الحديث عن سعد بن أبي وقاص رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قال:

من اصطبحَ بسبْعِ تمراتِ عجوةٍ، لَمْ يضرَّه ذلك اليوم سمٌّ ولا سحرٌ.” (صحيح البخاري 5779)

الاعتراض:

لا يمكن أن يمنع أكل سبع تمرات من الموت بالسم ولا السحر، ولو كان في ذلك أي صحة فلماذا لا يتجرأ أحد على أكل سبع تمرات ثم شرب رشفة من السم القاتل فإذا مات فقََدْ ثبت بطلان الحديث وعدم الاعتماد عليه مما يعني إدخال الشك في صحيحي البخاري ومسلم وغيرها من كتب الحديث، وإذا عاش فقََدْ أثبت للعالم صحة الأحاديث، وينتهي الموضوع !

الجواب:

بدايةً يجب أن نفهم بأن تعريف السمّ في علم الأحياء هو: “أي مادة من شأنها أن تسبّب ضرراً لشخص أو حيوان عند تعرض الجسم لها بأي طريقة كانت. فالسمّ هو المادة التي قد تسبب بأي شكل من أشكال المرض أو الموت إذا تم تناولها أو استنشاقها أو تم التعرض لها عن طريق الجلد أو العين أو عن طريق اللدغات.” (ما هو السم؟ الهيئة العامة للغذاء والدواء)

إذن لا ُيقصد من السم بالضرورة السمّ القاتل بل يشير إلى الإصابة بخلل أو وعكة صحية أو مرض فقط، والسمّ في الحديث لا يقول “كافة السموم” بل قال “سم” بدون أل التعريف مما يؤكد أنَّ المقصود هو أنواع السموم غير القاتلة بداهةً. أما العدد سبعة فهو عدد غير محدود عند العرب ويراد به الكثرة أي الإكثار من تناول التمور في الصباح الباكر. وتحتوي التمور بالفعل على مضادات حيوية كثيرة تساعد الجسم على التخلص من بعض السموم. (13 Proven Health Benefits Of Date)

إذاً فالحديث صحيح من الناحية العلمية. فمن الخطأ القول أنَّ على سامع الحديث أن يهبّ إلى أكل سبع تمرات ثم شرب السمّ القاتل لتجربة صحّة الوصفة الواردة في الرواية، فالحديث يحثُّ فقط على التمسك بهذه الطريقة الصحيّة التي أثبتت صدق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم بعد اكتشاف المضادات الحيوية في مقاومة بعض السموم الكحولية وغيرها في العصر الحديث. فهو إذاً مجرّد حثٍّ على عادة صحيّة ولا يمكن الفهم منه شمول كافة السموم القاتلة.

أما بشأن السحر فلننظر ماذا يعني في اللغة:

السحر: الأُخْذَةُ التي تأْخُذُ العينَ حتى يُظَنَّ أَن الأَمْرَ كما يُرَى وليس الأَصل على ما يُرى .. وكلُّ ما لَطُفَ مَأْخَذُه ودَقَّ، فهو سِحْرٌ، والجمع أَسحارٌ وسُحُورٌ، وسَحَرَه يَسْحَرُه سَحْراً وسِحْراً وسَحَّرَه، ورجلٌ ساحِرٌ من قوم سَحَرَةٍ وسُحَّارٍ، وسَحَّارٌ من قوم سَحَّارِينَ، ولا يُكَسَّرُ؛ والسِّحْرُ: البيانُ في فِطْنَةٍ.” (لسان العرب لابن منظور)

قال تعالى:

{قَالَ أَلْقُوْاْ فَلَمَّا أَلْقَوْاْ سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ}

إذن فالسحر مجرّد وهْمٌ وخداع للأعين لا حقيقة له، ومعناه في الحديث أنَّ الذي يتبع هذه الطريقة الصحّية لن يضرّه سمٌّ من السموم الخطيرة المعروفة وسيحصل على قوة ذهنية تساعده على التركيز في العبادة مما يجعله أكثر قرباً لله تعالى لا يتأثر بأوهام الناس بعد يقينه بأن ربّه هو الضارُّ والنافع والشافي وحده جلّ وعَلا. ومثال على ذلك ما ورد في الصحيح:

إذا كانَ أوَّلُ ليلةٍ من شَهْرِ رمضانَ: صُفِّدَتِ الشَّياطينُ ومرَدةُ الجنِّ.” (صحيح الترمذي، 682، الدرجة: صحيح)

فلا يوجد عاقل يعتقد بأن الشيطان سيحبس ولن تجد مجرماً ولا شريراً في هذا الشهر على الإطلاق، إنما المقصود هو أنَّ هذا الشهر مناسبة عظيمة للتقرب إلى الله تعالى والإكثار من العبادات والصيام فيكون الشيطان ضعيفاً جداً بسبب ذلك فلا يكاد يوجد له تأثير على المسلمين المخلصين.

