المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود ع العربية ..184

نكتة الخطأ في الأسماء الخمسة..3

الحكاية بالأسماء الخمسة في لغة الإمام الشافعي وتوجيه إضافيّ

الاعتراض:

زُعم أن المسيح الموعود عليه السلام، قد أخطأ في بعض العبارات والجمل التي وردت فيها بعض كلمات من الأسماء الخمسة أو الأسماء الستة، وهي الجمل التالية :

1: مليكٌ فيُزعِج ذي شِقاق ويحصِرُ (كرامات الصادقين، ص 12).

2: ويعلم أن أبي هريرة استعجل في هذا الرأي (حمامة البشرى، ص 93).

3: فانظر يا ذي العينين إن كنت من الطالبين (نور الحق، ص 153).

4: وقلت استغفِروا ربّكم ذي المغفرة (مكتوب أحمد، ص 77).

5: وأن لا تؤذي أَخيك بكبرٍ منك ولا تجرحه بكلمة من الكلمات (إعجاز المسيح، ص 82).

وموضع الخطأ وفق هذا الزعم الباطل هو في الكلمات (ذي) و (أبي) و (أخي)، التي جاءت بحرف الياء رغم أنها منصوبة ولا بدّ أن تنصب بالألف هكذا: (ذا) و( أبا) و (أخا)، وذلك لأن القاعدة المعروفة عن الأسماء الخمسة أنها تنصب بالألف وليس بالياء.

الرد:

قمنا بالرد التفصيلي على هذا الاعتراض في المقالين (مظاهر الإعجاز 69 و70) على الروابط التالية:

نكتة الخطأ في الأسماء الخمسة – الجزء الأول

نكتة الخطأ في الأسماء الخمسة -الجزء الثاني

وكان توجيهنا الأساسي لعبارات المسيح الموعود عليه السلام الأربع الأولى، هو نقل الأسماء الخمسة إلى العلمية والحكاية بها (يُنظر: مظاهر الإعجاز 69)

ومن الشواهد المؤيدة لنا في هذا التوجيه، والتي تؤكد صحة فقرات المسيح الموعود عليه السلام هذه وصحة توجيهاتنا لها، هو ورود مثيلها في كلام الإمام الشافعي، حيث ورد ما يلي:

1: أخبرنا “سفيان” عن “سالم أبو النضْر” مولى “عُمَر بن عبيد الله [ الرسالة للشافعي ](1/ 89)

لَا عِمْرَانُ يُسَمِّيهِ الْخِرْبَاقُ وَيَقُولُ قَصِيرُ الْيَدَيْنِ، أَوْ مَدِيدُ الْيَدَيْنِ وَالْمَقْتُولُ بِبَدْرٍ ذُو الشِّمَالَيْنِ وَلَوْ كَانَ كِلَاهُمَا ذُو الْيَدَيْنِ كَانَ اسْمًا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ وَافَقَ اسْمًا كَمَا تَتَّفِقُ الْأَسْمَاءُ [الأم للشافعي   (1/ 148)]

وفي هذين المثالين نرى بأن الإمام الشافعي لم يعامل الأسماء الخمسة وفق القاعدة الرائجة برفعها بالواو ونصبها بالألف وجرها بالياء، بل ألزمها الواو في جميع حالات الإعراب ف (أبو النضر) حقها الجر (أبي النضر)، و(ذو اليدين) حقها النصب (ذا اليدين)، ولكن الإمام الشافعي أبقاها على حالها، حكاية بها على اعتبار أنها أسماء أعلام أو كنية مشهورة بهذا اللفظ.

ويؤكد كل هذا محقق رسالة الشافعي الأستاذ أحمد شاكر في تعليقه على الفقرة الأولى الواردة في رسالة الشافعي فيقول:

“هكذا في الأصل “عن سالم أبو النضر” … والذي في الأصل له وجه في العربية، وإن كان غير مشهور. قال ابن قتيبة في مشكل القرآن (ج 1 ص 185 من كتاب القرطين): ” وربما كان للرجل الاسم والكنية، فغلبت الكنية على الاسم، فلم يعرف إلا بها، كأبي طالب، وأبي ذر، وأبي هريرة، ولذلك كانوا يكتبون: علي بن أبو طالب، ومعاوية بن أبو سفيان، لأن الكنية بكمالها صارت اسما، وحظ كل حرف الرفع، ما لم ينصبه أو يجره حرف من الأدوات أو الأفعال، فكاأه حين كنّى قيل: أبو طالب، ثم ترك كهيئته، وجعل الإسمان واحدا”. وما هنا كذلك، فإن سالما عرف واشتهر بكنيته ” أبو النضر”  وغلبت عليه.” [الرسالة للشافعي، ت أحمد شاكر،  ص 89].

