#المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود ع العربية ..167

النصب بالفتحة لما يجمع بالألف والتاء (جمع المؤنث السالم) على لغاتٍ للعرب وتجويز الكوفيين

الاعتراض :

يتحدانا المعارضون في جمع المؤنث السالم، فننقل لكم تحديهم واعتراضهم بحذافيره كما أوردوه:

“نصب جمع المؤنث السالم بالفتحة
هذا الجمع يسمى “ما جُمع بالألف والتاء”، لأنّه ليس مقصورا على جمع المؤنث، ولأن مفرده لا يظلّ سالما دائما، بل يمكن أن يكون مفردُه مذكرا، مثل قطارات وحمامات، كما يمكن أنْ يدخله شيء من التغيير أحيانا، مثل: سجْدة سجَدات، نكتة نِكات، بِنْت بَنات، أُخْت أَخَوات.
قال ابن مالك:
وما بِتا وألـفٍ قـــَد جُمـعا **** يُكْسَر في الجرِّ وفي النَّصْبِ مَعا. (ألفية ابن مالك، ص 11)
فلم يُطلِق عليه جمع مؤنث سالم كما هو شائع الآن، بل سماه “ما جُمع بتاء وألف”، وقال إنّ علامة نصبه الكسرة.
ولكنّ الميرزا نصبَ هذا الجمع بالفتحة مرارا، فقال:

1: فكل من دخل دينهم (المسيحيين) رتّبوا له وظائف وصِلاتاً (نجم الهدى، ص 26). الصحيح: صلاتٍ.
2: ولو كانت رُواتُها كلهم ثقاتًا (نور الحق، ص 152). الصحيح: ثقاتٍ، لأنه خبر كان المنصوب بتنوين الكسر.

3: وأعطاني نكاتًا أدبية ( مكتوب أحمد، ص 97) الصحيح: نكاتٍ

4: وليس من العجب أن تسمع من خاتم الأئمة نكاتًا ما سُمعت من قبل. (الخطبة الإلهامية، ص 1)

5: إن في كتاب الله نكاتًا ومعارف لا يزاحمها عقيدة (تحفة بغداد، ص 7) واللافت في كلمة (نكات) أن الميرزا كتبها صحيحة مرة واحدة قبل أن يخطئ فيها هذه المرات الثلاث، فقال في عام 1892 وقبل أن يتعلم اللغة في ليلة واحدة !!: وألهمهم نكاتٍ وأسرارا وعلوما ما يلقاها إلا من  أوحي من الرحمن (دافع الوسواس، ص 2)
6: ويعرِضون على الناس أموالهم وبناتًا من أهل صلبان (لجة النور، ص 46). الصحيح: بناتٍ.
وقد قال البعض بجواز نصب “بنات” بالفتحة باعتبارها جمع تكسير، لكنّي أردّ مِن بابين:
1: أنها نُصبت بالكسرة في القرآن الكريم، فقد وردت في الآيات التالية:
{وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ} (الأنعام 100)، {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ} (النحل 57)، {وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ} (الأحزاب 50)، {أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ} (الصافات 153)، {أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ} (الزخرف 16).
2: أنّ نصبها بالفتحة أصعب نُطقا مِن نصبها بالكسرة، ولذلك نصبها العرب بالكسرة.
فحتى لو جاز نصبها بالفتحة، فهو غير فصيح، وفيه ثِقَل. وهو يتنافى مع قول الميرزا أنه “أفصح المتكلمين” (مكتوب أحمد، ص 90)”

الرد:

مدار الاعتراض والتحدي حول نصب الكلمات: صلاتًا/ ثقاتًا/ بناتًا/ نكاتًا ؛ بالفتحة رغم وجوب نصبها بالكسرة، لأنها جمع مؤنث سالم للكلمات التالية: صلة/ ثقة/ بنت/ نكتة. وهنا نقول ونجزم  أنه لا خطأ واقع في كل هذا قطّ! بل لها توجيهات ووجوه في اللغة العربية.

التوجيه:

كل هذا على لغات للعرب تجيز نصب ما يُجمع بالألف والتاء مطلقا، أو في حالة كون لام الكلمة محذوفة من المفرد، ولم تُردّ إليه في الجمع كما في الكلمات: (بنت/ ثُبة/ لغة) حيث أصلها ( بنو/ ثبي/ لغو) ؛ وهذا ما يسمى بالمؤنث المنقوص، أي أن أصل لامه حرف علة مثل: سنة وثبة.  ولذا وبناء على هذه اللغات قد أجاز الكوفيون نصب جمع المؤنث السالم بالفتحة مطلقًا.

