المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود ع العربية ..141

الاحتجاج بالحديث الشريف ورواياته في النحو ..1

الاستشهاد بروايات الحديث الشريف المختلفة مذهب ابن حزم وإمام النحاة ابن مالك

الاعتراض:

لا بد من الاستشهاد بروايات الحديث الصحيح والضعيف فقط التي لا تعارضها روايات أخرى متفقة مع القواعد المعروفة ولغة القرآن الكريم والذوق. فلا بد من الأخذ بالرواية التي تتفق مع القاعدة النحوية المعروفة والذوق.

الردّ:

أولا لا بد أن نؤكد على الأمور التالية:

  • – لا جدال ولا نقاش في كون القرآن الكريم هو أعلى مستويات الفصاحة، إلا أن هذا الأمر لا يجعل الفصاحة محصورة فقط في القرآن الكريم، كما بيّناه في المقال السابق.
  • – كما أن القواعد النحوية لا تُستنبط فقط من القرآن الكريم مما يجعل الصحيح النحوي أيضا غير محصور في القرآن الكريم فقط.
  • – بل إن الفصاحة وتقعيد اللغة لها مصادر مختلفة، فمنها القرآن الكريم وهو أهمها وأفصحها، ثم لغة القبائل العربية الموغلة في البداوية – نثرا وشعرا- والتي كانت تسكن بالذات أواسط الجزيرة العربية، ثم المصادر الأخرى المنبثقة من عصور الاحتجاج اللغوي؛ هذا بالإضافة إلى لغة الإمام الشافعي الذي يُعتبر حجة في اللغة.

ثانيا:  لا بد من الإشارة أيضا  إلى أن قضية الاستشهاد بالروايات الحديثية في النحو وتقعيد اللغة، لهو أمر خلافي بين المدارس النحوية والنحاة، وقد اختلف هؤلاء في مدى استشهادهم بالحديث الشريف في النحو. ففي القرنين الأوّلين للهجرة لم يكن الاستشهاد به كبيرا رغم أن سيبويه قد لجأ إليه أحيانا وزاد عنه الفراء في ذلك. ولعل من الأسباب التي أدت إلى عدم اللجوء إلى الحديث الشريف في الاستشهاد أنه لم يكن مدوّنا في تلك الفترة . فمع مرور الوقت زاد اعتناء النحاة بالحديث الشريف والاعتماد عليه في استقراء المادة اللغوية.

إلا أن  القفزة الحقيقية في هذا الأمر كانت عند أصحاب المدرسة الأندلسية في النحو ومنهم ابن خروف وابن حزم الذي صرخ صرخة مدوية هاجم فيها النحاة، الذين عُنوا بالأعراب من الشعراء والمتكلمين، ولم يُعنوا بالحديث الشريف ولم يجعلوه لهم حجة في استنباط القواعد. ونتيجة لنهج ابن حزم هذا سرت بين علماء تلك البلاد عادة جديدة هي أن تجعل من لغة الحديث موردا جديدا للاستقراء.

ونتيجة لذلك فقد أشاع كل من السهيلي وابن مالك وابن خروف فيمن جاء بعدهم الإكثار من الاحتجاج بالحديث النبوي، وبرز هذا في تراث من خلفهم مثل المرادي وابن هشام وابن عقيل والسيوطي.

وبهذا يكون نحاة الأندلس أول من احتج بالحديث بشكل منهجي، وكان ابن مالك أكثر هؤلاء حماسة، إذ جعل من ظواهر الحديث النبوي اللغوية مادة يتعقب بها القدماء ويتهم بقلة الاستقراء، والجديد في هذه المرحلة أن النحاة لم يستندوا فيما احتجوا به من الحديث إلى الرواية والمشافهة بل أصبحوا يجدون ما في الكتب والأسفار ومجامع الصحاح مادة يجعلون منها حجة. (منقول بتصرف من كتاب أصول النحو العربي لمحمد خير الحلواني).

ومن هنا فإننا لا نجد عند أعلام المدرسة الأندلسية والمصرية في النحو، ابن مالك وابن خروف وابن هشام، هذا التقييد الذي يضعه المعارضون في وجوب كون الروايات الحديثية متفقة مع الروايات الأخرى أو القرآن الكريم لغة ونحوا أو القاعدة النحوية المشهورة، حتى تؤخذ حجة في الاستشهاد.

وكفانا شاهدا على صحة توجيهاتنا المختلفة التي ذهبنا إليها، أننا لم نستشهد برواية أو حديث لم يستشهد بها النحاة أنفسهم لنفس هذه التوجيهات التي ذهبوا إليها.

كذلك فإن تقييد المعارضين للاستشهاد بالحديث نحويا فقط إذا وافق القاعدة المعروفة، يعني بكلمات أخرى الاكتفاء بالقواعد المعروفة، لأن هذا يعني أنه لن تُقبل ظواهر لغوية تخالفها، وهذا ما لا يقوله حتى مجوزو الاستشهاد بالحديث الشريف، إذ إن تجويزهم المقيَّد بنوع معين من الحديث الذي لا تعتريه أية شبهة، لم يأت ليؤكد القواعد المعروفة، بل للزيادة عليها من تراكيب وقواعد ولغات لم يصل إليها النحاة في قواعدهم المشهورة.

فزعم المعارضين داحض عقلا ومنطقا لأنه متناقض في ماهيته ويعني الاستشهاد بالحديث من ناحية وعدم الاستشهاد به كلية من ناحية أخرى لأن القواعد المشهورة تغني عنه. كذلك فزعمهم داحض لأنه لم يقل به حتى مجوزو الاستشهاد بالحديث أنفسهم والذين يقيدون هذا الاستشهاد ولا يأخذون به مطلقا. وداحض لأن هناك من النحاة من أجاز الاستشهاد بالحديث مطلقا كما سنبينه في المقالات القادمة.