المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود عليه السلام العربية ..187

شهادة عباس حسن في النحو الوافي على فصاحة لغة: ” أكلوني البراغيث”

الاعتراض:

اعترض المعارضون على العديد من الفقرات في كلام المسيح الموعود عليه السلام والتي استعمل فيها لغة  أكلوني البراغيث، كمثل الفقرة التالية:

  • _ فانظر كيف ((يسعون هؤلاء)) إلى كل جهة (حمامة البشرى)

وادّعى المعارضون الخطأ أو عدم الفصاحة في مثل هذه اللغة.

الرد:

كنّا قد رددنا على هذا الاعتراض بالتفصيل في المقالات ( مظاهر الإعجاز 14 و133 و 186) على الروابط التالية:

لغة أكلوني البراغيث – بين الإثبات والتأويل في القرآن الكريم والحديث الشريف ولغة المسيح الموعود ؏ وكلام العرب

حين تلتقي لغة أكلوني البراغيث مع بدل الإضراب ..

وتأكيدا على فصاحة هذه اللغة نورد فيما يلي شهادة العلامة عباس حسن، والتي أوردها في مواضع مختلفة من النحو الوافي، وهي كما يلي:

1: في معرض حديثه عن أحكام الفاعل يقول في الحكم الرابع ما يلي:

رابعها: الشائع أن يتجرد عامله “فعلًا كان، أو شبه فعل” من علامة في آخره تدل على التثنية، أو على الجمع حين يكون الفاعل اسمًا ظاهرًا مثنى أو جمعًا، نحو: طلع النيران -أقبل المهنئون- برعت الفتيات في الحرف المنزلية، فلا يصح في الأمثلة السابقة وأشباهها -طبقًا، للرأي الشائع- أن يتصل بآخر الفعل ألف تثنية، ولا واو جماعة، ولا نون نسوة؛ فلا يقال: طلعا النيران -أقبلوا المهنئون- برعن الفتيات … إلا على لغة تزيد هذه العلامات مع وجود الفاعل الظاهر بعدها، وهي لغة فصيحة، ولكنها لم تبلغ من درجة الشيوع والجري على ألسنة الفصحاء ما بلغته الأولى التي يحسن الاكتفاء بها اليوم، والاقتصار عليها؛ إيثارًا للأشهر -وتوحيدًا للبيان- مع صحة الأخرى.

ومثل الفعل في الحكم السابق ما يشبهه في العمل، فلا يقال في اللغة الشائعة: هل المتكلمان غريبان؟ هل المتكلمون غريبون، بإعراب كلمتي: “غريبان” و”غريبون” فاعلًا للوصف، ويجوز على اللغة الأخرى.”  [النحو الوافي (2/ 73- 74)]

ففي هذا النص يقر عباس حسن بأن لغة أكلوني البراغيث والتي تزيد علامات التثنية والجمع على الفعل بوجود الفاعل هي لغة عربية فصيحة، ولا ريب. وفي الهامش يفسّر قراره هذا ويقول:

 لأن الوارد المسموع بها كثير في ذاته، وإن كان قليلًا بالنسبة للوارد من اللغة الأخرى، ولا معنى لما يتكلفه بعض النحاة من تأويل ذلك الوارد المشتمل على علامة التثنة، أو الجمع مع وجود الفاعل الظاهر بعد تلك العلامة؛ قاصدًا بالتأويل إدخال تلك الأمثلة تحت حكم آخر لا يمنع اجتماع الضمير مع ذلك الاسم المرفوع في جملة فعلية واحدة؛ فهذا خطأ منهم؛ إذ المقرر أن القلة النسبية لا تمنع، القياس، وأنه لا يصح إخضاع لغة قبلية للغة أخرى ما دامت كلتاهما عربية صحيحة.

ويستدل الذين يجيزون الجمع من الأمرين بأمثلة كثيرة: منها قوله تعالى: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} … وقوله تعالى: {عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ} بإعراب كلمة: “الذين” وكلمة “كثير” هي “الفاعل” والواو حرف محض وللدلالة على الجمع، وعليها قول الشاعر:

جاد بالأموال حتى … حسبوه الناس حمقا

وقول الآخر:

لو يُرزقون الناس حسب عقولهم … ألفيت أكثر من ترى يتكفف

ولا داعي عندهم لإعراب الواو فاعلًا، مع إعراب الاسم الظاهر بدلًا، أو غيره من ضروب التأويل التي منها إعراب الاسم الظاهر مبتدأ متأخرًا، وتكون الجملة الفعلية قبله خبرًا متقدمًا …ومن البديه أن محاكاة القرآن في ألفاظه المفردة والمركبة محكاة دقيقة أمر سائغ بل مطلوب، فإذا حاكيناه في مثل الآيتين السابقتين -وغيرهما- كانت المحاكاة الدقيقة صحيحة قطعًا، ولا يجرؤ أحد أن يصف التركب بالخطأ، ومن شاء بعد ذلك أن يؤول تعبيراتنا بمثل ما أول من الآيتين فليفعل، فليس يعنينا إلا صحة التركيب المساير للقرآن وسلامته من الخطأ، سواء أكانت صحته وليدة التأويل أم غيره، فالمهم الصحة لا نوع التعليل.