 

الشواهد:

1: ” يجيز الكوفيون نصب جمع المؤنث السالم بالفتحة، لكن رأيهم ضعيف، لذلك من الأفضل عدم اتباعه، وهناك لغة تنصب هذا الجمع بالفتحة إن كان مفرده محذوف اللام ولم ترجع هذه اللام عند الجمع كما في “لغات، بنات” جمع “لغة، بنت” وأصلهما “لغو، بنو”. فتقول على هذه اللغة : ” شاهدت بناتَ العرب وسمعت لغاتَهم”، (أما إذا رُدت اللام في  الجمع كما في “سنوات، سنهات” فالنصب بالكسرة واجب، والأفضل مراعاة الأصل في النصب بالكسرة.” [ إ.هـ] [ موسوعة علوم اللغة العربية، ص 83 ج 5، والمعجم المفصل في الجموع ، ص 14 ؛ للدكتور إميل بديع يعقوب]

 

التعليق: القول بضعف هذه اللغة، رددنا عليه في سلسلة مقالات بعنوان “الفصاحة في لغات المسيح الموعود عليه السلام”، حيث أثبتنا وفق رأي العلامة عباس حسن أن وصف هذه اللغات بالضعف والشذوذ لهو وصف خاطئ ، فمجرد ورود هذه اللغة على لسان العرب الفصحاء يجعلها من فصيح الكلام.

2: أورد الدكتور إميل يعقوب بيتا من الشعر شاهدا على هذه اللغة حيث جاء :

“فلما جلاها بالأيام تحيّزَت ****            ثُباتًا عليها ذلُّها واكتئابُها

…. والشاهد فيه قوله (ثباتا) حيث نصب جمع المؤنث السالم بالفتحة ، ومن العرب من ينصب جمع المؤنث السالم بالفتحة إما مطلقا، وإما إذا كان اللفظ محذوف اللام ، ولم ترد إليه في الجمع، كما في البيت الشاهد. ” [ إ.هـ] [ المعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية، ص 49،ج1، للدكتور إميل بديع يعقوب]

التعليق : ثُباتًا تعني جماعات وهي جمع ثُبة، وهي منصوبة على الحالية كما جاء في “شرح التصريح”. “والثُّبَةُ والأُثْبِيَّة: الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ، وأَصلها ثُبَيٌ، .. الْهَاءُ فِيهَا بَدَلٌ مِنَ الْيَاءِ الأَخيرة؛…قَالَ ابْنُ جِنِّي: الذَّاهِبُ ( المحذوف) مِنْ ثُبَة وَاوٌ،.. وأصلها ثُبوَة” [لسان العرب]

من هذا الشاهد نخلص أن هناك لغتين للعرب إحداها تجيز نصبه بالفتحة مطلقا، والثانية تنصبه بالفتحة في الكلمات محذوفة اللام التي لم تُردّ في الجمع.

3: جاء في أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك

“الباب الرابع: الجمع بألف وتاء مزيدتين، كهندات ومسلمات؛ فإن نصب بالكسرة نحو: {خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ}، وربما نصب بالفتحة إن كان محذوف اللام كسمعت لغاتَهم؛ فإن كانت التاء أصلية كأبيات وأموات أو الألف أصلية كقضاةٍ وغزاةٍ نصب بالفتحة.

وفي الهامش :

“إذا كان المفرد معتل اللام، فإما أن تُرد له هذه اللام في جمعه بالألف والتاء، نحو سنة وسنوات وسنهات، وأخت، وأخوات، وإما ألا تردد، نحو: لغة ولغات وبنت وبنات، فإن كانت اللام المحذوفة من المفرد، قد ردت إليه في الجمع المذكور، أعرب بالكسرة نيابة عن الفتحة في جميع لغات العرب، ولم يختلفِ النحاة في ذلك، وإن كانت اللام المحذوفة من المفرد لم ترد إليه في جمعه، فقد حكى أحمد بن يحيى “ثعلب”: أن من العرب من ينصبه بالفتحة الظاهرة، نحو: “سمعت لغاتَهم” ونحو: “رأيت بناتَك”، ووافقه على ذلك الكسائي وابن سيده، ورووا على هذه اللغة قول أبي ذؤيب الهذلي:

