ 1413- 1414)]

 

4: “… للنحاة ثلاثة أقوال: الأول: أنه لا يقع بعد إذا الفجائية إلا الأسماء مطلقا. الثاني: أنها تدخل على الأسماء وعلى الأفعال مطلقا. الثالث: تدخل على الأسماء وعلى الأفعال المقترنة بقد، فإن لم يقترن الفعل لم تدخل عليه.”  [أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك (2/ 149)]

وبناء على جواز دخول إذا الفجائية على الأفعال، جوّز الكثير من النحاة نصب الاسم بعدها من باب الاشتغال، أي بتقدير فعل محذوف بينها وبين الاسم الذي يليها؛  كما تقر به المصادر التالية:

5: ولا يليها (يقصد “إذا”) في المفاجأة إلا الجملة الاسمية دفعا لالتباسها بالشرطية، ومن ثم امتنع النصب في نحو خرجت فإذا زيد يضربه عمرو وجوّزه كثير من النحويين. [حاشية الصبان على شرح الأشمونى لألفية ابن مالك (2/ 388)]

 

6: لم أعثر على أي خلاف في هذه المسالة، وهي وجوب الرفع إن تلا الاسم ماله صدر الكلام، بل أجمع العلماء على ذلك. وإنما وقع الخلاف في الرفع بعد (إذا) الفجائية على أقوال ثلاثة:

الأول: وجوب الرفع، لأنها لا تدخل على الجمل الفعلية، وهذا هو الصحيح.

الثاني: جواز النصب، لأنهم أجازوا فيها الدخول على الجمل الفعلية.

الثالث: جواز النصب إن دخل على الفعل (قد) ” [شرح شذور الذهب للجوجري (2/ 754)]

 

7: ” أو إن وقع الاسم بعد ما يختص بالابتداء، كـ”إذا” الفجائية …وفي المسألة ثلاثة أقوال، أصحها هذا مطلقًا والثاني: جواز دخولها على الفعلية مطلقًا، والثالث: التفرقة بين أن يقترن الفعل بـ”قد” فيحوز دخولها عليه، وألا يقترن فيمتنع حكاها في المغني، وعلى الأصح فيجب الرفع “نحو: خرجت فإذا زيد يضربه عمرو”، ويجوز النصب على الثاني، ويمتنع على الثالث لفقدان “قد” ..”  [شرح التصريح على التوضيح أو التصريح بمضمون التوضيح في النحو (1/ 452)]

 

8: “إذا ولى الاسم إذا الفجائية نحو: خرجت فإذا زيد يضربه عمرو، وفي ذلك ثلاثة مذاهب: أحدها: أنه يجوز فيه الاشتغال، الثاني: أنه لا يجوز فيه إلا الابتداء الثالث: التفصيل بين أن يكون الفعل قد دخل عليه قد، فيجوز فيه الاشتغال أو لا تدخل عليه (قد) فيمتنع. [ارتشاف الضرب من لسان العرب لأبي حيان الأندلسي (4/ 2164)]

وفيما يلي شواهد من الحديث الشريف على دخول إذا الفجائية على الفعل أي الجملة الفعلية:

يذكر صاحب الكوكب الوهاج دخول إذا الفجائية على الفعل في الحديث التالي في إحدى رواياته من صحيح البخاري، حيث جاء:

9: عَن يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ. أخْبَرَنِي عَبْدُ الله بْنُ أَبِي قَتَادَةَ؛ أَن أَبَاهُ أَخْبَرَهُ؛ قَال: بَينَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلّمَ. فَسَمِعَ جَلَبَةَ….”

ويتابع في تفسير الحديث ويقول:

“… (بينما نحن نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) والفاء في قوله (فسمع جلبة) أي أصواتًا مختلطة لحركتهم وكلامهم واستعجالهم، رابطة لجواب بينما نائبة عن إذا الفجائية كما في رواية البخاري “إذا سمع” أي بينما أوقات صلاتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجأه سماع جلبة ..” [الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (8/ 343)]

 

وجاء ذكر نفس الحديث فيما يلي:

10: “عن عبد اللَّه بن أبي قتادة عن أبيه قال: بينما نحن نصلي مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ إذا سمع جَلَبةَ رجالٍ،..” [اختصار صحيح البخاري وبيان غريبه (1/ 254)]

11: وذكر هذا الحديث كتاب مسند السراج حيث جاء فيه:

” عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذا سَمِعَ جَلَبَةَ رِجَالٍ …”

وقال في إسناده: إِسْنَاده صَحِيح، أخرجه مُسلم (ج1 ص220) من طري مُعَاوِيَة بن هِشَام عَن شَيبَان بِهِ. وَرَوَاهُ البخاي (ج1 ص88) عَن أبي نعيم عَن شَيبَان بِهِ، وَرَوَاهُ أَبُو عوَانَة (ج2 ص83) عَن عَبَّاس الدوري بِهِ، وَقد حَدثهُ الدوري يَوْم الْخَمِيس لإحدى عشرَة بقيت من شعْبَان سنة 267 انْظُر الْبَيْهَقِيّ (ج3 ص228) .

” …عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَمِعَ جَلَبَةً …” وقال في إسناده:  إِسْنَاده صَحِيح، أخرجه مُسلم (ج1 ص220) عَن إِسْحَاق بن مَنْصُور عَن مُحَمَّد بن الْمُبَارك. [مسند السراج (ص: 296)]

النتيجة والخلاصة:

_ يتضح من كل ما تقدم جواز دخول إذا الفجائية على الجملة الفعلية بإقرار النحاة أنفسهم وإن لم يكن هذا الرأي هو الأشهر.

_ تشهد على هذا الرأي العديد من المصادر النحوية كما أسلفنا.

_ في مسألة دخول إذا الفجائية على الأفعال، أي على الجملة الفعلية، هنالك ثلاثة أراء:

1: الرأي الأشهر يمنع دخولها على الأفعال ويقتصر دخولها فقط على الجملة الاسمية

2: الرأي الثاني يجيز دخولها على الجملة الفعلية مطلقا

3: الرأي الثالث يجيز دخولها على الجملة الفعلية فقط إذا سبق الفعلَ الحرفُ (قد) كالقول : فإذا قد قام زيد..

_ من أهم النحاة الذين يردّون الرأي الأول هو أبو حيان التوحيدي في كتابه “ارتشاف الضرب”.

_ من أهم الأمثلة على دخول إذا الفجائية على الجملة الفعلية هو الحديث الشريف، حيث جاءت في إحدى روايات البخاري للحديث: بينما/بينا نحن نصلي مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ إذا سمع جَلَبةَ رجالٍ،..” وفي هذا الحديث إثبات جديد على جواز دخول إذا الفجائية في جواب الظرفين (بينا) و (بينما).

_ وبناء على كل هذا يتضح صحة كلام المسيح الموعود عليه السلام في الفقرات المعترَض عليها أعلاه، وأنه لا خطأ وارد فيها قطّ. بل هي لغة عربية صحيحة وفصيحة، لا يطعن فيها إلا جاهل أو مغرض حاقد.