لعل الأخذ باللغة الأخرى التي تزيد هذه الحروف في آخر الفعل -أحسن في حالة الوصف؛ لأنه أيسر وأوضح -كما سبق أن قلنا في باب المبتدأ والخبر عند الكلام على الوصف- ج 1 ص 330 م 34” [النحو الوافي (2/ 74- 75)]

وقد كرر عباس حسن إقراره بأن هذه اللغة فصيحة وواردة عن فصحاء العرب في معرض حديثه عن التطابق بين المبتدأ والخبر في التثنية والجمع، وانتقاده تعنّت النحاة على إعراب الوصف (كاسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة)  المبتدأ به قبل اسم مرفوع على أنه خبر مقدم فقط، كما في القول “ما قادمان المحمدان”؛ وذلك لأن الوصف عندهم إذا رفع اسما بعده، يكون بمنزلة الفعل، والفعل لا يثنى ولا يجمع بوجود الفاعل ونائب الفاعل، بل جوّز عباس حسن إعراب الوصف على أنه مبتدأ مرفوع استغنى عن خبره بالاسم المرفوع بعده والاسم المرفوع هو فاعل أو نائب، قياسا على لغة أكلوني البراغيث الواردة عن فصحاء العرب حيث قال:

وفي هذا الرأي يقول ابن مالك:

والثان مبتدأ وذا الوصف خبر … إن في سوى الإفراد طبقا استقر

يريد “بالثاني: الاسم المرفوع بعد الوصف، فيعرب مبتدأ مؤخرا، ويعرب الوصف خبرا مقدما بشرط أن يكون ذلك الاسم طبقا، “أي: مطابقا” للوصف في غير الإفراد، بأن يطابقه في التثنة والجمع، ونحن لا نوافق النحاة القدامي على رأيهم هذا، لأن حجتهم واهية، فهم يقولون إن الوصف في هذه الصورة لو أعرب مبتدأ وما بعده فاعله أو نائب فاعله، لترتب على ذلك أن يكون الوصف  مثنى، أو مجموعا، والوصف عندهم إذا رفع اسما بعده، يكون بمنزلة الفعل، والفعل لا يثنى ولا يجمع، فكذلك ما هو بمنزلته. ونقول هنا ما قلناه من قبل- في رقم 2 من هامش ص 448-، وهو أن أساس رأيهم التوهم، والتخيل، والقياس الجدلي، لا اليقين، ولا الظن القوي، أو ما يدانيه، ولا القياس الحقيقي على ما نطقت به العرب، ففيه ما فيه من تحكم لا داعي له، فقد تكلم العرب الفصحاء بمثل هذا الأسلوب كثيرا، ولم يقولوا لأحد إن الوصف مبتدأ أو غير مبتدأ، ولم يقولوا في المرفوع بعده إنه يجب أن يكون مبتدأ والوصف خبره … لم يقولوا شيئا من ذلك ولم يتعرضوا للناحية الإعرابية. فكل حقهم وحق اللغة علينا ألا نخالف نهج هذا الأسلوب عند الصياغة كما ورد عنهم في تأدية معنى معين، وألا نخرج عن طريقتهم في تكوينه، وضبط مفرداته، ومعناه، أما ما عدا ذلك من الأسماء والتسميات والإعرابات- فلا شأن لهم به، وإنما هو شأن المعنيين بالدراسات اللغوية والنحوية في العصور المختلفة، وقد ترتب على رأي النحاة القدامى تعدد التقسيم في مطابقة الوصف، وكثرة الأحكام، فكان هناك التطابق في الإفراد، وله حكمان، وهناك التطابق في التثنية والجمع، ولكل حكمه. والرأي السمح الذي يرتضيه العقل أن التطابق في الإفراد كالتطابق في التثنية وفي الجمع، فما يجوز في حالة الإفراد يجوز في غيره عند التطابق، وبذلك ندخل التطابق كله في قسم واحد متفق في حكمه، ونستغنى عن التطابق في حالتي التثنية والجمع وعن حكمه المستقل. ولن يترتب على ذلك ضرر في طريقة صوغ الأسلوب، ولا في ضبط كلماتهه وحروفه، ولا في معناه، كما قلنا.

وفوق هذا فرأيُنا يساير بعض اللهجات الصحيحة التي تناقض حجة النحاة في قولهم: إن الفعل لا تلحقه علامة تثنيته ولاجمع، وأن ما يشبهه يسير على منواله، ذلك أن بعض القبائل العربية الفصيحة يخالف هذا، فيلحق بالفعل علامة التثنية والجمع، وبلغتهم أخذ فريق كبير من النحاة. كما سيجيء في جـ 2 باب: “الفاعل” وأحكامه ومنها: الحكم الرابع، م 55 ص 71 فالرأي بتوحيد التطابق رأي فيه تيسير فوق مسايرته للعقل والنقل.” [النحو الوافي (1/ 454- 455)]

وفي أقوال عباس حسن هذه ما يؤكد الكثير مما ذهبنا إليه في المقالات الماضية، أذكّر به كما يلي:

  • لغة أكلوني البراغيث لغة عربية صحيحة وفصيحة واردة في القرآن الكريم وعن فصحاء العرب، والكثير من النحاة؛ ولا سبيل للطعن في فصاحتها.
  • لغة أكلوني البراغيث واردة بكثرة عن فصحاء العرب وفاشية في النصوص القديمة مثل الحديث الشريف
  • إذا كان مدار الفصاحة هو كثرة السماع فبأي حق تضرب هذه اللغة بالركاكة.
  • هذه اللغة واردة في القرآن الكريم، والطاعن بها طاعن في القرآن الكريم وفصاحته.
  • من أجل الحكم على فصاحة التركيب والقياس عليه يكفينا وروده في القرآن الكريم  وعن فصحاء العرب ولا يهمنا تأويلات النحاة فيه.
  • الكثير من تأويلات النحاة عبثية ولا يمكن التعويل عليها في الحكم على صحة وفصاحة التركيب اللغوي.
  • وبهذا تثبت صحة وفصاحة تعابير المسيح الموعود عليه السلام التي استعمل فيها هذه اللغة بشهادة كبار النحاة.