فلما جلاها بالأيام تحيزت … ثُباتًا عليها ذُلها واكتئابها”[ إ.هـ] [أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك (1/ 87-86)]

التعليق: بالإضافة إلى لغات نصب جمع المؤنث السالم بالفتحة، لا بدّ من الوقوف على إمكانية أن تكون التاء الواردة في الجموع أعلاه من أصل الكلمة ، كما يومئ إليه هذا النص بتمثيله بالكلمات (أبيات و أموات)، إذ في هذه الحالة يُعتبر الجمع جمع تكسير، فيُنصب بالفتحة أيضا. وهذا ما قد ينطبق على كلمة (نكات)، إذ من الممكن اعتبار التاء فيها أصلية والجمع جمع تكسير فهي مشابهة للكلمات (نقطة/ نقاط ، بُرمة / برام ) حيث جاء:

“جَمْعُ النُّكْتَة: نِكاتٌ بالكسر، مثلُ نُقْطَةٍ ونِقاطٍ، وبُرْمَةٍ وبِرامٍ. ”  [التكملة والذيل والصلة للصغاني (1/ 343)]

لذا فليس من البعيد أن تعتبر  (نكات) جمع تكسير أيضا ، خاصة وأن مجال علل الكلمات وأصولها يشوبه الكثير من اختلاف الرأي والنظر بين النحاة أنفسهم ، لدرجة أن عباس حسن نعت الكثير منه بالخرافة. كما  أن السليقة العربية التي تفوهت بهذه الكلمة (نكات) قد سبقت كل تقديرات وتخمينات وتحليلات وتعليلات النحاة، فمن باستطاعته أن يجزم بأن حرف التاء في كلمة (نكات) هي تاء الجمع وليست التاء الأصلية!؟ أقول : لا يحق لأحد من النحاة مهما طال باعه وعلمه في اللغة  أن يجزم بذلك، فهذه الألفاظ (هكذا خُلقت ) على لسان العربي الأصيل، الذي لم يفكر في علل قلب الأحرف وأصولها أهي أصلية أم ليست أصلية!

ومما قد يؤيد قولنا هذا أن توهم أصالة الحرف الزائد أو توهم زيادته الحرف الأصلي وارد في اللغة ، وقد كان لمجمع اللغة العربية حديث مطول في بناء اللغة على التوهم، وهو يعني من بين ما يعنيه التشبيه والتقدير . وقد حُمل على هذا التوهم نصب كلمة (لغات) بالفتحة على توهم حرف تاء التأنيث الزائدة، بحرف زائد آخر  وهو التاء التي يوقف عليها (هاء) كما في كلمة قضاة ورواة ، فتشبيها لـ (لغات) بــ (قضاة) جاء نصب كلمة (لغات) بالفتحة. وعليه فإنه ليس من الغريب أن تشبه كلمة (نكات) بـ (نقاط) في جمعها جمع تكسير.

وقد أقر مجمع اللغة العربية المصري قرارا خاصا يجيز توهم أصالة الحرف الزائدن جاء فيه:

“رأت اللجنة في ضوء ما أثر عن اللغويين أن توهم أصالة الحرف الزائد أو المتحول لم يبلغ درجة القاعدة العامة، غير أن هذا التوهم ضرب من ظاهرة لغوية فطن إليها المتقدمون، ودعمها المحدثون، ولهذا ترى اللجنة أن في وسع المجمع أن يقبل نظائر الأمثلة الواردة على توهم أصالة الحرف الزائد أو المتحول، مما يستعملوه المحدثون، إذا اشتهرت ودعت إلها الحاجة.”