وما هذا الذي ذهب إليه الشافعي في أقواله، وما فسّره أحمد شاكر مستدلا بكلام ابن قتيبة، إلا تأكيدا على جواز نقل الأسماء الخمسة إلى العلمية والحكاية بها، وإلزامها صيغة واحدة في جميع حالات الإعراب، وهو في الحقيقة ما ذهب إليه المسيح الموعود عليه السلام في الفقرات المذكورة أعلاه.

توجيه إضافي:

عهدنا على المسيح الموعود عليه السلام تكلمه بلغات القبائل العربية القديمة، وقد أثبتنا ذلك في الكثير من المواضع. وليس هذا فحسب، بل أثبتنا أن حضرته يتحدث بلغات عربية قديمة لم تنقلها إلينا الكتب العربية، مثل اعتباره شبه الجملة مبتدأ واسما للنواسخ.

وفي الحقيقة إن ما يلفت النظر في الفقرات المذكورة أعلاه من كلام المسيح الموعود عليه السلام في الأسماء الخمسة، هو ورود الأسماء الخمسة فيها كلها بموضع النصب، إلا أنها فيها كلها قد لزمت الياء.

وهذا إن دل على شيء فإنما يدل بما يقطع الشك باليقين بأن الأمر لم يرد بهذه الصورة خطأ أو سهوا ، وإنما هو أمر مقصود قطعا. فإن كانت هذه الفقرات خاطئة فرضا، لا بدّ أن يتبادر إلى أذهاننا السؤال التالي: لماذا لم يخطئ أو يسهُ المسيح الموعود عليه السلام  بهذه الأسماء الخمسة في مواضع الرفع أو الجر، ولماذا لم يخطئ أو يسهُ حضرته بجعل علامة النصب الواردة في هذه الفقرات هي الواو مثلا وليس الياء!؟ ألا يدل هذا على الأقل بأن الأمر مقصودٌ ولا علاقة له بالسهو أو الخطأ!!؟

لذا، وبناء على هذا، وبغض النظر عن التوجيه الأساسي الذي ذهبنا إليه لهذه الفقرات، وهو نقل الأسماء الخمسة إلى العلمية والحكاية بها؛ فإنني لا أستبعد  أيضا، كرأي شخصي لا أجد عليه أي إثبات أو دليل مما بين يدي من المصادر اللغوية، أن هذا الوارد في فقرات المسيح الموعود عليه السلام قد يكون لغة قديمة للعرب – لم تنقلها إلينا المصادر العربية- عاملت الأسماء الخمسة كالأسم المثنى أو جمع المذكر السالم مثلا، وذلك بجره ونصبه بالياء، أو ألزمتها الياء في جميع حالات الإعراب.

وقد عثرت في المصادر النحوية على ما قد يدل على هذا التوجيه أو يقرب إليه وإن لم يكن هو، إذ إن هنالك لغة للعرب والتي عاملت هذه الأسماء الخمسة معاملة جمع المذكر السالم في الجمع، بمعنى أنها جَمعت هذه الأسماء جمع مذكر سالما، كالقول: أبون وأبين، أخون وأخين. كما يصرح به النحو الوافي، حيث قال: “ومثل: “أب” وأخ بقية الأسماء الستة على الرأس القائل بأنها وردت عن العرب مجموعة جمع مذكر شذوذا، أي: هنون، وحمون، وذوون، وفون …” [النحو الوافي (1/ 151)]

فهل يا تُرى، هذه القبائل أو غيرها، عاملت هذه الأسماء في النصب أيضا كجمع المذكر السالم وذلك بنصبها بالياء؟ أو ألزمتها الياء دائما؟ العلم عند الله …ولست من يستبعد هذه الإمكانية، وهي جديرة بالتنويه.