وكذلك من معاني السحر المرض أي نفس معنى النجاة من السم المذكور قبل السحر في الحديث مما يثبت المعنى الذي أشرنا إليه بعدم شمول السموم القاتلة بعبارة “لَمْ يضرَّه سم” بل السم الضار المُمْرِض بوجه عام. ولنأخذ مسألة السحر الذي قيل بأن النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم تعرّض له من كلام العلّامة الحافظ ابن القيم رحمه الله:

وهذا المرض -السحر- لا ينافي حماية الله لأنبيائه، فإنه سبحانه وتعالى كما يحميهم ويصونهم ويتولاهم، فيبتليهم بما شاء من أذى الكفار ليستوجبوا كمال كرامته، وليتسلّى بهم من بعدهم من أممهم، وخلفائهم إذا أوذوا من الناس، فرأوا ما جرى على الرسل والأنبياء فصبروا، ورضوا وتأسوا بهم، ولتمتلئ صاع الكفار، فيستوجبون ما أعد لهم من النكال العاجل، والعقوبة الآجلة، فيسحقهم بسبب بغيهم، وعداوتهم، فيعجّل تطهير الأرض منهم، فهذا من بعض حكمته تعالى في ابتلاء أنبيائه ورسله بإيذاء أقوامهم.” (بدائع الفوائد، ص 226)

للاطلاع على تفصيل منشورنا حول شبهة سحر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يمكن القراءة من هذا الرابط: شبهة حديث سحر النبي ﷺ وقاعدة المسيح الموعود ؑ

لذلك فالسحر يعني المرض قديماً عند العرب.

دعونا أيها الأخوة الأحبة نفهم الأحاديث بمنطق ومرونة لا بجفاف وحرفية. دعونا لا نتسرع برفض الأحاديث هكذا لنثبت أنَّ رجال الصحاح وأهل الحديث تآمروا على الإسلام فنخلص إلى فقدان الثقة بكل رجالات الأمة وننتهي إلى مرحلة من الشك والريب وكسر حصوننا التي تحمينا وتمنع عنا الأخطار الخارجية وتجهزنا للعمل فيصبح القرآن وفهمه في مهب الريح وكأن الإسلام جاء ليزيد الشكوك والقلق فقط حيث الجميع كان يكذب ويتحرى الكذب والجميع خائن حاقد على الدين والعياذ بالله. لنكن أكثر تأدباً مع أحاديث تُنسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن نحسن الظن بصحابة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وسلفهم وتابعيهم بإحسان ولن نضيع ما دام في أيدينا كتاب الله وسنّته المتواترة والأحاديث الموثقة لها ولنحترم أمّتنا وندعوها لنبذ الحرفية والعودة إلى البساطة في الدين الذي لَمْ ينزل إلا على البسطاء والعامة من الناس أولئك الذين لم يجدوا في فهمه أي إشكال كما يجد بعض الأخوة اليوم هداهم الله. فالعقل والمنطق هو أن نقبل أحاديث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم الذي جاء بالقُرآن الكَرِيم وكان مطلوباً منه تفهيم الناس وتبيين الحقائق العملية بأسوته الحسنة والتي كُتبت ودُوّنت في وقتها، وليس نبذ ذلك كله وجعل الدين ألعوبة في أيدي الذين ولدوا البارحة يقولون ما يشاؤون كلٌّ حسب فهمه الخاص فنترك كلام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ونأخذ كلام هذا وذاك من أولاد اليوم الذين يتسرّعون كما رأيتم في موضوع هذا المقال في فهم الأحاديث ويحاولون إقناع الناس بنبذ الأحاديث التي لا يفهمونها هم أنفسهم ويطلبون منهم أخذ أقوالهم بدل أقوال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم دون أدنى عناء في فهمها والتدبّر بها لكي يصبح الدين خواء تتقاذفه آراء منكري السُنَّة حتى لا يبقى من الإسلام إلا اسمه ومن القُرآن إلا رسمه. أعاذنا الله تعالى وإياكم ! اللّهُمّ آمين

وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

About الأستاذ فراس علي عبد الواحد

View all posts by الأستاذ فراس علي عبد الواحد