(ينظر: في أصول اللغة ج3، ص403) كما (وينظر : في أصول اللغة ج1، ص44-48؛ وفي أصول اللغة ،ج3، ص380-424)

وكذلك مما يؤيد قولنا في (نكات) أن صيغة جمع التكسير فِعال كثيرا ما جاءت ألفاظ مجموعة عليها شاذة عن القياس، أي أن هذه الألفاظ في مفردها ليست على الصيغ التي يقاس فيها جمع فِعال. (ينظر النحو الوافي ، ج4، ص 650-649) ومثلها الكلمات التالية حيث جاءت على غير القياس في جمع التكسير على فِعال: لقحة ولقاح، ونمرة ونمار،بُرمة وبرام، ونُقرة ونقار وجُفرة وجفار، وبُرقة وبراق. (ينظر ارتشاف الضرب لأبي حيان الأندلسي، ص 430)

لذا فإن كلمة (نكات) من الممكن اعتبارها جمع مؤنث سالما ، على اعتبار أن التاء تاء الجمع ، فحينها تُنصب بالكسرة على اللغة المشهورة، أو تُنصب بالفتحة على اللغة الأخرى التي جوّزها الكوفيون. أو من الممكن اعتبارها جمع تكسير أيضا على اعتبار أن التاء فيها أصلية، وحينها لا بدّ من نصبها بالفتحة.

وتأييدا لكل هذا، فقد وجدنا بعض المراجع العربية تنصب كلمة (نكات) بالفتحة منها:

ا: لمحات مهمة في الوصية (ص: 6): ولم أُغفل نكاتًا تقود الخواص

ب: آثار الشيخ العلامة عبد الرحمن بن يحيي المعلمي اليماني (24/ 339): يقتضي نِكاتًا متعددة.

ت: مجلة جامعة أم القرى 19 – 24 (13/ 447، بترقيم الشاملة آليا):فإن كتابه قد احتوى نكاتا بلاغية،

فلا بد أن هذا النصب قد جاء على اعتبارها جمع تكسير ليس إلا.

 

 

 

4: جاء في شرح المفصل لابن يعيش

“ولا يجوز فتحُ هذه التاء عندنا، وأجازه البغداديّون، وأنشدوا لأبي ذُؤَيْب [من الطويل]:

فلمّا اجْتَلاها بالإِيامِ تَحَيَّزَتْ … ثُباتًا عليها ذُلُّها وانْكِسارُها

وحكوا أيضًا: “سمعتُ لُغاتَهم” [ إ.هـ] [شرح المفصل لابن يعيش (3/ 222)]

التعليق : بالإضافة للكوفيين فقد أجاز البغداديون هذه اللغة.

5: التذييل والتكميل في شرح كتاب التسهيل

“وقال الرياشي: سمعت بعض العرب يقول- وليس هو بالمعروف-: أخذت إراتَهم، بنصب التاء.

“وقال أبو عمرو بن العلاء لأبي خيرة: كيف تقول: حفرت إراتِك؟ قال: حفرت إراتَك. قال: فكيف: استأصل الله عرقاتَهم أو عرقاتِهم؟ فقال: استأصل الله عرقاتَهم. فلم يعرفها أبو عمرو، وقال: لان جلدك يا أبا خيرة. يقول أخطأت. قال أحمد بن يحي: هي لغة لم تبلغ أبا عمرو. يقال: وأرت إرة أثرها وأرا: إذا حفرت حفرة تطبخ فيها، وإرات: جمع إرة. قال أبو عثمان: كان أبو عمرو يرده، ويراه لحناً”.

وقال هشام: حكى الكسائي: سمعت لغاتَهم قال: وهذا في الناقص ولا يجوز من هذا شيء عند البصريين، لأنه لا فرق بين الناقص والتام.

وحكى الكوفيون: انتزعت علقاتَهم وعرقاتَهم بكسر التاء وفتحها، فأما انتزعت علقاتهم فهو جمع علقة، يقال لما يض؟ ن به: علقة، ولا يجوز الفتح به عند البصريين. وقال الأصمعي: انتزعت عزقاتَهم، بفتح التاء وهي واحدة أي: أصل مالهم.

وتلخص من هذه النقول أن مذهب البصريين كسر التاء في النصب وجوباً ومذهب الكوفيين جوازاً فقيل مطلقاً وقيل: في الناقص.” [ إ.هـ] [التذييل والتكميل في شرح كتاب التسهيل (1/ 152-151)]

6: وفي نفس هذه القصة يورد ابن جني في الخصائص:

وهو سؤال أبي عمرو أبا خيرة عن قولهم: استأصل الله عرقاتهم, فنصب أبو خيرة التاء من “عِرقاتَهم “, فقال له أبو عمرو: هيهات أبا خيرة لان جلدك. وذلك أن أبا عمرو استضعف النصب بعد ما كان سمعها منه بالجر قال: ثم رواها فيما بعد أبو عمرو بالنصب والجر فإما أن يكون سمع النصب من غير أبي خيرة ممن يرضى عربيته وإما أن يكون قوي في نفسه ما سمعه من أبي خيرة من نصبها. [ إ.هـ] [الخصائص (1/ 385)]

 

التعليق: يتضح من الشاهدين الأخيرين:

أ: أن الشواهد على نصب جمع المؤنث السالم بالفتحة واردة في المؤنث الناقص مثل: ( إرة/ إرات، لغة/لغات) وكذلك في غير الناقص مثل: ( علقة/ علقات، عرقة/ عرقات) .

ب: من تفوه بهذه اللغات أعرابي أصيل عريق في اللغة وهو أبي خيرة ، وقد أثبتنا أن العربي الفصيح لا يخطئ بل تؤخذ منه اللغة.

ج: أن أبا عمرو لم يكن يعرف بهذه اللغة ، إلا أنه بعد ذلك أخذ وروى بها.

د: بناء على هذه الشواهد جوّز الكوفيون النصب في الفتحة مطلقا فيما جُمع بالألف والتاء.

 

7: جاء في شرح كتاب سيبويه

“وقد قال بعضهم في هذا المنقوص( المؤنث: مثل سنة وثبة): إذا جمع بالألف والتاء يجوز أن تفتح التاء في النصب وتقام مقام لام ” الفعل ” فيقال سمعت لغاتَهم. [ إ.هـ] ” [شرح كتاب سيبويه (4/ 331)]

8:  جاء في شرح الكافية الشافية لابن مالك

“وجاء في نحو “ثبات” فتح … في النصب نزرًا، لا عداك نجح

وأما “ثبات” ونحوه من جمع المحذوف اللام المعوض منها التاء، فالمشهور جريه مجرى “هندات”. ومن العرب من ينصبه بفتحة، ومن قول بعض العرب:

“سمعت لغاتَهم”. وأنشد الفراء  لأبي ذؤيب:

فلما جلاها بالأيام تحيزت … ثباتًا عليها ذلها واكتئابها” [ إ.هـ] [شرح الكافية الشافية (1/ 205- 206)]

التعليق: يقر ابن مالك بهذه اللغة في المؤنث المنقوص المحذوف لامه إن لم تُردّ في الجمع .

 

9: جاء في تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد

الثاني: نقل الشيخ أن الكوفيين يجيزون نصب ما جمع بألف وتاء بالفتحة، فقيل: سواء أكان تامّا نحو: استأصل الله عرقاتهم أم ناقصا نحو: سمعت لغاتهم، وقيل: إنما يجوز في الناقص فقط.” [ إ.هـ]  [تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد (1/ 251)]

 

10: شرح شافية ابن الحاجب

“قال المؤلف في شرح الكافية (ح 2 ص 175) : (وجاء في بعض

اللغات فيما لم يرد المحذوف فيه فتح التاء حالة النصب قالوا: سمعت لغاتهم وجاء في الشاذ (انفروا ثباتا) … وحكى الكوفيون في غير محذوف اللام: استأصل الله عرقاتَهم – بفتح التاء وكسرها اشهر ..” [ إ.هـ] [شرح شافية ابن الحاجب – الرضي الأستراباذي (2/ 292)]

التعليق: هذه اللغة واردة في القراءات القرآنية في الآية (انفروا ثباتًا) بدلا من (انفروا ثباتٍ) ، فلا مجال بعد هذا برميها بالشذوذ والضعف والركاكة لورودها في القراءات القرآنية. وقد أثبتنا أن من العلماء من يحتج بالقراءات كلها .

11: يقول الأستاذ محمد بهجة الأثري، عضو مجمع اللغة العربية المصري؛ في مقال له بعنوان “مزاعم بناء اللغة على التوهم”:

“فإن فتح تاء جمع المؤنث السالم إنما هو لغة قوم بعينهم من العرب، انفردوا بها، وجرَوا عليها قياسًا متَّبَعا في كلامهم، … وفتج تاء جمع المؤنث السالم هو لغة بني عدي كما يؤخذ من رواية راويها عنهم. وبنو عدي يطلق على بطون كثيرة من القحطانيين زمن العدنانيين أيضا. والراوي لهذه اللغة عنهم هو واحد منهم، وهو أبو خيرة نهشل بن زيد العدوي، ولم يذكر من أيهم هو؟ وهو اعرابي بدوي، دخل الحاضرة وأفاد وأخذ الناس اللغة عنه، وصنف في الغريب كتبا، منها: كتاب “الحشرات”. وقد رُوي عنه هذا الخبر ، وفيه “لغاتَهم” مرة، و”إراتَهم” و”عرقاتَهم” مرة أخرى. وكلتا الروايتين يرويها ثعلب يحيى بن أحمد اللغوي المشهور في مسألة بعينها، وهي فتح تاء جمع المؤنث السالم.” [ في أصول اللغة، ج3، ص403-404]

التعليق: يؤكد الأستاذ الأثري، أن نصب جمع المؤنث السالم بالفتحة، لغة مطّردة عند بني عدي القحطانيين العدنانيين الفصحاء، والذين أخذت منهم اللغة.

الخلاصة : 

1: نصب جمع المؤنث السالم بالفتحة لغة من لغات العرب:

لغة أ: فمنهم من ينصبه بالفتحة مطلقا، كما في الكلمات: عرقات/علقات؛ وهم بنو عدي.

لغة ب: منهم من يقصر ذلك على المؤنث المنقوص الذي حذفت لامه ولم تُرد إليه في حالة الجمع ، مثل: (لغة/لغات، ثُبة/ثبات، إرة/ إرات، عِزة/ عزات، عضة/ عضات، بنت/ بنات)

2: من المجوزين لهذه اللغة المدرسة الكوفية والبغدادية حيث عرف عن الكوفية تجويزها النصب بالفتحة لهذا الجمع مطلقا.

3: من النحاة المجوزين لهذه اللغة أو المقرين بها وبورودها: الكسائي، الفراء، سيبويه، ابن مالك، الأصمعي ، الرياشي ، ثعلب، ابن سيده، ابن جني، إميل يعقوب.

4: هذه اللغة واردة في القرآن الكريم في إحدى قراءاته حيث جاء: انفروا ثباتًا . وواردة عن أعرابي عريق الأصالة والفصاحة وهو أبي خيرة. وقد أثبتنا أنه ما دامت اللغة واردة في القرآن الكريم بقراءاته المختلفة ، أو عن العرب الفصحاء فهي إذن من فصيح الكلام الذي لا يمكن رميه بالشذوذ والركاكة.

5: من الممكن اعتبار كلمة ( نكات) جمع مؤنث سالما ، أو جمع تكسير قياسا على ما شابهها من الكلمات (نقطة / نقاط) .

النتيجة:

1: تثبت صحة عبارات المسيح الموعود عليه السلام المعترض عليها كلها (ثقاتا، صلاتا، نكاتا، بناتا)، ولا خطأ وارد فيها، فهي تسير وفق هذه اللغات التي أثبتناها ، فهي إما أن  تكون مندرجة تحت (لغة أ) أو تحت (لغة ب ). كما أنه من الممكن اعتبار الكلمات (نكات وبنات ) جمع تكسير واجب النصب بالفتحة.

فالكلمات (ثقاتا وصلاتا) شبيهة بالكلمات (ثباتا وإراتا)، ولا بدّ أن تسري على نفس القاعدة ، ومما يدعم ويؤيد هذا النهج  ورود كلمة (ثقاتا ) منصوبة بالفتحة بشكل فاشٍ في كتب التفسير والحديث الشريف، بعشرات إن لم يكن مئات المرات .

2: وبغض النظر عن التفصيل في اللغات، فإن اعتُبرت الكلمات المذكورة أعلاه و الواردة في كلام المسيح الموعود عليه السلام، جميعها جمع مؤنث سالما، فإن الكوفيين قد أجازوا نصبه بالفتحة مطلقا بناء على شواهدهم، وتثبت من هذه الوجهة وحدها صحة كل هذه العبارات.

3: غير أن المعارضين قد اعترفوا بأن كلمة (بنات) اعتُبرت عند البعض جمع تكسير ، وقد أثبتنا أعلاه أنه ليس من البعيد اعتبار كلمة (نكات) جمع تكسير أيضا على اعتبار التاء فيها أصلية؛ ففي هذه الحال لا بدّ من نصبها بالفتحة أيضا على هذا الاعتبار .

4: كون جمع المؤنث السالم ، وبالذات كلمة بنات، منصوبة فقط بالكسرة في القرآن الكريم ، لا يجعل من نصبه بالفتحة لغة ضعيفة ، وذلك لورود النصب بالفتحة في القراءات القرآنية في : (انفروا ثباتا) ؛ فكيف يُعزى الضعف والشذوذ للقرآن الكريم وقراءاته، والحديث الشريف يقول عنها بأيها قرأت أصبت ويقول:  {أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ كُلُّهُنَّ شَافٍ كَافٍ} (سنن النسائي, كتاب الافتتاح). وكذلك لورود لغات النصب بالفتحة على لسان العرب الفصحاء ،وهذا بحد ذاته كاف للقول بفصاحة هذه اللغة؛ ولا أحد يحق له تضعيفها . (يُنظر سلسلة مقالات : الفصاحة في لغات المسيح الموعد عليه السلام”).

5: كون كلمة (نكات) واردة في كتاب دافع الوسواس بنصبها بالكسرة ، قبل تحقق معجزة حضرته عليه السلام بتعلمه اللغة العربية من الله تعالى في ليلة واحدة، وكون نصبها بالفتحة مع قرائنها الأخرى المذكورة أعلاه من جمع المؤنث السالم قد جاءت بعد هذه المعجرة، فإنما هذا الأمر يؤكد معجزة حضرته عليه السلام ويشكل شاهدا كبيرا عليها. لأن هذا يعني بأن هذه النكات الأدبية واللغات العربية العريقة الأصيلة وغير المعروفة أو غير الرائجة في الكتابات العصرية، لم تجر على لسانه وقلمه عليه السلام  إلا بعد تحقق هذه المعجزة.

6: القول بالصعوبة والاستثقال في نصب جمع المؤنث السالم بالفتحة لهو عبث وهراء لا أصل له ولا يقول به قائل، فها قد أثبتنا أن العرب الفصحاء قد نصبوه بالفتحة، بلا حرج واستثقال. عدا عن أنه هناك من أرباب النحاة  المانعين لنصبه بالفتحة أجازوا نصبه بالفتحة أو بناءه على الفتح إذا كان اسم لا النافية للجنس، فكيف يكون الاستثقال مع هذا التجويز!؟ فإن كان هناك استثقالا فلا بد أن يثقل على اللسان في كل حالة وليس في حالات معينة! وهذا ما يصرح به ابن جني في الخصائص حيث يقول:

” ولم يُجز أصحابنا فتح هذه التاء (تاء جمع المؤنث السالم) في الجماعة، إلا شيئا قاسه أبو عثمان، فقال: أقول: لا مسلماتَ لك -بفتح التاء- قال: لأن الفتحة الآن ليست لـ”مسلمات” وحدها، وإنما لها ولـ”لا” قبلها. وإنما يمتنع من فتح هذه التاء ما دامت الحركة في آخرها لها وحدها. فإذا كانت لها ولغيرها فقد زال طريق ذلك الحظر الذي كان عليها. وتقول على هذا: لا سماتَ بإبلك -بفتح  التاء- على ما مضى. وغيره يقول: لا سمات بها -بكسر التاء- على كل حال. وفي هذا مسألة لأبي على -رحمه الله- طويلة حسنة.”  [الخصائص (3/ 308)]

أما  السبب وراء نصب جمع المؤنث السالم بالكسرة ففيه آراء ، فمنهم من يقول أنه  للتفريق بينه وبين المثنى لكي لا تتساوى (طالباتًا بـ  طالباتان) ، أو هناك من يقول أن السبب هو ليحدث التشابه والتساوي مع جمع المذكر السالم، ولا يتفوق المؤنث السالم على المذكر السالم ولا يكون أشد حكما منه، فكما أن المذكر السالم له علامتان ( الواو والنون في الرفع ، والياء والنون في الجر والنصب ) فجعلوا للمؤنث السالم فقط علامتين ليس أكثر ( الضمة في الرفع ، والفتحة في النصب والجر) .

وفي الحقيقة كل هذا عبث وهراء وخرافات وسفسطة لم ينزل الله بها من سلطان، لأن العربي الأصيل الذي خلق هذه الكلمات لم يكن يفكر بكل هذه العلل، وإنما هكذا خُلقت العبارات على لسانه. وما دام بعض العرب نصَبوا المؤنث السالم بالفتحة فلا صعوبة ولا استثقال ولا خطأ.